الشرق والغرب: المحددات والمؤثرات
الشرق والغرب: المحددات والمؤثرات
علي بن إبراهيم النملة*
زادت في السنوات الأخيرة أفكار وممارسات الحوار بين المسلمين والغرب، وأضحى يسمّى اصطلاحاً الحوار بين الإسلام والغرب، وكأن الإسلام هو الطرف الأول والغرب هو الطرف الثاني في الحوار. والمتمعّن في هذا الاصطلاح يدرك الغرض من إطلاقه، إذ إن الإسلام، ثقافياًّ، منطلق واحد يحمل أفكاراً محددة منشؤها من كتاب الله –تعالى-، القرآن الكريم، وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-. أما الغرب فهو تجميع لعدة ثقافات، بعضها تنطلق من منطلق ديني كالنصرانية واليهودية، وبعضها تنطلق من منطلق متناقض مع الدين ومحارب له في الحياة العامة، كالعلمانية والشيوعية والاشتراكية والإلحادية، ثم في صياغتها الأخيرة باسم العولمة الثقافية، وغيرها من الملل والنحل التي تقف طرفاً آخر في هذا الحوار القائم الآن مع الإسلام.
والأصل أن يقوى الحوار، ويستمر، ويتخذ أشكالاً متعددة بحسب المقام، حوارات فردية أو جماعية، علمية أكاديمية أو فكرية ثقافية، تجارية أو اجتماعية، إذ لا يملك المرء اليوم إلا أن يكون طرفاً في هذا الحوار المستمر.
ومع أن فكرة الحوار ليست جديدة على هذه الثقافة، إلا أنه يستغرب المرء تحفظ بعض المعنيين من الحوار مع الآخرين بحجج، منها ارتباط الحوار بالتنصير(1)، وارتباطه كذلك بالتهيئة للاستعمار، ونحو ذلك من حجج وقتيّة قد لا ترقى إلى العلمية الموضوعية، وليس لدى المسلمين ما يخفونه عن غيرهم ليتحفظوا على الحوار معه(2)، وليس لدينا -نحن المسلمين كذلك- ما نخشاه من الانهزام في الحوار، إذ إن النجاح ليس هو المقصود من الحوار فليس النجاح فيه هدفاً بل إن النجاح وسيلة لا غاية، وعدم النجاح يُعْزَى إلى المحاور، وليس إلى الموضوع المتحاور فيه، وإنما الغاية هي نقل المعلومة الصحيحة عن الإسلام، وتلقي المعلومة الصحيحة عن الثقافات الأخرى، ليكون هناك إقناع واقتناع.
وأهم من هذا كله أن يقوم الحوار على المعلومة الصحيحة الواضحة، وأن يقوم على النِّدِّيَّة بين المتحاورين، وأن تكون هناك نقاط تلاقٍ، كما تكون هناك نقط اختلاف، ليكون للحوار مغزىً وثمرة، دون خوف من الغرب على الإسلام، ودون خوف من الإسلام على الغرب(3).
وقد تناول الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد في أحاديثه عن الحوار وبيّن طرقه وآدابه وأصوله، ونشر هذا في أكثر من مكان ومقام(4).
وحوار الأديان قضية قديمة تتجدد مع الزمان، ويزيد من الاهتمام بها ازدياد الإقبال على الإسلام(5)، فتهب العقائد الأخرى، لا سيما النصرانية في محاولة للتركيز على نقاط اللقاء.
ومعلوم لدينا أن هذا الحوار قد بدأ مع أول هجرة للمسلمين إلى الحبشة، فحاورهم النجاشي حواراً يريد منه، أو أراد منه، أن يصل إليه من آمن بالبعثة وتوفي مسلماً مؤمناً بالله ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم قدم وفد نجران إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- وكأن بينه وبينهم حوار انتهى بإسلام بعضهم على الأقل، وكان هناك حوار بين موفد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهرقل عظيم الروم، وكل هذه الحوارات مسجلة في سيرة المصطفى – عليه الصلاة والسلام-(6). واستمر الحوار إلى يومنا هذا في نماذج فريدة، يريد منها المحاور المسلم إقناع الغير بالرسالة طمعاً في إسلامه(7).
والذي يجمع بين الحوارات الفاعلة انطلاق المحاور المسلم من قوة الإيمان بالله –تعالى-، وبالرسالة والرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويكفي أن نتذكر موقف ربعي بن عامر -رضي الله عنه- في قوله: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"(8).
أما إذا لم ينطلق المحاور المسلم من هذه القوة فإن الأمر لم يعد يأخذ صفة الحوار، بل يمكن أن نسميه بأي اسم آخر، كالاعتذار، أو الدفاع، أو التبرير/ أو التسويغ لأحداث وقتية، قد تلصق بالإسلام، أو قد تنطلق على أنها من هذا الدين، بينما هي ليست منه، وإن كانت منه فالاعتذار، أو التبرير/التسويغ، أو الدفاع يأتي لأنها أوامر أو نواهٍ، لا تعجب الغير، فيُعتذر عنها، مع شعور بالدونية في مقابل الغير.
ومتى ما سيطر عامل الدونية والفوقية في أي حوار فإنه لا يسمى حواراً بالتعريف الإجرائي للحوار بين عقيدتين، ومثله في ذلك حوار رئيس العمل الجاف الجلف مع عامله الضعيف المنكسر الخائف(9).
ومن ناحية أخرى يظهر أن المحاور الآخر قد وضع تصوراً في ذهنه للحياة والعلاقات، وأراد من الآخرين أن يقرَبوا منها، في وقت هو فيه الغالب والمسيطر على الحياة الاقتصادية والثقافية والفكرية، ولذا فإن مقياسه نابع من نظرته هو، ولذا يقوم حواره على اهتمام الغير بأنه لم يصل إلى المستوى الاقتصادي، والسياسي، والثقافي والفكري، الذي وصل إليه هو، وإن يكن قد بنى هذا كله على مقدمات خاطئة، وقواعد غير راسخة، ولكنه لا يعترف بذلك، ومن هنا، ولهذين العاملين المتوافرين في المتحاورين، من الجهتين يفقد الحوار الغرض الذي قام من أجله، ولا يكون الإقناع والاقتناع هدفاً أساسياًّ من أهدافه، فالقوي في هذا الحوار يريد أن يملي أفكاره، والضعيف فيه يريد أن يعتذر عن أفكاره، رغبة منه في محاولة التقريب.
ويظهر أننا لا نزال نحتاج إلى الوقت غير المحدد الذي نقوي فيها انتماءنا لهذا الدين، فنفهمه فهماً يؤهلنا إلى تقديمه إلى الغير بالقوة المطلوبة التي لا تعني بالضرورة العنف، كما قد يُفهم منها.
وهناك جملة من الكتّاب والكاتبات يتحفظون على فكرة الحوار مع الغير، ممن يختلفون عنا في الدين، بل إن أحد المؤلفين قد وصل به الرأي إلى تحريم التعامل مع فئة أولئك الناس، ممن نطلق عليهم اليوم اسم المستشرقين. ويرى هذا المؤلف أن التعاون معهم إنما هو من باب الموالاة لهم، ويورد نصوصاً شرعية تؤيد ما ذهب إليه في رأيه، يبرز هذا في كتاب "رؤية إسلامية للاستشراق" للدكتور أحمد عبدالحميد غراب(10).
والحوار الذي يتحفظ عليه بعض الناس، من الرجال والنساء، هو ذلك الحوار الذي يشعر فيه المحاور المسلم بالدونية، أمام الغير، الذي يُشعر من يحاورونه بأنهم، أي المحاورين، على قدر كبير من العلم والمعرفة والتفوق الحضاري، وهذا ما يثيره الأستاذ الدكتور حسن بن فهد الهويمل، في حديثه عن الاستشراق، في مجلة المنهل، حينما يركز على مشكلة عدم التكافؤ بين المتحاورين، بسبب شعور طرف منهما بالفوقية على الطرف الآخر، دون شعور الطرف الآخر، بالضرورة بالدونية تجاه المحاور(11).
والخطأ ليس في الحوار ذاته، بل هو في المحاوَِرين، بفتح الواو وكسرها. والمحاور المسلم مطالب بعدم الهوان: ﴿ولا تَهنِوا ولا تَحزَنوا وأنتم الأَعْلوْنَ إن كنتم مؤمنين﴾(12)، والعلو هنا مربوط بالإيمان، لا العلو المربوط بالغطرسة والعرقية والجنس البشري، بل العالي هنا هو المؤمن أين يكون، وكيف يكون، ومتى يكون، وإذا تحقق الإيمان لدى الشخص تحق لديه العلو الذي يفرض نفسه على الآخرين.
لقد تعرَّض الإسلام لحملات من التشويه، على أيدي بعض المستشرقين والمنصِّرين. وهو يتعرض لهذا في زمننا الحاضر، ولكن هذه الحملات لا تعني أن تتوقف دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، بالتحاور معهم، وتبيان ما عمي من الإسلام عليهم، ومن دياناتهم التي ينتمون إليها(13).
والجاليات المسلمة في مجتمعات غير مسلمة، والجاليات غير المسلمة في المجتمعات المسلمة تتعرض دائماً لنوع من أنواع الحوار، وشكلٍ من أشكال الحصول على المعلومات المباشرة من الأَخلاص المخلصين في علمهم ونباهتهم، وحملهم الهمَّ، ولا يتصور أن يمتنع مسلم مسؤول قضية ما عن تبيان حقيقتها التي يعرفها هو، وذلك بحجة أن هناك موقفاً من الحوار.
والمجتمع العربي جزء من المجتمع الكبير جداً، يتأثر فيه ومنه، وهو يؤثر فيه كذلك، بحكم هذه الخصوصية التي يصر المجتمع العربي على التوكيد عليها، رغم محاولات التنصل من هذا التوجه، بل الممل من ترديده، ورغم ما قد يقال: إنها ليست خصوصية، يتفرد بها المجتمع، بقدر ما هي قاسم مشترك، لجميع من يحملون هَمَّ هذه الخصوصية، إلا أن المجتمع العربي يمثل هذه الخصوصية، في هذا الزمن أصدق تمثيل، إذا ما قورن بالمجتمعات الأخرى، وهذا سر من أسرار تأثير هذا المجتمع الصغير على المجتمع الكبير جدّاً.
وهناك تخوف من تأثر المجتمع العربي بالمجتمعات الأخرى، لا سيما تلك التي تسلمت زمام الحضارة والنهضة وسارت بهذا الزمام إلى درجات متقدمة جدّاً من العلم والنماء، جعلته يخرج من محيط الأرض.
والتخوُّف يأتي من الخشية من أن يكون التأثر على حساب المبادئ، التي يؤكد عليها فعلاً وقولاً، وتبنِّي ثقافة بديلة، تهتم بالدنيا على حساب الآخرة(14).
وحيث إن هذا المجتمع يرغب في النهوض، مثله في ذلك مثل غيره من المجتمعات، وحيثما توافرت مقومات النهوض المادية والبشرية، وأراد أن ينهل من علم المادة، فليس أمامه إلا أن يطرق المدن الجامعية المتقدمة علماً وبحثاً. فذهبت مجموعة كبيرة من أبناء المجتمع إلى معقل الحضارة والعلم، في أوروبا وأمريكا وروسيا، ونالت من هناك المؤهلات العلمية العالمية في شتى فنون المعرفة، حتى بعض فروع العلوم الإنسانية أخذت من هناك.
وهنا يبدأ التأثر والتأثير، إلا أن الوفود الأولى في معظمها اكتفت بالتأثر أكثر من التأثير، الذي لم يتضح بصورة تدعو إلى الفخر إلا في الثمانينات الهجرية، السِّتينات الميلادية، عندما كثرت الوفود، وبدأت بوادر الثقة بالذات، وبالمبادئ تبرز بصورة أكثر وضوحاً.
ومن هنا برزت إزاء هذا الأمر مواقف ثلاثة:
الموقف الأول: موقف المتأثر تأثراً مطلقاً، ويرى مثالية ذلك المجتمع، وضرورة أن يكون قدوة في مجالات الحياة كلها!
الموقف الثاني: موقف الرافض مطلقاً، ويرى خطر ذلك المجتمع، وضرورة تجنبه، والاكتفاء منه بما ينتجه مادياًّ، بحكم أنه لا غنى عن هذا المنتج، ولذا يرى هذا الفريق عدم التعامل المباشر معه، ويكتفي منه بالتأثير عليه فقط!
الموقف الثالث: وهو الذي يحتل المرتبة الوسط، فيؤمن بالتأثر بأي مجتمع أو بيئة، كما يؤمن بالتأثير على أي مجتمع وبيئة، ذلك أنه يملك الثقة بما لديه من مبادئ ومُثل ومنطلقات، وثقته هذه سمحت له بالتأثر؛ فيما لا يطغى على ذاتيته وخصوصيته وتميزه، كما سمحت له بالتأثير، لأنه يؤمن بأن ما لديه نافع ومفيد، ليس له ولبيئته فحسب، بل للجميع، ولا حق لأحد أن يحجره أو يحجبه عن الآخرين.
والموقف الأول (القبول المطلق) أو التأثر المطلق فيه خطورة واضحة على المجتمع المتميز.
والموقف الثاني (الرفض المطلق) أو التأثير فقط فيه خطورة واضحة أيضاً على المجتمع المتميز، ذلك أن الأول يمِّيع فكرة التميّز والخصوصية، والثاني يقوقع هذا التميز والخصوصية.
وهذا الموقف لم يصدر من فراغ، وليس هو تأثراً ذاتياً بالمجتمع الآخر فقط، بل إن هذا المجتمع المتأثر به قد أملى على المتأثرين مباشرة أو عملياًّ أنه إنما وصل إلى ما وصل إليه بفضلٍ من تخلّيه عن المبادئ التي كان يقوم عليها، لا سيما الدينية منها، ولذا فإذا كانت المجتمعات الأخرى لا تزال تعيش حالة من التأخر، وتريد النمو فإن عليها أن تتخلّص من بعض مبادئها التي يعتقد، بالقياس، أنها هي التي تحول دون نموها، الأمر الذي يحتاج معه إلى مواجهة علمية موضوعية، تخفف من هذا الاندفاع الذاتي نحو الغير، بسبب عدم الرضا عن الواقع المحلي، وربط أسباب عدم الرضا بالأسلوب الذي تطبق فيه المبادئ(15).
وهذا كله داخل في مفهوم الحوار العام مع الثقافات الأخرى، الذي يتم بأساليب مختلفة، ومنها هذا الشعور بالدونية أمام الغير، الأمر الذي ينبغي عملياً التخلص منه متى ما بنيت الثقة بالذات القائمة على الوضوح في فهم الإسلام والإيمان، اعتقاداً بأنه دين لا كمثل الأديان الأخرى(16)، لا يقف في طريق النمو، بل لا يقف في طريق التأثر الموجَّه والمؤصَّل.
وللحوار أشكال وأساليب كثيرة منها المناظرة التي يتزعمها الآن الشيخ الداعية أحمد ديدات، ومنها الجدل المباشر، ويدخل في مفهوم المناظرة، ومنها المؤلفات والردود والمؤتمرات والمراكز الدينية والعلمية التي تقوم في المجتمعات غير المسلمة. ووجود المراكز الدينية والعلمية غير المسلمة في المجتمعات المسلمة يعد نوعاً من أنواع الحوار، الذي يفضل بعضهم تسميته بحوار الحضارات والثقافات، ابتعاداً خجولاً عن لفظة الدين، لما فيها من الحساسية لدى بعضهم من غير المتدينين من أبناء المسلمين، وغير المسلمين من أبناء الديانات الأخرى.
والحوار الحضاري والثقافي لا يمكن أن يخلو من المسحة الدينية، ذلك أن الحضارات والثقافات القائمة الآن إنّما قامت على الدين، وتفوح رائحتها بالخلفية الدينية التي انطلقت منها، رغم تهميش الدين ظاهراً على الأقل. واستعراض الأسماء، سواء أسماء الأشخاص والمدن، أم المرافق الحضارية والثقافية لا تكاد تخلو من خلفية دينية.
وأزاء هذه الأفكار المنثورة حول الحوار صار لزاماً على المسلمين أن يخطوا خطوات إيجابية في هذا المضمار.
هذا التحدي الذي يواجه المسلمون اليوم من هذه التيارات لم يكن جديداً على المسلمين، فالصراع بين الحق والباطل، والصراع بين الخير والشر مستمر وقائم، وقد شاءت إرادة الله –تعالى- أن يستمر هذا الصراع مع استمرار الحياة.
والحوار يقتضي التكافؤ بين المتحاورين، كما يقتضي الاتفاق على المقدمات، أو على بعضها على الأقل، ومن الطيب دائماً أن نتحدث نحن المسلمين عن أجمل ما في الإسلام بنص الآية: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾(17).
إلاّ أن الملحوظ على بعض المتحاورين تركيزهم على سماحة الإسلام، وهذا أيضاً أمر مطلوب إذا عرضت سماحة الإسلام، بعيداً عن إشعار الآخرين بأننا ندافع عن ممارسات قد لا تدخل في مفهوم سماحة الإسلام(18)، وهي تحسب على أصحابها ولا تحسب على الإسلام.
وقد يرى بعض المتحاورين أن التركيز على سماحة الإسلام مدعاة إلى قبوله في المبدأ، ثم يمكن حينئذ الحديث عن الظواهر التي قد لا ترى في نظر بعضنا أنها تترجم سماحة الإسلام، كالجهاد والحدود ونحوها، مما تعاني من هجوم صارخ من منظمات وهيئات وأفراد.
إن هذا المبدأ في الحديث قد يعني تفسيرات عدة، قد يكون منها محاولة إخفاء هذه المفهومات العملية الإسلامية عن الغير، بسبب الخجل من إبرازها، إنها إنما قامت لترسيخ سماحة الإسلام وحرصه على الأمن الشامل في كل مفهوماته.
ومع الخجل قد يأتي سبب آخر يوحي بعدم الاقتناع بهذه الحدود والجهاد أو نحوها، على اعتبار أنها غير مرعية في الغالب، وغير مقتنع بها، في الغالب أيضاً، من الطرف الآخر في الحوار. وهذا مزلق عقدي خطير يؤثر على إيمان المرء، وقد يؤدي إلى نتائج وخيمة في مسألة الإيمان.
ولا يظهر أن هذا السبب قائم لدى كثير من المتحاورين في الطرف الإسلامي، لا سيما المعنيين في الحوار من أهل العلم، ولو ظهر على بعضهم منطلق الاعتذار والتبرير والدفاع.
وعلى أي حال، فليس المقصود، هنا، الحكم على الناس، ولكن الملحوظ أن الحوار أضحى ظاهرة، تتزايد الحاجة إليها، مع هذا العصر الذي تتسابق فيه الأحداث، ويظهر اسم الإسلام فيه بصورة غير دقيقة مرتبطة غالباً بأحداث غير سارة، كالأعمال التخريبية، ولا تعكس بالضرورة سماحة الإسلام، بل ربما لا تعكس بالضرورة، وفي بعض الحالات، الفهم الصحيح للإسلام.
وعليه، فلابدّ من تشجيع الحوار، والدعوة إليه والمشاركة فيه في أي شكل من أشكاله السلمية المتعددة. ولا بدّ من التوكيد على أشكال الحوارات الودية، التي تظهر نتائجها إيجابية، قائمة على الإقناع والاقتناع، والتأثير والتأثر، بعيداً عن الأشكال الأخرى، التي تزيد الفجوة، ولا تخدم أيّاً من الطرفين المتحاورين.
*******************
الهوامش:
*) كاتب وباحث من السعوديـة.
1 - انظر: "التبشير والحوار" في: سعود المولى، الحوار الإسلامي المسيحي: ضرورة المغامرة، قدم له: الشيخ محمد مهدي شمس الدين، بيروت، دار المنهل اللبناني، 1416هـ/ 1996م، ص127-136.
2 - انظر: زينب عبدالعزيز، حرب صليبية بكل المقاييس، ص27-53.
3 - عبدالله عبدالدائم، العرب والعالم وحوار الحضارات، دمشق، دار طلاس، 2002م، ص136.
4 - صالح بن عبدالله بن حميد، أصول الحوار وآدابه، جدة، دارة المنارة، 1415هـ/1994م، ص40.
5 - وانظر أيضاً في آداب الحوار: عمر بن عبدالله كامل، "آداب الحوار وقواعد الاختلاف" في المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1425هـ/2004م، ص34.
6 - عبدالسلام هارون، تهذيب سيرة ابن هشام، ط2، القاهرة، المؤسسة العربية الحديثة، 1383هـ/1978م.
7 - محمد خاتمي. حوار الحضارات، ترجمة: سرمد الطائي، دمشق، دار الفكر، 1423هـ/2002م، ص152.
8 - عبدالسلام هارون، تهذيب سيرة ابن هشام، وانظر أيضاً: أبو الحسن علي الحسني الندوي، الإسلام والغرب، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1405هـ/1985م، ص19-20.
9 – انظر: نماذج من هذا الموقف الاعتذاري في: كلثوم السعفي، نحن والغرب، حوارات مع: حمادي الصيد، وسهيل إدريس، والطاهر لبيب، وعبدالمجيد الشرفي، ومحمد الطالبي، تونس، مؤسسة عبدالكريم بن عبدالله، 1992م، ص138، وانظر في ذلك كذلك: عبدالوهاب المؤدب، أوهام الإسلام السياسي، ص231. وفي هذا المرجع الأخير، الذي بذل فيه الكاتب جهداً كبيراً، وخلط فيه الكاتب بين من يستحق ومن لا يستحق، من منطلق تغريبي، يبرز فيه، حسب قراءتي له قدر من التأثر بالكُتّاب الغربيين المتطرفين، المتحاملين على الإسلام.
10 – أحمد عبدالحميد غراب، رؤية إسلامية للاستشراق، ط2، لندن، المنتدى الإسلامي، 1411هـ.
11 - حسن بن فهد الهويمل، "الفوقية الحضارية"، المنهل ع471 (مج50)، (رمضان وشـوال 1409هـ، إبريل ومايو 1989م، ص277-292).
12 - سورة آل عمران، الآية 139.
13 - أحمد عبدالرحيم السايح، الغزو الفكري، الدوحة، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1414هـ، ص157، سلسلة كتاب الآمة ص38.
14 - شاريل بينارد، الإسلام الديمقراطي المدني: الشركاء والمصادر والاستراتيجيات، واشنطن، مكتب راند للاتصالات الخارجية، 2002م، ص100.
15 - كمال أبو المجد، حوار لا مواجهة، القاهرة، دار الشروق، 2002م – ص303، سلسلة مكتبة الأسرة.
16 - أحمد بن سيف الدين تركستاني، الحوار مع أصحاب الأديان: مشروعيته وشروطه وآدابه في: المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1425هـ/2004م، ص36.
17 - سورة المائدة، الآية3.
18 - انظر في ذلك: عبدالرب نواب الدين آل نواب، وسطية الإسلام ودعوته إلى الحوار، المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1425هـ/2004م، ص48.