حوار الحضارات بين العالم الإسلامي واليابان

ضرورة تحرير مفهوم العولمة من الأصولية والمركزية ومن الارتباط بالأمركة!

جعفر الجمري

 

ربما يعد فرانسيس فوكوياما المنظر الرائد الذي دشن موضوعة العولمة، على رغم ان محاولته باءت بالفشل، اذ كان وقتها صارخا وعنيفا في طرحه من دون أن ننكر أنه نجح في هز أركان الفكر السياسي العالمي بعد سنوات من الخمول والجمود. ومع ذلك، وعلى رغم هذا الفشل كانت فكرته بين الأعمال الكبرى التي تعتبر أهم ما كتب في العولمة. ومن هذه الأعمال والأفكار، فكرة صموئيل هنتينغتون عن صدام الحضارات وهي الفكرة التي تنبأت بأن نهاية الحرب الباردة ستؤدي الى تجدد الصراعات الدينية والعرقية، من دون أن نغفل العمل الذي قدمه دانييل بيرجين وجوزيف ستانسيلو وأطلقا عليه «المرتفعات المهيمنة»... يضاف الى ذلك كتاب وليام جرايدر «عالم واحد: مستعد أم لا» والذي بشر فيه بحتمية العولمة.

ويأتي كتاب «توماس فريدمان» (اللكزس وشجرة الزيتون: فهم العولمة)... والذي هو أقل أهمية ورصانة من الكتب التي ذكرناها... ليبشر بعولمة تحمس لها أكثر مما تحمس لها الرواد الذين أصلوا لذلك المفهوم. إذ لا يقدم في كتابه جديدا للمستقبل غير إيمانه العميق بحتمية العولمة منفردة ومهيمنة، اضافة الى غفلته عن مدى الفجوة التي تفصل «المثقف المبشر بالعولمة عن قطاعات أخرى في المجتمع وهو من العاصمة واشنطن يكتب عن مشكلات لم تصل أنباؤها الى معظم سكان إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وبعبارة تهكمية يشير الى ان «الأمل الوحيد أمام الفقراء والبؤساء هو أن يتذكرهم الأغنياء».

والحديث عن العولمة مرتبط ارتباطا وثيقا بالضرورة مع مسألة الحوار كقضية مبدئية - وهو مايتم تجاوزه هنا في العملية بحكم التوربينات الضخمة التي تملك من الدفع والقوة ما يجعل أصوات الآخرين مغمورة - وحوار الحضارات كمفهوم نقيض لما ذهب اليه هنتينغتون من حتمية الصدام بين الحضارات، واحد من المفاهيم التي تنادي لها مجموعة من المفكرين والمثقفين في عدد من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأميركية عبر مجموعة من المثقفين الليبراليين وإن بدت أصواتهم خافتة مقارنة بمجموعة الأصوات التي تدعمها مؤسسات علمية وصناعية ضخمة، غير ان الدعوات التي تنادت من الشرق على وجه الخصوص تبدو أكثر حرصا وصدقية وتوجها لتكريس ذلك الحوار وتفعيله بصورة ملحوظة بحكم التداخل العميق بين مختلف الأديان والإثنيات في الشرق وتلاقيها على أرضية مشتركة من التعايش السلمي الطويل بعد امتداد الإسلام الى رقع جغرافية تجاوز فيها الشرق أو معظمه عامدا الى ارساء دعائم التعايش، اضافة الى استهداف الشرق من قبل قوى كولونيالية تعاقبت عليه نهبا لموارده وقتلا وتصفية لابنائه.

من هنا تبدو الحاجة ماسة الى اقامة مثل هذا الحوار بين الحضارات، خصوصاً في ظل تداعيات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول وما آل اليه العالم من إرباك في علاقاته وبروز أصوات منادية علنا بضرورة تصفية جيوب الإسلام والعروبة، والحرب الدائرة الآن على ما يسمى بالإرهاب، كل ذلك يجعل موضوعة الحوار بين الحضارات ذات أهمية قصوى.

اليابان التي ظلت محتفظة بعلاقات انسانية متميزة مع العالمين العربي والإسلامي ومنذ أمد بعيد، تداعت وعبر وزارة الخارجية وبالتنسيق مع وزارة الخارجية في مملكة البحرين ومركز البحرين للدراسات والبحوث الى اقامة ندوة «حوار الحضارات بين العالم الإسلامي واليابان»، اذ ركزت على محاور ثلاثة:

- التعايش بين الإسلام واليابان.

- الاسلام والعلاقات الدولية.

- الاسلام والعولمة.

الندوة التي افتتحت أعمالها في «بيت القرآن» دلالةً ذات قيمة مرتبطة بموضوع الندوة بدأت بكلمة لوزير الشئون الخارجية بمملكة البحرين محمد عبدالغفار جاء فيها: «ان المتأمل في حقيقة التحولات التاريخية في أواخر هذا القرن يتمكن من ملاحظة ظاهرتين بارزتين، أولاهما أن ثورة الاتصالات والمعلومات والتقدم التكنولوجي التي سادت أجزاء كثيرة من العالم لم تساعد أو تمكن المجتمع الدولي من ضبط وإدارة العلاقات الدولية، الى منفعة البشرية استنادا الى قيم العقل والحرية. أما الظاهرة الثانية، فهي ان تلك الثورة في الاتصالات والمعلومات والثورة التكنولوجية الهائلة التي ضيقت المسافات بين الدول وقربت الاتصالات بين الناس لم تتمكن من إنجاز التواصل الانساني الحقيقي بين البشر، فأصبحت البشرية وكأنها حسب تعبير ديفيد رايسمان «حشد متباعد أو مشتت»( Lonely Crowed ) .

في اعتقادي انه من الممكن التفكير في استنباط إطار نظري من الظاهرتين المتداخلتين لبناء قاعدة انسانية للحوار بين العلماء والأكاديميين من العالمين العربي والإسلامي، واليابان تحفز العقل لإعادة بناء المعنى في اشكالية الحوار والصراع بين الثقافات والحضارات. ان الحركة الفكرية على الخريطة الثقافية والحضارية الممتدة من الشرق الأقصى ابتداء من اليابان، وانتهاء في الشرق العربي الاسلامي ولما لها من ثراء حضاري عميق يجب أن تبادر بتكثيف الاتصالات والحوار بينها ليس للتعارف وفهم الآخر فحسب، وانما للمشاركة واثراء المناقشات الدائرة على الساحة الأميركية والأوروبية عن حوار وصراع الثقافات والحضارات».

وعن الرؤية الجدلية لموضوع الحوار والصدام بين الثقافات والحضارات أشار عبدالغفار الى انها تهدف الى التحرر من رد الفعل الذي أفرزته مقولة «صدام الحضارات» في العالم الإسلامي وبقية مناطق العالم، ومن ثم وضع تلك المقولة في سياقها التاريخي والفكري المناسب وذلك للانطلاق الى آفاق أرحب لتحليل وفهم الجذور العميقة لجدلية الحوار والصدام الفكري الغربي.

أما رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث علي محمد فخرو، فقد اكد أن الحوار مع اليابان سيكون أسهل بكثير وأقل تعقيدا مع حوارنا مع الغرب. ففي حال الغرب هناك تعقيدات وإرث التاريخ والسياسة، فتاريخ ملابسات الحروب الصليبية وحروب الدولة العثمانية مع أوروبا، وفترة استعمار الكثير من دول الغرب للكثير من الدول العربية والاسلامية، ووقوف الغرب مع اغتصاب أراضي فلسطين من قبل الحركة الصهيونية تكفيرا لذنوب أوروبا تجاه اليهود، تكون حواجز عالية أمام كل حوار ثقافي بين الجهتين. بينما تبقى سماء الماضي والحاضر بين العالم الاسلامي والياباني صافية يمكن أن تشع منها شمس الحوار والتفاعل الثقافي من دون غيوم أو ضباب.

وعلى رغم ان بداية هذا الحوار ينعقد بمبادرات رسمية وبترتيبات حكومية إلا ان الهدف النهائي هو أن تأخذ القوى الفكرية في الجهتين مهمة استمرار وتعميق وتنويع هذا الحوار بمبادرات ذاتية من قبل الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات ومؤسسات الفكر والثقافة المجتمعية وباتصالات وعلاقات فردية. وهذا سيعني ان هذا الحوار سيكون سيرورة مستمرة ومتنامية تتحرك مع معطيات المستقبل وتحدياته.

نائب وزير الخارجية بالجمهورية الاسلامية الايرانية لشئون الثقافة والتعليم والبحوث صادق خرازي قدم ورقة تحت عنوان «ضرورة الحوار بين الحضارات في ظل عولمة العالم... رؤية اسلامية». اشار فيها الى ان حوادث الحادي عشر من سبتمبر في كل من نيويورك وواشنطن أعطت لمثل هذا التجمع للأفكار والرؤى وفي توقيت وثيق الصلة بالموضوع، فرصة كبيرة لإنجاحه وهو مالم يكن بالإمكان أن يحققه المنظمون بعيدا عن ذلك. وأضاف: ان الحوادث المأسوية تلك جعلت عددا كبيرا من الناس في الولايات المتحدة وأوروبا يعتقدون بأن صدام الحضارات قد حان حينه، كما ان عددا من الناس في العالم الإسلامي أرادوا أن يصدقوا أن مايشار اليه من صدام بات حقيقة تاريخية. مشيرا الى «ان الحضارة هي أكثر من كونها (حشداً) من الأفكار العظيمة، اذ هي تكتل للقيم والمؤسسات... المعتقدات... التقاليد وفوق هذا وذاك انها الخبرات اليومية المعاشة لملايين الأشخاص. وتساءل خرازي : لماذا نحن بحاجة ماسة الى الحوار في ظل خروقات ثقافية وحضارية؟ وكيف بامكان الحضارات أن تحظى بحوار في ظل عولمة العالم؟... مجيبا بقوله: اليوم وفي وقت يبعث على القلق من مخاطر تهدد الإنسانية يبدو من الأهمية بمكان تنمية مثل هذا الحوار باعتباره مجسا عميقا وحاجة الزامية ملحة وهي تنمية لا تعنى بوجود النوع الإنساني على هذا الكوكب. ومضى خرازي في طرحه قائلا: ان درجة التغيير التي تم تحقيقها من خلال العلاقات الدولية نتيجة لنزعة العولمة ستجد معانيها الحقيقية عندما يتم تعميقها في عملية الحوار بين بشر هم على اختلاف في الثقافات والحضارات وهي في هذا السياق سيكون مرحبا بها. مشيرا الى انه ضمن المنظور الراهن لتطور الانسان يغدو الحوار خيارا لنا الحرية في أن نرتبط به داخلا أو ننكر وجوده ... اذ ان الحوار هو خيارنا الاستراتيجي، واذا ما كنا نجرؤ على العمل من أجل استتباب عادل للسلام والحرية والعدالة والكرامة للجميع.

اننا كمثقفين تقع على عاتقنا مسئوليات في غاية الأهمية للقيام بها ... فبدلا من تبريرالتحالف من أجل الحرب كما حدث من قبل 60 مثقفا أميركيا وقعوا على البيان المطالب والمبرر لقيام الحرب الدائرة اليوم، فعلينا نحن كمجموعة تضم اليابانيين والمثقفين المسلمين أن نعرب عن موقفنا الحاسم من أجل بناء وتبرير قيام تحالف من أجل السلام.

الندوة التي شارك فيها 36 مثقفا ومفكرا من العالمين العربي والإسلامي توصلت الى مجموعة من التوصيات في طليعتها : «ضرورة إقامة حوار عميق وشفاف بين المسلمين من جهة وبينهم وبين الآخرين من جهة أخرى».

«ضرورة تصحيح الأفكار الخاطئة التي حاول أعداء الإسلام غرسها في النفوس من أجل تشويه صورة الإسلام والمسلمين».

«ضرورة تحرير مفهوم العولمة من الأصولية والمركزية ومن الارتباط بالأمركة على نحو خاص».

المصدر: http://www.alwasatnews.com/news/853266.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك