الحوار مع الآخر.. ضرورة للتعايش لا ترف فكري
لطفي عبداللطيف
أكدوا أن “الحوار مع الآخر”.. أيًا كان الآخر دينه وجنسه ولونه ومذهبه وثقافته، أمر مطلوب للتعايش الإنساني، وضرورة تقتضيها الفطرة البشرية، والحاجات المجتمعية لصياغة نسيج لشبكة علاقات لا يمكنها أن تستقر إلا بالحوار والتفاهم بين عناصر هذه الشبكة.
وأن الحوار الإنساني - الإنساني ضروري للتعايش بين الأفراد والجماعات والمجتمعات، وإلا كان البديل الصراع والنزاع وتأجيج الفتن، واندلاع الحروب واعمال التطهير والتصفية العرقية.
فالاختلاف والخلاف بين البشر قائم بحكم التنوع، فهناك الاختلاف الثقافي والعرقي والديني والمذهبي، وهذه الاختلافات باقية حتى قيام الساعة، والحكم فيها والتعامل مع بقائه لا يكون بإلغائها ولا بتجاهلها، بل بالتعرف عليه وتقبله واحترامه كسنة دائمة من سنن الكون. واذا كان “البعض”يرفع شعارات “صراع الحضارات او الثقافات” و “نهاية التاريخ”، و “التفوق الجنسي”، فإن الجميع تدارك خطورة هذه الفرضيات على التعايش الإنساني، وبدأ الحديث قويًا عن الحوار مع الآخر، والتعرف عليه، والتسليم بأن هناك “خلافًا” و “اختلافًا” بين الشعوب، وبين الاديان والمذاهب والايديولوجيات، وانه لا بد للحوار بين هذا التنوع البشري من منطلق ديني وإنساني وتعايشي ومصلحي، لان البديل “دق طبول الحرب”، الذي يدفع ثمنه الجميع غاليًا.
النموذج العظيم للحوار
أكد الشيح سلمان بن فهد العودة “المشرف العام على مؤسسة الاسلام اليوم” اهمية الحوار مع الآخر، وقال: يجب أن نتعلم كيفية التعايش مع الآخرين ومع الواقع بآلياته دون فقدان الهوية وضياعها وذلك بطريقة سليمة تحقق المصلحة وتدفع المفسدة، واشار إلى أن معنى التعايش هو قبول التصالح الدنيوي والوجود والجوار في الاتفاق على جملة من الأخلاق الإنسانية التي تتيح فرصة لتبادل الحوار والإقناع وليس معنى التعايش قبول الأوضاع السيئة وتبريرها بطريقة منطقية ولإبطال قانون المقاومة والدفع بالتي هي أحسن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه قيم شرعية ثابتة لا مزايدة عليها.
واضاف أن النموذج العظيم للتعايش هو أنموذج المدينة المنورة عاصمة الإسلام وحامية بيضته وحوزته ومنطلق دعوة آخر الأنبياء صلى الله عليه وسلم وعليه فالتعايش هو نوع من التعاون والتعارف في المشترك الحضاري والإنساني وتبادل الخبرات التي تعين الإنسان على عمارة الأرض ونشر قيم الخير التي يتفق الناس على الاعتراف بها.
وقال الشيخ سلمان العودة: إن نجاح التعايش مرهون بصوت العقلاء الذين يقدمون لغة الحوار الهادئ والهادف الذي يحقق المنشود ويصل لهدفه بيسر وسهولة، كما أن إخفاقه مرهون بصوت الحمقى الذين لا يعرفون إلا مصالحهم فقط حين يعتمدون لغة القوة والعنف بشكل كبير في إداراتهم ومطابخ قراراتهم. واشار إلى أن الدين لم ينزل لتأجيج الصراع بين الناس بل لضبط العلاقة وتنظيمها وعمارة الأرض (هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا). وطالب بضرورة مراعاة “فقه تحقيق المصلحة ودرء المفسدة” ذلك أن مصلحة التعايش ظاهرة وميسرة ونفعها جلي.
لا مجال للصراع
كما أكد وكيل وزارة الشؤون الاسلامية للمطبوعات والبحث العلمي الدكتور مساعد بن إبراهيم الحديثي ضرورة الحوار مع الآخر من اجل التعايش، فلا مجال للصراع، والمسلمين بحاجة إلى الحوار مع الآخرين للتعريف بدينهم، وقال الدكتور الحديثي: للأسف عندما افتقدنا الحوار مع أنفسنا ومع اهلنا ومع اقاربنا ومع الآخرين صرنا عنيفين جدًا حتى في نظرتنا لانفسنا، فنجد قسوة مع النفس، ومع الاقارب، ومع الآخرين، حتى تعاملنا مع الخدم والسائقين، وصار هناك “مرض ثقافي” يعاني منه البعض، وهذا كله يتنافى مع سماحة ديننا. واضاف: حتى مصطلحات “الحوار” و “الوسطية” صارت غريبة في هذا الزمن، الذي نحن في اشد الحاجة إلى الحوار، والى نشر منهج الوسطية والاعتدال، واشار د. الحديثي إلى اهمية تعزيز ثقافة الحوار في مناهجنا التعليمية، وقال: “النظام التعليمي لا يهتم بقضايا الحوار، وصار المدرسون يتعاملون مع الطلاب بمنطق “اسكت”، “اصمت”، “لا تتكلم”، وهذا خلق نوعًا من ردة الفعل عند الشباب استغلت بشكل سيئ، من بعض الخبثاء، وألبست ثقافة عدم الحوار بلباس شرعي مزيف، وهذه تحتاج إلى علاج في المنزل من الابوين والاسرة، وفي المسجد من الائمة والخطباء والدعاة والمختصين، وفي المدرسة، وخطب الجمعة، والمؤسسات التربوية والاعلامية والثقافية، وليست مسؤولية فرد او جهة بعينها، بل يجب تضافر جهود الجميع.
مسلك ديني واخلاقي
ويرى الدكتور عبدالله بن عمر نصيف “نائب رئيس مجلس الشورى السابق” أن الحوار سمة من سمات الدين الإسلامي ووسيلة من وسائله الحكيمة في إبلاغ رسالته والتعريف بمقاصدها الإنسانية النبيلة الجليلة لجميع الناس، فقد جاء منهج القرآن الكريم ليواصل ثقافة الحوار ويرسخ بنيته في التكوين التربوي والسلوكي للمسلم.
وقال الدكتور نصيف: إذا كان الحوار اليوم قد بات ضرورة وواقعًا بين بني البشر على مستوياتهم كافة ذلك نظرًا للاضطرابات المتنوعة التي يمر بها العالم من حولنا خاصة ثقافة العولمة التي أضحت تواجهنا من كل حدب وصوب. وطالب الدكتور نصيف بالتنسيق بين المؤسسات والهيئات العاملة في الدعوة والتعليم والإغاثة، وبخاصة في مجال الحوار الرهان الأكبر، والتحدي الأصعب أمامنا جميعًا من أجل تحقيق غاياتنا المشتركة النبيلة بالتعريف بالإسلام ومقاصد رسالته الربانية الإنسانية السمحة. وطالب برصد مناشط الآخر في ميادين الحوار، وإجراء دراسات دقيقة حول وسائل وآليات ومهارات الآخر في ميادين الحوار.
أعظم الإشكاليات
ويرد الدكتور منقذ محمود السقار الباحث في رابطة العالم الإسلامي على الإشكالات التي يثيرها الرافضون لفكرة الحوار مع الآخر قائلًا: هناك البعض يرفضها لدواع عقدية وآخرون لدواع دعوية أو حضارية أو بسبب الممارسات الخاطئة التي اكتنفت التجارب السابقة، واكد السقار أن أحدًا لا ينكر أن للغرب أهدافه الخاصة من الحوار إذ لن يظن بحال أن الآخرين يفكرون بمصالحه بمعزل عن مصالحهم وبرامجهم، فضلًا عما تعانيه المجتمعات الغربية من أزمة ونكسة في القيم الدينية والاجتماعية، والحق أن ما استشكله الرافضون للتعاون مع أهل الأديان سببه فهمهم التعاون على غير صورته الصحيحة.
واضاف السقار: أن أعظم إشكاليات الحوار هي تصويره في صورة المداهنة المحرمة التي قد يقع فيها بعض المحاورين. وقال: إن الذي دفع الغرب إلى الحوار هو انفتاح شعوبه على الإسلام واعتناق ألوف منهم إياه، وقد رأت تلك المؤسسات الغربية أن لا جدوى من المجابهة والتحدي، فلجأوا إلى الحوار للظهور بمظهر الندّ لا المهزوم والموافق لا المجابه، مضيفًا ان عدم اعتراف أحد أطراف الحوار للآخر يسقط من نجاح الحوار، والحوار الحقيقي هو الذي ينطلق بين الأنداد، مؤكدا أن ثمة مصالح في الحوار مع الآخرين لا نستطيع التنكب لها ولا الإعراض عنها ولا الفض من قيمتها حيث إن الحوار مطلب ديني حين يكون موضوعه دينيًا إذ هو باب من أبواب الدعوة والتعريف بالحق الذي هدانا الله إليه، ذلك أن من واسع رحمة الله أن وضع بين أيدينا خاتمة شرائعه وجعل مبناها على رعاية مصالحنا في المعاش والمعاد. واشار إلى ان مصالحنا في الحوار مع الآخرين والتنسيق معهم تزداد بقدر ما تعانيه البشرية في القرن الــ 21 من تحديات تتهدد الجنس البشري بأممه المختلفة وتستهدف استقراره على هذا الكوكب. الحوار الاقناعي الهادف هو الاسلام لا القهر والإكراه
ويرى الشيخ فوزي فاضل الزفزاف “عضو مجمع البحوث الإسلامية” أن الحوار هو لغة الإسلام، وقد قضى الله سبحانه وتعالى أن تكون علاقته -جل شأنه- بمخلوقاته قائمة على أساس الحوار الاقناعي وليس على أساس القهر والإكراه وأن القرآن الكريم وهو دستور المسلمين ومصدر عقيدتهم وشريعتهم، قد وجهنا إلى أن الحوار هو الأسلوب الذي يجب على المسلمين اتباعه عند بحث القضايا والمشكلات وعند مناقشة حل الخلافات التي تنشأ بين المسلمين وغيرهم أو بين المسلمين بعضهم مع بعض.
واضاف أن الحوار مع الآخر هو لغة الإسلام وما دام الإسلام هو اللغة التي ارتضاها الخالق - جل وعلا - لتكون لغة التفاهم بين البشر وهو اللغة التي علمها الله لنا في القرآن الكريم، وما دام الحوار قد فرض نفسه على العلاقات الدولية في العالم وأصبح ضرورة تحتاج إليها الإنسانية في عصرنا الحالي، وحدد د. الزفزاف مجموعة من الضوابط للحوار مع الآخر منها: تحديد الهدف من الحوار وهو الوصول إلى الحقيقة والصواب في الموضوع محل الحوار وقبول الحق والتسليم به، والالتزام بموضوع الحوار وعدم الخروج عنه، ونبذ التعصب للرأي وضرورة الالتزام باحترام الرأي الآخر، والتزام كل عضو من أعضاء طرفي الحوار باحترام بقية الأعضاء وعدم التعالي عليهم والحرص على استعمال الأسلوب الراقي المهذب الذي لا يعرض بالآخرين.
* أما الدكتور عبدالرحمن الماحي “رئيس جامعة الملك فيصل بتشاد”: فقال إن الحوار يعد وسيلة سلمية من وسائل التعامل البشري في معترك الحياة وقد يكون مباشرًا أو غير مباشر، مشيرًا إلى أن الحوار لا يحتاج إلى جهد كبير لنعرف أنه يمارس بالتي هي أحسن، ومؤكدًا على اتباع أفضل الأساليب وأحسنها في إقناع الخصم أو المعاند بالفكرة التي يدور حولها الحوار، وحدد الدكتور الماحي مجموعة من العناصر التي يجب توفرها في عملية الحوار مع الآخر في مقدمتها موضوع الحوار والهدف منه، ومعرفة المتحاورين للموضوع وأبعاده وآفاقه، والجو المناسب والهادئ للحوار، والأسلوب العلمي للحوار.
تجنب التفكير السطحي
ويحدد الدكتور ماجد بن محمد الماجد الأستاذ بجامعة الملك سعود آداب وضوابط الحوار مع الآخر يقول: إن الحوار يعني العدل والرحمة واحترام حرية الآخرين واحترام الآخر لا يعني بالضرورة الرضا بمعتقداته أو إقراره عليها وليس الهدف من الحوار مجرد فك الاشتباك بين الآراء المختلفة أو تحييد كل طرف إزاء الطرف الآخر، وإنما هدفه الأكبر هو إثراء الفهم المتبادل وترسيخ قيمة التعاون بين البشر، كما أنه واجب شرعي على العلماء المؤهلين، لأنه من أعظم سبل الدعوة إلى الإسلام.