دول الساحل الإفريقي بين الطموح والتحدي

سيدي عبد المالك

 

تحولت منطقة الساحل في السنوات الخمس الأخيرة الي بؤرة توتر أفريقي تستقطب اهتمام العالم بأسره و اصبح موضوع أمن الساحل أحد المواضيع شبه الدائمة في أجندة الملفات الأمنية للأمم المتحدة و للإتحادين الأفريقي و الأوروبي.

و يبدوا ان هذه الأهمية باتت في تزايد على مدار الأشهر و الأسابيع الأخيرة بعد اطلاق حملة عالمية بقيادة فرنسا لجمع الدعم المالي للقوة المشتركة العسكرية لمجموعة دول الساحل الخمس: موريتانيا، مالي، النيجر، بركينا فاسو، و تشاد .

تحديات القوة

القوة التي تقرر نشرها كبديل عن قوة “برخان” الفرنسية من أجل توفير الأمن بالمنطقة، و التي يقدر تعدادها بحوالي 5 آلاف جندي يأتي نشرها في ظروف و سياقات تتزايد فيها وتيرة المخاطر و التحديات الأمنية بالمنطقة بعد تنامي معدلات هجمات و انشطة الجماعات المتطرفة و تدفق الكثير من عناصر التنظيمات التي كانت تقاتل في فضاءات جغرافية أخري على المنطقة، مع تراجع عسكري في التزام فرنسا على مستوي المواجهة و الانتشار الميداني.

كما أن محفظة الدعم المالي المخصص لتمويل القوة قد لا تكفي لتمويل القوة في المنظور المتوسط مما يجعل تحدي الاستمرارية مطروحا بقوة، و يدعم هذا التخوف الإفلاس المالي الذي تعيشه المنظومة الراعية للمجموعة (فرنسا و الإتحاد الأوروبي).

فحسابات الفاعلين الكبار تختلف في تقدير أهمية هذه القوة و الإطار الجغرافي لها ،ففي الوقت الذي تبذل فيها فرنسا و الدول الأوروبية الحليفة لها جهدا مضنيا من اجل إضفاء الكثير من الفاعلية على التجمع و تسويقه على المستوي العالمي و حشد الدعم المعنوي و المادي له كإطار يمكن أن يساهم في محاربة الإرهاب في الساحل، تتحفظ قوي و دول إقليمية فاعلة بالمنطقة على المجموعة، و يأخذ هذا التحفظ أوجه متعددة من بينها تبعية التجمع لفرنسا الاستعمارية و منافسته للأطر الإقليمية القائمة.

صراع أجندات

يفتح نشر هذه القوة الباب على مصراعيه أمام صراع أجندات متعددة في المنطقة، منها مساعي دول النفوذ التاريخي بالمنطقة للحفاظ على تواجدها التقليدي، إلا أن الأخطر هو تحول المنطقة لساحة حرب مفتوحة بين الجماعات المتطرفة و القوي الاستعمارية الغربية و استخدام الأخيرة للأجهزة الأمنية و العسكرية للمنطقة كوكلاء حرب في هذه المعركة.

ثم أن الجماعات المتشددة  التي كانت تمتلك مشروعا تمدديا للاستيلاء على بعض المدن الكبيرة بالشمال من مالي، بعد أن كانت إستراتيجيتها القديمة  مرتكزة  على التأقلم مع قوميات منطقة الساحل و عمليات خطف الرهائن الغربيين، لا شك أنها لا زالت تحتفظ بأمل إقامة إمارات إسلامية فاعلة و قوية بالمنطقة، لذا فستبذل الكثير من الجهد العسكري و التنسيق البيني لتحقيق هذه الأهداف.

و ستستفيد في ذلك من بئة المنطقة التي تتسم   بضعف الحكامة و التهميش و التخلف و انتشار رقعة الفقر و حالة عدم الاستقرار القديمة بالمنطقة مما هيأها لأن تكون قبلة استقطاب لجماعات الغلو و العنف في السابق . فمنطقة الساحل تعتبر من أكثر مناطق العالم فقرا، رغم امتلاكها لمصادر طبيعية هائلة، و دول المنطقة تحتل مراكز متأخرة في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة.

إن هذه الجماعات ستكون المستفيد الأول من عسكرة المنطقة، فاستمرار حالة العنف  سيوفر لها فضاء آمنا مستغلة غياب السلطة المركزية بالمنطقة من جهة و الاحتياجات الاجتماعية لساكنتها مما يجعل أهالي المنطقة أكثر لصوقا بهذه التنظيمات كما كان عليه الحال قبل سنة 2013.

لذا فإن الساحل يتطلب إستراتيجيات ناجعة لمحاربة الإرهاب تزاوج الجهود الأمنية و العسكرية بخطط تنموية  و بمساعي المصالحة مع الحاضنات الشعبية و الاجتماعية لهذه الجماعات و الضغط على الحكومة المركزية ببماكو من اجل تصفية مشكل الشمال بمالي بإنصاف سكان أزواد بما يتيح لهم العيش في ظروف كريمة.

المصدر: https://islamonline.net/25315

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك