دور وسائل الاتصال في تأجيج صراع الحضارات

دور وسائل الاتصال في تأجيج صراع الحضارات

محمد عايش*

احتلت مسألة الصورة الذهنية الوطنية (National Image) لأمة ما في وسائل إعلام أمة أخرى، مكانة مرموقة في البحوث والدراسات التي أنجزت خـلال العقود الأربعة الماضية، في إطار النقاشات المتعلقة بالاتصال الدولي والعولمة الثقافية. وقد تركـز معظم الاهتمام على دراسة موضوع الصورة النمطية (Stereotype)، وتأثيراتها المحتملة في العلاقات السياسية والثقافية بين الدول. واستندت البحوث والنقاشات المتعلقة بالصور الذهنية إلى افتراض أن نقل وسائل الاتصال لهذه الصور، بشكل منهجي ومنتظم، سيؤدي في نهاية المطاف إلى تشكيل رأي عام مساند أو معاد نحو الأمم التي ترتبط بها الصور المنقولة، وبالتالي إلى التأثير في صنع السياسات الخارجية نحو تلك الأمم. ومن هنا فإن موضوع صور الأمم الأجنبية في وسائل الإعلام، بات يشكل مبعث اهتمام للكثير من الدول، خاصة النامية منها، حيث بذلت الجهود البحثية لتحليل تلك الصور، والتعرف إلى محدداتها، ومحاولة وضع الاستراتيجيات الإعلامية للتعامل معها.

وكغيرها من الأمم، تواجه الأمة العربية في هذا المجال -ومنذ عدة عقود- تحديات خطرة، مرتبطة بملامح صورتها القومية في وسائل الإعلام الغربية بشكل عام. وقد أجمعت نتائج الدراسات العلمية أن وسائل الإعلام في الغرب من صحافة وإذاعة وتلفزيون وسينما، تقوم برسم صورة مشوهة وسلبية وغير دقيقة للعرب في مضامينها المختلفة، وبخاصة في مطلع الألفية الثالثة، مما قد يكون أسهم في خلق وتعزيز أنماط من التفكير المناوئ للعرب في أذهان الجمهور، ونظراً لجسامة هذا التحدي، فقد شكل موضوع الصورة العربية في وسائل الإعلام الغربية مجالاً للمناظرات الثقافية والفكرية والسياسية في العديد من المنابر الدولية، وفي مجموعة من التقارير العامة والصحفية، وفي كم هائل من البحوث والدراسات العلمية. ومن الغريب أن السواد الأعظم من البحوث والنقاشات المتعلقة بالصورة العربية في وسائل الإعلام تلك قد برز في الغرب عموماً وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، بينما لم يحظ هذا الموضوع الهام إلا بالنزر اليسير من الاهتمام داخل الوطن العربي.

إن سؤال "لماذا يصوروننا هكذا في وسائل إعلامهم؟" هو القضية المطروحة أمام الباحثين والمفكرين والمثقفين العرب منذ أوائل الخمسينيات، وحتى السنوات الأولى من القرن الجديد. فما من شك في أن الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام الأمريكية في نقل وتشكيل المعلومات المتعلقة بالعالم العربي، هو دور مؤثر في بلورة رأي عام أمريكي حول المنطقة، وله ارتباط بعملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية نحو العرب، خاصة بعد التحولات الدولية الأخيرة المذهلة، التي جعلت من الولايات المتحدة القوة العظمى في العالم بلا منازع.

ويعرض المقال التالي لأبرز الاتجاهات التحليلية لصورة العرب في الإعلام الأمريكي في محاولة لتشكيل فهم أفضل لطبيعة الدور الذي يقوم به الإعلام الأمريكي في تأجيج مشاعر العداء للعرب والمسلمين.

تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للشرق الأوسط: خلفيه تاريخية
كـان موضوع تغطية وسائـل الإعلام الأمريكيـة للشرق الأوسـط لسنوات كثيرة، مبعثاً للاهتمام في النـقاشات التي جرت وتجري في الأوسـاط الأكاديمية والصحفية والعربيـة في الولايـات المتحـدة والعالم العربي. وقبـل حرب حزيران عـام 1967، لاحظ الباحـثون أن اهتمـام وسائل الإعلام الأمريكيـة بالشرق الأوسط كـان نادراً. ويرى أحد الباحثين وهو وولف أنه خلال تلك الفترة، كانت المقالات الصحفية حول الشرق الأوسط قليلـة الظهور، وغالبـاً ما كان محتواها يتعلق بالأخبـار السلبية، كالحروب والفوضى السياسيـة والكوارث الطبيعيـة. وقد كانت تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للحوادث الشـرق أوسطية في تلك الفترة، بؤرة نقـاش في عدد من البحـوث، التي أكـدت نتائجهـا بشكل لا يقبل الشـك، صحـة الاتهـامات المطروحة آنذاك، حول نقل تلك الوسائل لصورة سلبيـة للعرب، وأخرى إيجابية لإسرائيل. وقد حدا التصوير السلبي للعرب في وسائل الإعلام الأمريكية بالصحفي المعروف Nicholas Von Hoffman أن يلاحظ " بأنه لم يتم الحط من منزلة فئة دينية أو ثقافية أو قومية، بشكل منهجي وشامل، مثلما حدث بالنسبة للعرب.

ويرى معظم الباحثين أن سنة 1967 كانت نقطة تحول هامة، فيما بتعلق بالنقاشات حول تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للشرق الأوسط في الدوائر الأكاديمية والصحفية على الساحة الأمريكية. ويلاحظ وولف أن حرب حزيران 1967 قد فتحت المجال أمام تغطية أوسع للشرق الأوسط، خاصة بعد أن تحولت المنطقة إلى بؤرة للاهتمامات والجهود الدبلوماسية الأمريكية الرامية إلى وضع حل للصراع العربي الإسرائيلي بالطرق السلمية. وقد قادت تلك الحرب إلى بروز اهتمام أكبر لدى الباحثين الأمريكيين بالمنطقة العربية، وبدور وسائل الإعلام الأمريكية في التأثير في أنماط العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة والعالم العربي.

وفيما شكلت حرب 1967 بداية توسع الاهتمام الأكاديمي والصحفي الأمريكي بالعالم العربي، أظهرت حرب تشرين لعام 1973 بداية تحول في مضامين ذلك الاهتمام واتجاهاته وأطرافه. وتواصلت الاتجاهات الإيجابية في الصحافة الأمريكية نحو العرب خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى وخلال عملية السلام التي رعتها الولايات المتحدة بين العرب والإسرائيليين في التسعينات. غير أن أحداث 11 سبتمبر 2001 وما تبعها من "الحرب على الإرهاب" قد وضع صورة العرب والمسلمين في أسوأ حالاتها على الإطلاق.

محددات تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للشرق الأوسط
يشير العرض التاريخي الموجز لتغطية وسائل الإعلام الأمريكية للشرق الأوسط إلى أن حجم واتجاه تلك التغطية قد ارتبط بتغيرات الواقع العسكري والسياسي في المنطقة، وبدرجة ارتباط الولايات المتحدة بتلك التغيرات. فالمراقب لاتجاهات التغيير في أنماط وحجم تغطية أخبار الشرق الأوسط يرى أن اهتمام وسائل الإعلام بالمنطقة، بدأ يتبلور بعد حزيران 1967، وتطور إثر حرب عام 1973، وما صحبها من جهود سلمية برعاية الولايات المتحدة، وازداد واقعية بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، إلى أن وصل إلى مرحلة ذات درجة عالية من النضوج منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية، وإطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط برعاية إدارة الرئيس الأمريكي السابق كلينتون ليعود للتدهور في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، والحرب على العراق في أبريل 2003. وبشكل عام فإنه يمكن تصنيف المنطلقات التي استخدمها الباحثون في مقاربة صورة العرب والمسلمين في الإعلام الأمريكي إلى ثلاث فئات:

1- منظور السياسة المحلية والدولية.

2- والمنظور الثقافي.

3- والمنظور التنظيمي المؤسسي.

1) منظور السياسة المحلية والدولية

(Domestic & International Politics Perspective)

يرى الجانب المتعلق بالسياسة المحلية من هذا المنظور أن وسائل الإعلام هي طرف من مجموعة أطراف ذات مصالح وأهداف، تتفاعل مع بعضها بعضاً، وتؤثر في بعضها البعض على الساحة المحلية، أما الجانب المتعلق بالسياسة الدولية، فيرى أن وسائل الإعلام هي جزء من النظام السياسي الذي تعمل في إطاره، وبالتالي فهي تعكس توجهات وسياسات ذلك النظام نحو الكيانات الأخرى. واستندت معظم الآراء المطروحة في إطار منظور السياسة المحلية حول موضوع تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للشرق الأوسط إلى افتراض أن الصحافة الأمريكية تتأثر في نقلها لأخبار الشرق الأوسط بمصالح الأطراف العاملة على ساحة السياسة المحلية الأمريكية، من مؤسسات وأفراد ومجموعات ضاغطة.

وفي مقدمته لكتاب Abcarius "فلسطين من خلال ضباب الدعاية"، "لاحظ Sir Spears عام 1946 أن وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية كانت غير منصفة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

إن الفكرة التي طرحها Spears، والمتمثلة في رؤية المضامين الإعلامية المتحيزة على أنها نتيجة لنفوذ متعمد، يؤثر في العملية السياسية والصحفية والرأي العام الأمريكي، تمثل أساساً لمنظور السياسة المحلية. وقد كان الباحث الأمريكي اليهودي Lilienthal أول من وظف هذا المنظور في كتاباته، حيث رأى أن النفوذ في وسائل الإعلام الأمريكية، هو عملية متعمدة، وتتم بطريقة منهجية. ففي أحد بواكير أعماله، ضرب Lilienthal أمثلة واقعية على تحيز وسائل الإعلام ضد العرب، وعزاها إلى "الصور النمطية، وإلى خوف الصحفيين الأمريكيين من أن يوصموا باللاسامية". ويرى أصحاب هذا المنظور أن الضغوط الهيكلية التي يتعرض لها الصحفيون الأمريكيون قد بلغت ذروتها ببروز حالة ما يسمى "بالسيطرة الفكرية الباطنة" التي يتم من خلالها تحديد إطار، وحتى مضمون نقاش القضايا في المجتمع، وفقاً للقيم والعقائد السائدة.

ونلاحظ أن أعمال Lilienthal التي نشرها في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، قد تضمنت إشارات واضحة للدور التآمري، في عملية نقل الأخبار من الشرق الأوسط في وسائل الإعلام الأمريكية. وقد ذكر Lilienthal في أحدث كتاباته أنه تسود المعايير المزدوجة بين الصحفيين، بسبب الخوف الذي يعتريهم من الوقوع في مجابهة مجموعات الضغط.

ويرتبط منظور السياسة المحلية بفكرة أن التغطية غير المتوازنة للشرق الأوسط في وسائل الإعلام الأمريكية هي نتيجة لتقصير إعلامي عربي على الساحة الأمريكية، مما أفسح المجال أمام الفئات الأخرى، أن تمارس نشاطاتها بيسر، ودون منافسة. وتدل المعلومات المتوافرة حول النشاطات الإعلامية العربية في الولايات المتحدة إلى عدم فاعلية هذه النشاطات خلال الستينات. ويلاحظ مايكل سليمان -وهو باحث أمريكي من أصل عربي- أن برامج الإعلام العربية في الولايات المتحدة غير كافية، وتفتقر إلى إحساس واضح بالأهداف.

ويرتبط هذا المنظور أيضاً بحجم التأثير السياسي للأمريكيين العرب على الساحة الأمريكية. وقد رأى جبارة أن نفوذ الأمريكيين العرب بدأ يتنامى بعد حرب عام 1967، التي كانت الحافز الرئيسي الذي دفع الأمريكيين العرب لتنظيم أنفسهم بشكل جيد، حيث كانت المؤتمرات والاجتماعات السنوية لرابطة خريجي الجامعات من الأمريكيين العرب (AAUG) منابر دعمت هذه التوجهات. وفي منتصف السبعينات، تم تشكيل الرابطة القومية للأمريكيين العرب (NAAA) لزيادة مساهمة العرب في الحياة الأمريكية العامة. وفي عام 1980، أنشأت اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز (ADC) وما زالت تلعب دوراً هاماً في دعم القضايا العربية في الولايات المتحدة. وفي الآونة الأخيرة، برز الدور المتنامي للأمريكيين العرب إبان الانتخابات الرئاسية، عندما سعى مرشحو الرئاسة، ومنهم بات بيوكانان، وبل كلنتون، وجاري براون، وجورج بوش الابن لكسب ود الجالية العربية خلال حضور المؤتمرات السنوية لقيادة الجالية العربية الأمريكية في واشنطن العاصمة.

ويجب أن نلاحظ أنه رغم بريق الأفكار التي طرحت ضمن المنظور السياسي في تفسير تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للشرق الأوسط، فإن هذه الأفكار لم تخضع للاختبار العلمي المنهجي لمعرفة جدواها ومدى صدقها. فالتحليل الانتقائي للأدلة والبراهين يخضع عادة لميول ورغبات الباحث، ولا تعكس نتائجه كل جوانب الواقع المراد دراسته. ويحتم هذا الأمر علينا تطوير أساليب بحثية علمية، تمكننا من تقصي الجوانب الكيدية في العملية الصحفية ورصدها بشكل منهجي وموثق، لنتمكن من إعطاء التعميمات الملائمة. ومن هنا، فعلينا أن نتعامل مع هذا المنظور بحذر خشية الوقوع في شرك التعميمات العريضة، التي تفرضها الخلفية الأيديولوجية للباحث، الذي يجب أن يتعامل مع الظواهر حسبما هي، وليس وفقاً لميول وقيم وأحكام مسبقة.

غير أن السؤال المطروح هو كيف تتأثر وسائل الإعلام الأمريكية، التي من المفترض أن تسير وفقاً لمفهوم الموضوعية في العمل الصحفي، بالسياسات الخارجية للولايات المتحدة. وللإجابة عن هذا السؤال، يجب ملاحظة أن هناك علاقة متبادلة بين الصحافة والمؤسسات الحكومية في النظم الديموقراطية، وبالتالي فإنه مثلما أن هناك حاجة لصانعي السياسة الخارجية للترويج لتوجهاتهم عبر وسائل الإعلام، فإن الصحافة هي أيضاً بحاجة للمعلومات من مصادرها المؤسسية للحفاظ على استمرارية عملها. ومن هنا، فإن التصريحات والأعمال المتعلقة بالسياسات الأمريكية المتحيزة في الشرق الأوسط غالباً ما تتصدر الصفحات الأولى للجرائد ونشرات الأخبار التلفزيونية والإذاعية، خاصة إذا ما كانت توجهات وسائل الإعلام متوائمة مع السياسات التي يتم إعلام الجمهور بها. ومن هنا، لاحظ بعض الباحثين أن وسائل الإعلام الأمريكية كانت -حتى نهاية الثمانينات- تنظر للنزاع العربي الإسرائيلي على أنه نزاع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وكانت وسائل الإعلام تلك قادرة على التمييز بين دول عربية معتدلة وأخرى متطرفة. وفي مرحلة ما بعد الحرب الباردة، لعبت إعادة هيكلة أجندة السياسة الخارجية الأمركية نحو الشرق الأوسط لتشمل مكافحة الإرهاب، ومنع امتلاك أسلحة الدمار الشامل دورا مهما في صياغة الخطاب الإعلامي الأمريكي نحو العرب.

2) المنظور الثقافي (Cultural Perspective)

يستند هذا المنظور إلى فكرة أن حالات التحيز والتشويه التي نراها في تغطية وسائل الإعلام الغربية للشرق الأوسط تعزى إلى التباين التاريخي القائم بين القيم الثقافية السائدة في الغرب بشكل عام، وتلك السائدة في العالم العربي. وقد أدى هذا التباين، وفقاً لهذا المنظور، إلى قيام الصحفيين الأمريكيين بمعالجة قضايا وحوادث منطقة الشرق الأوسط استناداً إلى قيمهم واتجاهاتهم، دون إعارة اهتمام كاف للقيم والاتجاهات السائدة في العالم العربي. ويرى فارس -وهو أحد الباحثين العرب- أن أصول النفور الثقافي بين العالمين العربي والإسلامي تعود إلى الشكوك المتبادلة النابعة من الصراع الطويل بين أتباع الإسلام والمسيحية، والتقاليد التبشيرية إضافة إلى أعمال المستشرقين، التي لم تبد الاكتراث الكافي بالعالم الإسلامي، حيث ركزت على نقاط الضعف فيه.

وقد حظي المنظور الثقافي لتفسير تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للشرق الأوسط باهتمام متزايد منذ بداية السبعينات، مع ازدياد حدة المناظر والنقاش حول الموضوع، ويعود الفضل في تطوير هذا المنظور إلى إدوارد سعيد، أستاذ الأدب في جامعة كولومبيا، حيث رأى أن تشويه الصورة العربية في الإعلام الأمريكي يرجع إلى تاريخ طويل من النفور الثقافي بين الغرب والإسلام، ويلاحظ سعيد أن الغرب، ولفترة طويلة كان يحمل مجموعة معقدة من الصور النمطية التحاملية حول المسلمين والعرب، حيث كان ينظر للأخيرين على أنهما وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن التمييز بينهما. ويرى سعيد أيضاً أن طبيعة الاتصالات التي تمت بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي، غالباً ما تميزت بالمواجهة والتحدي.

ويعلق سعيد على العوامل الثقافية بقوله: "على خلاف الثقافات الأخرى، ظل الإسلام منافساً جغرافياً وروحياً للغرب المسيحي، وأكثر من ذلك، فإن الإسلام والعرب لم يخضعوا أبداً لسيطرة الغرب، فلم يكن الإسلام البتة مصدر ثقافة جذابة للغرب ليتبنّوه... فهناك مقاومة عضوية في الإسلام، وهناك كونية عنيدة وقفت أمام كل الجهود الغربية الماضية والحاضرة لتدجينه، والسيطرة عليه وإضعافه، وإسكات صوته".

ويشارك الصحفي الأمريكي المعروف John Cooley في تأكيده على دور التباين الثقافي في التأثير في معالجة وسائل الإعلام الأمريكية لقضايا وحوادث الشرق الأوسط، حيث يرى وجود وعي باطني جماعي مناهض للعرب والاسلام لدى الأمريكيين، تشكل عبر الأجيال، قبل ظهور التلفزيون والأفلام، عن طريق الأدب الأمريكي الشعبي وغيره.

وقد استخدم المنظور الثقافي في تفسير المضامين الإعلامية الأمريكية المتعلقة بالشرق الأوسط من قبل عدد آخر من الباحثين، الذين حاولوا رصد مظاهر التحيز الثقافي في الأدب والمناهج الدراسية في الولايات المتحدة، وقد أظهرت أعمال قام بها كل من سري ناصر ومايكل سليمان وإياد القزاز وباحثون أجانب مثل Terry وBerry وGriswold وجود سياق ثقافي متحيز، اعتمد عليه أغلب الأمريكيين في تشكيل صورهم الذهنية، غير الدقيقة حول الشرق الأوسط.

ويجب أن نلاحظ أن المنظور الثقافي يعتمد الأسلوب الاستنتاجي القائم على تحليل المضامين الثقافية لدعم حججة حول تأثير نظم القيم الثقافية لدى الصحفيين والمفكرين في إبراز صورة غير إيجابية للعرب. ورغم أن نتائج هذا المنهج ( تحليل المضمون) هي علمية ومنسقة، فإن استخدام هذه النتائج وتوظيفها لأغراض تفسيرية، غالباً ما يوقع الباحث في إشكاليات تحديد أسباب التغطية. فرصد أنماط من التحيز الثقافي في التغطية الإعلامية قد لا يؤهلانا بالضرورة لإعطاء أحكام تتعلق بدور هذه الأنماط في تحديد تلك التغطية، فالأنماط المرصودة هي أعراض للمشكلة وليست المشكلة نفسها. وبناء عليه، فإنه يجب التعامل بحذر مع نتائج تحليل المضمون التي يستند إليها المنظور الثقافي، خاصة عند استخدامها لأغراض تفسيرية، وهذا بالتأكيد لا يقلل من أهمية هذه النتائج التي بدونها لا نستطيع التعرف على الأسباب التي تحتم بروز التغطية بالشكل الذي هي عليه.

(3) المنظور التنظيمي – المؤسسي

(Institutional – Organizational Perspective)

يستند هذا المنظور إلى فكرة أن المضامين الإعلامية ما هي إلا نتيجة لممارسات وقوانين وأحكام وقيم العمل الصحفي السائدة في المجتمع، وإنه لكي نفهم خروج هذه المضامين بالشكل الذي هي عليه، لا بد من دراسة الجوانب المهنية والشخصية للصحفيين، ومواردهم المتاحة، وتفاعلهم مع زملائهم في العمل، وعلاقتهم برؤسائهم.

ورغم أن المنظور المؤسسي لتفسير تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للشرق الأوسط لم يستخدم بشكل كاف في البحوث والدراسات المتعلقة بهذا الموضوع، فإنه تم توظيف عدة جوانب هامة منه، ومن المحاولات الهامة في هذا المجال، ما أجراه الإعلامي والأكاديمي الأمريكي اللبناني الأصل أدموند غريب، من مقابلات متعمقة مع عدد من نخبة الصحفيين الأمريكيين، حيث برزت أهمية القيم المهنية والموارد المتاحة، كعناصر مؤسسية تؤثر في شكل ومضمون التغطية الإخبارية. وفي دراسة مسحية أخرى أجراها Sreebny على عينة من الصحفيين الأمريكيين المكلفين بتغطية أخبار الشرق الأوسط تبين أن معظمهم شكى من ضيق الوقت والمساحة المكرسين للأخبار الدولية في وسائل إعلامهم، ومن صعوبة الوصول إلى المسؤولين، خاصة في البلاد العربية، للحصول على المعلومات الإخبارية.

وفي تقييمه للصور النمطية العربية السائدة في الأفلام الأمريكية، برر جاك شاهين استمرار هذه الصورة ببساطه بسبب "كون عدد قليل جداً من الأمريكيين العرب يعملون ضمن المجموعة المبدعة في هوليوود، حيث يتم كتابة وإنتاج البرامج المختلفة"، وقد لاحظ أحد كبار المدراء التنفيذيين في التلفزيون الأمريكي أنه يتم استخدام الصور النمطية العربية في الإعلام الأمريكي؛ لأنها تخدم الأهداف التجارية لشبكات التلفزيون الأمريكي، حيث تجذب أعداداً هائلة من أفراد الجمهور بشكل يماثل انجذابهم لمشاهد بطيئة من الجنس والعنف.

*****************

*) عميد كلية الاتصال، جامعة الشارقة.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=56

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك