أسلوب الحياة الإسلاميّة، وتمهيد الطريق للحضارة الإسلاميّة الحديثة

موقع معهد باقر العلوم للدراسات

ربما يكون نمط الحياة يهتم بظواهر الناس لدرجةٍ كبيرة، لا يؤمن معها الكثير، بل حتّى يتغاضون على أنّ له أبعاد نظرية أعمق، إذ الغفلة عن المباني والأصول في استخدام الأساليب والطرق، تظهر الإنسان على أنّه إمّا علماني رمزيّ، أو مُستهتر، وسبب ذلك أنّ نظرتهما على حدٍّ سواء، فالقسم الأول يتوهم أنّه يجدّد الإسلام في العصر الحديث، وأما الثاني، شاء أم أبى فإنّه يقدّم الإسلام قرباناً لأجل أسلوب الحياة الغربيّة.

لقد دخل عنوان نمط الحياة إلى الثقافة الأمريكية قبل ثلاثة عقود، حيث سعى السياسيون الأمريكان أن يصدّروا أهدافهم المختلفة عن طريق التعريف بنمط الحياة الأمريكيّة، دون الاعتماد على الأسلوب السياسي.

إنّ الإيديولوجيات ومكامن الفكر تُنشئ نمطاً وأسلوباً في الحياة، ينسجم معها، فإذا كان نمط الحياة في مجتمعٍ ما منسجماً مع مبانيه الفكريّة، عندها سيتحقق التوازن والاستقرار في المجتمع.

إنّ مفهوم نمط وثقافة الحياة، يشير إلى جملةٍ من المواضيع في بيئات متعدّدة، كالأسرة، المسكن، نوع اللباس، أسلوب الاستهلاك، العمل، بالإضافة إلى الأفعال الفرديّة والاجتماعيّة، وفي الحقيقة أن أسلوب ونمط الحياة يرجع إلى كل المسائل التي تشكّل حياة الإنسان، وللأسف فإنّنا لم نتقدم بشكّلٍ واضحٍ في أسلوب الحياة الحقيقيّة، ولم نتطوّر كالقسم الأوّل أي في مجال العلم والصناعة، وأمثالهما، حيث إنّ ثقافة الحياة تتأثر بتحليلنا وتفسيرنا لها، حيت أنّ كلّ هدفٍ نعيّنه للحياة، سيحقق أسلوباً ونمطاً خاصّاً.

الإسلام ونمط الحياة

إن الإسلام العزيز يؤمّن كلّ متطلبات الإنسان، وعلى العلماء إضافة إلى جهودهم في مجال الفقه، والحقوق، أن يهتمّوا بمباحث الأخلاق الإسلاميّة، والمباحث العقليّة، والسلوك العمليّ الإسلاميّ بشكلٍ نوعيّ ومكثّف؛ ليكون محصول هذا الجهد أساس التخطيط ومبنىً لتعاليم الأجيال القادمة.

في المعارف الإسلاميّة يعتبر مصطلح عقل المعاش ” أيّ القوّة المدبرة لشؤون الحياة” في مفهومه العامّ، مرادفاً لأسلوب وثقافة الحياة، وحتى في القرآن الكريم يوجد آيات متعدّدة في هذا المجال.

من دون التطوّر في القسم الجوهري والحقيقيّ لصناعة الحضارة الإسلاميّة الحديثة – يعني نمط وثقافة الحياة- فإنّه لن تتحقّق أهداف هذه الحضارة الكبيرة.

إنّ لبناء الثقافة في المجتمع، وما له من دورٍ أهميّة في تقليل الأخطار الاجتماعيّة، حيث يتسنّى هذا الأمر عن طريق جملة العلوم الدينيّة والإسلاميّة. إن تقديم نهجٍ لنمط الحياة المتناسب مع النظريات الإسلاميّة، يُزيل الكثير من المشكلات والتحدّيات. إنّ حياة المجتمعات الإسلامية اليوم أكثر من كونها مظهراً لهويّتها، هي متأثرةٌ بأجواء المواقع الالكترونيّة الغربيّة، التي تروّج لنمط الحياة الغربيّة، ومن خلال ملاحظة البون الشاسع بين هذا النمط، وبين هيكليّة الثقافة الإسلاميّة، فإنّه سيؤدي إلى إيجاد مجموعة من التحديات.

إنّ وجه الاختلاف بين الثقافة من وجهة نظر إسلاميّة، وبين ما يغايرها، تكمن في نمط وطريقة الحياة في الثقافة الإسلاميّة المُنتزعة من الفكر التوحيديّ أي القرآن، والنظام العمليّ الإسلاميّ المبتنى على الشريعة، والسيرة وسنّة الأئمّة الأطهار عليهم الصلاة والسلام، أمّا في الثقافة غير الإسلاميّة، فإنّ ثقافة وأسلوب الحياة مأخوذة من جملة النظريّات الاجتماعيّة، والنظام العمليّ الفرديّ، والذي هو القانون، وبملاحظة الأساليب المعروضة في الدين الإسلاميّ، فإنّ الفرد وفق أسلوب ونمط الحياة، كلّما كان أقرب إلى نمط الحياة الإسلاميّة، كلّما كان أكثر نجاحاً في المجتمع، وجهده متقدّماً في رعاية التقوى، والعدالة، وحقوق الآخرين.

بدون إيلاء العناية بالقواعد الأساسيّة لنمط الحياة، والتوجه لأصلها، فإنّنا سنواجه مشاكل الإفراط والتفريط في التحليل، فالتغيّرات يجب أن تكون في الرؤية الكونيّة، وعندها سيكون الطريق ممهّداً لنمط الحياة.

نمط الحياة والتمدّن الإسلاميّ الحديث

إذا اعتبرنا التطوّر على جميع الأصعدة هو معنى التمدّن الإسلامي الحديث، عندها سيكون لهذا التمدّن قسمان: حقيقيّ وآليّ، يشكّل فيه نمط الحياة القسم الحقيقيّ، أمّا القسم الآليّ فهو عبارة عن الموضوعات التي تُطرح اليوم تحت عنوان أبعاد التقدّم، وذلك من قبيل العلم، الاختراع، الاقتصاد، السياسة، الاعتبارات الدوليّة وأمثالها، ويرى الإسلام أنّ التعقّل، والأخلاق، والحقوق، هي مرتكزات الثقافة الأصليّة والحقيقيّة، حيث ينبغي علينا الاهتمام بها بشكلٍ جديٍّ وفاعلٍ، وإلّا فإنّه لن يتحقّق التقدّم الإسلاميّ والتمدّن الإسلاميّ الحديث.

إنّ التمعّن في التاريخ المتلألئ للدين الإسلامي المبين، وعلى الأخص الفترة التي شهدنا فيها الحضارة العلميّة الإسلاميّة، توضّح كيفيّة استخدام الفكر الإسلاميّ الأصيل في الحياة، وإنّ التمعّن أيضاً في نظرة الإسلام حول تراكميّة العلم، والاستفادة من حضارات الدول الأخرى، وعدم تقليدها، والاهتمام بالأمور المعنويّة في شتّى أبعاد الحياة، كلّ هذا يساهم في إيجاد الحضارة الإسلاميّة، وعلى ضوء هذا، ففي العالم المعاصر اليوم، لا بدّ بالأخذ بعين الاعتبار، أنّه عندما نطبّق التعاليم الإسلاميّة بشكلٍ كليّ، في جميع أبعاد حياة الإنسان، فإنّه يمكن من خلال هذا خلق النمط الإسلاميّ الحديث، وبتبعه تكوين الحضارة الإسلاميّة الحديثة، وعندما يتحقّق هذا الأمر، ينبغي أن تُحذف من الحياة، كلّ خصوصيّات الأخلاق المنافية لتقدّم المجتمع، والحضارة الإسلاميّة، وبالتالي ومن خلال الاستفادة من العلم الحقيقيّ، وكذلك الاستفادة من التجارب العلميّة للدول الأخرى، بعيداً عن التضرّر من عنصر التقليد، وتأصيل علمها، يمكن أن يكون لنا الريادة في المجال العلميّ، وأن نكون قدوةً لكلّ الدول، وأن نروّج ثقافتنا وحضارتنا.

تطوّر العلم وأسلوب الحياة

التقدّم وسيلةٌ للوصول إلى نمط الحياة الصحيح، وبلوغ الطمأنينة والأمان، والتسامي، والتطوّر الحقيقيّ، في العلم والصناعة، والاقتصاد، والسياسة، والتي تعدّ البعد الماديّ والحسيّ للحضارة الإسلاميّة، كما يعدّ مفهوم التطوّر والتقدّم مساعداً ومحفّزاً للحركة والصيرورة.

كلّ تحليل لمفهوم التقدّم المستمرّ، ونمط الحياة، والعمل الاجتماعيّ، ونمط العيش، سواءّ كان ماديّاً أو معنويّاّ، يحوز على أهميّةٍ كثيرةٍ.

إنّ التطوّر في المجالات العلميّة والاقتصاديّة، يتحقّق ضمن العناية بأنماط الحياة، وبالنظر إلى الحضارة الغنيّة الإسلاميّة، إلى جانب الاهتمام بدور الأسر في الحياة، فإنّ للعالم الإسلاميّ قدرة التربّع على قمّة التطوّر.

إن الاستفادة من الإمكانات الطبيعيّة والتكنولوجيا، وبشكلٍ موجز، الثروات الماديّة ، من إمكانات ووسائل، وأشياء، هي منوطةٌ بالاستفادة الحقيقيّة والصحيحة للثروة الإنسانيّة، وفي الوقت الذي يكون لهذه الثروة الإنسانيّة أداء، وكفاءة، وتأثير، وأن تعرف كيفيّة الاستفادة من الوقت، والدخل، والإمكانات، وأن تستغلّها، عندها يمكن أن تمتلك حدّاً أكثراً من الكفاءة من القليل من الموارد.

إنّ الدول الغنيّة من ناحية امتلاكها للموارد الباطنيّة، والمنابع الطبيعيّة، بمجرد فقدانها لأسلوب الحياة المناسب، ستعاني من هدرٍ لميزان الطاقة، وتدنّي في الإنتاج والكفاءة، والفقر من ناحية الثروة والإمكانيّات ، وهناك دول في مقابلها محرومةٌ من كلّ هذه المقدَّرات، ولكن ولامتلاكها أسلوباً خاصّاً في الحياة، استطاعوا أن يديروا أمورهم وأن يصبحوا في مصافي تلك الدول.

الحضارة الغربيّة وأسلوب الحياة

هناك بعض الدولة تتّبع الحضارة الغربيّة دون أن يكون لها اعتقاد بمبدأ معيّن، وربما يمكن لهم الوصول إلى التقدّم ظاهراً، لكن الخسائر غير المتناهية لذلّة التقليد، ستلحق بهم أضرار فادحةً، وتستأصل جذورهم، وعلى هذا فلو هبّ طوفانٌ بوجههم فلن يكون لديهم قدرة الصمود، وعلى خلاف هذه الدول المقلّدة، هناك دولٌ انتقوا تعاليم التوحيد، في مقابل الحضارة الغربيّة، وأولئك سيجدون التقدّم الحقيقيّ، وعلى جميع الأصعدة، وسيبنون الحضارة العميقة المتأصّلة أيضاً، والتي توسّع فكرهم وثقافتهم في العالم، في الحقيقة نحن ليس لدينا صراع مع الغرب، لكن وعلى أساس البحث والتحرّي نؤكد أنّه لا يمكن أن تصل أيّ أمّة إلى أيّ نتيجة جرّاء تقليد الغرب، إنّ الثقافة الغربيّة بطبيعتها ثقافة عدوانيّة، وبذريعة أيّ دليل تنتشر في أيّ دولة، وبالتدريج فإنّها تقضي على هويّة وثقافة تلك الدولة، إنّ تقدّم الثقافة الغربية تقدّم ظاهري، أمّا في باطنها وحقيقتها – نمط الحياة المادّيّ الممزوج بالشهوة، والمجهول الهويّة- فهي ضد الأمور المعنويّة.

إنّ سياسيّي الغرب من خلال سوء الاستفادة من تمدّد وسائل الفنّ، وعلى الأخصّ فنون السينما، يسعون إلى بناء الأذواق وترويج نمط حياتهم الغربيّ في المجتمعات الأخرى، فهم في المشاريع المطروحة وبالاعتماد على علماء الاجتماع، وعلماء النّفس، والمؤرخين، يبحثون عن نقاط الضعف بالأخص عند الشعوب الإسلاميّة، ومن خلال معرفة طرق الهيمنة عليها، يوصون صنّاع الأفلام بإنتاج أفلم خاصّة لها، لذا ينبغي على المسؤولين والمواطنين في هذا المجال، رعاية ثقافتهم الأصيلة وبلادهم.

إنّ فصل نمط الحياة عن الاعتقادات والدين، أو بتعبيرٍ آخر خلق العلمانيّة، من أهم إنجازات نظام السلطة العالمي، الذي لا يقتصر وجوده على الولايات المتحدة، وبهذا المنطق تبدّل الثقافة الغربيّة نفسها، من ثقافة عدوانيّة إلى ثقافة رائجة، فعندما يعيش العديد من الأمريكيين خارج حدود الولايات المتحدة، فإنّ أمريكا تعتمد عليهم للنجاح كعمق استراتيجي، في الوقت الذي فشلت فيه عسكريّاً وسياسيّاً، حيث من خلال صبغ الثقافة بالصبغة الأمريكيّة فإنّهم سيُخضعون الكثير من الناس في العالم.

نتيجة:

يتضح ممّا حققّناه أنّ نمط الحياة يشمل كلّ جوانب الإنسان من ولادته وحتّى موته، حيث يمتلك الإنسان على أساسها أسلوباً خاصّاً، إمّا مأخوذاً من فكرٍ ما أو أنّه وبمرور الزمان أصبح أمراً واقعاً في المجتمعات.

أمّا من وجهة نظرنا فإنّ نمط الحياة هو أسلوب إسلاميّ المُنتزع من الدين الإسلاميّ المبين، حيث ينبغي زرع هذا الأسلوب في عمق المجتمع، وعلى أساسه يتقدّم المجتمع، وللأسف ففي دولنا، فقد حُرمنا من إيجاد أسلوب خاص في الحياة، وذلك لقوّة إعلام العدوّ وغفلة المسؤولين لدينا، حيث سنرى تبعاتها الفظيعة لاحقاً.

ينبغي على الدول الإسلامية الاهتمام الجدّي في الدين الإسلاميّ المبين، والالتزام بأوامره، حتى تستطيع صناعة نمطاً خاصاً في الحياة، وهذا النمط بنفسه سيكون مانعاً من الأساليب المنحرفة والغربيّة، وحتماً لأجل الحصول على هذا الأمر لا بدّ من الجد والمثابرة، أوّلاً من جهة المسؤولين وإيجاد الحلول والبنى التحتيّة، وثانياً من جهة الناس ومن خلال التعاون والتنسيق مع الدولة، فيمكن حينها إيجاد مثل هذا الأمر، وإزالة المشكلات الناشئة عن نمط الحياة الغربيّ غير الصحيح أيضاً، ووفق الأسلوب الإسلاميّ الأصيل يمكن جعل الحضارة الإسلاميّة الحديثة قدوة لغيرها من الدول، ولهذا السبب يمكن عنوان الاقتراحات والحلول ، بما يلي:

الحلول:

  • معرفة الأضرار، وسبب الركود وعدم التقدّم في نمط وثقافة الحياة.
  • دعوة العلماء والمفكرين، من الحوزة والجامعة، بالإضافة إلى النخب الفكريّة والسياسيّة، لبحث الوسائل المرتبطة بالثقافة والتعليم، والشباب والمشاكل الواردة في هذا المجال.
  • معرفة الأضرار التي تلحق بالأسر باعتبارها ركناً أساسيّاً من أركان نمط الحياة.
  • ينبغي على مسؤولي الدولة والثقافة في المجتمع، تشكيل فرق عمل جماعيّة مختلفة، ولجان تخصصيّة غايتها البحث في أبعاد نمط الحياة المتناسبة مع شروط الحياة اليوم في المجتمع، وأن يقدّموا رؤاهم حول ضروريات وبرامج الوصول إلى نمط الحياة الإسلاميّ، والسعي الدؤوب لمعرفة الأضرار والمشكلات والبحث عن طرق علاجها.
  • إيجاد صيغة حاكمة في مجال معرفة الأضرار والمشكلات الموجودة في أسلوب الحياة.
  • يمكن لكلّ من وزارة التربية والتعليم، ووزارة العلوم، ووزارة التكنولوجيا، ووزارة الثقافة ، باعتبارها المؤسسات الرئيسيّة المعنيّة في هذا الموضوع، ولمخاطبتها لشريحة الشباب، وعموم شرائح المجتمع، أن تلعب دوراً مؤثراً في هذه المسألة.
  • إنّ إقامة ورش التعليم للطلاب والتلاميذ، حول الأسرة وصناعة الثقافة، وذلك عن طريق المواقع الالكترونيّة، تعتبر من أهم الإجراءات الثقافيّة للتوجّه لأسلوب الحياة الإسلاميّ.
  • تأصيل أسلوب الحياة بين التلاميذ في فترة الطفولة له أثرٌ أكبر، وحتى أنّه يمكن لهذا الموضوع من خلال الذهاب إلى الكتب الدراسيّة أن يشكّل أرضيّة أكثر للاهتمام، والتي تنير مدارس بلادنا أفضل ملجأ لها. ربّما يكون وضع وثيقة شاملة لوزارة العلوم، واستخدام، العنوان والاهتمام بأسلوب الحياة، ورفع المشاكل والعُقد الموجودة، أن ترسم المستقبل للبلاد، وأن تقرّب أجلَ ما توقعنا الحصول عليه لغاية عام 1404.
  • يجب على النخب العلميّة والدينيّة، ولأجل تأصيل أسلوب الحياة، أن يشكّلوا الأرضيّة لتبيين الخصائص، وأهميّة هذا النوع من نمط الحياة.
  •  

المصدر: http://alhiwaraldini.com/home/نمط-الحياة-الإسلاميّة،-وتمهيد-الطريق

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك