العلمانية الفاصلة والعلمانية الأخرى
العلمانية الفاصلة والعلمانية الأخرى
محسن الخوني*
مراوحة بين الكلمة والمفهوم
يبدو من نافل القول أن نعود اليوم إلى مسائل دخول لفظ العلمانية إلى لغتنا واستعماله في سائر المجالات النقدية والثقافية والتاريخية والدينية والسياسية والحضارية لأنه موضوع قد أسال كثيرا من الحبر، إلاّ أن ما يجدر الانتباه إليه يتعلق باستعمال اللّفظ، فسواء نطقناه بكسر العين للدّلالة على أن العلم هو عماد المشروع العلماني أو بفتحها للتشديد على أن الرّؤية مع العلمانية تتحوّل من الآخرة إلى الدنيا أو من ما وراء العالم إلى العالم فإن التعبير عن ذلك يتمّ أيضا بكلمة اللاّئكية أوالدنيوية(1). وما تعدّد الألفاظ في اللغة العربية إلاّ نتاج لتأثير اللّغات التي نصدر منها لمّا نحاول ترجمة اللفظ إلى لغتنا العربية، فاللفظ دخيل على اللغة الفرنسية. إنه من أصل يوناني وقد ظهرت صفة لائيكي (Laïc) منذ القرن التاسع عشر قبل إسم لائكية (Laïcité)(2) واستطاع من ثمّة أن يغزو كلّ اللغات بما فيها العربية والتركية والإنجليزية (هذه اللغة المهيمنة اليوم عالميا) وكذلك لفظ(3)(Séculier) المستمد من اللاّتينية ويركّز عليه المؤكّدون على زمنية العالم وعلى البعد الدنيوي لحياة البشر والمرتبط بعقيدة الخطيئة وأطلق هذا اللفظ تاريخيا على فعل نقل أملاك الكنيسة إلى الميدان العمومي وكذلك الوظائف والمؤسسات وهذا هو المعنى الذي يؤكّد عليه النّاطقون للفظ العلمانية بفتح العين. فكلمة (sécularisation) في الفرنسية و (secularization) في الإنجليزي و (Säkularisation) في الألمانية تعني المسار الذي انطلق منذ عصر النهضة الأوروبية واتسم بانتزاع مجالات وأنشطة من الحياة البشرية كانت ضمن الدائرة الدينية وفصل مرجعيتها إلى المقدّس أو المتعالي مثل الفن والإيثيقا والسياسة والتاريخ وربطها بالمحايثة.
أمّا المفهوم فهو يتعلق بدائرة الفلسفة السياسية والأخلاقية، ورغم محاولات البحث عن أصله داخل الفلسفة الغربية في العصر القديم الإغريقي والروماني فإن ظهوره في العصر الحديث هو محطّ الانتباه في هذه المحاولة(4) فالعلمانية ظاهرة حديثة وينبني مفهومها على المسلّمة الفلسفية القائلة بأنّ الإنسان كائن حـرّ وعاقل وأنه قادر على تنظيم حياته باستعمال عقله(5)، ومن ثمة يصبح التفكير في قانون المدينة ونظامها ممكنا دون الرجوع إلى أساس دينيّ.
مشكل السياق أو نحن والعلمانية
تقوم هذه الفقرة على جملة من الملاحظات المنهجية التي تهمّ سير البحث في هذه المقاربة. تمثّل العلمانية في واقعنا مسألة خلافية بامتياز ومن ثمّة فإن المشكل الأساسي لا يتمثل في التحديد الدّقيق لمفهومها الفلسفي أو العلمي بل في المواقف التي تتخذ منها. وغالبا ما يكون التركيز على غموض المفهوم مثلا أو على تعدّد تعريفاته تعلّة للإجهاز على المسألة وإفراغها من كل قيمة لذلك ارتأينا عدم التصدّي للتعريف من الوهلة الأولى وتناول مسألة السياقات والعوامل الخارجية عن المفهوم والنظرية بالمعنى الضيق للكلمة. وتمثل هذه العملية شيئا شبيها بإخراج ترسّبات ضَـعُف الوعي بها أو تشوّه إلى سطح وعينا بعملية تفكّرية تسلّط بعضا من الأضواء على أزمة وعينا من الداخل وأزمة الوعي هي جزء من الأزمة العامة التي لا ينكر أحد أننا واقعون تحت وطأتها. والوعي بالأزمة هو الخطوة الأولى في طريق سلامة الحلّ العملي. إذن لا بدّ من العمل على إعادة بناء المفهوم من وجهة نظر هِيَ لَنَا وتعبّر عن واقعنا دون وهم أو تشويه. ويفضي مثل هذا التمثل إلى مفهوم العلمانية الأخرى أو على الأصحّ علمانية الآخر الذي اتجهت القوى الفاعلة في حركة التحديث أن يَبقَى على الهامش.
إنّ السياق التاريخي (مثلما تدلّ على ذلك المذاهب التاريخوية وكذلك فلسفات اللغة) عنصر أساسي في تكون الفكر والقيم والمعايير ومن ثمّة فإن إيلاءَهُ أَهَمِّيَّةً في تفسير التصورات والنصوص ضرورة مُلِحَّةٌ، وينطلق هذا التوجّه المنهجي من مسلَّمَةِ أنّ فَهْمَ الأفكار والنظريات يكون أفضل عندما نعطي للسياق نفس الأهمية التي للنص. وتطبيق هذه الملاحظة المنهجية على موضوع بحثنا يجعل تركيزنا ينصبّ في المقام الأول على التساؤل عن الشروط والظروف التي أحاطت بنشأة العلمانية في الفكر والواقع الغربيين لأن ذلك هو مفتاح فهم نشأتها لدينا. ولعمرنا إن هذا التمشّي أفضل من الانطلاق (وفق ما جرت به العادة) من التساؤل عن ماهية العلمانية. فالعلمانية من منطلقنا هذا تكون في منشئها التاريخي ظاهرة غربية حديثة.
وبالإضافة إلى ذلك يربط كلُّ نص علاقةً بين باثٍّ (كاتبٍ أو جمهورٍ كُتَّابٍ) ومتقبٍّل (قارئٍ أو جمهورِ قُرَّاءٍ) وتكون الأحكام والتصورات التي ينطلق منها كل من الباث والمتقبّل مسبوقة بنوايا تتّخذ في شكل أحكام وتصورات قد تكون خاصة (ذاتية) أو مشتركة (بينذاتية) وقد تكون مقصودة أو غير مقصودة فإن تسليط الأضواء على هذه الجوانب الذاتية والبينذاتية من الفهم (أي الأحكام الأوّلية) يسهم في تنسيب المعنى المقصود وفي الحدّ من سلبية العامل الخلافي، هذا ما حمله لنا المنهج التَأويلي مع هانز غادمار فالمسألة تتمثل في إنشاء الغربيين للمفهوم ووجود أنفسنا في مقام المتقبّلين له، لذلك فكما أن النشأة لا تُفْهَمُ بمنأى عن السياق الأوروبي فإن فهمَنَا لها يَشْتَرِطُ أيضا إقحامَ سياقنا الخاص عنصرا في عمليتي الفهم والفعل، ولكن قبل الشروع في ربط المفهوم بسياقاته لنلمّح إلى أحد عوائق الفهم (فهمنا نحن أي الآخر بالنسبة للغرب) للعلمانية والتي يمكن معاينتها في نفوسنا.
لئن أصبحت العلمانية في الغرب واقعًا قائمًا لا يُتَساءل عن قبوله أو رفضه أو عن كيفية استيعابها وتوفير آليات تنفيذها ومراجعتها وتطويرها ومراقبتها فإن الأمر لدينا مختلف. إذ وباختزال شديد (قد يسيء إلى دقّـة البحث) يتقاسم الجزء الأكبر من ساحتنا الثقافية تياران متصادمان الأول منخرط في الدفاع عن العلمانية ويعتبرها الغاية التي ترمي إليها أحداث التاريخ منذ الحداثة فهي ليست بالظاهرة الخاصة بالغرب فحسب بل هي كونية وقد ظهر هذا التيار منذ فجر النهضة العربية(6) من قبل العروبيين القوميين واليساريين الاشتراكيين ولا يزال موجودا إلى حدّ الآن في كتابات جديدة وجمعيات ومنتديات مدافعة عن العلمانية وكذلك في سياسات بعض الأنظمة. أمّا التيار الثاني فيبدو الأكثر عددا في هذه الأيام ويتصف بمعاداته للعلمانية ويعدّها، في أسوء الأحوال، بمثابة المؤامرة التي تتهدّد البلاد والعباد أو في أفضل الأحوال بمثابة المشروع الدّخيل والغريب عنا لأنه غربي صرف ولذلك فهو يرى الحل في ضرب من التراجع إلى أصول نقية وأبدية ويتجاهل أمر نشأة العلمانية في دولنا الحديثة التي تكوّنت إثر موجات الوطني من الاستعمار(7). هذا التراجع يكون نحو أصول ما قبل حداثية وغير علمانية وغير غربية أي يوتوبيّة. وبين هؤلاء وأولئك موقف توسطي إصلاحي لا يتّسم بالنّفي المطلق للعلمانية ولا بالتسليم التام بها في نسختها الغربية ويكاد صوته لا يسمع بفعل الضجة التي يحدثها التياران الآخران بل غالبا ما يتّهم من جهة بعمالته للغرب ومن جهة أخرى بمساندته للعلمانيين.
وإذا ما استثنينا هذا الشق التوسطي فإن مضمون العلمانية يحدّده مسبقا الموقف المتخذ منها سواء كان الدعوة إليها وتعليق الأمل عليها في الخروج من الأزمة وأمل في تحقيق غد أفضل أو التنفير منها واعتبارها سبب تخلفنا ووقوعنا في تبعية مقيتة للغرب. إن البقاء في هذا المستوى من التعامل مع المسألة يشوش الفهم ويبقينا في دائرة الانفعال إذ يحوّل الاهتمام من المضامين والآليات إلى معرفة الموقف من العلمانية ويتمّ اتخاذ حجّة غموض المفهوم تعلّة لتوجيه الأنظار بعيدا عن ضرورة القيام بدراسات ميدانية وبحوث علمية. إذن يتمّ القفز فوق المشاكل التي يطرحها البحث والتي تبيّن أن المفهوم بعيد عن أن يكون عند تكونه وتطوره واضحا وبديهيا وعن كونه يحرز على الإجماع (وهو المعيار الإجرائي للحقائق التوافقية المتعلقة بميادين الفعل الإرادي للجماعات البشرية) والكونية (وهي معيار عقلي برهاني مرجعه انسجام قواعد العقل ومبادئه مع النتائج المتوصل إليها). وهكذا فالموقف الذي لا ينطلق من تفكّر في مسلماته القبلية وأحكامه المسبقة يبقى سطحيا وغير واع بباطنه وتبقى نقاوته أو كونيته مجرّد ادّعاء وهذا القول ينطبق علينا كما ينطبق على غيرنا.
هذه الملاحظات المنهجية تساعد على تكوين وعي تعدّدي بالعلمانية يحرّرنا من مخاطر التعميم المطلق والتنسيب الرّيبي في مسألة العلمانية.
العلمانية ليست كلاّ واضحا
كل اعتبار للعلمانية مفهوما واحدا هو تبسيط خطير لأنه يؤدّي إلى تعتيم من قبيل إيديولوجي (يقسم العالم إلى أخيار وأشرار) أو ديماغوجي (يقوم على غسيل الأدمغة وتنميطها حزبيا) فالعلمانية هي في الواقع علمانيات لأنّ تغير السياقات التاريخية والذوات الاجتماعية، مثلما أشرنا إلى ذلك سابقا، يؤثّر على المفهوم فميدان تحرّكنا هو الإنسانيات لا الطبيعيات. والبحث الجدّي في المفهوم لو حدث (لأن هذا الأمر ليس بديهيا في عصرنا هذا الذي يتكاثر فيه متكلّمو العلمانية وسوفسطائيوها الذين يقدّ كلّ منهم مفهوما لها على هواه يسهّل عليه دحضها إن كان من أعدائها أو الدفاع عنها إن كان من دعاتها) لن يجعلنا ندّعي أنّ مشكل الاختلاف يتعلق فقط بالعنصر المعرفي والنظري (التعريف) أو النفسي (العوائق والمقايضة) فكل بحث عن مفهوم للعلمانية يكون قاصرا إن لم يتناولها كجزء معقّد من كلّ هو بدوره معقّد. ومن بين التصنيفات الشائعة والتي تقرّ بالتعقيد نذكر التمييز بين العلمانية الفاصلة للدين عن السياسة والعلمانية غير الفاصلة وبين العلمانية الراديكالية أو الشاملة والعلمانية الجزئية. غير أننا لمّا نحذر من مغبّة الوقوع في نمط الكتابة الدّعائية والتحريضية التي تهدف قبل كلّ شيء إلى إرضاء الذات (ذات الكاتب أو جمهور معيّن من القراء) فإننا نبتعد عن روح البحث وذلك عن طريق تبسيط الموضوع المدروس كأن نعتبر الغرب واحد والعلمانية واحدة أو اثنتان والمقاصد واحدة وبيّنة. والواقع أنّ العلمانية معقّدة من جانبين اثنين:
أ- لا ينفي المفهوم العام وجود عدم التجانس بين أنماط من العلمانية لمّا نولي اهتماما لاختلاف التجارب غربا وشرقا أي للخصوصيات الجيوسياسية وإلى مختلف المقاربات وفق الاختصاصات العلمية المتعدّدة وإلى الاختلاف بين المبادئ وتطبيقها على الواقع من حيث وجوده أو عدمه ودرجة ذلك، إذ على الباحث أن يقحم في اعتباره مثلا التجربة الإنجليزية وحركة الإصلاح الدينية والتجربة الأمريكية إثر حركة الاستقلال التجربة الفرنسية وما اتسمت به من راديكالية ارتبطت بالمشروع الجمهوري الذي تحقّق بعد الثورة ثمّ ظهور الحركات والفلسفات الاشتراكية منذ القرن التاسع عشر مع التوسع الأوروبي الاستعماري مع ما صاحبه من محاولات إصلاحية ثم نشأة الأنظمة الاشتراكية في القرن العشرين وموجات التحرّر الوطني وقيام أنظمة حكم اقتبست الشكل الجديد من الدولة الأمة الأمّة الليبرالية وطعمتها بتجربة الدولة الاشتراكية ذات المنحى الشمولي.
ب- لذلك لابدّ من النظر إلى العلمانية جزءا معقّدا داخل كلّ هو بدوره معقّد فلا يمكن التسليم بالعلمانية كمفهوم (قد يبدو مستقلاّ) أو كواقع (قد يبدو قائما بذاته) بما تقوله عن نفسها (أو يقوله أنصارها عنها) بوصفها مذهبا أو رؤية للعالم، فقد ارتبطت لدى مؤسسيها بمسار حداثوي متعدد الجوانب لا يمثل فيه الموقف من الدين سوى واحد من بين مظاهر متعدّدة تتداخل فيها مسائل الإصلاح والحركات الدينية والتعددية العقائدية، ومسارات التنوير والثورة العلمية الحديثة التي بدأت بعلوم الطبيعة وانتهت إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية، ومنشأ القيم الفردية والشخصية وتصورات الحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان والنظام الجمهوري والتعليم والديمقراطية والملكية والعمل وتوزيع الإنتاج.
إن تعقد المسألة يفرض على كل بحث أن ينسّب أحكامه ويحدّد منهجه ويكشف عن مسلماته ليفسح مجالا للنقد واستئناف التفكير وإن لم يحصل ذلك فإن الحديث ينحو إلى اللغو.
العلمانية والحداثة الحقوقية
تتمثّل الفرضية التي أودّ طرحها والاستدلال عليها في أن أهم مداخل فهم العلمانية يكون في ربطها بالحداثة الحقوقية الأوروبية ولا يعني ذلك أن المقاربات الأخرى التي تركز على (أو تكتفي بـ) ربطها بالثقافة أو الحضارة أو الدين أو الميتافيزيقا لا تكوّن معرفة عن هذه المسألة وإنما المعنى الذي يتكوّن من خلال ذلك كثيرا ما يغلب عليه (أو يكون مدخلا لغلبة) الطابع الإيديولوجي - الخلافي تحريضيا كان أو تنفيريا. كما يعني ذلك أنّ المحاولات التي تريد فكّ مسألة العلمانية عن إطارها التاريخي فتعتبرها قديمة قدم التاريخ أو تعتبر الردود عليها قد ظهرت قبلها أو تعتبرها القدر الذي يتجه التاريخ نحوه أو تعتبرها مفهوما متعاليا بذاته لا تكتسي صيرورته فضلا عن نشأته وسياقها أمرا جوهريا في فهمه، كل هذه المحاولات تنطلق من منهج يجانب الموضوعية سواء كان يحدوه الدّفاع عن العلمانية والنضال في سبيل تحققها أو العمل على إبطالها وقطع الطريق إليها.
إنّ أساس الحداثة الحقوقية هو قيام الدولة - الأمة ومن ثمة تنشأ العلمانية كوضع حقوقي يتعلق بالسياسة الداخلية للدولة.
ما المقصود بالحداثة الحقوقية؟
لا تتعلق الحداثة الحقوقية الأوروبية بنشأة مفاهيم ونظريات جديدة فقط وإنما أيضا بنشأة الدّولة - الأمة بوصفها نظاما سياسيا جديدا من جهة اختلافه عن النظام الذي ساد طيلة القرون الوسطى. فقد نشأت الدولة الأوروبية الحديثة، كما يبيّن ذلك كارل شميت(8) نظامًا ترابيًا غير قابل للاختراق، ووضعت -من جهة أنّها كذلك- حدّا للجمهورية المسيحية (Respublica christianna) الوسيطة التوسعية والقائمة على التّبشير والتي لا تعترف بأيّ حدّ ترابي لسلطتها غير حدود الأرض كلها وهذا هو الدافع الذي كان خلف الحروب الأهلية أوّلا ثمّ اكتشاف العالم الجديد ثانيا(9)، فالدولة الترابية الحديثة نظام مغلق على نفسه ومتخلّص من مشكل الحرب الأهليّة التي ظهرت في الفتن الدينية التي عاشتها الكيانات السياسية السابقة. وكانت تغذّيها الكنائس والمذاهب وعلى هذا الأساس فإنّ المواطن في الدّولة الحديثة كفّ عن تلقي الأوامر من خارج دولته مفوّضا أمره إلى صاحب السيادة في الداخل وفق شروط ينص عليها عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم وهكذا -لو استعملنا عبارات هاردت ونيغري- يتمّ الانتقال من علاقة تسام قدسية تستمدّ فيها السيادة مشروعيتها من حق إلهي مسلّط على الرعايا المؤمنين إلى كمون سلطة يستمدّها الحاكم من البشر الذين يعلنون بذلك أنفسهم أسيادا لحياتهم منتجين للمدن وصانعين للتاريخ(10).
صحيح أن نظرية العقد الاجتماعي لم تنشأ منذ البداية في أفق ديمقراطي بل تزامنت مع تطوّر الدولة السيادية الحديثة بإدارة مركزية ذات طابع ملكي بدأ ماكيافلي في التنظير له قبل هوبس الذي اعتبر صاحب السيادة إلها مائتا تحت الإله الذي لا يموت وهو نوع من التسامي غير المقدّس لأنه مستمدّ من قوانين وضعية تستند على الحقوق الطبيعية. ولئن كان تنظير هوبس يصبّ في اتجاه استبداد نيّر فقد تنامى اعتقاد آخر تحت تأثير فلسفات أخرى لا تنطلق من مسلّمة الطبيعة الشريرة للإنسان (من سبينوزا إلى روسو) وتأثّر الثورات الاجتماعية والسياسية الحديثة في أوروبا وأميركا إلى أن التعبير السليم عن السيادة الشعبية يتم في إطار التعددية الديمقراطية، ومن ثمّة يصبح الأفراد هم الصانعون للحق وهم المعنيون به، فالحقوق العامة والشخصية والسياسية والاقتصادية يسنّها الأفراد بطرق إجرائية وتداولية ووظيفتها تحقيق التوافق بين مختلف فئات المجتمع المدني الليبرالي الحديث بأفراده وطبقاته والقائم على الاختلاف إلى حدّ التصادم حول مسائل الثروة والنفوذ.
وإذا ما انتبهنا إلى ما كتبه هابرماس في الفترة الأخيرة فإننا نجده يبني تصوره للحداثة الحقوقية في ارتباط نقدي بفلسفة الحق الكانطية. ونقطة ارتكز الحداثة في هذا التصور هي مبدأ التشريع الذاتي (L’autolégislation) وهو يعني لدى كانط الحرية الحقوقية في عدم الخضوع إلى قانون آخر غير ذلك الذي وافق عليه المواطن. ومن الواضح أن هذا المبدأ يرتبط لدى كانط بفلسفته الأخلاقية التي تقوم على مسلمة مفادها أن المرء قادر على تمثّـل الواجبات بنفسه وانطلاقا من عقله المجرّد، ويمثل هذا قطعا مع المذهب الكنسي الذي يتصور الواجبات والإلزامات الأخلاقية قائمة على المعتقد الديني. هذا على صعيد الأخلاق أما على صعيد الحقوق فإن كانط يستمدّ فكرته من جون جاك روسو الذي جعل الإرادة الشعبية مبدأ للشرعية السياسية التي تتجسد بفضل الاقتراع العام. وبيّن أيضا أن هذا المبدأ يرتبط لدى المحدثين بأفق السيادة الشعبية. ويرمي مفهوم السيادة هذا إلى الانفصال عن التصور الوسيط للمصدر الديني للسيادة حيث تستمدّ شرعيّتها من الكنيسة أو على الأصح من طبقة الإكليروس أي من فئة قليلة من الناس تمثل مركزا لتجميع الرحمة وتوزيعها على الرعايا المؤمنين(11). وعلى هذا الأساس فإن كل نقد للدولة - الأمة (بوصفها بؤرة العلمانية الحديثة) لمّا يجهل أو يتجاهل هذا المعطى القانوني الجديد فإنه ينزلق في قراءات واستنتاجات خطيرة وذلك من قبيل أنّ الحداثة الغربية هي إمعان في الضلالة والزيغ وأن تمسك الشعوب الأخرى بديانتها لهو دليل على قوّة هذا الدين ولم لا صحّته. إن هكذا قراءة غير جدية ولا يعتدّ بها.
الدولة - الأمة نواة قانون الأمم الحديث
لقد كانت مفاهيم القانون الدولي الحديث متمحورة في الدولة السيادية الترابية والتي تكوّنت خلال القرن السادس عشر وشرعت في وضع حدّ للدور السياسي للكنيسة لتتهيّأ بذلك ظروف نشأة الدّولة العلمانية. ومع نشأة الدولة الحديثة تغير مفهوم الأمة لتصبح مع سياس (Sieyès) والثورة الفرنسية (مصدر السيادة الرسمية. فكلّ أمّة يجب أن تمتلك حقّ تقرير المصير السياسي. وهكذا حلت الجماعة الإدارية الديمقراطية محلّ السياق الإثني)(12).
لقد وضعت الدولة الترابيّة الأوروبية حدّا للحروب الأهليّة والدينيّة أي الفتن الداخلية إذ الغاية من نشأة الدولة كما نجد ذلك في نصوص الفلسفة السياسية الحديثة هي تحقيق السلم الاجتماعي أو الأمن ولكن تحقق السلم في الداخل لا يعني ضرورة غياب كل حرب، فالعصر الحديث لم يشهد انتهاء الحرب بين الأوروبيين وإنّما شهد تأسسها في الدولة. وفي هذا الإطار نفهم تعريف روسو (خلال القرن الثامن عشر) للحرب بأنها علاقة عداء بين دولتين وليس بين أفراد.
وقد ساهمت حركة الإصلاح الأوروبية في نشأة قانون الأمم الحديث إذ أفضت إلى استبعاد اللاّهوتيين من النقاش العملي حول مسائل هذا القانون والحرب هي أهمها على الإطلاق(13). ومنذ القرن السادس عشر أصبح البحث داخل أوروبا في قانون الأمم من صلوحيات رجال قانون في خدمة الحكومة ذلك بعد أن كانت مهمّة لاهوتيين في خدمة الكنيسة(14). ويؤكد كارل شميت(15) (ص127) أن قانون الأمم الخاص بأوروبا أصبح في نواته منذ القرن 16 قانونا بين دول تمثل سيادات. فطابع الدولة تاريخي وعيني ونسبي. ومن أهمّ إجراءات هذا الكيان الجديد المسمى دولة إقصاء الإمبراطورية المقدسة وهيمنتها الامبريالية للقرون الوسطى. كما أقصت الدولة الحديثة أيضا الدفع الروحي (potestas spiritualis) للبابا بشأن حق الأمم ونجد هذا الدفع مثلا في الحروب الصليبية وفي الحملات الاستكشافية الموجّهة إلى العالم الجديد والخطوات الأولى لوضع اليد عليه. وعملت الدولة الحديثة على جعل الكنائس المسيحية وسيلة بيد بوليسها وسياستها الدّولية (جون لوك رسالتان في الحكم). وتحول الملك من مفوض لحمل التاج إلى قائد دولة سيادية حديثة. وبهذا تكون الدولة الحديثة هي التي أخرجت أوروبا من فضاء الجمهورية المسيحية للعصر الوسيط ودفعتها إلى نظام فضائي ذي بنية مختلفة جدّا عن سابقتها(16). وهذا النظام كان السبب الجوهري في تغيير نظم العقل وأطره التي من بينها البحوث القانونية والسياسية. وتظهر العلمانية الفاصلة لسلطة الأكليروس عن سلطة الدّولة في التشريع الذي لم يعد يستمد مشروعيته من مطابقته للقواعد الدينية واتجه القضاء في طريق مبدإ الكفّ عن محاكمة المواطنين وفق قناعاتهم الدّينية وأصبحت ممارسة السلطة التنفيذية غير مشروطة بالالتزام بالأوامر الدينية أو بالانتماء إلى فريق ديني معيّن. ومن هنا يصحّ القول بأن علمنة السياسة والحقوق في الواقع العيني أدّت إلى سياسة علمانية وحقوق علمانية لا تعتمد على المسلمات الدينية كمسلمات للعلم ومن ثمة نفهم لماذا سيطرت على فلسفة الحداثة مصطلحات الحالة الطبيعية والحق الطبيعي (في مقابل الحق الإلهي، جميع فلاسفة الحق الطبيعي) والإرادة الشخصية (الأخلاق،كانط) والتّداول (في القانون) وفصل السلط عن بعضها (مونتاسكيو) والتعليم العمومي (كوندورساي) واللاّئيكي (جول فيري).
وبعد أن كان الشعار المهيمن على العصر الوسيط هو دفع العالم إلى الاندماج في حظيرة المسيحية التي يرأسها البابا والإمبراطور أصبح الشعار الأكثر شيوعا مع حملات أوروبا الاستعمارية في القرن التاسع عشر هو تحضير الشعوب المتخلفة والمتوحشة. وبهذا التوجه نصبت القوى الأوروبية نفسها المسؤول عن نشر الحضارة ومن ثمة أصبحت من منظورها الوصيّ الشرعي على بقية شعوب العالم وقد لعبت في ترسيخ هذه الأيديولوجيا فلسفات عديدة ومختلفة عن بعضها في مسائل أخرى مثل ألكسيس دي توكفيل المنبهر بالديمقراطية الأمريكية وأوغيست كونت بقانون المراحل الثلاث ضمن نظريته التطورية وهيقل وتصوره الجدلي للسير المظفّر للعقل في التاريخ من أوروبا إلى بقية العالم وكذلك الأمر بالنسبة لماركس وتأويله المادي للمجتمع والتاريخ حيث يصور الاستعمار على أنه شر لابدّ منه لأن الرأسمالية الأوروبية هي بصدد خلق نقيضها بيدها في المستعمرات.
لقد أصبحت الدولة الحديثة حامية نظام جديد لقانون أمم (Droit des gens) تكون بنيته الفضائية من مهامّها. وتكمن خصوصيّة هذا النظام في أن قانون الأمم بصفة خاصة قانون ما بين دولي ومن ثمّة يتم القطع مع قانون الأمم القديم حيث (كانت الأممgentes تظهر على ساحة التاريخ الأوروبي كأفراد ومنازل وعروش ومناطق بلباسها القروسطي) (كارل شميت ص130).
