البعد الاجتماعي للنبوّة

علي الشدوي

1

سنضع مفهوم النبوّة ضمن مجرى للتّطور الثّقافيّ. ولن يضيق المجرى إلّا إذا ركزنا على نبوّة واحدة؛ ذلك أنّ من شأن هذا التّركيز أن يوضع ما أجملناه فيما سبق من التّحليل[1]. من أجل هذا سنركّز على نبوّة محمد من جهة مفاهيم النبوّة والنّبي والرّسالة. أمّا لماذا محمد؛ فلأنّ له علاقة بالزّمن الأقرب إلينا وبتوفر المصادر.

لأهميّتهما لفكرتنا سندرج نتيجتين توصل إليهما أحد الباحثين في دلالة الألفاظ في القرآن. يتعلّق الأمر بدلالة (الله) بين العرب قبل الإسلام.  الأولى: في الوقت الّذي بدأ فيه محمد يبشر بالإسلام كان العرب الوثنيون يقتربون من تكوين فكرة غامضة على الأقل، وربّما إيمان غامض أيضا بالله بوصفه الإله الأسمى المتعالي فوق المعبودات المحليّة[2]. والثّانية: مفهوم الله السّائد بين العرب الجاهليين عشية ظهور الإسلام قريب في طبيعته من المفهوم الإسلامي إلى حدّ يثير الدهشة[3].

ماذا يعني هذا؟ أن (الله) جزء من النّظام الجاهليّ للمفاهيم الدينيّة، وأنّ المعنى الأساسي لكلمة (الله) عند العرب الجاهليين بقي مثلما هو في الإسلام، وأنّ هناك تصوّرا للإله عند العرب الجاهليين تطوّر في اتّجاه نقطة تلاق مع تصوّر محمد للإله. ما يعطي هذه المعاني وجاهتها هو أنّه لو لم يكن ذلك كذلك لانعدم النّقاش حول الإله الإسلامي بين المكّيين وبين محمّد، وفي هذا الإطار نتفهّم تعجب القرآن من أنّ فهم المكّيين الصّحيح للإله لم يدفعهم إلى أن يقتنعوا بصدق تصوّر محمّد للإله؛ فلو سألهم سائل من خلق السّماوات والأرض، ومن ينزل المطر لقالوا الله. وهكذا ” فالانتقاد الجدّي الوحيد الّذي وجّهه القرآن إليهم بهذا الصّدد هو فشل الوثنيين في التّوصل إلى النتيجة المنطقيّة[4] “؛ أي أن يعبدوا الله الخالق المنزل المطر وحده، ولا يشركون معه أحد، وحين يصفهم القرآن بأنّهم لا يعقلون فهو يعني أنّهم لم يتوصّلوا إلى نتيجة من مقدمة صحيحة.

تبدو نبوّة محمّد في مركزها (التّوحيد) تشذيب وتوضيح لما هو متاح في الثّقافة العربيّة آنذاك، وإضفاء للتّناغم على الأفكار المشتركة بين العرب الجاهليين. لو لم ترتبط نبوّة محمّد بالثّقافة، ولو لم تستخدم مواردها المشتركة بين العرب فلن تكون ذات دلالة عندهم، ولن تكون متّصلة بحياتهم. وهكذا لا سبيل إلى نبوّة محمّد إلاّ من خلال أخذ النّظام الديني العربي في الاعتبار.

تمثل الإحيائيّة (العالم بما فيه النبات والجماد ذو روح حيّة) جوهر التجربة الدينيّة عند عرب ما قبل الإسلام. هذه الإحيائيّة تستند إلى الخبرات الروحيّة للكائنات الحيّة[5]. الدين العربي القديم هو محالة العثور على أقوى ما يستطيع أن يمنح البركة، والإفادة منه لسدّ الشّر الّذي تنضح به الأرواح الشّريرة[6]. ما فعله محمّد تجاه هذا الجوهر من معتقدات العرب الدينيّة هو أنّه فرض قوّة عليا باسم (الله) الواحد الأحد الفرد الصمد القويّ المتعالي، وجعله فوق ما عندهم. بهذه الطّريقة نقل محمّد العرب من الإطار الإحيائيّ إلى الإطار التّوحيدي. من إله أعظم بعيد ومحايد وغير مبال إلى إله قريب وغير محايد يتدخّل في حياة النّاس اليوميّة.

ما يهمّ فكرتنا هنا هو أنّ محمّدا لم يأتي بما لا وجود له في الثّقافة، وأنّ النبوّة لا تظهر من فراغ، إنّما هي منغرسة في الثّقافة، وأنّ العرب لا يمكنهم آنذاك أن يفهموا نبوّة محمّد في أهمّ عناصرها (التّوحيد) خارج سياقهم الثّقافيّ والاجتماعيّ. الدّين هو فنّ استخدام الأفكار الشّائعة استخداما جيّدا. فحين يقول محمّد (الله هو الخالق) فإنّ المعنى غير مفهوم عند القرشيين الّذين يجهلون أمور خلق الإنسان. ما تحتاجه عبارة (الله هو الخالق) ليس أن يعرف السّامع المعنى المعجمي لكلماتها، إنّما أن يعرف الأفكار الشّائعة عنها. صحيح يمكن أن تكون الأمور الشّائعة غير صحيحة، لكنّ المهمّ أنّها تستثير بسهولة وحريّة. لقد تحدّث أحد الدّارسين قائلا إنّ المصدر الوحيد لفكرة محمّد عن وحدانيّة الله لا يوجد في المسيحيّة ولا في اليهوديّة، بل في اعتقادات العرب آنذاك، ويبرّر هذا بأنّ التّصور القرآني للإله يفتقد صفات للإله في كتب العهدين كالأبوة المقدّسة[7].

محمّد أحد حنفاء الجاهليّة؛ فهل أعطى الحنفيّة نبوّة عربيّة وكتابا عربيا؟ هل جعل من الحنفيّة تعبيرا عربيا توحيديا؟ ذلك ما يقوله البعض[8]، وإن كنّا لا نوافق إلّا أنّنا نعتبر الحنفيّة هي الحساء –إن صح التّعبير- لنبوّة محمدّ ففيها نجد ما أكّدته نبوّة محمّد كالتّوحيد (ربّ إبراهيم) وتحريم الأوثان والذّبح لها، وتقديس الكعبة، وحسّ المسؤوليّة الأخلاقيّة والإصلاح الاجتماعيّ.

كأي فكرة لا توجد مكتملة في ذهن صاحبها؛ فهناك خلفيات تاريخيّة وثقافيّة واجتماعيّة لفكرة محمّد التوحيديّة، وما صاحبها من عبادات وتشريعات.  فقد تتبّع أحد الباحثين ما أقرّ به محمّد ممّا كان يفعله العرب الجاهليون كالحجّ والعمرة وحّد الزنا وحدّ السّرقة وحدّ شرب الخمر، وتعظيم شهر رمضان والقصاص والديّة[9]. هذه مجرّد أمثلة لما سماه الباحث الجذور التاريخيّة للشّريعة الإسلاميّة، وقراءة ما توصل إليه توصلنا إلى نتيجة واحدة هي أنّ محتوى رسالة محمّد مزيج من القيم والمعتقدات والافتراضات والمعاني والتّوقعات الّتي يشترك فيها العرب آنذاك، ويستخدمونها في توجيه سلوكهم، وفي حلّ مشكلاتهم.

