حرب تكسير العظام بين الصين وأميركا تهدد الاستقرار العالمي
تعرقل نمو الاقتصاد الدولي وتؤثر سلباً على المنطقة وإمكانية تطورها لحرب نووية
* خبيرة اقتصادية: اندلاع حرب عالمية وارد في حال استمرت الأزمات الاقتصادية بين الدول العظمى
* تراجع نمو الاقتصاد الصيني يقلل من وارداتها النفطية ويؤثر على اقتصاديات الخليج
* ضبابية الصراع تهدد الشركات الكبرى بسبب الخوف من المستقبل
* مفهوم السيادة أصبح على المحك في ظل العولمة والتأثير الممتد في قضايا متعددة
* الأزمة ليست نزاعاً ثنائياً فقط ولكنها قضية عالمية ترتبط بمشاكل العالم
* هل تؤشر تصريحات بكين وواشنطن الإيجابية إلى إمكانية الوصول لحل في المستقبل القريب؟
* الضرر يلحق بالاقتصاد العالمي في حال تواصلت الأزمة والعناد بين الجانبين
القاهرة: جددت الإجراءات الجمركية المتبادلة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، واتجاه كل منهما لفرض رسوم جديدة على البضائع الواردة إليهما من مخاوف زيادة عملية الركود الاقتصادي العالمي المتوقعة، وتأثيراتها على المنطقة وتهديد استقرار الاقتصاد الدولي، وسط تأكيدات خبراء الاقتصاد من تسارع الاتجاه إلى هذا الركود في ظل التدافع الشديد بين الدولتين العظميين في فرض إجراءات عقابية متبادلة تتمثل في زيادة الجمارك على البضائع الواردة، وهو ما يزيد عملية الصراع التجاري التي تؤثر بشدة على معدلات النمو وزيادة نسب البطالة عالميا، وكذلك تراجع أرباح الشركات في كثير من الاقتصادات المرتبطة بالدولة المتنازعة مما يزيد من معاناة الاقتصادات الناشئة والدول النامية، وكذلك تذبذب أسهم الأسواق في المنطقة، وتغيرها مع كل أزمة تثار بين الجانبين، ليس هذا فقط ولكن يعد خفض الطلب على النفط وتراجع أسعاره من بين عوامل التأثر بهذه الأزمة من الدول التي تعتمد على تصديره بشكل أساسي في اقتصادها الوطني حيث يؤدي تراجع نمو الاقتصاد الصيني إلى ضعف الطلب على النفط وبالتالي تأثر اقتصاديات المنطقة، ورغم فرض ترامب لجمارك كبيرة على واردات أميركا من الصلب والألومنيوم من دول أخرى إلا أن أزمته مع الصين تعد هي الأكبر نظرا لعظم حجم التبادل التجاري بينهما والذي يميل في صالح الصين بنحو 375 مليار دولار كتفوق في الميزان التجاري العام الماضي، وكذلك قوة اقتصاد كل منهما حيث يبلغ الإنتاج المحلي للولايات المتحدة الأميركية نحو 19 تريليون دولار، وفي المقابل تنتج الصين بما يزيد على 12 تريليون دولار مما يدل على حجم الصراع التجاري بينهما.
تأثير كبير
وتزيد الأزمة من التوقعات بتأثيرها المتعاظم على دول المنطقة على المدى الطويل حيث تضيق الأزمة من فكرة حرية التجارة العالمية بعد عقود من الانفتاح الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية واستغلته الصين بقوة لتعظيم إنتاجها، ويتوقع أن تؤثر على معدل نمو التجارة العالمية، وتأثر معدلات التصنيع، وكذلك تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية نحو الاقتصادات الناشئة، ويصعب كذلك عملية التنبؤ بسير الأزمة من توقعات نمو الاقتصاد العالمي، وأدى إلى تأخر الكثير من الشركات الكبرى في اتخاذ قرارات تتعلق بمصالحها واستراتيجيتها خلال المرحلة القادمة.
ترابط استراتيجي
ويزيد الترابط الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأميركية مع الكثير من دول منطقة الشرق الأوسط من المخاوف فيما يتعلق بتطور النزاع مع الصين خاصة في ظل العلاقات الاقتصادية الوثيقة التي تربط الأخيرة بمعظم دول المنطقة، والتي تنامت مؤخرا من خلال الشراكات الاقتصادية مع بكين، مما يثير المزيد من الشكوك حول وضع هذه العلاقة مستقبلا في حال استمر النزاع الأميركي الصيني، وإن كان يقلل من هذه المخاوف إلى حد ما عدم قدرة واشنطن على الوفاء بحصة دول الإقليم من المنتجات الصينية خاصة مع زيادة الطلب على هذه المنتجات التي ترتفع يوميا من حيث الكم، وتتنوع كيفا.
عجز الميزان التجاري الأميركي المحرك الأساسي
العجز الأميركي الكبير في الميزان التجاري مع الصين خلال السنوات الأخيرة والذي وصل نهاية العام الماضي إلى نحو 375 مليار دولار، ويتوقع أن يتجاوز – بحسب ترامب – 500 مليار دولار العام الجاري، كان المحرك الأساسي بالنسبة لواشنطن للقيام بفرض المزيد من الرسوم الجمركية على واردات السلع الصينية وذلك بهدف تخفيض الاستهلاك من هذه البضائع المستوردة، والعمل على الاتجاه للتعويض بمنتجات محلية بديلة لهذه السلع، وكان أيضا من بين الاتهامات التي ساقها الرئيس الأميركي ترامب للصين سرقة حقوق الملكية الفكرية، ووضع العوائق أمام الشركات الأميركية في الأسواق الصينية، وهي الاتهامات التي صاحبتها إجراءات أميركية بفرض رسوم جمركية قيمتها 35 مليار دولار على واردتها من الصين ضمن مبلغ قيمته 50 مليار دولار، وهو ما تم الرد عليه من بكين بمبلغ مواز على الصادرات الأميركية إليها مما أشعل الصراع التجاري بشكل أكبر.
مؤشرات للتهدئة وحل الأزمة
ورغم تأكيدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال قمة مجموعة السبع التي اختتمت مؤخرا في مدينة بياريتز جنوب غربي فرنسا من استئناف المفاوضات بين بلاده والصين قريبا جدا، وتلميحاته إلى ضرورة توصل الجانبين لاتفاق بخصوص النزاع التجاري بينهما، وتجاوب الصين مع ذلك من خلال التصريحات الرسمية لنائب رئيس الوزراء الصيني ليو هي باستعداد بلاده لتسوية المشاكل مع واشنطن بهدوء ومن خلال التعاون والمحادثات، وعدم رغبة بكين في تصعيد الحرب التجارية، إلا أن تصعيد التوتر كان هو السائد على السطح بين الغريمين التجاريين منذ تولي ترامب الحكم وحتى هذه اللحظة.
الدكتورة بسنت فهمي الخبيرة الاقتصادية والمصرفية وعضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان المصري ترى أن النزاع التجاري بين الصين وأميركا هو عبارة عن حرب اقتصادية شرسة، لا بد لطرفيها من الجلوس سويا لحل هذا الصراع المحتدم وإلا ستكون العواقب وخيمة على العالم كله، وأن الطرفين مخطئان بشكل أو بآخر، فخطأ الصين هو تخفيض عملتها وهو أسلوب غير مقبول في التجارة الدولية بالنسبة لدولة في حجم الصين التي تعد دولة كبرى بل وعملاقة في التجارة العالمية، وليست مجرد دولة صغيرة أو نامية، خاصة أن تخفيض قيمة اليوان بهذا الشكل أثر بالسلب على دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية التي تشارك الصين السيادة التجارية والاقتصادية في العالم، وليس من المنطقي أن تقف أميركا لتشاهد ذلك من دون رد فعل في ظل الخسائر التي من الممكن أن تتعرض لها والتي تقدر بمئات المليارات.
الحرب التجارية ستؤثر بالسلب على المنطقة والعالم
وأضافت الدكتورة بسنت: «الإجراءات الصينية من خفض العملة مع حجم الإنتاج والتصدير الهائل أثر على الوضع التجاري والصناعي والاقتصادي في أميركا التي قامت في المقابل باتخاذ الإجراء المضاد برفع قيمة الجمارك على الواردات الصينية من البضائع والسلع، ولا بد من الاتفاق على حل هذا الأمر بشكل آمن ومرض للجانبين وذلك للتخفيف من آثاره المتوقعة عالميا، ولا بد من الاتفاق في اجتماعهم المرتقب على أسلوب للتعامل الدولي».
وحول مدى تأثير هذه الحرب الاقتصادية الطاحنة على منطقة الشرق الأوسط وكذلك الدول النامية قالت: «بلا شك ستؤثر بشكل كبير وسيكون تأثيرها قويا على المنطقة والعالم أيضا، حيث سترتفع الأسعار بشكل كبير، وستؤثر على كل المجالات المرتبطة بالسلع والمنتجات ومنها النقل والمواد الخام والبترول والإجراءات المرتبطة بكل ذلك، وهو ما يمكن أن يهز دولا كبرى وليس دول الشرق الأوسط فقط، فالعالم أصبح يتعامل كدولة واحدة، وقربت التكنولوجيا المسافات بين الدول، ولم يصبح الأمر مثل السابق، فالسياسات التي تواجدت في الماضي مثل عملية التنافسية الشديدة والتمسك بالحدود لم تعد تجدي حاليا، وكان من المفترض في اجتماع مجموعة السبع الأخيرة أن تضع الدول المجتمعة خطوطا عريضة حول كيفية إدارة الاقتصاد العالمي خلال الفترة القادمة، حيث لا يمكن أن يدار مثل الماضي بالمنافسة بين الدول وسيطرة الدول الغنية فقط، فلم يعد ذلك مجديا في ظل التوترات الجارية على الساحة، وتأثير هيمنة الدول الكبرى على الوضع العالمي، فلا بد للنظر إلى من يعيشون بشكل سيئ في العالم وأصبحوا يتجهون للهجرات غير الشرعية وبعضهم يتجه إلى الإرهاب، وقضية تلوث البيئة مثلما يحدث حاليا في غابات الأمازون والذي لا يؤثر فقط على البرازيل أو أميركا الجنوبية ولكنه يؤثر على العالم كله بسبب ما تمثله هذه المشكلة من كارثة بيئية عالمية».
الدكتورة بسنت فهمي
خطر الحرب العالمية وارد في حال استمرار النزاع بين الدول العظمى
وتابعت الدكتورة بسنت فهمي: «يجب أن يدرك الجميع أن الاقتصاد ليس مجرد مشكلة بين الصين وأميركا، ولكنه أزمة سيتضرر منها العالم كله، ولا بد أن يجلس الجميع للتفاوض، ووضع أسس للمرحلة القادمة وعدم إغفال حقوق كل الدول وبغير ذلك سيصبح خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة واردا وبقوة في ظل هذا التدافع بين الدول العظمى وتضرر دول أخرى، فالحرب بين الصين وأميركا في جانبها الآخر صراع تكنولوجي، وليس المقصود فقط تكنولوجيا الأسلحة، ولكن التطور العلمي في كل المجالات الطبية والتعليمية والحياتية في مجالات الاتصالات والتكنولوجيا المتطورة والذكاء الاصطناعي، والدول التكنولوجية تحتاج إلى إمكانيات وثروات مادية لزيادة أدائها وتطورها التكنولوجي لتسير على الأقل بجانب نظيراتها الكبرى، ولتحافظ على تفوقها».
وحول وجود حلول للأزمة قالت: «هناك دول تمتلك التكنولوجيا والتقدم العلمي، ودول أخرى لديها الأموال والثروات الطبيعية، فلا بد أن تكون هناك علاقة بين كل دول العالم ليستفيد الجميع من دون استثناء ووضع أولويات الدول المتضررة في الحسبان، إذا أضفنا المشاكل الكبرى التي تواجه العالم من قضية التغيرات المناخية والحرب على الإرهاب والهجرة غير الشرعية والفساد المنتشر في دول كثيرة، وقضايا المياه والحدود وخلافه، وهي أمور كلها تؤرق العالم، ومن هنا فإن القضية ليست فقط الصلح التجاري بين قوتين عظميين ولكن حل مشاكل كوكب الأرض، وذلك من خلال اتفاق الدول الكبرى أولا».
تصريحات إيجابية
وعن توقعاتها بعد التصريحات الإيجابية من الجانبين في قمة الدول السبع مؤخرا قالت الدكتورة بسنت: «الدول العظمى تدرك جيدا خطورة الصراع عليهم وعلى العالم، وأنه لن يخرج أحد فائزا منه في حال تطور إلى حرب عالمية ثالثة والتي ستكون حربا نووية، وقناعتي الشخصية أنهم جميع يرغبون في الخروج باتفاق قناعة مهم أن عدم الاتفاق سيسبب كارثة للعالم كله لأن المسافات قربت بشكل غير عادي، ورفعت من الحدود وجعلت مفهوم السيادة على المحك ومن الممكن أن يعاد النظر فيها، خاصة بعد تأثير أي حدث ليس على جيرانك المقربين فقط ولكن على العالم كله، وليست قضايا ومشكلات حرائق الأمازون، والتغيرات المناخية وذوبان الجليد وارتفاع مستوى البحار والمحيطات، ببعيدة في ظل تأثير كل ذلك على الكوكب، فالأخطار في ظل التسارع التكنولوجي أصبحت مشتركة، وتؤثر على الجميع، ولم يعد أحد حراً في دولته مثل السابق بل أصبح هناك دولة واحدة اسمها الكرة الأرضية، ويجب على سكانها أو من يمثلونهم الجلوس سويا لبحث مصالحها».
وقام الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مارس (آذار) من العام الماضي بفرض جمارك بقيمة 50 مليار دولار على واردات السلع الصينية للولايات المتحدة الأميركية ردا على ما اعتبره ممارسات تجارية غير عادلة من بكين بما فيها سرقة الملكية الفكرية، وفي المقابل وبعد أيام قليلة من هذا القرار فرضت الصين رسوما جمركية على المنتجات الأميركية من الطائرات والسيارات والفواكة والصلب وما يزيد عن 120 منتجا أميركيا، وظلت الحرب بين الجانبين في تصاعد حتى تجاوزت الجمارك بينهما مبلغ 75 مليار دولار خلال الفترة الأخيرة.
إنعكاس سلبي
وبحسب توقعات خبراء اقتصاديين فإن الأزمة ستنعكس بالسلب على الدول النامية، ومن بينها دول المنطقة، على مستوى تراجع الاستثمار وتدفق رؤوس الأموال من أجل التصدير لدول أخرى وهو ما يمكن أن يؤثر على هذه الدول على المدى الطويل وزيادة الإجراءات التي تقوم بها كل دولة للترويج لمنتجاتها، وكذلك تضرر دول أخرى لفرض جمارك على الواردات التي يمكن أن تتأثر في حالة استيراد منتجات بها مكونات صينية وهو ما يمكن من رفع تكلفتها، ويتخوف الكثيرون كذلك من عملية الانخفاض المتوقع في نمو الاقتصاد العالمي إلى أدني من 2.9 في المائة في ظل عملية التوتر المتواصلة بين الصين والولايات المتحدة وتراجع نسب التجارة والتصنيع، وبالإضافة إلى ما يمكن أن يتعرض له الاستقرار العالمي جراء هذا التوتر.