من قانون الأمم إلى القانون الدولي
رأينا أن العلمانية الفاصلة للدين عن السياسة حدث أوروبي مرتبط تاريخيا ومذهبيا بنشأة الدولة السيادية الحديثة وأن هذه الأخيرة نواة قانون أمم حديث صنعته هذه الكيانات الأوروبية ولم تكن الشعوب غير الأوروبية فاعلة فيه وبما أن العلمانية نشأت لدينا عن طريق التوسع الأوروبي الخارجي (السياسة الخارجية) على حسابنا في وقت لم تكن فيه عصبة الأمم ثم منظمة الأمم ومواثيقها ومعاهداتها موجودة فإن عقلنة فهمنا لمشكل العلمانية لدينا يقتضي رفع هذه اللحظة إلى سطح الوعي التاريخي والكفّ عن مجرّد الانفعال أو التسليم بالأمر الواقع وكأن ليس بالإمكان أفضل ممّا كان.
فالقوانين والقرارات والإعلانات التي ارتقت اليوم إلى مستوى العالمية (أو الكونية) لا يتسنى فهمها دون ربطها بفعل أوروبا ثم أميركا في مجريات أحداث التاريخ الحديث والمعاصر. ولأن المجال لا يحتمل التوسع نكتفي بسوق الملاحظات التمهيدية التالية:
- يؤكد كارل شميت في كتابه المذكور أن النظام القضائي الذي أنشأته الدولة الترابية (أو الإقليمية) قد أسند للتراب الأوروبي منزلة مخصوصة بشأن قانون الأمم سواء بالنسبة له في ذاته أو بالنسبة للبحر الحر أو أيضا بالنسبة لكل تراب غير أوروبي وراء البحار. وقد مكّن ذلك من نشأة حق للأمم مشترك غير ديني وغير فيودالي وإنما دولي طيلة القرون الماضية. وقد ظهر تحت هذه العلاقة تمييز هام مفاده أن تراب الدول الأوروبيّة المعترف بها يتمتّع بمكانة خاصة في حق الأمم. والحرب العادلة وفق هذا القانون العلماني الجديد هي التي (تتم بين أمم أوروبية منظّمة عسكريا وذات سيادة معترف بها وتدور رحاها على أرض أوروبا)(ص141)، ومن ثمة نفهم الانزياح الذي وقع من الحرب المقدّسة وما تقتضيه من إرادة إزالة الخصم أي العدوّ في الدّين إلى الحرب العادلة (أو القانونية) التي تنشب بين الكيانات الجديدة المتساوية في السيادة. ولأنها ليست في خدمة التاج البابوي فإن لكل دولة إرادة التحالف أو شن حرب على الدول الأخرى لخلق نظام جديد لأن كلّ نظام يعبّر عن موازين قوى جديدة يثبّتها قانون يتكون من اتفاقيات ومعاهدات لكل دولة الحق في تأويلها بما تمليه عليها مصالحها. هذا الوضع هو الذي أسماه الفلاسفة المحدثون بالحالة الطبيعية. لقد كتب روسو (القرن18) (إننا (أي الأوروبيون) كأفراد نحيا في حالة مدنية تحكمها القوانين أمّا الشعوب فهي تتمتع في علاقاتها ببعضها بحرية طبيعية)(17)، وهذا ما دعا كانط عقب القديس بيار إلى التفكير في سبل التحول من الحرب الأبدية إلى السلم الأبدية.
- والمنزلة المخصوصة لأوروبا في قانون الأمم الذي لم يخلق في أوروبا حالة يسود فيها الحقّ وإنما اصطنع أرضية مشتركة بينهم يمكن الرجوع إليها عند التخاصم للحدّ من المخاطر، ولكن هذه المرجعية القانونية لا تكون فاعلة عند الانتقال خارج أوروبا في الأرض (الحرّة)، أي أرض الأمراء والشعوب غير الأوروبيّة المفتوحة أمام الغزو الأوروبي. إذ تمت صياغة قانون الأمم الأوروبي في وقت كانت فيه أوروبا على اتصال مستمر بشعوب أخرى وأهمها الشعوب المحيطة بالبحر المتوسط ثم شعوب أميركا ولكن هذا القانون تجاهل هذه الشعوب(18) بل كان ينطلق من قناعة مفادها أنهم مجرّد مواضيع للسيطرة(19)، كما تم تصور الأرض غير الأوروبية في قانون الأمم الأوروبي الحديث بمثابة الفضاء الحرّ أي أنّ الدول الأوروبية حرّة في احتلالها أو الاستيطان فيها. لقد كان الأوروبي ينظر إلى الفضاء القصيّ على أنّه امتداد يترقب مهيمنا أو مستغلاّ. وفي هذا التصور يكون الساكن الأصلي موضوعا لا ذاتا ومتوحشا لا متحضّرا لا بدّ من إخضاعه لإرادة المستعمر وإن تعذّر فلا بدّ من العمل على إقصائه. ومن هنا ينشأ لا تجانس صارخ سيطبع كل العصر الحديث ويتواصل إلى الآن بأشكال ودرجات متفاوتة ويتعلق بتنافر يوجد بين عقلنة مستمرّة لفضاء الدولة الداخلي يبحث عن الحلول التوافقية للخلافات الاجتماعية ويتنزل تحييد رجال الدين عن الحكم السياسي (العلمنة) في هذا الإطار و(عقلنة) خارجية هشّة فضاؤها العلاقات الدولية التي تتحكم فيها هذه الكيانات تركّز على الخصوصيات وتحافظ عليها. فعلى صعيد داخلي تمّت المراهنة على السلم ونجحت الدول في تطويق أثر الصراعات الدينية بتحييد رجال الدين عن صنع السياسة وتحول جهاز الدولة إلى ممثل للجميع، هذا على الأقلّ على مستوى المبدأ. أمّا على صعيد العلاقة الخارجية فقد هيمنت العقلنة الأداتية حيث لم تكن القيم الإنسانية التي سوقتها القوى الاستعمارية مثل كونية القيم الإنسانية والتنوير والتحضير والتحرير سوى شعارات إيديولوجية تخفي الشراسة والأطماع ورغبة التدمير الهدّام لأنماط الحياة التقليدية للشعوب الأخرى. فالعلمانية التي كانت مبدأ السياسة الدّاخلية للدولة الأوروبية الحديثة لم تكن تعني سياستها للمستعمرات إلاّ من حيث استعمالها لتحطيم البنى التقليدية لتلك الشعوب تماما مثل استعمالها للعنصر الديني المسيحي أو الإسلامي لإحكام السيطرة على المستعمرات.
- هذا الوضع القانوني الذي ميّز علاقة أمم أوروبا ببعضها من جهة وببقية الشعوب الأخرى من جهة ثانية هو الأساس لما سيسمّى القانون الدولي في القرن العشرين وهو الذي يفسّر لنا مفهوم المركزية الأوروبية وقد استعمل هاردت ونيغري مفهوم السيادة لتوضيح التمايز الذي أنشأه الأوروبيون واستفادوا منه (ليست السيادة الحديثة إلا مفهوما أوروبيا بمعنى أنها تطورت بالدرجة الأولى في أوروبا، بالتنسيق مع تطور الحداثة نفسها. لقد شكل المفهوم حجر الزّاوية في بناء المركزية الأوروبية (التّثخين منّا). غير أنّ السيادة الحديثة، رغم انبثاقها من أوروبا، ما لبثت أن ولدت وتطورت عبر علاقة أوروبا بخارجها في المقام الأوّل، وبخاصة من خلال مشروعها الكولونيالي، ومقاومة المستعمَرين (بفتح الميم). وهكذا فإنّ السيادة الحديثة ظهرت بوصفها مفهوم ردّ الفعل الأوروبي والسيطرة الأوروبية على الصعيدين الدّاخلي والخارجي كليهما. إنهما وجهان متواسعان ومتكاملان لتطور كل منهما، وجه الحكم داخل أوروبا ووجه حكم أوروبا للعالم)(20) إذ لم تمنع مبادئ الثورة الفرنسية ذات البعد الإنساني والكوني من تحولها إلى قوة امبريالية ضاربة تعمل ضدّ حقوق الشعوب الأخرى.
- كتب هنري نيكولا (إن مهابة الوجه لوجه التي قابلت قبل القرن السادس عشر الأبرشية بالمسجد اتجهت تدريجيا نحو فسح المجال لمجابهة ثلاثية أمكن أن تشمل الهنديّ)(21) وتلخص هذه الجملة الحركة التاريخية التي خرجت بها أوروبا من العصر الوسيط إلى الحداثة لتفرض سيطرتها الشاملة على العالم فسنة 1492م هي المنطلق لهذا التوجه الجديد وهي مثقلة برموز ركبت على حدثين تاريخيين وهما سقوط غرناطة في أيدي المسيحيين ونزول كريستوف كولمبوس على أحواز (Guanahani) والتي سماها (San Salvador) والمسماة اليوم (Vatling) في الباهماس. والحدثان كانا في البداية قائمين على دوافع دينية: استرداد الأراضي المسيحية والذهاب في الرحلة الاستكشافية بأمر بابوي ولم تخفت الدوافع الدينية (التبشير والبحث عن أرض الميعاد التي عبّر عنها الآباء المؤسسون لأميركا) رغم نشأة الدول الحديثة ودخولها في صراع مسعور من أجل السيطرة على العالم الجديد بل لعلّ نشأتها الموسومة بتحييد رجال الكنيسة عن الحكم كان حلاّ لأزمة تدخّل البابا في سيادة الدول عندما يتحكّم في حقّها في الذهاب وامتلاك أراضي العالم الجديد وخيراته. فنشأة المركزية الأوروبية كان تتويجا لترسبات معرفية تقنية ودينية سياسية وإقامة لكونية صورية يخونها واقع قائم على الخصوصية.
- فالدولة الأوروبية الحديثة وما حملته معها من مبادئ تقوم على عقلنة (=علمنة) السياسة وعلى التسامح الديني (رسالة في التسامح، جون لوك) ونشر المعارف والعلوم وإعلانات حقوق الإنسان كانت منحصرة في المركز أمّا المحيط فإنه يستثنى بواسطة الإجراء الكولونيالي وللاستدلال على ذلك نذكر المثالين التاليين:
أ- رغم أن الجمهورية الفرنسية أعلنت في ترجمتها لمبدأ العلمانية أنّ الدولة تحترم كلّ المعتقدات بشكل متساو فإن التصور الفرنسي كان وليد عمل طويل المدى تلازم فيه الحوار مع الصدام بين برلمانيين كاثوليكيين يعبّرون عن مواقف الكنيسة وبرلمانيين راديكاليين في المسألة العلمانية ونتج عن ذلك محافظة الكنيسة على بعض الامتيازات عند صياغة القانون ولكن غياب الديانات الكبرى الأخرى من طاولة المناقشات أدّى إلى عدم توازن في المعاملة لا زال متواصلا إلى حدّ الآن حيث يمثل فيها الإسلام ثاني ديانة، إضافة إلى ذلك لقد كانت فرنسا الاستعمارية في بداية القرن الماضي تمثل ثاني أكبر (دولة إسلامية) في العالم عندما صاغت قانون (1905) الفاصل بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية والذي لم يكن يطبّق خارج فرنسا التي لعبت على العامل الديني وبعض الفرق الدينية في تكريس سياساتها الاستعمارية هذا دون أن ننسى دور العامل الديني أيضا في مقاومة المستعمر. ويستند الاستعمار على أحكام أخلاقية تحطّ من قيمة الآخـر المفتقر إلى العلوم والتقنيات أو الفاقد إلى كل وعي حقوقي وأخلاقي ذي كونية فعلية وينطلق من مسلمة الحرية الذاتية واستقلال الشخصية. وعلى هذا الأساس يقصى الآخرون من دائرة الحقوق (النـّاشئة من الحداثة الأوروبية) وتبرر الوسائل التي يتبعها الأوروبيون والهادفة إلى دفع الآخـر كي يرتقي إلى الكونية المدّعاة.
ب- كتب هاردت ونيغري (وفي القرن الثّامن عشر، بعد لاس كاساس بأكثر من قرنين، حين كانت سيطرة أوروبا على الأمريكيّتين قد غيّرت شكلها من صيغ الغزو والاجتياح والمذابح والنهب إلى بنية كولونيّة (استعماريّة) أكثر استقرارا قائمة على الإنتاج العبودي ذي النّطاق الواسع والامتيازات الحصريّة الاحتكاريّة التجاريّة، قاد عبد زنجي يدعى توسّان لوفرتور حركة النضال الاستقلالية الناجحة الأولى ضدّ العبودية الحديثة في مستعمرة سان دومينغو (هايتي الآن) الفرنسية. استنشق توسان لوفرتور حركة خطاب الثورة الفرنسية المنبعث من باريس بصورته النقية. إذ قام الثوريون الفرنسيون المعارضون للنظام القديم بإعلان حق الناس جميعا في (الحرية والمساواة والأخوة)، فقد افترض توسان أن جميع الزنوج والمولدين والبيض من سكان المستعمرة كانوا أيضا مشمولين بمظلة حقوق المواطنين العريضة)(ص183). وتتضح محدودية مبادئ الثورة الفرنسية في ذهنية حرّاسها مع قمع نابوليون بونابارت حركة تحرر المستعمرة ويتضح أن منطق الدولة الكولونيالية يقوم على أن المبادئ عندما تتعارض مع المصالح فإن التضحية تكون بالأولى. وهذا هو التمشّي الذي حدا بطوكفيل المعجب بتجربة الديمقراطية في الطرف الآخر من المحيط الأطلسي يقدّم نصائحه وخبرته الاستيطانية لبلده فرنسا من أجل إنجاح مشروعها الاستعماري (في الجزائر خاصة) وصدّ أطماع الإنجليز المنافس الخطير لفرنسا في السيطرة على إفريقيا.
خاتمـة
تناول مسألة العلمانية مع انتزاعها من سياقاتها ومقاصد الذوات المعنية بها يدخلنا في متاهات معرفية وعقائدية لا مخرج منها لذلك غلب على مقاربتنا التوجه المنهجي فحاولنا تقديم مقترح مدخل لمشكل العلمانية. وبوصفها تقوم على مبدإ الفصل فهي ظاهرة غربية حديثة واخترنا مقاربة ركّزنا فيها على فلسفة الحقّ وتوصلنا إلى أن العلمانية مرتبطة بنشأة الدولة - الأمّة ويمثل قانون الأمم الأوروبي الحديث (والذي سيصبح دوليا) مرجعا سياسات الدول الأوروبية لبقية أنحاء العالم. لقد كان غطاء حمّى الاستعمار الأوروبي لبقية العالم خلال القرن التاسع عشر هو تحديث الآخر وتحضيره ولذلك فإذا كان الفصل بين السياسي والديني هو مبدأ العلمانية في الدول الترابية التوسعية فإن تطبيقه لم يكن تاما ولا بشكل واحد طوال تاريخ العلمانيات ولذلك يجدر بدارس العلمانية أن يتجنب التسرع في التعميم مخافة أن يجرّه ذلك إلى التعتيم. فكلّ العلمانيات هي أخرى بالنسبة لبعضها بعضا. وهذا يصدق على الماضي والحاضر.
صحيح أن أوروبا الحديثة قد انساقت في تيار علماني في داخلها كحلّ للخروج من أزماتها وصحيح أيضا أنها أجبرت أجزاء كبيرة من العالم على الدخول في هذا المسار وفق سياسة خارجية استعمارية وقد مثّل حدثا سقوط غرناطة واكتشاف العالم الجديد إعلانا عنها. ولئن ترك قانون الأمم الأوروبي خلال منتصف القرن الماضي مكانه لنشأة منظمة عالمية رسمية واتفاقيات ومعاهدات تعمل من أجل نشر السلم في العالم ودعم حركات التحرر الوطنية فإن المركزية الأوروبية ومخلفات الدولة السيادية (التي من حقها الطبيعي أن تبحث عن مجالات النفوذ والثروة) قد مثلت الإطار لذلك. إن نشأة الدولة الترابية لدينا كان بنوع من التعسف فحدودها مسقطة والعقلنة التي نشأت فيها من جهة تكوّن الإرادة (في شكل دستور) وترجمتها إلى بؤر تجمّع السلطة وتوزيعها تشريعا وقضاء وتنفيذا كان بنوع من الإسقاط بسب عاملين أساسيين الأول من المستعمِر السابق الذي فرض (بدرجات مختلفة من النّجاح) نمطا معينا من الأنظمة ليحافظ على تبعيتها له، والثاني من المستعمَر السابق (الذي استلم مقاليد الحكم) ولم يعمل (كما ينبغي على الأقلّ) على تهيئة الشروط الضرورية لعقلنة مرنة وتداولية ومتعدّدة الجوانب للشأن العام المتعلق بالسيادة والحقوق العامة والشخصية وإنتاج الثروة وتوزيعها والتعليم العام وربطه بمخططات التنمية والأمن بمختلف وجوهه. ولا تمثل مسألة تدخل الدّين (وعلى الأصح التدخّل بمرجعية دينية) في المسألة السياسية إلاّ جانبا ليس هو بالأهم أو الأوحد إذ لم يقع تأطيره بمعقولية سياسية وحقوقية تتمتّع بمشروعية فعلية. هكذا يصحّ من بعض الوجوه الحديث عن قيام الدولة المستورَدة من الغرب في عالمنا المابعد استعماري(22). ومن هذا المنطلق تنشأ أشدّ أنواع التشويه في الوعي والواقع فيؤخذ الأثر مأخذ السبب والمظاهر مأخذ الجواهر والمعطيات مأخذ الفرضيات، ففي الوقت الذي تمثّل فيه الدولة الترابية واقعا قائما بحدوده وأنظمته وجيشه وبوليسه نجد ذهنية تسكنها الخلافة أو الأمّة تسيطر على الشارع وتوجّه ردود فعله وفي الوقت الذي تكون فيه العلمنة أمرا قائما في مجالات الاقتصاد والسياسة والإعلام والترفيه وحتّى في بعض الممارسات الدينية يتساءل بعض مفكّرينا هل ننتدب العلمنة الغربية أم لا وفي الوقت الذي يهرب فيه بعض المثقفين الإسلاميين من قمع أنظمتهم إلى دول غربية تستهويهم أو تستقدمهم فيستفيدون من واقع العلمانية هناك وما يسمح به من هامش للحريات الدينية يستعملون (بنوع من النكوص المرضي) مصطلحات الجهاد ودار الحرب بما تقتضيه من ذهنية قبل حداثية مستغلين عداء جماهيريا للغرب يتغذّى من جهل عام بأسس الحداثة ومقتضياتها وكأنّها لم تقم إلاّ كمؤامرة ضدّ دين المسلمين. إن تفكيرا مثل هذا يجابه أوهام الاستقلال والسيادة ودولة القانون التي تروجها الأنظمة الفاقدة للمشروعية عن نفسها بعالمية يوتوبيات قومية عابرة للحدود القُطرية الحالية وأمّة إسلامية عالمية تخفق أمام الاختبارات الحزبية والطائفية.
فالطرح السليم لمشكل العلمانية يقتضي منّا درجة دنيا من العقلنة تنزّل المسألة في إطارها التاريخي والاجتماعي والنفسي بعيدا عن الانفعال وقصور الذاكرة والغرور إذ لسنا ننتمي إلى عالم آخر بل نحن الآخر في عالم مشترك يجب أن نعمل فيه على تخطّي القيم السلبية التي لبّست لنا وذلك لا لنلقيها على الآخر (بالنسبة لنا) بل لنعانق كونية فعلية لا تقوم على المغالطة أو الإقصاء. إنّ مشكل العلمانية لدينا مرتبط بمسألة السيادة الترابية والمشروعية والديمقراطية ودولة القانون ويخطئ من يعتقد أنّ هذه المسائل فقدت وجاهتها مع الدخول في عهد ما بعد الدولة - الأمّـة أو القطب الواحد.
*****************
الحواشي
*) باحث وأكاديمي من تونس.
1- انظر مثلا: عزيز العظمة، من منظور مختلف، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1992م.
2- ظهر اللفظ لأول مرة في العقد الثامن من التاسع عشر وقد ظهر سنة 1887م مقال في معجم البيداغوجيا والتعليم الابتدائي بعنوان اللاّئكية كتبه ferdinand buisson نبّه فيه إلى جدّة الاسم.
3- (اللاّئيكي هو ما ليس إكليروسيا أو دينيا) هذا التعريف نجده في معجم اللغة الفرنسية لـpaul-emilElittre وللتدقيق فإن النفي لا يعني بالضرورة معاداة الدّين.
4- رغم وجود محولات في الفكر الغربي لبيان أن اللائكية تستمد جذورها منذ فترة ظهور المسحية ويستدل بالقول المنسوب إلى المسيح (ما لقيصر لقيصر ولله لله) وكذلك يفعل بعض العلمانيين المسلمين الذين يبحثون عما يوافق ذلك في نشأة الإسلام. وقوام هذا المنهج مسلمة ميتافيزيقية مفادها أن ما يظهر في الآخر تكمن بذرته في البدايات الأولى وكأن لا جديد على مسرح التاريخ ومن ثمة فلا وجود لقطيعة ونفس المسلمة ينطلق منها النافون للعلمانية عندما يحشرون العلمانيين ضمن زمرة الكفرة والزنادقة والمنافقون هؤلاء الذين وجدوا منذ بدء الإسلام ليس لهم أي شيء طريف يقدمونه والغريب أن العلمانيين الراديكاليين أو الشموليون الذين أفرزتهم الإيديولوجيات الاشتراكية عندما يعتقدون أن النقد والاحتجاج والرفض من منطلق ديني لا يحمل معه أي جديد لأنه مجرد تكرار لمواقف سلفية حسم فيها العلم والعلمانيون منذ أمد. والملاحظ أن الموقفين على تناقضهما يتفقان في العمق على أن المطروح هو التغيير بالفعل لا بالحوار وإيجاد حلّ وسطي وتوافقي وذى قابلية للمراجعة والتحسين.