يمكننا أن نحسن التّحليل بالتّوقف عند مفهوم العدالة في نبوّة محمّد، فهي تنتمي إلى تصوّرات العرب الجاهليين الّتي تشكّل جزءا من نظام فكريّ شامل لتلك المرحلة التاريخيّة، كالانشغال بمسألة الجزاء الّذي يصل أحيانا إلى مستوى الانتقام، وبالمعاملة بالمثل. لقد اعترفت نبوّة محمّد بالعبوديّة الموجودة عند العرب الجاهليين، وأضفت عليها وضعا قانونيا، ويمكن القول إنّه لا يوجد في القرآن وعي بالمساواة بين البشر كما هي العدالة الاجتماعيّة في العصر الحديث. ولا يجوز لنا أن نطلب منه أن يكون كذلك ذلك؛ لأنّ نبوّة محمد منغرسة في الوسط الّذي نشأت فيه، لقد وفّرت تصوّرات المجتمع العربيّ آنذاك الأساس الّذي اتّخذه محمد لمفهوم العدالة.  وبالمقارنة مع فكرة العصر الحديث عن العدالة فإنّ تاريخ العدالة هو تاريخ التّغيرات الّتي طوّرت مفهوم العدالة، ولا علاقة لها بأيّ كائن متعال، إنّما علاقتها بالنّاس الّذين رغبوا في أن يوجدوا عدالة أفضل. ما يخبرنا به مفهوم العدالة في نبوّة محمّد أنّ الابتكار ليس قيمة نبويّة؛ لأنّ النبوّة مؤسّسة، والأنبياء كمحمّد لم يبتكروا شيئا لا يلائم أو يتعارض مع نظام الفكر لمرحلتهم التاريخيّة.

غير العدالة هناك ممارسات اجتماعيّة لعرب ما قبل نبوّة محمّد بقيت على ما هي عليه كالتّفرقة بين العرب والعجم، والتّمييز بين العرب وبين الأعراب، والاستجارة والجوار، وحرمة النّسب[10]. يعني هذا البقاء أنّ نبوّة محمّد لم تسع إلى تغيير المخيال الاجتماعي للعرب؛ أعني أنّ الطرق الّتي تصوّر بها العرب وجودهم الاجتماعي في السّلم وفي الحرب بقيت في الغالب مثلما هي. يكفي أن أضع كلمة الإسلام مكان كلمة الدين لتنطبق عبارة جولد تسيهر[11] على فكرتنا: نحن لا نعرف الإسلام أوّل ما نعرفه مجرّدا وخالصا ممّا قد يحيط به من ظروف تاريخيّة، بل إنّه يظهر في أشكاله العميقة قليلا أو كثيرا بواسطة ظواهر تختلف باختلاف الأحوال الاجتماعيّة.

 

********

[1] – هذا فصل   من كتاب لم ينشر عنوانه: النبوّة، مقال في نقد الفكرة.  وكنا قد نشرنا هنا ملخص للفصول  على الرابط التالي https://www.alawan.org/2017/09/05/%d9%86%d9%82%d8%af-%d9%81%d9%83%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%88%d9%91%d9%8e%d8%a9/

[2]  –  يزوتسو، توشيهيكو، الله والإنسان في القرآن، على دلالة الرؤية القرآنية للعالم، ترجمة وتقديم: هلال محمد الجهاد (بيروت، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، آذار 2007) ص 160.

[3] – نفسه، ص 166.

[4] – نفسه، ص 167.

[5]  – انظر: هينة، بيتر، الإسلام، ترجمة: أسامة الشحماني (بيروت، مؤسسة شرق غرب/ ديوان المسار للنشر، الطبعة الأولى، 2012) ص 53 وما بعدها.

[6]  – جب، هاملتون، دراسات في حضارة الإسلام، ترجمة: إحسان عباس وآخرون (بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة الثالثة، 1979) ص 239 وما بعدها.

[7]  – جون سي. بلر، مصادر الإسلام، بحث في مصادر عقيدة وأركان الديانة المحمدية، ترجمة: مالك مسلماني، ص 31.

[8] – انظر على سبيل المثال: محمود، محمد، نبوة محمد، التاريخ والصناعة، مدخل لقراءة نقدية (لندن، مركز الدراسات النقدية للأديان، الطبعة الثانية، 2013) ص 83.

[9]  – عبد الكريم، خليل، الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية (القاهرة، سينا للنشر، الطبعة الأولى، 1990).

[10]  – عبدالكريم، خليل، ص 48 وما بعدها.

[11]  – جولد تسيهر، إيجناس، العقيدة والشريعة في الإسلام، تاريخ التطور العقدي والتشريعي في الدين الإسلامي، نقله إلى العربية وعلق عليه: محمد يوسف موسى وآخرون (القاهرة، المركز القومي للترجمة، العدد 1963) ص 9.

المصدر: https://www.alawan.org/2019/09/07/البعد-الاجتماعي-للنبوّة-12/

2

من منظور تحليلنا تبدو نبوّة محمد حلاّ شخصيا لمشكلات اجتماعيّة، ولا علاقة لها بأيّ كائن فوق بشري، مؤثرة ومتأثرة بمكوّنات المجتمع الكليّة. عمليّة تأقلم، وتأثّر بحتميات أساسيّة. لم تنشأ من فراغ ثقافي، ولا من تكليفات فوق بشريّة، تنسج من وراء ما تراه قطيعة مع المجتمع الجاهليّ خيط استمراريّة يتيح للمجتمع أن يبقى متماسكا. وفي هذا الإطار أتفهم (قصة الغرانيق) فحدوثها أكثر منطقيّة عندي من عدم حدوثها كما يدّعي البعض، والشّيطان الّذي غرّر بمحمد عند آخرين لم يكن شيطانا؛ إنّما هو محمد في حالة من التّفاوض مع ثقافة المجتمع المكيّ.

كأيّ مصلح يعرف محمد أنّ ما من مصلح يمكنه أن يتنصل تماما من المعتقدات الّتي تسود مجتمعه، والّتي يخضع لها أفراده يوميا. تتكوّن هذه المعتقدات من أفكار ومفاهيم تتعلّق بحياتهم اليوميّة وتعاملهم مع بعضهم البعض، يتقبّلها النّاس كما لو أنّها ذات طابع فكري محض. بعض هذه المعتقدات يثق بها النّاس ثقة عمياء، ويؤمنون بها من غير أدنى شكّ؛ لأنّها تأخذ صيغا دينيّة أو قيميّة، وتصدر عن مرجعيات مؤثّرة، فلا يستطيع أحد مناقشتها. وبشكل عام يمكن القول: إنّ محمدا عرف كيف يستفيد من هذه المعتقدات المرتبطة بتقاليد وعادات وتجارب، بعضها موروث تلعب المرجعيات دورا في نشوئها أو تكريسها، وفي ظروف ممارساتها.

ثمّ إنّنا يجب ألّا ننسى معتقدات محمد الشخصيّة؛ فهو كأيّ إنسان يوجد عنده شبكة من المسلّمات تشكّل خلفيته المعرفيّة؛ فحين يتصرّف، أو يفكّر، أو يتحدّث، فهو يسلّم بوجود طريقة معيّنة يوصفها جون سيرل على أنّها ” شبكة من الأحكام “. وكما يضيف فإنّ شبكة الأحكام هذه يمكن أن توصّف بأنّها نظريّة وربّما مجموعة من النّظريات، لكن حين تؤدّي الخلفيّة عملها أي تقوم بوظيفتها، فليس الإنسان في حاجة إلى نظريّة؛ لأنّ مسلماته تسبق نظرياته. ليست تصوّراته وفرضياته وآراؤه، فحسب، بل ما هو جزء ممّا يُسمّى بخلفيّة فكره.

لقد دُرست خلفيّة أفكار محمد، والرّأي السّائد بين دارسيه لاسيّما من المستشرقين أنّه يصدر عن فكر ديني يهودي أو مسيحي أو عنهما معا. كتب نولدكه ” سيفضي بنا البحث المتعمّق عمّا هو يهودي ومسيحي في القرآن إلى الاقتناع بأنّ التّعاليم الأساسيّة الّتي يشترك فيها الإسلام والمسيحيّة هي ذات صبغة يهوديّة[1]“ثمّ يضيف في الصفحة التاليّة ” الإسلام هو الصيغة الّتي دخلت بها المسيحيّة إلى بلاد العرب كلّها[2]“. وكما يبدو فإنّ نولدكه نفسه غير متأثر بما استنتجه فقال بعد صفحات قليلة: ” أحد أهمّ مصادر تعاليم محمد كانت الاعتقادات الّتي اعتنقها قومه، وما من مصلح يمكن أن يتنصل تماما من المعتقدات الّتي تربى عليها[3]

على أي حال؛ نحن لا نوافق كلّ الّذين قالوا بتأثر محمد باليهوديّة والمسيحيّة أو هما معا. الأمر عندنا يتعلّق بكون النبوّة مؤسّسة عناصرها الأساسيّة تكرّر من نبوة إلى نبوة بحيث تتحكّم في تعاليم الأنبياء. يمكن أن نوضّح هذه الفكرة بالأدب من جهة أنّه مؤسّسة اجتماعيّة. فلا أحد رأى أنّ المتنبي مادح لأنّه تأثر بالشعراء المادخين قبله، ونقول الأمر ذاته مع الغزل عند عمر بن أبي ربيعة. يتعلّق الأمر فيما نرى بثيمتين معروفتين في مؤسّسة الأدب هما المدح والغزل. كذلك هي نبوّة محمد؛ لا يمكننا أن نقول إنّها متأثرة باليهوديّة والمسيحيّة لمجرّد أنّها تتّفق معهما في الوحدانيّة وأفكار أخرى، فهناك أفكار أساسيّة للنبوّة من حيث هي مؤسّسة تبقى ولا تفنى. هنا من المناسب أن نثير الانتباه إلى فقرة في كتاب نولدكه غير مستثمرة في المنظور الّذي تفتحه. يقول: إذا اُعتبر المقياس الوحيد للنبوّة أن يأتي النّبي بأفكار جديدة لم يسمع بها من قبل، أفلا تُنزع النبوّة من كلّ رجال الله ومؤسّسي الأديان؟ إنّ محمدا حمل طويلا في وحدته ما تسلمه من الغرباء، وجعله يتفاعل وتفكيره. ثمّ أعاد صياغته بحسب فكره حتّى أجبره أخيرا الصّوت الدّاخلي على أن يبرز لبني قومه رغم الخطر والسخريّة اللّذين تعرض لهما؛ ليدعوهم إلى الإيمان[4]“.

ماذا حمل محمد في وحدته؟ من هم الغرباء؟ لماذا أعاد صياغة ما حمله من الغرباء؟ في ضوء هذه الأسئلة يمكنني أن أوضّح عبارة نولدكه. يتعلّق الأمر بمحمّد الّذي تمكّن من مستودع الأفكار في النبوّات الّتي سبقته (ما حمله محمد من الغرباء؛ أي الأنبياء قبله). ببطء بدأ محمد في استخدام هذه الأفكار من أجل نبوّته الخاصّة (إعادة الصّياغة). العمليّة بطيئة جدّا (حمل الأفكار طويلا). ومن هذه الزّاوية أتفهّم نبويته في الأربعين من عمره؛ ففي هذا العمر يمكنه أن يستعمل الأفكار الّتي حملها طويلا من التّقليد الموجود قبلا. إنّ مؤسّسة النبوّة ليست صارمة إلى الحدّ الّذي يجعل من النّبي مقلّدا فقط. مؤسّسة النبوّة مرنة تستحق أن يعيد خلق وبناء أفكارها الأساسيّة قلّة من الأفراد المتميزين ندعوهم الأنبياء، ومن هؤلاء محمد.

محمد نبيّ حقّا؛ لكن من وجهة النّظر الّتي تعنينا. إنّ الرؤية الّتي لا ترى في محمد سوى أداة في يد كائن علوي يوجّهه أنّى شاء فكرا وعملا. أقول إنّ هذه الرؤية تجعل من محمد فردا عاديا أدّى دورا يمكن أن يؤدّيه آخرون إذا ما تمتّعوا بدعم كائن سماوي؛ أي أنّ مفهوم الاصطفاء يغمط ما لمحمد من قدرات نادرة. أمّا الرؤية الّتي ترى في محمد إنسانا واعيا استغلّ قدراته الخاصّة الفكريّة والعمليّة. أقول إنّ هذه الرؤية تجعل منه فردا جديرا بأن يكون في مقدمة أبطال التّاريخ.

*****

[1] – نولدكه، تيودور، تاريخ القرآن، نقله إلى العربيّة وحققه: جورج تامر (بيروت، مؤسسة كونوسراد إدناور، الطبعة الأولى، 2004) ص 7.

[2]  – نفسه، ص 8.

[3] – نفسه، ص 18.

[4]  – نفسه، ص 4.

المصدر: https://www.alawan.org/2019/09/12/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%a7%d8%b9%d9%8a-%d9%84%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%88%d9%91%d8%a9-22/

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك