لبنان ليس جائزة ترضية للتراجع الإيراني

خير الله خير الله

 

ما الذي يجري في ايران؟ ما الذي يجري في العراق؟ ما الذي يجري في سورية؟ ما انعكاس ذلك على لبنان حيث تضع بعض القوى المتمسّكة بحلف الاقلّيات، الذي لا يساعد إلّا في تهجير الاقلّيات، كل العراقيل الممكنة من اجل منع الرئيس سعد الحريري من تشكيل حكومة وفاقية؟ 

تستطيع مثل هذه الحكومة الوفاقية الاستفادة، في حال استوفت شروطا معيّنة، من المساعدات الدولية المخصصة للبلد والقيام بالحدّ الادنى من الاصلاحات المطلوبة. لكنّ الواضح ان هناك في لبنان من يراهن على انتصار إيراني في سورية والعراق، وحتّى في اليمن، في وقت صار مثل هذا الانتصار اقرب الى وهم من ايّ شيء آخر.

كل ما يمكن قوله ردّا على هذه الأسئلة ان تجربة «الجمهورية الإسلامية» التي يحكمها «الوليّ الفقيه» دخلت مرحلة حرجة تشبه الى حدّ كبير مرحلة ما بعد وصول ميخائيل غورباتشوف الى السلطة في الاتحاد السوفياتي في العام 1985. ما ادّى الى تفكّك الاتحاد السوفياتي في نهاية المطاف هو غياب القاعدة الاقتصادية التي يمكن ان تبنى عليها قوّة عسكرية وسياسية امبريالية ترجمتها على ارض الواقع الهيمنة على دول معيّنة في انحاء مختلفة من العالم. 

يمكن لهذه المرحلة الايرانية ان تدوم طويلا. لكنّ الواضح ان الشعب الايراني لا يمكن العيش الى ما لا نهاية في ظلّ ازمة اقتصادية ونظام في حال هروب مستمرة الى الخارج. ما الذي تفعله ايران في العراق وسورية ولبنان واليمن؟ ليس لدى النظام الايراني ما يقدّمه سوى نشر البؤس واثارة الغرائز المذهبية. ادّى كلّ ما فعله النظام في سورية، حيث استثمر عشرات مليارات الدولارات من اجل انقاذ بشّار الاسد وبعث اليه بعشرات العناصر المسلّحة المنتمية الى ميليشيات مذهبية، الى مشاركة قوات روسية في عملية لا هدف لها سوى المحافظة على امن إسرائيل على جبهة الجولان. 

هناك للمرّة الاولى منذ اواخر العام 2011، وهو العام الذي اندلعت فيه الثورة الشعبية في سورية، عودة للمراقبين الدوليين الى خط وقف النار في الجولان. هناك دوريات للقوة الدولية في المنطقة العازلة. كلّ ما حصل هو عودة الى اتفاق فكّ الاشتباك للعام 1974 الذي توصلت اليه إسرائيل مع سورية بوساطة قام بها «العزيز» هنري كيسينجر. يا لها من مفارقة. تتولى هذه الايّام قوات من الشرطة العسكرية الروسية إعادة المراقبين الدوليين الى مواقعهم التي كانوا فيها والتي اضطروا الى مغادرتها بعد تعرّضهم لمضايقات ابتداء من اواخر العام 2011 ثمّ في 2012. ما لبثت قوة المراقبين الدوليين في الجولان ان جمّدت نشاطها في 2014. 

تلعب روسيا في 2018 في الجولان الدور الذي لعبته الولايات المتحدة العام 1974. تنتقم روسيا أخيرا من استبعادها عن القرار الذي كان وراءه وقتذاك كيسينجر. الفارق انّ اتفاق فك الاشتباك للعام 1974 كان يمكن ان يؤدي الى اتفاقات أخرى تتوج بخروج إسرائيل من الجولان. امّا الاتفاق في شأن احياء اتفاق 1974 فهو تمهيد للبحث عن الصيغة التي ستسمح لإسرائيل بضمّ الجولان نهائيا. يحدث ذلك رغم ان البيان الصادر عن قمة هلسنكي بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في السادس عشر من يوليو الماضي أشار الى ان الهدف في النهاية هو الوصول الى تطبيق القرار الرقم 338 الصادر عن مجلس الامن بعد حرب 1973 والذي يدعو الى تطبيق القرار 242 الذي في أساسه مبدأ الأرض في مقابل السلام. 

تدفع سورية حاليا ثمن رفض حافظ الأسد كل العروض التي قدّمت اليه وتفويته كلّ الفرص التي كان يمكن ان يستعيد من خلالها الأرض المحتلة في العام 1967. كان همّه الدائم المتاجرة بالجولان وليس إزالة الاحتلال. كان همّه الفعلي محصورا في كيفية وضع اليد على منظمة التحرير الفلسطينية واغراقها في حرب لبنان وابتزاز العراق حيث كان البعث الآخر بقيادة احمد حسن البكر ثمّ صدّام حسين لا يعرف كثيرا عن المناورات السياسية وكيفية التعاطي مع موازين القوى الإقليمية والدولية.

انتهت ايران في سورية على بعد مئة كيلومتر من الجولان بعدما ربطت وجودها في دمشق بشخص بشّار الأسد المعجب اشدّ الاعجاب بـ«حزب الله» وتجربته وكلّ الخراب والدمار الذي الحقه بلبنان، خصوصا بالمجتمع الشيعي الذي عمل الحزب بنجاح على تغيير طبيعته.

لا خبز لإيران في سورية التي صار خيارها بين الابتعاد عن الجولان وربّما عن سورية كلّها... وتلقي الضربات الإسرائيلية في ظل موافقة روسية على ذلك. قد تنجح روسيا في تحقيق ما تصبو اليه في سورية بعد إخراجها ايران من دمشق، كما قد تفشل في ذلك. الثابت ان تجربتها مع دروز سورية لا تشجّع على تغليب النجاح على الفشل. ظهر بوضوح ان روسيا لا تعرف الكثير عن سورية وعن بشّار الأسد وعلاقة اجهزته بـ«داعش» بالتفاهم مع ايران. لكن قرار النظام السوري، صار في الوقت الراهن قرارا روسيا. لم يعد امام بشّار سوى القبول بالمطلوب منه إسرائيليا وروسيا في حال قرّر البقاء في دمشق بعيدا عن الحبيب الايراني.

لا خبز أيضا لإيران في العراق. اخذت إيران كل ما تستطيعه من العراق، الذي جفّ ضرعه، بضوء اخضر أميركي. لكنّ العراقيين يظهرون كلّ يوم ان وجودهم في دولة فاشلة والعيش في ظلّ نظام لا مستقبل له لا يلغيان ان ايران تبقى ايران والعراق يظلّ العراق.

هناك فشل إيراني على الصعيد الداخلي وفشل كبير في سورية ومحاولات يائسة لتلافي الفشل في العراق. هل في استطاعة ايران ممارسة دور القوّة المهيمنة إقليميا وان تعتبر لبنان مجرّد جرم يدور في فلكها؟ 

الجواب ان ايران تحاول تغطية تراجعها في المنطقة عن طريق ضغوط تمارس في لبنان من اجل تشكيل حكومة تكون بامرتها. الأكيد ان الحريري لا يمكن ان يلعب الدور المطلوب منه ان يلعبه. ففي منطقة تتغيّر فيها موازين القوى بسرعة رهيبة، ليس مفروضا ان يدفع لبنان أي ثمن من ايّ نوع كان. ليس مطلوبا منه على وجه الخصوص دفع ثمن الفشل في إقامة حلف الاقلّيات الذي كان خيارا إيرانيا والذي دفع طهران الى الدفاع المستميت عن بشّار الأسد.

ليس طبيعيا ان يدفع لبنان ثمن احياء اتفاق 1974 في الجولان وليس ثمن الاتفاق الروسي - الإسرائيلي على ابعاد ايران مئة كيلومتر او اكثر عن الجولان، ولا ثمن رفض العراقيين ان يكون بلدهم مستعمرة إيرانية. لا يستطيع لبنان في أي شكل ان يكون جائزة ترضية لإيران التي باتت مشكلتها في عجز النظام عن إقامة اقتصاد قابل للحياة يشكل السند لمشروع توسّعي قائم على اثارة الغرائز المذهبية لا اكثر ولا اقلّ..

المصدر: http://www.alraimedia.com/Home/Details?id=827630b7-653d-40c5-895d-f6e15e...

الأكثر مشاركة في الفيس بوك