الصراع من أجل الاعتراف بين مستلزمات السياسي ومقتضيات العدالة
استهلال:
سنحاول أن نمتحن التفكير في العدالة من جهة ما هي بحث عقليّ، تحت هدي خط النقاش الذي استبان ممارسة تجلت في البعد السياسي، ههنا تنكشف لنا صعوبة التفريق بين مستلزمات السياسي ومقتضيات العدالة، وبالتالي من المفيد أن نستضيء بإشارة مفادها أن العدالة فكرة منظمة وموجهة تنعكس فيها الممارسة الاجتماعيّة[1].
إلا أنّ العدالة تعرف، وفق مقاربتين اثنتين: مقاربة غائيّة تجد في الخير من جهة ما هو مرجعها الدفين الغاية الأسمى للفعل العادل، ومقاربة أدبيّاتيّة، أخذت في الترئي ارتباطا بالقانون والقاعدة في جعل الفعل عادلا، وبالرغم من تلفت "راولز" (Rawls) إلى جهة "كانط" (Kant) من جهة كونه يتبنى المقاربة الأدبيّاتيّة للعدالة، فإنّ أمرا جللا يتوقف عنده بكثير من الانهمام والتوجس، وهو "فكرة أنّ العادل هو موضوع إنشاء، باعتبار أنه يصدر عن اختيار متروّ، في حين أنّ الخير يعد موضوع اكتشاف باعتبار أنّه يدرك حدسيّا[2] ولا يعني ذلك أن فكرة الخير غائبة تماما عن نظريّة يكون فيها للعادل أولويّة على الخير[3].
1- مجال السياسي والوفاق من خلال التقاطع:
ونحن إذا أجدنا النظر وجدنا أنّه فرض التخلّي عن ادّعاء النظريّة بأنها جامعة، حيث نشير إلى أنها وتبعا لذلك، لم تعد صالحة لسائر المجتمعات والمؤسسات والتعاملات، وليس أدلّ على ذلك من أن انطباق المبادئ لا يكون على غير مجتمعات الديمقراطيّات الدستوريّة أو الليبراليّة[4].
ويستبين الأمر جليّا لمّا ندرك أنّ "راولز" إنما مقصوده بالاستقرار ميزة للعقد في الدوام والرّبط ونسج وشائج القربى بين المختلف والمتعدد من الأجيال والقدرة لإنجاز ذلك على الانخراط ضمن تاريخ محدد، حيث يكون الطموح الأسنى للسياسي، إنما هو مجاوزة صعوبات تتمثل في قصر الحياة الفردية، وتغلب الأهواء وتغير المصالح. وتقودنا هذه الإعضالات إلى أنّ التعارض بين العادل والخير، إنما هو قد انبنى في الحقيقة على ضروب من التعميم.
وإمعانا في التحديد والضبط نذهب إلى أنّ الخيّر هو ميسم توسم به نظريّات جامعة تكون أفقا ممكنا لأفراد أو مجموعات بشريّة، وهو ما من شأنه أن يوطئ الأمر، لما مفاده أنّ العادل، إنما هو المبدأ الذي عليه تنهض المجتمعات الدستوريّة والليبراليّة.
إنّ هذا الاقتضاء يقرّ ألاّ تساوق بين مفهومي العادل والخيّر، بل قل يؤكد أنّ الفوارق بينهما وافرة، وهو الأمر الذي رام "راولز" تبريره حين كتب محاضرة 1985 (نظريّة العدالة بما هي إنصاف: نظريّة سياسيّة لاميتافيزيقية)، والتي كان حرصه على إحداث تمايز بين الليبرالية السياسيّة والليبراليّة التي تدرك على أنها ميتافيزيقيّة في مستواها، شديدا.
وهكذا فإنه علينا أن نستبصر وجه الحضور الكثيف للرافد السرّي للمراجعات أو ما يطلق عليه اسم "واقعة التعدديّة"، ولما استقام لـ"راولز" هذا التعيين، شرع في بيان كيف أنّ "الواقعة"، إنما تقترن اقترانا حميما بالذي كانت فرضته الحروب الدينيّة وما نبّأت عنه من وجود لأديان داخل الفضاء السياسي عينه، ومن ثمة كانت فكرة التسامح ملجأ يلجأون إليه لفك ما تنازعوا فيه من دون عنف[5].
وبعد أن صرف "راولز" همّته إلى بلورة فصل الليبراليّة السياسيّة عن الليبراليّة الميتافيزيقيّة، استنتج أنها مهمة لا يمكن تخطيها والسبب في ذلك تعقد شؤون العالم الحديث الذي لا يكون فيه المجال ممكنا لأيّ تصور جوهريّ عن الخير أو لارتسام مقام متعال لما هو عدل لأن يصلح كأساس للرابطة الاجتماعيّة[6].
إنّ الجديد هنا هو بيان كيف أنّ البديل، إنما يتجلّى في خطورته من حيث هو فرض رؤية موحدة لما هو خير وسبيل يفتح المجال لرهانات الحكم الاستبدادي.
إلا أنّ أول ما يلفت النظر، إنما هو بروز الحرية السياسية من دون غشاء ميتافيزيقي، وقد تجلّت مفعولات هذا التبدل كأظهر ما يكون بفضل النظريّة المنفتحة للعقد الاجتماعي، الذي تتخلّى بمقتضاه مجموعة من الأفراد عن حريّتها الخارجيّة لتسترجعها كأعضاء في جمهوريّة، فنظريّة العدالة تهدف إلى تقديم فهم تعاقدي للتصور الكانطي للاستقلاليّة.
فبالنسبة إلى "كانط" القانون هو القاعدة التي يمكن أن تمنحها إرادة حرّة لنفسها عندما تكون متخلّصة من ميول الرّغبات والمتع وبالنسبة إلى "راولز" المؤسسة العادلة، هي تلك التي يقبل بها نفر من الأفراد المتعقلين، لو أنهم استطاعوا الاختيار بتروّ في حالة تكون منصفة؛ أي في وضع يتضمن شروطا وإكراهات.
ويشدد "ريكور" على أنّ المنعطف الرّئيس في الكتاب، إنما يتمثل في سعيه إلى إحلال الانهمام الإجرائي محلّ العناية التأسيسيّة لمسألة العادل. من هنا تأتي الصبغة الإنشائيّة وحتى الاصطناعيّة التي يشترك فيها الكتاب مع بقيّة التقليد التعاقديّ، والتي لها من القدرة ما به تضمن التعايش[7].
وقصد الإمعان في البيان نشير إلى أن الرهان لن يكون إلاّ ناقصا أبتر، ما لم نتفطن إلى أهميّة إضافة مفهوم الشخص وإدخاله على النظريّة السياسيّة في العدالة. ولا تنفصل هي الأخرى عن التصور الأول الذي لدينا عن الرّابط الاجتماعي من حيث هو نسق تعاوني يضمّ أشخاصا أحرارا وعاقلين ويرغبون في حماية مصالحهم الخاصّة.
وبالتالي ليس يمكن تدبر هذا الإشكال، ما لم نأخذ مفهوم الشخص personne تماما مثلما هو الحال لمفهوم العدالة justice على ضربين: الضرب الذي يكون له عندما يكون محددا بقصديّة الخير، ونكون عندها متبنين لتصور "ميتافيزيقي" لمفهوم الشخص أو الضرب الذي يكتسبه، عندما يتحدد من خلال العلاقة التي تشده بالمؤسسات التي يحكمها مبدأ العدالة، حينما نكتفي بفكرة سياسيّة لا غير.
وفي نظريّة العدالة ينظر إلى المواطنين كأشخاص أحرار متساوين فيما بينهم. وبيّن كلّ البيان أنهم يتمتعون بشخصيّة أخلاقيّة تمكنهم من المشاركة في مجتمع يقوم على نسق من التعاون منصف ينشد تحقيق مكاسب متبادلة[8] وينظر إليه كظاهرة تعاونيّة وبمعنى ما لا تقول كتابات الثمانينيات شيئا مغايرا، فالمجتمع يمثل نسق تعاون اجتماعي منصف بين أشخاص أحرار ومتساوين فيما بينهم، إلاّ أنه ينبغي أن نشير إلى أنّ صفة أحرار المسندة إلى الأشخاص تربطها وشائج قربى مع المبدأ الأول في العدالة في حين ترتبط صفة التساوي بينهم بالمبدأ الثاني.
ولنحاول الآن تلمس الصعوبة التي يثيرها هكذا طرح تلمسا أحكم، وذلك بأن نرسم طريقا للتساؤل حول تقليص مدلولات الشخص، نروم من خلاله تفحص سبب اختزال الشخص Personne في معنى المواطن Citoyen المنتمي إلى ديمقراطيّة دستوريّة، في تواصل مع الانتصارات التي حققتها فكرة التسامح[9]وهو النموذج ذاته الذي تحاول الديمقراطيات الدستوريّة الحديثة نحته، وهو أيضا بالضبط ما سعت نظريّة العدالة إلى صياغته دون أن تدرك بما فيه الكفاية محدوديّة عملها هذا، فيعطي بذلك جوابا جزئيا على الاعتراض الداخلي الذي قدمه "راولز" لنفسه على قاعدة شرط استقرار العقد.
وعلى نحو سلبي يذهب "ريكور" إلى القول بكل ثقة: "فيما يخص الممارسة السياسيّة لا يستطيع أي تصور أخلاقي شامل أن يمدنا بمفهوم معترف به على نحو عمومي في إطار الدولة الديمقراطية الحديثة كتصور للعدالة"[10]
وليس يعني من "معترف به" غير ما هو قابل منه للتطبيق تاريخيا. ولا يحسبن أحد أنّ الجواب عن "الافتراض" كان على نحو سالب فقط وإنما كان موجبا، إذ يتعين أن تكون الفوارق الاجتماعية والاقتصادية في صالح الأعضاء الأقلّ حظا داخل المجتمع وفيما هو موجه منه إلى المطالب المتعلقة بالمساواة، والتي تصرح بها متحدات فكريّة لا يمتنع أن تكون متناقضة وتضمن حماية مؤسساتية للحقوق والحريات وكل أسباب تحقيق هذه المطالب.
ويتبين مما أتينا على ذكره أن الديمقراطية الليبرالية، إنما تناسب تحديد مواطنين لا مناص لهم من أن يختلفوا حول ما هو أساسيّ في الحياة، وأن يفكروا في ضوء الاختلاف ويعملوا على حصره، وبالتالي فإنه من المعقول أن نعمل على إقامة صلة بين قاعدة العدالة والخلفية المتمثلة في العقائد التي تقع ممارستها في مجتمعاتنا الحديثة.
وهكذا، فإنه حقيق بنا أن نحاول استبصار دلالة فكرة الوفاق من خلال التقاطعThe Idea of Overlapping consensus التي تستجيب لهذا المقتضى، ولا بد من الإشارة هنا، فورا إلى هذه الفكرة وهي بالضبط الامتداد الطبيعي لفكرة "التوازن المتروي" التي تبرز فيها انطباقية متبادلة بين القناعة والنظريّة، وليس خافيا على الناظر في نظريّة العدالة أن يدرك أنها تفترض أنّ لدى أولئك الذين أبرموا العقد فكرة حدسية أساسية يتم بمقتضاها تصور المواطنين على أنهم أشخاص أحرار ومتساوون فيما بينهم بفعل ملكات أخلاقية محددة: أي حس العدالة وهو ما يعني "القدرة على فهم ثم تطبيق واحترام، على صعيد الأفعال والتصور العمومي للعدالة الذي يحدد شروط تعاون منصف"[11].
ولكن من أين يأتي ذلك الحافز أو إن أمكن القول تربية تلك الملكة الأخلاقيّة؟ هنا تتجلى أهمية مقال "مجال السياسي والوفاق من خلال التقاطع"، فبفضلها وحدها نقوى على الظفر بما التبس وأشكل أمره علينا طويلا، ذلك أنّ نظريّة العدالة لم تكن من قبل قائمة إلاّ على استراتيجيّة مجاوزة الخلافات وفق تلك الوجهة التي ما فتئت تحيل إليها فكرة التسامح[12].
ذلك هو الطريق الذي جعل المراهنة على التصورات الميتافيزيقية المتضاربة تستطيع أن تحفز وتسوغ، ثم تؤسس لنفس ذلك الحدّ الأدنى من العقائد القادرة على المساهمة في إحداث "التوازن المتروي"، الذي تقتضيه نظرية العدالة، فقد وقع تأكيد أنّ نظريّة العدالة بما هي إنصاف تمثل تصورا سياسيا مستقلا، ما يومئ إليه الرهان المطروح، وهي أهمية يقع تأكيدها من خلال فكرة "الخلاف المتعقل"، وهو مفهوم متمم لفكرة "الوفاق عبر التقاطع"، إذ "يمكن أن نقول إنّ الخلاف المتعقل هو خلاف بين أشخاص متعقلين، أي أشخاص طوروا لديهم الملكتين الأخلاقيّتين: هاتان الملكتان هما القدرة على امتلاك حس في العدالة وتصور ما لما هو خير، إلى درجة كافية، حتى يُعدوا في إطار ديمقراطية ما مواطنين أحرارا متساوين فيما بينهم، ولهم رغبة دائمة في أن يكونوا أعضاء فاعلين بصفة تامة في المجتمع طيلة حياتهم"[13].
والغرض الأصيل لهذه لإشارات أن التعارض بين ما هو سياسي وما هو ميتافيزيقي، كما يطبق على فكرة لا ينطوي على موقف معاد للتصورات الميتافيزيقية للخير، لاسيما أنّ كل ما وقفنا عنده من تصورات تؤسس مداخل للعدالة السياسية، حيث يتوافر ما من شأنه أن يدعم مبادئ العدالة. إلاّ أنّ السؤال الرّئيس الذي نحاول أن نضيئه وأن نجيب عنه هو هذا: كيف يمكن لخلافات أن تكون متعقلة، في حين أننا نعتبر الاعتقادات القائمة التي تسببها مجرد أحكام مسبقة وأنها من مخلفات الماضي؟
2- في التعددية ونقض مصدر القانونية:
ولما كان في العزم وضع إجابة مقنعة لهكذا سؤال، تجلى الحرص على التدليل على أن العقل يواجه صعوبات في ممارسته العمليّة والمعياريّة[14] وما فكرة "الوفاق عبر التقاطع" إلاّ فكرة براغماتيّة تجد ما يدعمها في التجربة الديمقراطيّة، هذا ويتعين أن نعدل فكرة الوفاق وأن نكتفي بالحصول على "مساندة أغلبية مهمة من المواطنين الناشطين سياسيا"[15] وإنا حين نعيد النظر في هذا الذي ذهب إليه "راولز" نجد أنه لم يعط مسألة الهيمنة فضاء إشكاليا بارزا[16].
ولقد استفرغ "راولز" جهده في إجلاء الطابع الإلزامي في علاقتنا بمجتمع لا يكون الدخول إليه والخروج منه فعلا إراديا، والطابع الإلزامي أيضا للسلطة السياسية في مستوى تطبيق القواننين على الأقلّ. ولئن انضوت هاتان الصفتان حقا ضمن حدود المجال الخاص بالسياسي، فهما لا تفيداننا بشيء حول شروط العدالة التي من شأنها أن تجعل من الدولة، دولة القانون ومن النظام السياسي نظاما دستوريا.
إلاّ أنّ ما يمنح البنية العامّة للسلطة السياسية مشروعيّتها، إنما هو موالاة المواطنين لها بصفتهم أشخاصا أحرارا ومتساويين فيما بينهم، إبّانئذ فإنّ الطابع المتعقل في هذه المساندة، إنما يتجلى في أنه لا توجد أيّة مجموعة ذات عقيدة دينيّة أو فلسفيّة أو أخلاقية تعتبر أنه من المعقول اللجوء إلى سلطة الدّولة للحصول على ولاء الآخرين لعقيدتها[17].
ويستثمر "ريكور" تحليلات "أمارتيا سان" (Amartiya Sen) في كتاب له حول الأخلاق والاقتصاد[18] وقد جعل مفهوم الـ"مقدرات" زوجا لمفهوم "الحقوق"، سعيا منه لإدراج اعتبارات أخلاقية ضمن النظريّة الاقتصادية، لينتهي إلى أنّ الكائنات البشريّة لا تتصرّف في الواقع بشكل مصلحيّ حصرا، بل إنه بمقدورنا أن نعتبر الشخص أيضا من حيث فعله، اعترافا بقدرته على تصور أهداف وعهود وقيم واحتراما لها كما يمكن أن نرى أيضا في هذا الشخص عيشا رضيا الأمر الذي هو جدير بالعناية.
وعلى هذا النحو، تغدو الحرية الفردية من حيث هي حرية اختيار الحياة مسؤوليّة اجتماعيّة وفي مستوى هذه القاعدة يتقاطع تصور "أمارتياسان" مع عمل "راولز" في نظريّة العدالة. أماّ فيما يتعلق بالتفاوت بين الأشخاص عند "راولز"، فإنه وكما سبق وأن أشرنا يتبين بيانا جليا لا في توزيع المنافع بل في توزيع الخيرات الأولى، مثل الدخل والثروة والحرية العامة التي تساعد الأفراد على طلب مقاصدهم تباعا. إنه تصور للمسؤوليّة الاجتماعيّة يجعل من الحريّة الفرديّة الغرض الأول لنظريّة في العدالة.
ولم يغفل "ريكور" عن المآخذ النقديّة التي وجهها كل من "مايكل والزر" (M. Walzer) و"لوك بوليتانسكي" (Luc Boltansky) و"لوران تافنو" (L. Thévenot)[19]لتحاليل "راولز" ومفهومه الصوري والمجرد والإجرائي للعدالة، فلقد أبانوا بنحو لا يقبل الدحض، أنّ فكرة التسويغ لا فكرة العدالة هي التي تمنح بصفة مباشرة الفردي، كما وضحوا الأثر الذي أحدثه دخول الحرية ومسألة الحقوق تلك التي حولت الحريات إلى فرص فعليّة.
غير أنه حريّ بنا أن نوضح أنه ورغم الاختلافات القائمة بينهم، فلقد تطرق ذانك المصدران إلى نفس المشكلة تلك المتعلقة بالتعددية التي تنقض مصدر القانونية الذي تمثله الدولة/الأمةL’Etat – Nation في التراث الغربي والجمهوري بالتحديد. فعند التطرق إلى الأثرين من زاوية المشروع المشترك الذي جعلهما يسلكان المسرب ذاته ومن خلال مقاييس التمييز التي مصدرها كذلك من الغايات التي يكون هدفهما تحقيقها، ننتهي إلى ما من شأنه أن يلفت النظر إلى خلافات ليس أحدهما كالآخر، ففي حين يشير الأول إلى "التعدديّة والمساواة"، فإن الثاني يؤكد "اقتصاديّات العظمة".
إن ما يحضنا على الخوض في هذا الإشكال هو بخاصة أنّ هذا السياق هو الإطار الحاضن الذي في مستواه ظهر النقاش حول المساواة تلك المرادفة للعدالة منذ "أرسطو"، وهو الذي يعد العدالة التوزيعيّة" عدالة خاصة أو جزئيّة قياسا بالعدالة العامّة التي ليست غير طاعة قوانين المدينة[20]. وهي إنما هي كذلك لأنها مقترنة بوضع خاص، إنه توزيع وقسمة منافع وأمجاد وامتيازات وعلاوة على ذلك، فإن نوع المساواة الخاصة بالعدالة ليست تلك المساواة الحسابية وإنما المساواة التناسبية؛ أي المساواة ضمن علاقات الشركاء والحصص[21] فلكل شخص نفس الحصة، وعلينا الآن أن نمتحن هذا المعنى مادام لا يستطيع فرض هكذا صيغة شموليّة قمعيّة وتوزيعيّة في الآن نفسه.
لعلّه بات من الواضح إذن، أنّ مطلوب أنصار المساواة، إنّما هو الانعتاق من الهيمنة، فهدفهم جميعا، إنما هو مجتمع خال من الهيمنة، ولأنّ مظاهر الهيمنة تتجلّى في الطريقة التي تقسم بها الخيرات الاجتماعيّة، يكون السؤال: عما يمكن القيام به سدّا لإمكان توظيف تلك المقومات الاجتماعيّة وسيلة للهيمنة. فكيف يتيسّر مثلا الفصل بين الأعضاء والأجانب داخل المتحد السياسي[22].
ولكن رغم أنه يقع استعراض مفاهيم السيادة والسلطة والقدرة على أخذ القرار، فإنّ ما يلفت الانتباه هو أننا لا نجد تعريفا محددا وصارما للدولة، وباستواء الرّؤية على هذا النحو يتبين أنّ الأساس في الفعل ليس هو الالتفات جهة الموضوع الكائن خارج الذات، إذ أيّا كان مؤدّى ذلك الموضوع وأيّا كانت قيمته، فإنه لا يمثل غير مناسبة يتمّ من خلالها الفعل، أمّا الفعل ذاته فعرضيّته كما معياره عائد إلى كيفيّة إتمامه وهي الكيفيّة المنوطة بإرادة ومقاصد ذلك الذي صرف همّته إلى الفعل فيما يعود عليه من فعله، وعظمة كل فعل أو معناه المخصوص لا يكمن إلاّ في الفعل ويستحيل أن يكون في باعثه أو في نتيجته.
ومن المفيد أن نلاحظ أن هذا التأكيد على الفعل الحي وعلى الكلمة المنطوقة بما هما الإمكانان الأقصيان للكائن البشريّ، هو الذي تمفهم في مصطلح الفعل الذي وضح فيه "أرسطو" كلّ الأنشطة التي لا تتابع غاية ولا تترك أثرا، بل هي تستغرق في الفعل ذاته ملء دلالتها[23] أي تمامها أو أنتليخياه entèlèchèia، هذا المعنى الذي تستقيه "حنا أرندت" (H. Arendt) من "أرسطو" ويمكن أن نجد له سندا في أكثر من موقع في المدونة الأرسطيّة[24] من حيث هي إحدى الخيرات، وبالتالي من حيث هي خير قابل للتوزيع تطلب السلطة وتخشى جانبها، ذلك أنّ السلطة تطرح بشكل محير مسألة الحدود: فقد تجتمع الملكيّة من حيث هي سلطة على الأشياء والسلطة السياسيّة التي تمارس على البشر[25] أفلا تكون السلطة ذاتها الحارسة للحدود؟
3- التمثيل اللامتكافئ والعنف:
إنه هنا تحديدا، إنما ينكشف لنا وجه الحاجة إلى ما يسميه "ريكور" مفارقة السياسي، وهي أنّ السياسي يمثل في نفس الوقت دائرة عدالة من ضمن الدوائر الأخرى، ولكنه أيضا الإطار الذي يحيط بها جميعا. ونود أن نلحّ هنا على أن المرور من "والزار" إلى "بوليتانسكي" و"تافنو" يظهر الاختلاف في المشروع ورهاناته واستتباعاته. وتحيل هذه الاختلافات الكبيرة إلى وضعين أوليين مختلفين بدورهما: وضع الاستبداد كشكل مشوه للهيمنة لدى "والزار" ووضع الصراع والنزاع لدى "بولتانسكي" - "تافنو"[26].
وإذا كانت الهيمنة domination تقتضي استراتيجيّة كبح، فإنّ الصراع والنزاع يستوجب استراتيجيّة تسويغ تنهض على حجج تقدم أثناء النزاعات، وعندما يقترن الإحساس بالجور على هذا النحو بمقتضى التسويغ لا يشكل عند ذلك حافزا أضعف في حالات الخلاف مما هو في حالة الهيمنة: لأنّ العنف هو ما يراود باستمرار الصراع والنزاع عندما لا يكون قادرا على الارتقاء إلى مستوى الخطاب، فكيف يمكن تسويغ الاتفاق والتعامل مع الخلاف دون الاستسلام للعنف violence.
إنه ما يستوجب جملة معايير يتم من خلالها تمييز المجالات عن بعضها، إن موضوع التمييز هو مبادئ العظمة[27] فالفعل إنما يعبر عن الشخص الإيتيقي والمواطن السياسي، فمن ههنا لا ينصرف الهم إلى المعرفة النظريّة فقط وإنما إلى الفعل. إذ بالإمكان أن نفكر بمفهوم الفعل وفقا لمقولة الصراع[28] كعنف أصلي لم نبرحه قط بشكل نهائي، فالعنف متولد ولا ريب عن امتداد العلاقات وتزايدها إذ كل فعل ينسل هو ذاته روابط لم تكن موجودة ولم يكن حتى الفاعل ذاته قاصدا إليها ومنبئا بها أو متحوطا لحدوثها.
وللحد من العنف، كان ثمة دائما لجوء إلى القانون من حيث هو في نفس الآن حد وتأسيس لعلاقات تفاهم بين الفاعلين، وبهذا المعنى فالقانون ليس مجرد صيغة للأمر والإخضاع، بل هو تحديد للفضاء الذي تعتم فيه الأفعال من حيث هو فضاء مشترك لفاعلين. ذلك أن المجموعة عندما تنتظم في شكل دولة، إنما يكون التمفصل بين التنوع في المؤسسات والوظائف والأدوار الاجتماعيّة ومجالات الأنشطة، وهو ما من شأنه أن يجعل من المجموعة كلا عضويا. لذلك فنحن نعتقد أنّ هذا التنظم وهذا التمفصل هما اللذان أفلحا في جعل الفعل البشري فعلا معقولا.
ومن البين أننا صرنا أمام ما يمكن أن يكون حاملا لفعل عاقل في التاريخ أو على حد عبارة لامعة لـ "إريك فايل" (E. Weil) كيف تتأتى حرية الفرد العاقلة من إدماجه السياسي؟[29].
إنه هنا بالتحديد نحن نعثر على المقصود، إذ بالإمكان أن نبحث عن المسافة السياسية للحرية وكيف تكون مسافة عاقلة. وبعد الفراغ من هذا السؤال المفصلي، يتوضح أنه من المفيد أن نعين تلك المسافة على أنها المسافة بين الفرد والمواطن، وهكذا ستكون الوظيفة العاقلة للدولة، إنما هي مصالحة عقليّتين: العقلي التقنو- اقتصادي والمعقول المتراكم نتيجة تاريخ العادات. وتكون الدولة عندئذ، هي تركيب بين العقل والتاريخ بين الفاعل والعادل وتكون فضيلتها التعقل.
على أنه يجدر بنا أن ننبه إلى أنه لم يفت "ماكس فيبر" (Max Weber) أن يلفت الأنظار إلى الوجه الآخر للمشكل: الدولة بوصفها قوة، وفي نظره لا يمكن تعريف الدولة إذا لم ندمج في وظيفتها احتكار العنف المشروع، ولا يتردد "ريكور" في اعتبار المفارقة السياسية إنما تكمن تحديدا في هذه المواجهة بين الشكل والقوة داخل تعريف الدولة.
هنا يتبين الدور الخطير لمفهوم العنف، إنه المقام الذي عنده يتم التوالف بين طرفي المعادلة، إذ لا يمكن إنكار العنف الذي يختبئ في التمثيل المتكافئ للقوى الاجتماعية داخل جهاز الدولة، إلا أن "قدرة كل واحد على الفعل تجد في وجود الآخر حدا لها، وتلك حقيقة أساسية شرط أن لا نؤول هذا التحديد في صيغة عائق بل أن نرى فيه اضطلاعا بالشرط الأساسي للكثرة التي لا تعيق إلا المثل الأعلى للسلطان المطلق الذي يجسده تخصيصا الاستبداد بكل أشكاله، والذي يشكل وهما سياسيا خطيرا ينفي الكثرة ويعتبر شبكة تفاعل العلاقات أمرا عرضيا"[30] ولعله بالإشارة إلى أربع خصائص للفعل: الاستطاعة وما يرتبط بها من إمكان واقتدار وقدرة أيضا على القيام بالفعل، ذلك أن كينونتي من فعلي والتدخل من جهة ما هو رسم الفعل وتنزيله في مسار العالم تنزيلا يتطابق فيه الحاضر والآن والإيفاء بالعدل، وهو ما يقتضي مواصلة القعل والدأب عليه والاستمرار فيه[31].
الخاتمة:
من أجل ذلك، فإنه قد بدا لنا أنه وعلى الصعيدين، الفردي والجماعي يعبر الفعل عن تلازم الاقتدار والالتزام تلازما لا فكاك منه. وإذ قد تبين ذلك فقد ينبغي أن نؤكد أنّ الاقتدار، إنما هو استطاعة الفاعل مجسمة في المغامرة والمخاطرة، أي كل ما من شأنه أن يحدث تغييرا والالتزام، إنما هو تعهد واضطلاع باختيارات عينيّة، إذ لم يكن يمكن أن توجد أفعال تلزم الفاعل نفسه بما يقتضيه اختيارها مضطلعا في ذلك بمسؤوليّته عن شروط إمكانها ورهاناتها واستتباعاتها[32].
[1] P. Ricœur, Lectures I Autour du politique, Ed Seuil 1991 p178
[2] Kantian constructivism, in, Moral theory The journal of philosophy n77p164-169 trad, Injustice et démocratie
[3] ما فتئ راولز يدعم الوجه الكانطي لنظريّته لا ضد النفعانيّة واللبرتاريانيّة مثل تلك التي نجدها لدى "نوزيك" فحسب، وإنّما أيضا ضد مختلف أشكال النزعة المتحدية، مما سيسبب تلك السلسلة من التنقيحات المهمة التي أدخلت على نظريّة العدالة في كتابات 1980-1987، إنما هو تلك الصعوبة داخل نظريّة العدالة كإنصاف أي أن تحليلها في الجزء الثالث لمسألة استقرار المجتمع لا ينسجم مع مجمل النظريّة.
R, Nozik Anarchy, State and utopia New York, trad Fr; Anarchie Etat et utopie Paris 1988
Preface a la tradiction Française des essais de 1978 à 1990 sous le titre, justice et démocratie
[4] يقترح "رولز" في نظريته السياسية ديمقراطية اجتماعية أو ديمقراطية ليبرالية - (= ويتمايز طرحه عن الليبرتارية libertarisme، إذ لا يوافقهم على مفهوم الدولة المحايدة L’ETAT Neutre مثلا، والتي ينحصر دورها في حفظ الأمن وحماية النظام، إلا أنه لا يقر بالدولة الوصية، بل يقول بالدولة الاجتماعية Etat Social، تلك التي لا تتطاول على الحريات وتحاول تقليص الفوارق)- ذات وجه إنساني ومن أهم مرتكزاتها ألا تطغى الأغلبية على الأقلية. إنها تفضل التمثيلية على الديمقراطية المباشرة والدستور على سيادة الشعب والحقوق – الحريات، على الحقوق-الواجبات.
- ذلك أن الليبرتارينيونlibertarians يدافعون عن حركة التبادل في مجال السوق ويعارضون كل استخدام للرافعة الضريبية لإعادة توزيع الموارد المادية - فهي انتهاك للحقوق الفردية -، قصد تحقيق المساواة، كما تدعو إلى ذلك النظرية الليبرالية، انظر، كيملشكا (ويل)، مدخل إلى الفلسفة السياسية المعاصرة، ترجمة منير الكشو، المركز الوطني للترجمة تونس 2011، ص 139
[5] يمكن أن نشير إلى أن "هوبز" كان يؤكد أن التكيف الاجتماعي ينتج بالضرورة الغفران، ذلك أن الغفران سبيل من سبل قطع الطريق أمام النزاع، يقول "هوبز": "ينبغي عليك أن تتسامح مع الناس وأن تغفر أخطاءهم، لأن الغفران ليس سوى جنوح نحو السلام"
انظر: Hobbes, Léviathan, Ed, C.B. Macpherson, London, 1968, p 210.
[6]بول ريكور، العادل، ج 01، تعريب محمد البحري، الطيب رجب، منيرة بن مصطفى ومنير كشو، بيت الحكمة، قرطاج 2003، ص 139
[7] ذلك أن "رولز" إلى جانب أنه استلهم كانطية بدون ذات متعالية على حد عبارة "ريكور" Kantisme sans sujet transcendental فقد استفاد من نظرية التعاقد عند "روسو"، ليطرح مشروعا نظريا لتجديد الليبرالية.
[8] J.Rawls; Théorie de la justice, tr par, C. Audard, Paris, Ed du Seuil 1987. p 211
[9] فالليبرالية والتسامح مبدآن مقترنان أحدهما بالآخر من وجهتي التاريخ والمفهوم، إذ شكل تطور التسامح أحد الجذور التاريخية لليبرالية، فالتسامح الديني في الغرب قد ولد في خضم حروب دينية لم تعرف هوادة وقد أصبح ميلاده ممكنا عندما اعترف كل من الكاثوليك والبروتستانت بأنه لا يمكن لنظام دستوري مستقر أن ينهض على قاعدة عقيدة دينية مشتركة، ووفق "رولز" لم يقم الليبراليون إلا بتوسيع مدى مبدأ التسامح ليشمل تلك القضايا المتعلقة بمعاني الحياة الإنسانية وبقيمها وبغاياتها.
- انظر، كيملشكا (ويل)، مدخل إلى الفلسفة السياسية المعاصرة، (مرجع مذكور) ص 294
[10] J.Rawls, Théorie de la justice, Op, Cit. p. 208
ذلك أن "رولز" يطرح نظرية العدالة بما هي إنصاف ويؤسسها على أن:
- كل الناس أحرار ولهم الحق في الحريات الأساسية بالتساوي
- من الطبيعي أن يترتب على هذه الحريات فوارق اجتماعية واقتصادية هائلة بين الناس لكن شرط أن يحسن تنظيمها: فتكون في مصلحة الأكثر حرمانا les plus défavorisés أي ضحايا النظام الليبرالي. وتكون نابعة من مبدأ تكافؤ الفرص Egalités des chances في الوظائف وفي الوضعيات.
[11] J. Rawls; Théorie de la justice, Op, Cit P218
[12] إنها محاولة تعاود النظر في الليبرالية السياسية في المجتمعات المابعد حداثية، وفقا لأسس العدالة، استبعادا للنزعة الأداتية–النفعية Utilitarisme والفردانية الاستحواذية ومسألة التعدد الثقافي والهوياتي identitaire multiculture وتضارب تصورات الخيرconceptions du bien وذلك من أجل استشراف آفاق الديمقراطية التوافقية، والتوفيق بين المذاهب الغائية للخير والمذاهب الاستعمالية والأداتية لمفهوم المنفعة. "ما دامت المنفعية تلقّى في نفس الوقت قبولا متحمسا ومعارضة عنيدة فالرافضون لها يؤكدون أن مثالبها كثيرة مما يجعلها غير مفيدة ومرغمة على الانسحاب من المشهد الفكري، في حين يبدو من الصعب في نظر آخرين أن نرى ما يمكن أن تكون عليه الأخلاقية خارج نطاق التصور الذي يحدّدها كسعي لتأويج حجم السعادة البشرية". انظر، كيملشكا (ويل)، مدخل إلى الفلسفة السياسية المعاصرة، (مرجع مذكور) ص 29
[13] J.Rawls, Théorie de la justice, Op, Cit, p327
[14] J.Rawls, Théorie de la justice, Op, Cit, p326
[15] J.Rawl, justice et démocratie Op, Cit, p315
[16] بول ريكور العادل ص144 (مصدر سابق)
[17] بول ريكور العادل ص145 (مصدر سابق)
[18] Amartiya Sen On ethics and économy Oxford Blackwell Publischers 1987; trad Fr Ethique et économie Paris PUF col, philosophie morale dirigée par Monique Cato Sperber 1993
[19] M.Walzer, Sphères of Justice, A Défense of Pluralism and Equality, Basic Books, 1983/Luc Boltanski et Laurent Thévenot, De la justification, les économies de la grandeur; Paris; Gallimard 1991
[20] أرسطو، الأخلاق إلى نيقوماخوس الكتاب السابع.
أرسطو طاليس، علم الأخلاق إلى نيقوماخوس "ترجمه من اليونانية إلى الفرنسية وصدره بمقدمة في علم الأخلاق وتطوره وعلق عليه" بارتلمي سانتهاير، نقله إلى العربية أحمد لطفي السيد، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة 1924
- أرسطو طاليس – الأخلاق، ترجمة اسحاق بن حنين، حققه وقدم له عبد الرحمان بدوي، وكالة المطبوعات الكويت، ط 1، 1979
- Aristote, Ethique de Nicomaque, tard, préface et notes, J, voilquin, Garnier, Flammarion, 1965
Aristote, l'éthique à Nicomaque, trad. J tricot Vrin 1987
[21]بول ريكور العادل ص99 (مصدر مذكور)
[22] ما هي الحاجات التي يكون تسديدها واجبا والمطالبة بها حقا مطابقا لذلك الواجب، وما هي الأشياء التي يمكن اشتراءها بالمال وتلك التي يستحيل اقتناءها به. وهكذا يتم ضبط الحدود التي يتحرك ضمنها مصطلحا السوق والاقتصاد، ثم هل يتعين اعتبار كل المهن شاقة؟ ونتساءل حول الأشغال المضنية والمهينة، وهي بمثابة القيم السالبة التي يتعيّن تقاسمها بإنصاف دون استخدام أساليب قسريّة، ثم نتساءل حول أوقات الفراغ التي من حيث هي مقدمات ذات فائدة اجتماعيّة لا تختزل في الكسل أو في العطل، وإنما تتحدد العمليّة التي من خلالها يقع توزيع الزمن الاجتماعي وإيقاعات الأنشطة الإنسانيّة داخل المدينة: انظر بول ريكور، العادل ص 152 (مصدر سابق)
[23] Hannah Armendt; Condition de l’home moderne, traduit par G.Fradier, préface de Paul Ricœur, Paris: Calmann-Lévy 1961. p267
[24] يذهب "أرسطو" في كتاب النفس إلى أنّ "العلم بالفعل يتماهى وموضوعه، ذلك أنّه من الموجود على التمام يأتي كلّ ما يصير". ونجد في "السماع الطبيعي" أنّ "الحركة تمام وهي تمام ما هو بالقوة من حيث هو بالقوة". وفي "الميتافيزيقا" "الفعل غاية" وهو مرتبط دوما بمفهوم الإنتليخيا entèlèchèia. "الفعل إذن هو أن يوجد الشيء فعليا وليس بالكيفيّة التي قلنا بها إنه يوجد بالقوّة". را, عبد العزيز العيادي، فلسفة الفعل، علاء الدين صفاقس كلية الآداب صفاقس، 2007، ص 24
De l’ame, trad J.Tricot Vrin; Paris, 1985, III. 7, 431 a1-4
Physique, trad Henri Carteron; Ed, Les belles lettres, Paris 1983 III. 1, 201b
La Métaphysique, trad; J.tricot, Vrin, Paris, 1986, 0, 8; 150 a 8
[25]بول ريكور العادل ص155 (مصدر سابق)
[26] بول ريكور، الذاكرة، التاريخ، النسيان ترجمة وتقديم وتعليق جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد المتحدة بيروت 2009 الطبعة الأولى ص 334
[27] في مدينة "الإلهام" تقوم عظمة الأشخاص على فضل أو هبة لا علاقة لها بالمال أو المجد أو المنفعة. أما في "مدينة الرّأي"، فترتبط عظمة الأشخاص بالسمعة وبرأي الآخرين، في حين أنّ مدينة التجارة "تكون الأشياء النادرة التي يطمع فيها كل الناس، موضوع مساومة وليس من جامع بين الناس إلا ذلك التنافس حول مواضيع يطمعون فيها كلهم وفي "المدينة المنزل" التي تشمل ما تسميه "حنا أرندت" أهل البيت تسود قيم الصدق والإخلاص. أما "مدينة المواطنة"، فهي تقوم على إخضاع المصلحة الخاصة إلى إرادة الجميع كما تتجلى من خلال القانون الوضعي، وفي المدينة الصناعية التي لا يجب الخلط بينها وبين المدينة التجاريّة، حيث تنتج القيمة عن التحديد الآني للأسعار، تكون السيادة لمجموعة من القواعد الوظيفيّة صالحة لمدّة طويلة من الزمن وخاضعة للمبدأ الأعلى للمنفعة (بول ريكور العادل ص159) (مصدر مذكور)
[28] Geneviève Even- Granboulan; Action et raison. Méridiens Klincksieck, Paris, 1986 p17
[29] بول ريكور من النص إل الفعل، أبحاث التأويل ترجمة محمد براده ن حسان بورقية مكتبة دار الأمان الرباط، الطبعة الأولى 2004، ص 278
- Ricœur (Paul), Du texte à l'action. Essai d’herméneutique II. Paris, Seuil, coll. «Esprit», 1986
[30] Alexandre Huber, L’action dans L’œuvre de Hannah Arendt, Ed Découvrir, Paris, 1993, p80
[31] Paul Ricœur, du texte a l’action. Essai d’herméneutique II. Paris, Seuil, coll. «Esprit», 1986 p298- 301
[32] را عبد العزيز العيادي، فلسفة الفعل، منشورات، علاء الدين، كلية الآداب، صفاقس، تونس، طبعة أولى، 2007 ص 43.
المصدر: http://www.mominoun.com/articles/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D...