المرأة وحقوقها السياسية!
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف
يُشهر الكافرون والمنافقون، موضوع المرأة في حواراتهم مع المسلمين، وفي تقاريرهم الحقوقية، وبرامجهم الإعلامية والثقافية، ويقبع بعض المسلمين في قفص الاتهام، بذلة وصغار لا يُحسد عليهما، ويحاول بعضهم التملص؛ أو البحث عن مخارج عمومية أو مائعة، وهذه المواقف الكليلة؛ تسللت للنفوس من هزيمتها الداخلية، وضعفها الحضاري والعلمي.
ويعجبني المعتز بهويته، المعلن لها كما هي، فليس من شأن الواثق الترقيع والتزيين ليعجب الآخرين، والأمر آكد مع شرع ربنا الذي نؤمن بأنه وحي منزل، وحكم قاطع، ومصلحة ظاهرة راجحة، وليس لنا إلا الإذعان، والتسليم والانقياد، وما أشرفه من إذعان، وما ألذه من انقياد، فلربنا نعفر الوجوه، ونرغم الأنوف، ولجلاله سبحانه تسجد القلوب، ولحكمه تسلم العقول تسليماً.
وبين يدي كتاب امتلأ مؤلفه عزة وشموخاً، قرأته قبل خمسة عشر عاماً، عنوانه: المرأة والحقوق السياسية في الإسلام، تأليف مجيد محمود أبو حجير، صدرت طبعته الأولى عن مكتبة الرشد عام (1417= 1997 م)، ويقع في(582) صفحة، ويتكون من إهداء وقرار لجنة المناقشة، فشكر ثم مقدمة، يتلوها بابان وفي كل باب فصلان، ويعقبهما ثبت بالمراجع، فالملخص ثم فهرس المحتويات.
والكتاب رسالة ماجستير في القضاء الشرعي، بكلية الدراسات العليا، في الجامعة الأردنية عام(1414=1994م)، وممن ناقشها العلامة أ.د. فتحي الدريني، مما يعطيها قوة علمية وأكاديمية، ورؤية شرعية خالصة، بعيدة عن وصفها بالإقليمية النجدية، أو المنهجية الوهابية؛ التي يطنطن حولهما البعض؛ للغض من صرامة بعض المؤلفات، أو التقليل من منهجيتها الشرعية المتينة، وإن كنت لا آمن أن يُقال إن الرسالة ممولة سعودياً!
ذكر الباحث في مقدمته أن اختياره هذا الموضوع يعود لأهميته، وحيويته، وكونه حديث المؤتمرات؛ مع كثرة الخلاف حوله، وتشعب الآراء فيه، وهذا ما حفزه للكتابة في هذه المسائل من وجهة نظر شرعية، تخضع للنص الشرعي، وتتسامى به عن العوائد، والضغوط، وتحتمي به من تخبطات ما يسمى زوراً بالشرعية الدولية، أو يوصف بهتاناً بحقوق الإنسان، والمرأة على وجه الخصوص.
عنوان الباب الأول: المرأة والحقوق السياسية في تشريعات الأمم، وفيه نقل تعريف العلامة الدريني للحق السياسي بأنه:” الاختصاص الذي يقر به الشرع للمكلف في أن يحصل على حق الوظيفة العامة، أو الانتخاب والترشيح، أو سلطة الحكم”، وحكى قول سقراط: “للرجال السياسة، وللنساء البيت”، وأسوقه هنا حجة على من يحلو لهم تسقط أقوال سقراط وغيره، وربما شعروا بنشوة ثقافية وهم يلوكون اسمه؛ مع أنهم يلومون غيرهم على الاقتباس من القدماء، دون أن ينتبهوا إلى أن سقراطهم أقدم من قدمائنا!
ثم استعرض المؤلف تاريخ منح حق الانتخاب للمرأة في الدول المعاصرة، وبدأ ذلك مع قرب نهاية الربع الأول من القرن العشرين، واختلفت طريقة تطبيقه وإقراره من بلد لآخر، وتركيا هي أول بلد مسلم منح المرأة حق الانتخاب عام(1936م)، أما مصر فمنحت المرأة حق الانتخاب عام(1956م)، ثم تبعتها الأردن، فتونس ثم سوريا ولبنان والجزائر فالعراق، وتأخرت دول الخليج؛ فمنحت المرأة حق الانتخاب في السني الماضية.
وفي ختام الباب الأول القصير قياساً بالثاني، أكد الشيخ مجيد أبو حجير على أن حقوق المرأة في الإسلام منحة إلهية، وحكم شرعي، لا يجوز لأحد انتقاصه، أو سلبه، أو تبديله، أو حتى المن بمنحه، وقرر أن أي تصرف مأذون به يبطل إذا كان فيه مناقضة لقصد الشارع، فلا يجوز استعمال الحق للإضرار بالآخرين، أو لتحقيق أغراض غير مشروعة. وللعلامة الدريني كتابان فذان، أولهما عن الحق وسلطان الدولة في تقييده، والثاني عن نظرية التعسف في استعمال الحق، والله ييسر عرضهما لعظم فائدتهما، وجلالة قدر مؤلفهما.
المرأة والولايات العامة في التشريع الإسلامي هو عنوان الباب الثاني الضخم، حيث جاء في (453) صفحة، وعليه مدار الكتاب. ابتدأ الباحث بتعريفه هو للولاية العامة بأنها: “سلطة شرعية عامة مستمدة من اختيار عام، أو بيعة عامة، أو تعيين خاص من ولي الأمر، أو من يقوم مقامه، تخول صاحبها تنفيذ إرادته على الأمة جبراً في شأن من مصالحها العامة في ضوء اختصاصه”.
والولاية إما أن تكون عامة أو خاصة، وللعامة قوة ونفوذ، خلافاً للخاصة؛ ولذا فشروط الولاية العامة أشمل وأكثر. كما يمكن تقسيم الولاية إلى سياسية ودينية، فالسياسية تشمل السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وأما الولايات الدينية فهي ولاية الصلوات، والحج، والصدقات.
وفي مئة وخمسين صفحة، بحث المؤلف أحكام تولي المرأة الإمامة العظمى، وبعد تعريف وتحديد للشروط الخاصة بمن يتولى هذا المنصب، ذكر القولين في المسألة مع أدلتهما النقلية والعقلية، وجواب كل فريق على استدلال الآخر وترجيحاته، وخاض لجج هذه المسألة ببراعة بحثية وفقهية، تنبئ عن ملكة وإنصاف، وخلص إلى حرمة تولي المرأة منصب الإمامة العظمى، أو رئاسة الدولة، لصراحة الأدلة في ذلك، وقوة استدلال المانعين، وأن الحوادث الاستثنائية لا عبرة بها.
ومن طريف ما ذكره عن شجرة الدر؛ أنها أمرت غلمانها بخنق زوجها لما همَّ بالزواج عليها، فقبض عليها ابن زوجها وسلمها لأمه، التي أمرت جواريها بقتلها بالقباقيب والنعال؛ ويا رب سترك! ولأن بعض الناس تهزهم الحقائق الأمريكية؛ فلم يعتل زعامة البيت الأبيض خلال (66) فترة رئاسية إلا الرجال، ولم يكن للمرأة حضور لافت في السباق الرئاسي.
ثم انتقل الباحث أبو حجير إلى المرأة ومنصب الوزارة، وعرف وزارتي التفويض “رئاسة الوزراء”، والتنفيذ “وزارة خاصة بأمر واحد”، وبعد عرض القولين وأدلتهما، ونقاش كل فريق للآخر، ترجح عند المؤلف، القول الثاني، بتحريم تولي المرأة وزارة التفويض أو وزارة التنفيذ، وساق الأدلة التي دعته لترجيح هذا الرأي، من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
تطرق الكاتب أيضاً لحكم تولي المرأة منصب القضاء، والمقصود هنا ولاية القضاء باعتبارها ولاية عامة، والقضاء أربعة أقسام هي: العام، المظالم، الحسبة، الرد(النقض)، ولتوليها شروط يذكرها الفقهاء، استعرضها الباحث في موضعها، ونقل قول المجيزين والمانعين، والقول الثالث لبعض الحنفية؛ الذين يجيزون قضاءها فيما تجوز به شهادتها، وبالتالي فلا يصح قضاء المرأة عندهم في الحدود والقصاص فقط. وبعد إيراد الأدلة ونقاشها، اختار الشيخ مجيد قول المانعين؛ لقوة أدلته من الوحيين، والإجماع والقياس والعقل، وأشار إلى أن عدداً من الدول العربية نصت في دساتيرها على شرط الذكورة في القاضي.
بعد ذلك درس الباحث أحكام المرأة والانتخابات، وترجح لديه بعد نظر فاحص، جواز أن تكون المرأة ناخبة تدلي بصوتها، وتختار من تراه أهلاً وتبرأ به الذمة. وأما كون المرأة مُنتَخبة ففيه ثلاثة أقوال: مجيز ومانع، والقول الثالث يبيح عملها النيابي في حقلي التشريع والمراقبة، ويمنعه في الجانب السياسي، وبعد أن طاف المؤلف مع هذه الأقوال وأدلتها، اختار الرأي الثاني المانع للمرأة من تولي النيابة العامة، وذكر عن أستاذه العلامة الدريني، أنه لا يجوز تولية المرأة وظيفة عامة فيها سلطة الحكم والإلزام، وأما وظائف الولاية الخاصة فجائزة برأي الباحث، كأن تكون محتسبة على النساء، أو شرطية، أو وصية أو ناظرة على وقف.
ومن البدهي أن يختلف الناس في حكمهم على المستجدات والحوادث، بيد أن المهم في كل خلاف، هو ألا يدخل فيه من ليس من أهل الشأن، وألا يصار لرأي لأجل إرضاء كافر أو منافق، وفي حال اختيار قول لضرورة؛ فلا مناص من التنبيه إلى أنه رأي مؤقت، ويجب العمل على رفع الضرورة، وتغيير حال الاستضعاف، لأن الحكم المؤقت لا ينبغي له الديمومة، وإنما الدوام للحكم المبني على الأصول، والجاري مع المقاصد، وتحقيق المصالح، دونما خنوع، أو تصاغر، فالعزة لله ولرسوله، ولكتابه ودينه؛ وبالتبع لمن رضي بالأمر الرباني، والتزم به. وأما المرأة، فلا أفضل لها من بيتها؛ وهو قول كل امرأة نحَّت عنها المكابرة، ونظرت بتقدير لأنوثتها؛ مخلَّفة الأهواء وأصحابها، والشهوات وأربابها، سائرة بكليتها لما يرضي ربها، وما يحقق رسالتها العظيمة في الحياة، باختلاف موقعها في الأسرة والمجتمع.
المصدر: https://ahmalassaf.com/1197