البعد الاقتصادي لسباق التسلّح في آسيا

 

تشهد القارة الآسيوية سباقا محموما نحو التسلّح، ويشكل هذا السباق هواجس كبيرة لدى العديد من الخبراء والمختصين في السياسة الدولية من أن تتحول منطقة آسيا إلي منطقة صراعات وحروب، فبرنامج كوريا النووي وتجارب الصين الصاروخية وصفقات تايوان العسكرية مع واشنطن والتنافس الهندي الباكستاني لتطوير المنظومة النووية؛ كلها تجعل من القارة الآسيوية بؤرة توتر جديدة بدأت ملامحها تتشكل شيئا فشيئا، فالقارة التى يشكل سكانها 56% من سكان العالم وتسهم بـ35% من الاقتصاد العالمي وجدت نفسها فجأة تواجه تحديات كبيرة في مجال التسلّح، وهو ما يشكل قلقا عالميا تجاه أكثر مناطق العالم نموا اقتصاديا واستقرارا سياسا. فهل تتسبب الطموحات الاقتصادية والسياسات التوسعية لبعض الدول الآسيوية في خلق منطقة توتر وصراع قد تنطلق شرارته في أي وقت؟

تصاعد الإنفاق العسكري

تشير التقارير الحديثة المتعلقة بالإنفاق العسكري إلى زيادة كبيرة في حجم هذا الإنفاق بين الدول الآسيوية وبخاصة الصين والهند قطبي الاقتصاد الآسيوي، الصين التي تعتبر ثاني قوة عسكرية بعد الولايات المتحدة الأمريكية وغريمها التقليدي عالميا، قامت بزيادة معتبرة لحجم إنفاقها العسكري وصل 8.1% سنة 2018، وتفوق هذه الزيادة الزيادة الماضية التى وصلت 7% فقط، الزيادة المتواصلة في حجم الإنفاق العسكري للصين يكشف عن عدة سيناريوهات من ضمنها ما ذكره تقرير معهد Brookings الذي أوضح أن الزيادة المتوالية في حجم الإنفاق العسكري للصين يأتي في إطار التنافس الصيني الأمريكي على الاقتصاد العالمي، فالصين لها مشاكل حدودية مع العديد من الدول التى تعتبرها حليفة لواشنطن وهو ما يشكل هاجسا لدى الصينيين من إمكانية استخدام هذه الدول من طرف واشنطن لخلق توترات مع الصين، ومن ضمن هذه الدول اليابان، كوريا الجنوبية، فييتنام وتايوان، إضافة إلى الصين هناك أيضا الهند فحسب ما نشر موقع بلومبرغ المتخصص فإن الهند زادت حجم إنفاقها على القطاع العسكري بـ5.5% ليصل هذا الإنفاق 63,9 مليار دولار سنة 2017، وبهذا تحجز الهند المرتبة الخامسة عالميا ضمن الدول الخمس الأكثر إنفاقا على القطاع العسكري.

باكستان أيضا من ضمن الدول الآسيوية التى زادت من قيمة الإنفاق العسكري حيث زادت قيمة الإنفاق العسكري الباكستاني ب 578 مليون دولار ليصل إجمالي الإنفاق العسكري 8.78 مليار دولار للسنة 2017 – 2018 .  وهكذا فإن الإنفاق العسكري في منطقة آسيا شهد ارتفاعا مطردا خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يزيد من احتمال توتر المنطقة في القريب العاجل.

 الصين وهواجس الأمن القومي

الصين القوة الاقتصادية الثانية في العالم وجدت نفسها تواجه سياسات عدائية واستفزازية أحيانا من غريمتها التقليدية واشنطن، حيث ترتبط واشنطن بعلاقات عسكرية قوية مع جيران الصين، وهذا ما يشكل حسب الصينيين تهديدا للأمن القومي الصيني، لذلك ركزت الصين منذ سنوات على تطوير مختلف قطاعاتها العسكرية بما في ذلك منظوماته الدفاعية.

طورت الصين مجموعة صواريخ بالستية بعيدة المدى، كما عززت الصين قطاع البحرية الصينية بقطع جديدة هي آخر ابتكارات التكنلوجيا الصينية، من ضمنها فرقاطات وطرادات وغواصات جديدة ذات تكنلوجيا عالية،  وخلال الخمس عشرة سنة الماضية تفوقت البحرية الصينية من حيث القطع الحربية والأدوات اللوجستية على اليابان والهند وكوريا الجنوبية. وأطلقت الصين العام الماضي طراد Type 055 وهو أسرع وأحدث طراد في منظومة الدفاع الصينية، يحتوي طراد 055 على أحدث المنظومات الدفاع الصاروخية، ويوجد الطراد 055 الآن في منطقة القرن الإفريقي بالقرب من جيبوتي.

الصين أكدت من خلال مصادرها الرسمية أن تطوير منظومتها العسكرية والدفاعية هو من أجل تعزيز أمنها القومي وتأمين طرق التجارة حول العالم. كما تشكل منظومة الدفاع الصينية المتطورة قوة رادعة للطموح الأمريكي الذي بدأ يزداد يوما بعد يوم خاصة بعد نجاحات الصين المتتالية في كسب المزيد من الأسواق العالمية والشركاء الاقتصاديين الدوليين.

مدخلات قطاع الصناعة العسكرية في آسيا

لا ينظر إلى سباق التسلح الذي تعرفه منطقة آسيا نظرة أحادية الجانب، فرغم أن النظرة الاستراتيجية المسيطرة على الأذهان والتى ترى أن الهدف من هذا التسلح هو بناء قوة رادعة قادرة على حماية الدول من الاستفزازات الأجنية والمخططات الدولية، إلا أن النظرة الاقتصادية تعطي تفسيرا آخر للظاهرة وهي أن قطاع التصنيع العسكري يعتبر قطاعا مربحا ويحقق مداخيل كبيرة لهذه الدول فالصين استطاعت خلال الفترة من 2012 – 2016 أن تحقق المركز الثالث عالميا في تصدير السلاح حيث تسيطر الصين على 6.2% من مجموع صفقات السلاح في العالم متفوقة على كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، فخلال العام 2016 وصلت مدخلات الصين من السلاح 2.1 مليار دولار، وتذهب نسبة كبيرة من صادرات الصين من الأسلحة لباكستان، بنغلاديش وميانمار.

الهند القوة الاقتصادية والعسكرية الصاعدة في آسيا تسعى كذلك إلى زيادة صادراتها من السلاح والمعدات التكنلوجية الخاصة به، وتسعى الحكومة الهندية إلى تحقيق حجم صادرات بقيمة 200 مليون دولار من السلاح والمعدات الإلكترونية، وقامت الحكومة الهندية ببرامج دعم للشركات الخاصة والحكومية العاملة في مجال التصنيع العسكري من أجل تحقيق مبيعات أكثر للسلاح الهندي.

تسعى الدول الآسيوية من خلال تطوير قطاع الصناعات العسكرية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف في طليعتها تحقيق الاكتفاء الذاتي في الجانب العسكري من خلال تطوير المنظومات الدفاعية وخلق قوة رادعة، وفي الجانب الآخر تحقيق أرباح ومداخيل كبيرة من خلال بيع السلاح الذي يعتبراليوم من أكثر البضائع رواجا في عالم تعصف به النزاعات والحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية، فللسباق نحو التسلح في آسيا وجهان وجه اقتصادي تجاري ووجه عسكري ردعي.

المصدر: https://islamonline.net/25553

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك