عودة ليفربول المتكررة من بعيد: تخطيط محكم أم حظ وافر؟

أحمدحسام

 

هل نستطيع تغيير الحياة؟ هل نستطيع تغيير ما يؤول إليه مصيرنا؟ وهل بإمكاننا أن نصرخ في وجه الحياة قائلين: «لا، لن تضعي حداً لنا»؟ هل كان ألبيرت كامو محقاً عندما وصف الحياة بالعبثية؟

قبل كل شيء اعذرني على تلك المقدمة السخيفة السابقة لأنك بالتأكيد نسيت ما نحاول التكلم عنه هنا أصلاً، نعم بالفعل نحن هنا لمناقشة ظاهرة قلب المائدة المتكررة التي يقوم بها ليفربول أمام خصومه في الآونة الأخيرة، لا تقلق فأنا لم أنسَ لماذا نحن هنا مثلما فعلت أنت.

فقط أريد أن نُسقط تلك الأسئلة على حالة ليفربول مؤخراً ونجيب عنها. فهل صار ليفربول قادراً على تغيير مصيره برغبته حقاً؟ وهل رفض كلوب السقف الذي وضعته له الحياة وفقاً لإمكانياته؟ وهل ما يفعله ليفربول بالعودة بالنتيجة مرات عديدة يتم وفق نمط مُتوقع أم أنه دليل من وسط أدلة عديدة على عبثية الحياة كما قال كامو؟

بالطبع يستطيعون

أثناء رحلة بحثي حول أسباب تلك الظاهرة على موقع «Quora»، وقع أمامي سؤال قبيل مباراة العودة لليفربول في الدور نصف النهائي من دوري أبطال أوروبا. عنوان السؤال يقول: «هل يستطيع ليفربول في دياره القيام بعودة أمام برشلونة في مباراة الإياب من نصف نهائي الشامبيونزليج؟».

فوجدت جملة «بالطبع يستطيعون» هي رأس إجابة تعود لشخص يدعى «تومي مكفارلان»، الذي وصف نفسه بأنه مشجع لكل من إيفرتون الإنجليزي وبرشلونة الإسباني. قال تومي إن في العام السابق أُقصيت برشلونة على يد فريق روما الإيطالي بعد عودة رائعة قام بها الأخير، بالرغم من كونه أقل بكثير في الإمكانيات من البرسا.

ولأن ليفربول نادٍ له فريق أقوى بكثير من نسخة روما تلك، فإمكانية العودة ما زالت في أيديهم، الموضوع ليس بمستحيل على الفريق الإنجليزي. حسناً، يبدو الآن أن رصيد النادي وتاريخه له دور هام في إيمان الجمهور واللاعبين بإمكانية العودة تحت أي ظروف.

الأمور بالتأكيد لا تسير في تلك الطرق الإعجازية دائماً؛ لأن ما حدث ليلة السابع من مايو/آيار تلك على ملعب الأنفيلد كان شيئاً كلوب يبنيه منذ أن وطئت أقدمه إلى إنجلترا.

لأننا لا نترك شيئاً للصدفة

بالعودة إلى ديسمبر/كانون الأول عام 2015، أي بعد تولي الألماني لمسؤولية الفريق بشهرين فقط، كان هناك معاناة ما يعانيها ليفربول أمام ويست بروميتش ببطولة الدوري على ملعب الأنفيلد، تلك المعاناة كادت أن تكلف الفريق الثلاث النقاط كاملة قبل أن يتدخل ديفوك أوريجي لتسجيل هدف التعادل قبل ثوانٍ من نهاية المباراة، ليجعلها تنتهي بتعادل إيجابي بنتيجة 2-2.

بعيداً عن كل السلبيات التي عانى منها الفريق في تلك الليلة، وبعيداً عن أن ليفربول ذلك الفريق الكبير يتعادل بشق الأنفس أمام فريق أنهى موسمه وهو يفصل بينه وبين مراكز الهبوط ست نقاط فقط، قرر يورجن كلوب أن يجمع لاعبيه كلهم ويذهبوا لتقديم التحية لجماهير مدرج الكوب بسبب تشجيعهم الذي لم يتوقف لحظة طوال فترة معاناة الفريق تلك.

تلك البادرة التي قام بها الألماني في تلك الليلة، كانت بمثابة حجر الأساس لجسر ما لم يكن متواجداً داخل الفريق منذ فترة بعيدة جداً، جسر من الثقة المتبادلة بين الفريق وجمهوره، خصوصاً بعد اهتزازها طوال تلك الفترة التي سبقت مجيء يورجن إلى النادي.

من ينسى مباراة وداعية أسطورة الفريق ستيفين جيرارد التي هزم فيها الفريق بستة أهداف أمام ستوك سيتي؟ أو الزحلقة الشهيرة التي أضاعت الدوري على الفريق في الأمتار الأخيرة، أو طوال تلك الخمسة الأعوام التي تلت رحيل بينيتيز عن الفريق والتي نسي خلالها الفريق كيف تلعب كرة القدم! صحيح أن جمهور النادي خلفه حتى النهاية، لكن لم يكن من المفهوم إلى أين سيذهب النادي أصلاً!

جري الوحوش

ولا تقلق لأنه بالتأكيد لم يصل ليفربول إلى ما هو عليه الآن بتحيات اللاعبين المستمرة لجماهيرهم، فهناك عمل كبير قام به يورجن كلوب جعل الجميع يصنفه الآن على أنه واحد من نخبة المدربين في العالم.

فحسب رأي «سيب ستافورد بلور» محرر «four four two» فإن النهج التكتيكي الذي خلقه الألماني للفريق أصبح بمثابة البصمة التي تميز ليفربول عن غيره من الفرق، والذي يتمثل في الضغط على الخصم بشكل مستمر ومتلاحق في جميع أركان الملعب.

يقول بلور إن تلك البصمة ولدت ما يُسمى بعقلية الوحوش التي ساهمت في ذلك التحول الضخم في الإيمان بالمكسب في أي وقت وكذلك كافة المشاعر الإيجابية التي وصلت إلى جماهير ولاعبي ليفربول.

عوامل لا تتغير

أمتلك أفضل 4 مدافعين في العالم؛ لذا ليس لدي مشكلة في دخول الموسم بدون فان دايك.

تصريح يورجن كلوب عام 2017

يأتي الدور الآن على أكثر ما يميز يورجن كلوب عن غيره من المدربين، وهو طريقة تعامله النفسية مع لاعبيه، هل يستطيع أحد منا نسيان ذلك التصريح الغريب الذي أصدره عندما فشل في الحصول على توقيع فيرجيل فان دايك في صيف عام 2017؟

أنت تدرك بالطبع أن هؤلاء المدافعين حينها كانوا عكس ذلك تماماً، والمفاجأة أنهم بعد مرور ثلاثة أعوام على ذلك التصريح ما زالوا عكس ذلك الوصف تماماً. كلوب نفسه يدرك ذلك، وإذا كان لم يكن يدرك ذلك حينها، ربما سيل الأهداف الذي استقبله الفريق حينها جعله يدرك حقيقة المأساة.

لكن أكثر ما ميزه حينها أنه تعامل مع الأمر كما لو أنه حقيقي، لم يشتكِ بالمؤتمرات الصحفية مثلاً أن أحد لاعبيه دون مستوى الفريق، أو أن إدارة النادي فشلت في تحقيق طلباته.

حتى جاء فيرجيل فان دايك في شتاء 2018 وتغيرت معالم كل شيء بالفريق تقريباً، فأصبح من يلعب بجواره يتلقى إشادة كبيرة من الجمهور نظراً لأنه قدم أداءً ممتازاً بالفعل لم يستطع تقديمه من قبل.

لم يكن الأمر يتعلق بقدرات اللاعبين الفنية، كان يتعلق أكثر حولهم كبشر وحول كل شيء تغلبوا عليه في الحياة، الشيء الوحيد الذي أضفته هو: «إذا فشلنا، إذن فلنخفق بأجمل طريقة ممكنة». بالطبع، من السهل لي أن أقول ذلك، فأنا مجرد رجل يصرخ من على خط التماس، لكن بسبب هؤلاء الأولاد وبسبب 54000 شخص تواجدوا في تلك الليلة بمدرجات الأنفيلد، فعلنا المستحيل.

يورجن كلوب

ولكل ذلك يمكننا الإجابة الآن، هل باستطاعتنا تغيير حياتنا وما يؤول إليه مصيرنا؟ ليفربول يقول: «نعم». هل بإمكاننا أن نصرخ في وجه الحياة قائلين : «لا، لن تضعي حداً لنا اليوم»؟ كلوب يقول: «نعم». وهل كان ألبيرت كامو محقاً عندما وصف الحياة بالعبثية؟ حسناً، ربما لولا عبثية الحياة لما حدث كل ذلك، ولما كنت كتبت تلك المقدمة التي حيرتك في البداية، ولم تكن لتقرأ مقالاً أنت تعرف مسبقاً ما الذي ستقرؤه به. 

المصدر: https://www.ida2at.com/liverpool-repeated-return-afar-tight-planning-good-luck/

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك