حوار حول الابتداع في الحج

عماد عنان

 

الابتداع في الدين من أخطر الأدواء التي أصيب بها المسلمون. فحقيقته: هدم للدين وقدح في جناب سيد المرسلين، ومنازعة لحق التشريع الذي هو من حقوق رب العالمين، وإفساد للعبادة المتقرب بها إلى رب الأولين والآخرين، وتشويه للدين وصد عن سبيله المستقيم، وطريق إلى تشتيت الأمة الإسلامية ووقوع الخلاف والشقاق بين أبنائها وجعلها مزقا وفرقا شتى كل حزب بما لديهم فرحون، وكفى بالبدعة بؤسا وضلالا أنها سبب لطرد محدثها من رحمة رب العالمين.

ومع اقتراب موسم الحج كل عام تنتشر العديد من البدع والمنكرات التي يقع فيها ضيوف بيت الله الحرام، بدءًا من الإحرام وما قبله وحتى الذبح والحلق والتقصير، لذا كان لـ "الملتقى الفقهي" هذا اللقاء مع فضيلة الدكتورة أمينة شحاتة، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، والتي أكدت أن المجتمعات الإسلامية تعج الآن بعشرات من البدع التي يجب التحذير منها، فإلى نص الحوار.

 

 

*بداية هل تحدثوننا عن الابتداع في الحج؟

** من العبادات العظيمة التي شرعها اللّه لعباده وجعلها ركنا ركينا من أركان الإسلام: الحج، تلك العبادة العظيمة التي شرعها اللّه  لحكم تحار في فهمها عقول الألباء من الناس: ففيها: إقامة لشعائر اللّه، والشعور بكيان الأمة الواحد، وشهود منافع للمسلمين، وذكر اللّه في أيام معلومات، والشعور بالمساواة الشرعية وعدم التمايز بين الأبيض والأسود، ولا العربي والعجمي، ولا الفقير والغني، ولا الملك والمملوك إلا بالتقوى، وفي الحج غير ذلك من الحكم العظيمة والمنح الجسيمة.

وقد أصاب الحج ما أصاب غيره من العبادات المختلفة في الإسلام حيث أحدثت فيه بدع مختلفة ومورست فيه مخالفات شنيعة منذ زمن بعيد.

 

*هل تعتقدون أن للبدعة خطورة؟

** بالطبع فهي هدم للدين إذ لم تنجم بدعة من البدع إلا وأميتت في مقابلها سنة من سنن الدين حتى تفشو البدع وتندرس معالم الدين، عن ابن عباس - رضي اللّه عنهما - قال: " ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن ".

وعن حسان بن عطية قال: " ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع اللّه من سنتهم مثلها.. " وروي عن حذيفة بن اليمان  أنه أخذ حجرين فوضع أحدهما على الآخر ثم قال لأصحابه: هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور ؟ قالوا: يا أبا عبد اللّه، ما نرى بينهما إلا قليلا، قال: والذي نفسي بيده، لتظهرن البدع حتى لا يرى من الحق إلا قدر ما بين هذين الحجرين من النور

وقد شرع اللّه دينا قويما وصراطا مستقيما وجعل للناس عبادات مختلفة، في أدائها صلاح لدينهم ودنياهم وجعل فيها من الحكم ما يحير عقول الألباء وإذا فعلها المسلمون كما شرعها اللّه فإن تلك الحكم تظهر قائمة للعيان وتكون سببا في دخول الناس في دين اللّه أفواجا، ولكن البدع تطمس هذه الحكم وتشوه هذه العبادات وإن الناظر اليوم للمجتمعات المسلمة يرى عجبا من البدع التي تحجب نور الإسلام فشركيات متنوعة قد حجبت أصل الدين: التوحيد، وعنصريات مختلفة مزقت الإخوة الإسلامية، وتعصـب وتقليد قـام مقام التحرر الفكـري وصفاء المصادر، وبدع متنوعة في العبادات قد أذهبت حكمتها التي شرعها اللّه من أجلها.

والبدع طريق إلى تشتيت الأمة المسلمة، وها هي الأمة الإسلامية اليوم قد افترقت إلى فرق شتى مختلفة وطرق متباينة وأحزاب متنافرة كل حزب بما لديهم فرحون، وسبب ذلك نكوص أبناء الأمة وتنكبهم عن الصراط المستقيم فتفرقوا في سبيل الشيطان.

 

*ماهي أنواع البدع الأكثر انتشارًا في الحج؟

** هناك عشرة أنواع من البدع يقع فيها المسلمون خلال أداء الشعيرة، نقسمها كالتالي:

الأول:  البدع والمخالفات قبل الإحرام.. ومنها: 1 - ترك السفر في محاق الشهر ، ترك تنظيف البيت وكنسه عقب سفر الحاج، صلاة ركعتين حين الخروج إلى الحج، يقرأ فيهما بسورة الإخلاص بعد الفاتحة فإذا فرغ قال: " اللهم بك انتشرت وإليك توجهت.. "، الجهر بالذكر والتكبير عند تشييع الحاج وقدومهم، والأذان عند توديعهـم، وتـوديعهـم بالموسيقى ونحوها، المحمل والاحتفال بكسوة الكعبة

كذلك السفر وحده أنسا باللّه كما يزعم بعض الصوفية، السفر بغير زاد لتصحيح دعوى التوكل، السفر بقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الصحابة والصالحين، عقد الرجل على المرأة المتزوجة إذا عزمت على الحج، وليس معها محرم، ليكون معها محرما، شهر السلاح عند قدوم تبوك، حج المرأة بدون إذن الزوج، حج المرأة دون محرم ومنه حج الخادمة بدون محرم مع من تعمل معهم

الثاني: البدع والمخالفات المتعلقة بالإنابة،ومنها: الحج عن الغير لأخذ المال فقط ، التوكيل للحج عن الغير قبل أداء الفريضة، أخذ عدة حجج في حجة واحدة بدافع الجشع، اعتقاد أنه لا يصح الحج عمن ليسوا من ذوي القربى، اعتقاد وجوب التلفظ باسم الموكل عند الإهلال بالنسك.

الثالث: البدع والمخالفات المتعلقة بالإحرام والمواقيت ومحظورات الإحرام، ومنها: اعتقاد البعض أنه لا بد أن يحرم بالنعلين، ترك الإحرام من الميقات، الإحرام من جدة ممن لا تعتبر جدة ميقاتا لهم، الإحرام قبل الميقات تعبدا، الاضطباع عند الإحرام، التلفظ بالنية، الحج صامتا لا يتكلم، التلبية جماعة بصوت واحد، التلبية في غير مواضع التلبية كالتلبية قبل الإحرام من الميقات أو بعد رمي جمرة العقبة، الظن بوجوب بقاء ثياب الإحرام عليه حتى يحل من إحرامه، اعتقاد وجوب صلاة ركعتين عند الإحرام، اعتقاد بعض الناس بوجوب الإحرام من المسجد الحرام أو أنه أفضل وبعضهم يعتقد وجوبه من تحت ميزاب الكعبة.

الرابع: البدع والمخالفات المتعلقة بالطواف ودخول المسجد، ومنها: الغسل للطواف ، لبس الطائف الجورب أو نحوه لئلا يطأ على ذرق الحمام وتغطية يديه لئلا يمس امرأة، مجيء بعض الحجاج عند بدء الطواف عكس اتجاه الطواف إلى أن يصل إلى الحجر الأسود، معتقدا أنه لو جاء مع الاتجاه الصحيح لزاد في الطواف، بدء المحرم إذا دخل المسجد الحرام بتحية المسجد قبل طواف القدوم، التلفظ بالنية في الطواف أو قوله: نويت بطوافي هذا الأسبوع كذا وكذا، رفع اليدين عند استلام الحجر كما ترفع للصلاة، الوقوف طويلا عند محاذاة الحجر الأسود، المزاحمة على تقبيل الحجر الأسود، والظن أن الطواف لا يصح بدون تقبيله، اعتقاد وجوب استقبال الحجر الأسود عند الإشارة إليه، القول عند استلام الحجر " اللهم إني أعوذ بك من الكبر والفاقة ومراتب الخزي في الدنيا والآخرة ".

الخامس: البدع والمخالفات المتعلقة بالسعي، ومنها: الاضطباع أثناء السعي، الاستمرار في السعي وقد أقيمت الصلاة حتى تقوم الجماعة، الوضوء لأجل المشي بين الصفا والمروة بزعم أن من فعل ذلك كتب له بكل قدم سبعون ألف درجة، الصعود على الصفا حتى يلصق بالجدار، التلفظ بالنية عند السعي، السعي أربعة عشر شوطا يختم بالصفا، السعي في غير نسك تنفلا ، البدء بالمروة في السعي، صلاة ركعتين بعد الفراغ من السعي، رفع اليدين والإشارة بهما كما يفعل في تكبيرات الصلاة عند البدء بالسعي.

السادس: البدع والمخالفات المتعلقة بمنى، ومنها: عدم الجهر بالتلبية في منى ، التزام دعاء معين إذا أتى منى " اللهم هذه منى فامنن علي بما مننت به على أوليائك وأهل طاعتك " وإذا خرج منها " اللهم اجعلها خير عودة عدتها.. " ، الذهاب إلى عرفة مباشرة وعدم المبيت بمنى ، عدم المبيت بمنى أيام التشريق والتساهل في ذلك، البقاء وقتا يسيرا من الليل في منى بدل المبيت به أيام التشريق، الجمع بين الصلوات في منى، إيقاد الشمع الكثير بمنى ليلة عرفة، نزول بعض الحجاج قريبا من منى وعدم التثبت من حدودها.

السابع: البدع والمخالفات المتعلقة بعرفة، ومنها:  الوقوف على جبل عرفة في اليوم الثامن ساعة من الزمن احتياطا خشية الغلط في الهلال، رحيلهم في اليوم الثامن من مكة إلى عرفة ليلا ، إيقاد النيران والشموع على جبل عرفات ليلة عرفة، قوله إذا قرب من عرفات، ووقع بصره على جبل الرحمة: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر، الخروج من عرفة قبل غروب الشمس، النزول قريبا من عرفة وعدم دخولها وعدم التثبت من حدودها، السكوت في عرفات وترك الدعاء وإضاعة الوقت في غير فائدة، اعتقاد وجوب الصعود إلى جبل إلال في عرفات أو أن ذلك من أعمال الحج أو أن فيه فضيلة أو مزية على سائر عرفات واستقباله بالدعاء حتى لو كانت القبلة خلفه وتسميته بجبل الرحمة .

الثامن: المبيت بمزدلفة، ومنها: الخروج من مزدلفة قبل منتصف الليل لغير أصحاب الأعذار ، صلاة المغرب والعشاء في الطريق إلى مزدلفة، النزول قبل مزدلفة والبقاء حتى الفجر ، عدم الصلاة قبل الوصول لمزدلفة حتى ولو خرج الوقت ، صلاة الفجر في مزدلفة قبل الوقت، إحياء ليلة مزدلفة بالصلاة والقراءة، الاغتسال للمبيت بمزدلفة ، استحباب نزول الراكب ليدخل مزدلفة ماشيا توقيرا للحرم، البقـاء بمـزدلفـة حتـى طلـوع الشمـس وصـلاة الشروق ، ترك المبادرة إلى الصلاة فور النزول في مزدلفة والانشغال بجمع الحصى.

التاسع: البدع والمخالفات المتعلقة برمي الجمرات، ومنها:  اعتقاد بعض الحجاج أن الرمي لا يصح إلا إذا كانت الحصى من مزدلفة، الغسل لرمي الجمار ، غسيل الحصيات قبل الرمي، رمي الجمار من بعد وعدم التحقق من وقوع الحصى في الحوض، اعتقاد استحباب أن يقول مع كل حصاة عند الرمي: " صدق وعده.. إلى قوله: لو كره الكافرون " والسنة أن يكبر عند رمي كل حصاة، التسبيح أو غيره من الذكر مكان التكبير ، رمي الجمرات قبل الوقت ، التوكيل في الرمي من غير ضرورة، رمي الحصى بكف واحدة، زيادة الرمي إما بالعدد أو المرات أو الرمي بأحجار كبيرة أو بالنعال وغيرها.

العاشر: البدع والمخالفات المتعلقة بالذبح والحلق والتقصير، ومنها: الرغبة عن ذبح الواجب من الهدي إلى التصدق بثمنه، على الزعم بأن لحمه يذهب في التراب لكثرته، ولا يستفيد منه إلا القليل، ذبح بعضهم هدي التمتع بمكة قبل يوم النحر، الاقتصار على حلق ربع الرأس وعدم استيعابه، استحباب استقبال القبلة أثناء الحلق، اعتقاد استحباب الدعاء عند الحلق بقوله: الحمد للّه على ما هدانا وأنعم علينا، اللهم هذه ناصيتي بيدك فتقبل مني، واغفر لي ذنوبي اللهم اكتب لي بكل شعرة حسنة، وامح بها عني سيئة، وارفع لي بها درجة، اللهم اغفر لي وللمحلقين والمقصرين، يا واسع المغفرة آمين، استحباب صلاة العيد بمنى يوم النحر، خروج بعض الحجاج بعد أداء العمرة مسافة قصر معتقدين أن ذلك يسقط الهدي، ظن بعض الحجاج أن المتمتع عليه هديان أحدهما للحج والآخرة للعمرة، عدم التفريق بين الهدي والأضحية، الظن بعدم جواز أكل شيء من الهدي.

المصدر: http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=18283

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك