من العلمانية إلى التحرّر الدّيني
تحديد المفاهيم
يمكن الانطلاق من تعريف عام للعلمانية مستخلص من تجارب الشعوب الغربية التي أفرزت تجاربها السياسية والاجتماعية تفاوتات في فهم وتطبيق العلمانية؛ لكنها انتهت إلى صياغة قواعد عامة تحدد أسس إدارة الدولة وقواعدها بما يميز بين الحياة الخاصة للأفراد وبين الحياة العامة. و"تعني العلمانية تنظيم العلاقة بين الدين ومؤسسات الدولة، حيث لا تتدخل المؤسسة الدينية في آلية اتخاذ القرار السياسي بشكل مباشر. وبموجب ذلك، يصبح الاعتقاد الديني مسألة فردية خاصة".[2] بهذا تكون العلمانية هي نظام سياسي واجتماعي يفصل بين المجال السياسي والمجال الديني، ويعتبر المجال السياسي مجالا عاما ومشتركا يخضع للتنافس والمحاسبة والمراقبة والمسئولية أمام القانون والشعب، بينما المجال الديني مجال خاص فردي يخضع للإيمان والعلاقة بالخالق. وهذا ينسجم مع تعريف معجم روبير العلمانية بأنها: "مفهوم سياسي يقتضي الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، الدولة لا تمارس أية سلطة دينية والكنائس لا تمارس أية سلطة سياسية". فالعلمانية لا تعني، كما يروج أعداؤها وخصومها، محاربة الدين أو إقصاؤه من الحياة الاجتماعية والثقافية للشعوب، وإنما إخضاع الممارسة السياسية وإدارة الشأن العام للقانون الوضعي/ المدني الذي هو موضوع التعاقد والاتفاق بعيدا عن أية سلطة تستمد شرعيتها أو قدسيتها من المقدس وتضعها خارج كل محاسبة أو معاقبة. في هذه الوضعية، تكون المنافسة بين البرامج الانتخابية وتكون السلطة للقانون والسيادة للشعب يمارسها عبر صناديق الاقتراع. إذن العلمانية هي إخضاع الشأن العام لسيادة الشعب وسلطة القانون.[3]
العلمانية لا تعني، كما يروج خصومها، محاربة الدين، وإنما إخضاع الممارسة السياسية للقانون الوضعي/ المدني الذي هو موضوع التعاقد والاتفاق
التحرر الديني
المقصود به إبعاد أية سلطة أو وصاية دينية على تفكير الأفراد ومعاملاتهم وعن الشأن العام، حيث يكون الاعتقاد الديني حرية فردية على مستوى الإيمان أو عدمه أو ممارسة الشعائر أو الامتناع عنها أو التعبير عن أفكار أو مطالب أو حقائق علمية. فلا تتدخل أية جهة باسم الدين لمنع ممارسات أو فرضها أو تحريم أنشطة مهما كان نوعها؛ فالقانون المدني المتواضع عليه هو الذي يحدد مجال الممنوع ومجال المسموح به. فلا سلطة غير سلطة القانون، ولا قانون إلا ما تضعه المؤسسة التشريعية المنتخبة من طرف الشعب. إذن فلا سلطة لرجل الدين على حرية الضمير والفكر.
هل المجتمعات المسلمة بحاجة إلى العلمانية؟
مرت المجتمعات المسلمة كغيرها من المجتمعات البشرية بتجارب سياسية متعددة كانت فيها السلطة مطلقة والحاكم يمثل إرادة الله وليس إرادة الشعب؛ أي أن الحاكم يحكم "بالحق الإلهي" ما يجعله خارج كل محاسبة أو انتقاد. وإذا كانت المجتمعات الغربية قطعت مع الدولة الدينية فحررت شعوبَها من سلطة رجال الدين كما حررت العقول والأفكار والإبداع والعلوم، وقبل هذا حررت الإنسان في كل أبعاده وجعلته يحتكم إلى العقل وحده؛ فإنها لم تتمكن (المجتمعات الغربية) من تجاوز مرحلة الحكم باسم الدين إلا بالفصل التام بين المجال السياسي الذي يهتم بالشأن العام والحريات الفردية والجماعية وبين المجال الديني الذي صار شأنا خاصا للأفراد لا تتدخل فيه سلطة الدولة. وكان من نتائج هذا الفصل تحرير طاقات الإنسان وإبداعاته وعقله، فكان التقدم العلمي والمعرفي والتقني والقيمي، وظهرت أجيال من حقوق الإنسان تبعا لتطور المجتمعات ونمو الوعي بأهميتها. وما كانت السلطة الدينية تحتكره باسم المقدس صار حقوقا طبيعيا يتمتع بها الأفراد، خاصة حق الحياة وحرية الاعتقاد؛ حيث لم تعد أية جهة تملك حق سلب الحياة لأسباب دينية أو سياسية. وهكذا صار الدين لله والوطن للجميع.
فما هو حال المجتمعات الإسلامية؟
لم تستطع هذه المجتمعات الاستفادة بما يكفي من تجارب الشعوب الغربية، بل تعتبر تلك التجارب غير قابلة لتبيئتها في البيئة الإسلامية[4]. ويعود الأصل في هذا التنافر الحضاري للعوامل التاريخية (الحروب الصليبية، الاستعمار القديم والجديد...) وقبلها حروب الفتوحات والغزوات والاقتتال الداخلي، حيث أنتجت هذه المراحل التاريخية تراثا فقهيا شكل ذهنية هذه المجتمعات، وظل متحكما فيها وفي ميولاتها وتطلعاتها. وقد غذى هذه الذهنية وقوّى تلك الميولات العنف السياسي الذي مارسته الأنظمة الحاكمة على امتداد 14 قرنا. هذه التجارب القاسية التي عاشتها الشعوب، إنما كانت بسبب استغلال الدين في شرعنة الاستبداد. وباعتبار التراث الفقهي يقدم تجربة الخلفاء في الحكم على أنها تجربة مشرقة ورائدة وأنها أشاعت العدل وأعزّت المسلمين وأذلت الأعداء، استدمجت الشعوب الإسلامية في لاوعيها أن "دولة الخلافة" هي أسمى نموذج تطمح إلى تحقيقه على أرض الواقع. وهنا تكمن المفارقة؛ فإذا كانت الشعوب الغربية حققت وعيا تاريخيا بأن الحكم باسم الدين أنتج الاستبداد، لهذا نجدها تتشبث بالدولة المدنية والقوانين الوضعية التي تخضع للتغيير والتعديل تبعا لمصلحة المجتمعات، فإن الشعوب الإسلامية لا تستطيع إنتاج مفهوم للدولة خارج تراثها الفقهي والصورة النموذجية لدولة الخلافة وعدل عمر. ومهما تحقق من تقدم علمي واقتصادي وانفتاح سياسي ظلت غالبية الشعوب المسلمة تحنّ وتتطلع إلى دولة الخلافة وتطبيق الشريعة.
الاستغلال السافر للدين يعطي الشرعية للدولة لتحديد وتنظيم العلاقة بين الفرد وخالقه
من هذا المنطلق، فالشعوب الإسلامية بحاجة ملحة إلى العلمانية لتحقيق هدفين رئيسين:
أولهما: تحرير المجال السياسي من أية سلطة توظف المقدس الديني لتكريس الاستغلال والاستبداد، بالموازاة مع تحرير الإنسان والعقل والإبداع.
ثانيهما: تحرير الوجدان والذهنية المسلمة من الفكرة الطوباوية بأن دولة الخلافة أرقى أشكال الدولة، وأن نظام الخلافة أعدل نظم الحكم على الإطلاق. هذه هي الفكرة التي حوّلها التراث الفقهي إلى عقيدة إسلامية وفريضة دينية على كل المسلمين السعي لتحقيقها وإخضاع العالم إلى نفوذها.
أ ــ بخصوص هدف تحرير الإنسان من كل السلطات الدينية التي توظفها سواء الدولة لتدجين وقهر المواطنين وتحديد مجال تفكيرهم وفعلهم، حيث تنصّب الدولة نفسها حاكمة بأمر الله، فتفرض قوانين وتشريعات على الشعوب تصادر حقوقها الفردية وحتى الجماعية. هذا الاستغلال السافر للدين يعطي الشرعية للدولة لتحديد وتنظيم العلاقة بين الفرد وخالقه. وبهذا تعطي الدولة لنفسها الحق بالاضطلاع بمهام ووظائف لم تكن من صميم الدولة المدنية ولا الهدف من وجودها. فالدولة المدنية "هي دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية"[5]؛ معنى هذا أن الدولة المدنية بقوانينها ودساتيرها، إنما وجدت وتأسست لتنظيم الحياة المشتركة بما يخدم مصالح المواطنين ويحميهم من كل استغلال أو اضطهاد أو عنف، كما أن من مسؤوليات هذه الدولة ضمان وحماية الحقوق والحريات وفي مقدمتها حرية التفكير والاعتقاد. وظيفتها هذه تفرض عليها دستوريا أن تقف على نفس المسافة من كل العقائد الدينية مع حماية ممارسة الشعائر الدينية بما لا يهدد الأمن العام أو سلامة الأفراد. والفضل في هذا الحياد المؤسساتي يعود إلى العلمانية. فالعلمانية ليست تلك النظم الفكرية والسياسية التي تقوم على مناهضة الأديان أو استهداف الشعائر الدينية أو التضييق على حريات الاعتقاد كما روجت وتروج الأنظمة السياسية العربية /الإسلامية منذ عقود، وإنما هي نظام متكامل سياسيا، قانونيا، فكريا وقيميا يرقى بالإنسان ويحرر ضميره. وما تعيشه الجاليات المسلمة في الدول الغربية وفي ظل علمانياتها من حريات الاعتقاد والتفكير لا تضمنه لهم أنظمتهم الإسلامية على مر التاريخ. فما يجمع المواطنين في الدول العلمانية الديمقراطية هو الولاء للوطن أيا كانت عقائدهم ومذاهبهم، بينما في العالم الإسلامي لم يتبلور هذا الوعي بعد لدى عموم الشعوب، فظل الولاء للدين أو للطائفة هو الجامع والمفرّق في نفس الوقت. ومهمة العلمانية في المجتمعات الإسلامية مهمة مركبة ومعقدة، وما يزيد من تعقيدها مشاعر النفور التي ترسبت في الوجدان الجمعي بسبب التشويه الذي تعرض له مفهوم العلمانية الذي يحيل، بسبب هذا التحريف، إلى الكفر ومعاداة الدين، فضلا عن تحالف أنظمة وتواطؤ أخرى مع تيار الإسلام السياسي الذي مكّنته هذه الأنظمة من اختراق المجتمعات ومؤسسات الدولة ضمن استراتيجية أسلمة الدول والمجتمعات التي انطلقت منذ منتصف القرن العشرين. ولا يحتاج المواطن العادي إلى من ينبهه إلى انخراط الأنظمة في استراتيجية أسلمة المجتمعات. وهنا يتجسد التواطؤ والتحالف بين الأنظمة والتيار الإسلامي الأمر الذي سرّع عملية الأسلمة[6] حتى صارت مظاهر هذه الأسلمة تطغى على سلوك المواطنين وتصوراتهم ومواقفهم؛ فبعد أن كانوا في أوقات سابقة أكثر انفتاحا وتسامحا، باتوا أكثر تشددا حتى ولو لم يكونوا أعضاء في التنظيمات الإسلامية. فخروج عشرات الآلاف من المواطنين في المغرب سنة 2000 ضد مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية الذي جاء ينهض بحقوق النساء ويرفع عنهن الظلم القانوني والاجتماعي، هو تعبير واضح عن درجة الأسلمة التي لا تعكسها فقط مظاهر ارتداء الحجاب أو فتح محلات بيع "الزي الإسلامي"، بل مسّت قيم التسامح والاختلاف وثقافة الانفتاح التي ميزت الشعب المغربي قبل موجة الأسلمة. لهذا صارت علمنة المجتمعات الإسلامية جد معقدة، فهي لا تقتصر على وضع تشريعات تحمي حرية الاعتقاد والتفكير، وتجعل السيادة للقانون والسلطة للشعب، بل يتوجب توعية المجتمعات بمخاطر الأسلمة على القيم والأمن ووحدة النسيج المجتمعي، وأن الأسلمة هي أساس الفتن الطائفية والمذهبية التي تعصف باستقرار مجتمعات إسلامية كثيرة. لم يعد الأمر مقتصرا على فصل المجال السياسي عن المجال الديني وضمان الحريات والحقوق، بل لا بد من مواجهة استراتيجية الأسلمة التي انخرطت فيها الأنظمة الحاكمة لحساباتها السياسوية الخاصة لإعادة بناء الإنسان في بُعد الكوني، وليس الديني أو الطائفي. عملية معقدة لكنها ضرورية وتتطلب انخراط قوى التحديث والدمقرطة بفعالية في هذه المعركة التي تواجه فيها هذه القوى تحالف الأنظمة السياسية وتيار الإسلام السياسي.
ب ــ بخصوص هدف تحرير الوجدان، يتوجب على التيار العلماني أن يستحضر البعد العقدي في ثقافة الشعوب الإسلامية؛ ذلك أن الاعتقاد الطوباوي في دولة الخلافة، وأنها الدولة المثالية التي تضمن العدل والرخاء والمساواة، يظل عائقا أمام مشروع الحداثة والديمقراطية في هذه المجتمعات. إنه مجهود مضاعف على كافة المستويات السياسية والفكرية والفقهية والثقافية. يضاف إلى عائق الاعتقاد الطوباوي هذا عائق آخر، ويتعلق بالدولة القائمة في العالم العربي/ الإسلامي "فاقدة للشرعية" بتعبير عبد الله العروي، لأنها "إرث الدولة السلطانية" لأن السلطنة كانت (دولة القهر والسطو والاستغلال. لم تكن تستوجب ولاء الفرد... كانت الدولة معزولة كلية ومرفوضة ذهنيا، حيث كان الجميع ينتظر بزوغ الخلافة أي الدولة الفضلى)[7]، إذ لا يكفي بناء دولة ديمقراطية وإقامة نظام علماني لنضمن ولاء الشعوب الإسلامية للدولة الديمقراطية المدنية، فسرعان ما ترتفع الأصوات مطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في تفاعل واستجابة لنداء الأسلمة ومنخرطة في استراتيجيتها. وفي حالة تنظيم استفتاء حر ونزيه في كل الدول العربية والإسلامية حول إقامة الدولة الإسلامية ونظام الخلافة، ستكون الغالبية مع هذا النظام الإسلامي. وبسبب تمكّن الحلم الطوباوي من الوجدان العام للشعوب الإسلامية، فإن تنظيمات الإسلام الإسلامي تستغل هذا المخزون النفسي والوجداني لاختراق المجتمع والسعي إلى أسلمة كل مناحي الحياة، بما فيها القيم والثقافة وهي الأخطر.
إن العلمانية كالديمقراطية، ليست مجرد آليات وقواعد تقنية يكفي تطبيقها حتى تصير المجتمعات ديمقراطية
ولتوضيح خطورة هذه الأسلمة على القيم والحقوق الإنسانية، نورد مثال انتشار ختان الإناث والزواج القاصرات في مصر بمجرد سقوط نظام مبارك وتولي مرسي السلطة. كانت الدولة على عهد مبارك، تعاقب المتورطين في ختان الإناث، لكن بعد سقوطه انتشرت الظاهرة. وتهافت الدعاة والشيوخ على تونس لإشاعة هذه الممارسات الهمجية بمجرد صعود حركة النهضة إلى السلطة. فالقوانين المدنية هي التي تضمن للنساء كرامتهن وتصون حقوقهن، ولا سبيل لإقرار المساواة والمناصفة في المجتمعات الإسلامية إلا بعلمنة الدول وقوانينها التي ستفرض على الفقهاء أن مراجعة التراث الفقهي وإعادة صياغة اجتهادات تكون منفتحة على قيم العصر وثقافته، كما تسمح بأنسنة الفقه. فيوم يتحرر الفقهاء والمسلمون من سلطة السلف والأموات الذين يحكمون الشعوب من قبورهم، ستكون تلك هي البداية السليمة لعلمنة الدول وأنسنة الفقه. ففي النصوص الدينية والتراث الفقهي عناصر مؤسسة للعلمانية، حيث لن يجد المسلم أي حرج في تمثل قيم ومبادئ العلمانية إلى جانب عقائده الدينية. الأمر إذن يحتاج إلى فتح باب الاجتهاد وتحديد الأهداف المتوخاة منه؛ فكثيرة هي القضايا التي كان الفقهاء يرمونها ويتشددون في تحريمها، لكن بعد سنوات معدودة تراجعوا عن التحريم لفائدة الإباحة.
إن العلمانية كالديمقراطية، ليست مجرد آليات وقواعد تقنية يكفي تطبيقها حتى تصير المجتمعات ديمقراطية. فالديمقراطية التقنية في مجتمعات ألِفت الاستبداد وتشبعت بثقافته واستبطنت نزوعاته، لا يمكنها أن تكون ديمقراطية مهما ألزمناها بقواعد الديمقراطية في التصويت والترشيح وتشكيل الأحزاب والتنافس بين البرامج. مثل هذه المجتمعات ستفرز مستبديها وتُشرعن استبدادهم باسم الديمقراطية. والتجارب التي شهدتها بلدان عربية وكذلك تركيا الأردوغانية تؤكد أن الديمقراطية كآليات دون القيم والمبادئ التي تؤسس لها لن تكون إلا ديكتاتورية مقنعة سرعان من تكشف عن وجهها الحقيقي، فيتغوّل الحاكم ويستبد بخصومه باسم إرادة الشعب. كذلك الحال بالنسبة للعلمانية التي هي قيم ومبادئ تؤسس للقوانين التي تحمي الحريات الفردية والجماعية، وتمنع هيمنة أية سلطة باسم المقدس على الشأن العام وضمائر الأفراد. هذه القيم والمبادئ تستبطنها الشعوب في وجدانها، فتجعلها تنفر من أية وصاية على الضمائر أو الحكم باسم السماء. هذه القيم والمبادئ هي التي تفتقر إليها ثقافتنا مما يجعل مجتمعاتنا أصولية في مجملها وغير متسامحة مع كثير من الممارسات التي هي من صلب العلمانية. وبسبب أصولية المجتمعات، تضع الأنظمة العربية التشريعات والقوانين التي تكرس هذه الأصولية وتناهض دعوات الانفتاح والدمقْرطة باسم الخصوصية[8]. هكذا تمانع الأنظمة تطوير قوانين الأحوال الشخصية وتغييرها بما يضمن للمرأة حقوقها ويرفع عنها الظلم الاجتماعي باسم الدين والأعراف الاجتماعية. فعلى مدى عقود ظلت كثير من المهن حكرا على جنس الذكور مما يكرس اللامساواة في المواطنة بين الذكور والإناث في وطن يقر دستوره بالمساواة. والمجتمع الذي يرفض أو يستغرب من أن تتولى المرأة نفس المهن والوظائف التي يتولاها الذكور، أو يمانع من ترشيح أقليات دينية ضمن لوائح الأحزاب في الانتخابات المحلية والتشريعية، هو ضحية ثقافة الاستبداد التي توارثها منذ قرون، ويكون من الصعب تحريره من تأثيرها السلبي فقط بوضع تشريعات تحمي حقوق الأقليات أو تضمن المساواة بين جميع المواطنين، إذ لا بد من تغيير الثقافة والقيم إلى جانب القوانين والتشريعات. إن عملية تغيير الثقافة تحتاج جهودا دؤوبة وإرادة سياسية قوية، لازالت تفتقر إليها النخب السياسية الحاكمة التي كل هدفها الحفاظ على السلطة ودغدغة الوجدان الشعبي بدل الارتقاء به. ومما زاد الوضعية تعقيدا تراجع دور النخبة المثقفة[9]، وفي نفس الوقت تواطؤ وتحالف الأنظمة الحاكمة مع التيار الأصولي على زيادة جرعات التدين في كل البرامج الدينية والإعلامية والتعليمية وحتى السياسية. الأمر الذي يغذي التيار الأصولي ويقويه داخل المجتمع والدولة معا. ويبقى الرهان على الضغوط الدولية لتغيير البرامج الدينية في الدول العربية بعدما تأكد لها أن التطرف والإرهاب هو نتيجة حتمية لاستراتيجية الأسلمة وتغلغل التيار الأصولي في المجتمعات.
المراجع:
1- سمير مطر، "العلمانية في العالم العربي بين الواقع وآمال التطبيق"، موقع شبكة فولتير، بتاريخ: 12 أيلول (سبتمبر) 2007، رابط الموقع، www.voltairenet.org.
2- سعيد الكحل، "العلمانية في الوطن العربي"، موقع الحوار المتمدن، الحوار المتمدن - العدد: 1182 - 2005 / 4 / 29، باط الموقع، www.ahewar.org.
3- عبد السلام ياسين، الشورى والديمقراطية، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط. 1، 1996
4- أحمد زايد، "ماذا تعني الدولة المدنية؟"، جريدة الشروق الجديد، تاريخ النشر: 26 فبراير 2011
6- عبد الله العروي، مفهوم الدولة، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1983
7- "مفهوم الدولة"، مقال منشور بالموسوعة السياسية، political-encyclopedia.org/dictionary/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9
8- زياد الوهر، "الدور السياسي للمثقف العربي"، جريدة الرأي ميديا، الكويت، عدد بتاريخ: 13 ديسمبر 2015، رابط المقال على الإنترنيت:
www.alraimedia.com/Home/Details?Id=59da7268-36b9-412a-858c-efc78d277d79
[1]- نشر هذا المقال في مجلة ذوات الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، عدد 49
[2]- سمير مطر، "العلمانية في العالم العربي بين الواقع وآمال التطبيق"، موقع شبكة فولتير، بتاريخ: 12 أيلول (سبتمبر) 2007، رابط الموقع: www.voltairenet.org.
[3]- سعيد الكحل، "العلمانية في الوطن العربي"، موقع الحوار المتمدن، الحوار المتمدن-العدد: 1182 - 2005 / 4 / 29، رابط المقال: www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=36350
[4]- عبد السلام ياسين، الشورى والديمقراطية، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط. 1، 1996
[5]- أحمد زايد، "ماذا تعني الدولة المدنية؟"، جريدة الشروق الجديد، تاريخ النشر: 26 فبراير 2011
[6]- إن أسلمة المجتمعات هي استراتيجية تنهجها الحركات الإسلامية ومن أهدافها. ويمكن الاطلاع على ميثاق حركة التوحيد والإصلاح المغربية.
[7]- عبد الله العروي، مفهوم الدولة، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1983 ص 158
[8]- "مفهوم الدولة"، مقال منشور بالموسوعة السياسية: political-encyclopedia.org/dictionary/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9
[9]- زياد الوهر، "الدور السياسي للمثقف العربي"، جريدة الرأي ميديا، الكويت، عدد بتاريخ: 13 ديسمبر 2015، رابط المقال على الإنترنيت: www.alraimedia.com/Home/Details?Id=59da7268-36b9-412a-858c-efc78d277d79