5- Dictionnaire encyclopédique de l’éducation et de la formation,édition Robert Dryfuss، Nathan، 1995
6- بالنسبة للبدايات انظر حوراني، الفكر العربي في النهضة (1898م-1939م)، دار النهار للنشر، بيروت
1977م. وخاصة الفصل العاشر: طلائع العلمانية (الشميل-فرح انطوان) أما بالنسبة للحاضر فانظر كتاب العظة (مذكور) وفيه يعتبر أن التاريخ الكوني يتجه نحو التحقق التدريجي للعلمانية. هذا عدا المنتديات والجمعيات التي تسمّي نفسها علمانية وتتبع برامج عمل سياسية واجتماعية من أجل نشرها.
7- نجد عددا هاما من الإسلاميين يعلنون عن عدائهم للعلمانية بوصفها مؤامرة تستهدف الدين الإسلامي.
8- بعنوان: ناموس الأرض.
9- لذلك تكون معتقدات الإسلاميين الذين في إمكانية مواصلة نشر الإسلام دون اعتبار للحدود تتحرك خارج منطق الحداثة السياسية سواء في داخل العالم الإسلامي أو العالم بأسره.
10- مايكل هاردت، أنطونيو نيغري (2001م)، الإمبراطورية (إمبراطورية العولمة الجديدة) ترجمة فاضل جتكر، مكتبة العبيكان 2002م.
11- أنظر مقدّمة كتاب:
RAWLS(John)(2000)، Leçons sur l’histoire de la philosophie morale، trad. de l’anglais. Editions La Découverte& Syros، Paris,2002.
12- هابرماس، (المواطنة والهويّة القوميّة) في الحداثة وخطابها السياسي، ترجمة، دار النهار للنشر، بيروت 2002م جورج تامر، ص186.
13- عنوان كتاب غروسيوس (1625) حقّ الحرب والسّلم، أنظر النص في اللغة الفرنسية:
GROTIUS(Hugues)، Le droit de la guerre et de la paix (2 tomes)، publications de l’université de Caen، Centre de philosophie politique et juridique,1984
14- انظر الاختلاف بين كتاب غروسيوس (المذكور سابقا) وهو ينتمي إلى العصر الحديث وكتاب اللاهوتي دي فيتوريا وهو ينتمي إلى أواخر الحقبة الوسيطة
Francisco de VITORIA(1492-1546)، Leçons sur les Indiens et sur le droit de guerre ,librairie Droz-Genève1966
SCHMITT (Carl) ,(1988) Le nomos de la terre، dans le droit des gens du Jus publicum 15- europaeum Paris، Puf 2001.
وسنعتمد على هذا الكتاب القيّم بشكل واسع أمّا عنوانه في لغته الأصلية فهو: Der Nomos der Erde im Völkerrecht des Jus Publicum.1988 Berlin
16- والحدث التاريخي المؤسس لذلك هو إمضاء معاهدة واستفالي للسلم التي وضعت حدّا لحرب الثلاثين سنة.
ROUSSEAU، Œuvres Complètes III ، Editions la pléiade p.510 –
18- ويظهر التجاهل في إقصاء التقليد الذي أنبنى على المعاهدات بين الدول الأوروبية والكيانات السياسية المجاورة وهذا الإقصاء خاصية جوهرية للحداثة الحقوقية حيث يتم إقصاء دور العلاقات بين الأمم الأوروبية من جهة والعالم العربي والإسلامي من جهة أخرى في المساهمة في بلورة قانون الأمم الحديث. وهو إجراء لا يختلف في منطقه على القفز فوق المساهمة العربية الوسيطة عند تناول منابع الثورة العلمية الحديثة. أما عن العلاقات الدولية بين أمم أوروبا والمغرب زمن ابن خلدون فانظر الدراسة القيمة لديفورك:
DUFOURCQ (Charles-Emmanuel),L’orientation de l’Europe occidentale vers le Maghrib au temps d’IBN KHALDOUN(1332-1406)
في أعمال ندوة ابن خلدون، بمناسبة مرور ستة قرون على تأليف المقدمة (أيام جامعية 14-17 يبرا ير 1979م.
19- كتب فرنسيسكو دي فيتوريا الذي عاش في ظل صراع الأوروبيين ضد بعضهم داخل أوروبا وبداية الحروب والتنافس على العالم الجديد في معرض دفاعه عن الهنود بوصفهم أصحاب سلطة عمومية وشخصية (إنه من غير المقبول أن نمنع عمّن لم يرتكب أبدا أيّ مظلمة ما نسمح به للسارازان واليهود،هؤلاء الأعداء الأبديين للدين المسيحي) (مرجع مذكور ص32) والسارّزان Sarrasin تسمية أطلقت طيلة العصر الوسيط على الشعوب الإسلامية في أسبانيا وصقلية وسوريا وإفريقيا وهي تحتوي على كثير من التحقير...وتطلق كلمة (عمل السارّزان) خلال القرون الوسطى على كل ما له سمة شرقية، ويشمل ذلك ما هو إغريقي أو ما يسمّى بيزنطيا. انظر معجم ليتراي: Paul-Emile LITTRE، Dictionnaire de la langue française ومن المرادفات لكلمة سارّزان كلمة مور MORE/MAURE وتعني حسب نفس المعجم سكان شمال إفريقيا الذين اعتنقوا الدين الإسلامي ويصفهم بوفون في تاريخه الطبيعي بأنهم صغار البنية ونحيلون ووجوههم شاحبة وفكهون ونبيهون. ومور إسبانيا هم حسب ليتراي السارّزان سكان اسبانيا منذ الغزو الإسلامي إلى حين طردهم فيليب الثالث. ثم يذكر المعجم في المعنى الثالث لهذه الكلمة (مور) أنها تطلق تعسفا على جميع سكان الساحل الشرقي لأفريقيا وحتّى الهند (إنّ تجّار أوروبا المشوّهة معلوماتهم يطلقون التسمية على جميع الشعوب المحمّدية (للهند)، ومأتى هذا الاحتقار أن غزاة اسبانيا الذين عرفناهم قديما قد قدموا من موريتانيا) نفس المعجم.
20- هاردت ونيقري (2001م)، نفسه ص120-121.
Henri NICOLAS، Francisco de VITORIA، Leçons sur les Indiens et sur le droit de guerre، 21 présentation، traduction et notes. Thèse de troisième cycle préparée sous la direction de M. Louis Sala- Molins، Paris، Sorbonne، Septembre 1980
22- انظر كتاب الباحث الفرنسي من أصل إيراني
BADIE (Bertrand)، L’Etat importé. Essai sur l’occidentalisation de l’ordre politique، Collection « l’espace politique»، Paris، Fayard 1992.