واقع وجذور النشاط التبشيري في جنوب الصحراء وغرب إفريقيا

محمد عبد الرحمن عريف

 

الحملة التنصيرية في غرب إفريقيا هي جزء من الحملات التنصيرية في عموم إفريقيا، خصوصاً بعدما رفع شعار المنظمات والهيئات والجمعيات التنصيرية (تنصير إفريقيا في عام 2000م)، وكان ذلك عام 1993م ولكن تغير الموعد المحدد وأصبح مخطط التنصير حتى عام 2025م. وكانت الميزانية المخصصة للإنطلاق (5,3) مليارات دولار، وكان نصيب تشاد منها (2) مليار نظراً لأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية. هذه المنظمات تعمل وفقاً لخطة تنصير إفريقيا وكلها مظلات للكنيسة والتنصير.

وتتولى هذه المنظمات وضع المناهج التعليمية المناسبة لهذه المدارس والخلاوي وتطوير اللهجات المحلية إلى لغات حية، واقتراح الوسائل المناسبة، واعداد عناصر محلية لها القدرة على الكتابة والقراءة باللهجات المحلية وتعليمها للطلبة في هذه المدارس والخلاوي قبل أن تنتقل إلى مرحلة المدرسة.

على الرغم من انتشار مظاهر التمسك بالإسلام، فنجد أن الظروف رسخت أن يظل الغرب الافريقي بعيدًا عن التأثير وذلك للعديد من الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية في هذه البلاد. وأن كان عموم الغرب الافريقي من بين مدراس عدة قاومت التنصير في عموم افريقيا. لقد كان رسوخ الإسلام في الغرب الافريقي، وتقبل الأفارقة له من العوامل الأساسية التي جعلت الإرساليات التبشيرية تحجم عن التبشير في الشمال.

يوجد انتشار واسع لأماكن اللهو والحضارات والنوادي الليلية. ويمكن القول إن هناك صراعًا حضاريًا وثقافيًا بين الحضارة والثقافة الإسلامية والحضارة والثقافة الغربية. وأما انتشار الكنائس والنشاط التبشيري لصرف المسلمين عن دينهم ومعتقداتهم الإسلامية، فكبير. وقد بدأت هذه الحملة منذ الستينيّات، وكانت في أوج نشاطها في عدد من المحافظات النيجرية. وقد تمكن هذا النشاط من جني ثمراته بتحويل عدد من أبناء المسلمين عن دينهم، وذلك بما يقدمه المبشرون من خدمات صحية وتعليمية باسم الخدمات الإنسانية. وأهم المناطق التي تأثرت بالنشاط التنصيري منطقة تيرا ودوتشي واغادس وطاوا ونياس ومرادى وساي.

ولو انتقلنا إلى شرق النيجر نجد دولة البرنو الإسلامية التي كانت تضم منطقة زندر -في شرق النيجر- وما جاورها نجدها مليئة بالعلماء ومراكز العلم ومن أبرز علمائها الشيخ أحمد بن فرتو المعاصر لماي إدريس ألوما أشهر مايات الدولة –699/717هـ. الذي يعتبر مؤلفاته من المراجع الأساسية لتاريخ برنو وبخاصة فترة إدريس ألوما، والشيخ عمر بن عثمان العالم الواسع الاطلاع اتق اللغة العربية والمنطقة والبلاغة والشريعة والتوحيد فضلا عن القرآن والحديث.

نجد نسبة المسيحيين في شمال نيجيريا لا تذكر وذلك بسبب المعاهدات التي تم توقيعها مع حكام الشمال في بداية القرن السابق بعد موافقة بريطانيا على عدم جواز التدخل في الدين الرسمي. ولم يشجع أمراء المسلمين في الشمال التعليم الغربي والتبشيري. فكثير من المسلمين في الشمال عارضوا التعليم الغربي في حد ذاته وأن إدخال هذا التعليم سوف يدمر المدارس القرآنية وهى أساس نظام التعليم الإسلامي.

بالإضافة أن الدين الإسلامي أعطى للافارقة احترامًا خاصًا مما كان مفتقدًا في الجنوب حيث التعليم التبشيري. ومن هنا حددت الإرساليات التبشيرية المسيحية نشاطها بعيدًا عن خصوصيات الإمارة الإسلامية.

كان التعليم في نيجيريا على سبيل المثال مقصورًا على المسيحيين فقط، سواء فيما يتعلق بمدارس الإرساليات التبشيرية أو المدارس الحكومية أما المسلمون الذين يريدون إدخال أبنائهم في هذه المدارس فكان عليهم قبل كل شيء ان يغيروا أسماءهم إلى أسماء لاتينية ويشترط عليهم أيضًا أن يحضروا الصلوات التي تقام في تلك المدارس بالإضافة إلى البرامج التي تزيف حقائق التاريخ وتحمل كل ألوان التبشير والاستعمار.

وفى الأيام الأولى للاحتلال البريطاني في بعض دول غرب أفريقيا، أعطت الحكومة الاستعمارية اعتبارًا خاصًا للمسلمين على أنهم أصحاب حضارة رفيعة عن الوثنيين البدائيين. وابتداءًا من يناير سنة1900.

كانت أول إرسالية تقصد الشمال في ذلك الوقت هي الإرسالية التي غادرت بريطانيا في 16 ديسمبر سنة 1899 متجهة إلى بلاد الهوسا وكانت تحت قيادة الأسقف توجول Tugwell، وكان قد عُرف عنه اهتمامه بالثقافة العربية الإسلامية بصفة عامة ولغة الهوسا بصفة خاصة وقد قرأ كثير من الهوسا والفولان ودرس الموقف هناك قبل أن يقود الوفد إلى شمال نيجيريا وقد وصل هذا الوفد في الشهور الأولى سنة1900. وكان الدكتور والتر ميلر Walter Miller أحد أعضاء بعثة الأسقف توجول وهو واحد من أهم المبشرين الذين عملوا في شمال نيجيريا وإن لم يكن أهمهم جميعاً حيث كان تابعًا لجمعية الكنيسة التبشيرية وسجل آراءه في أربعة مجلدات.

وفى سنة 1906 قام ميلر -الذى أصبح رئيسًا لبعثة الكنيسة التبشيرية بعد رجوع توجول إلى بريطانيا- بتقديم مشروع للحكومة يقترح فيه إنشاء مدرسة داخلية فيها قسم لتربية الذين نالوا قسطًا من الثقافة الإسلامية إلا أن المحاولة فشلت بسبب كون الثقافة الغربية في ذلك الوقت ثقافة مسيحية خالصة، لذلك لم يقبل عليها المسلمون ولم يروا فيها إلا وسيلة لتغيير دينهم وثقافتهم.

الحقيقة أن التبشير في الشمال كان ضعيفًا ويرجع ذلك إلى أنه لا يوجد طلب شعبي على التعليم التبشيري والغربي والأمراء المسلمون في الشمال لم يوافقوا على أن تعمل الإرساليات التبشيرية في الشمال. بالإضافة إلى تنوع القبائل واللغات في الشمال وأن الإرساليات بدأت مؤخرًا في الشمال. وحرصت الحكومة الاستعمارية على بقاء هذا الإقليم بعيدًا عن المؤثرات التبشيرية فترة طويلة من الزمن وبالإضافة إلى خشية المسلمين من تأثير النشاط التبشيري على الهيكل الاجتماعي.

وكانت نتيجة لهذه السياسـة أن مستوى التعليـم والأدب(ماعدا العربي) منخفض عن الجنوب. وكانت الجمعيات التبشيرية لا تستطيع تأسيس محطات أو مدارس في الإمارات الإسلامية دون إذن الحكومة الإنجليزية بالإضافة إلى فشل الإرساليات التبشيرية في محاولتها ولم يستطيعوا أن يؤثرون على المسلمين في الشمال.

وكان التعليم الحكومي في الشمال النيجيري ضئيلًا وعندما أراد لوجارد أن يضع تخطيطًا للتعليم في الشمال فكر في أن أهم ما يجب أن يقوم عليه تخطيطه الجديد هو أساسيات الثقافة الإسلامية التي أهتم بها أيضاً عن سن القوانين الإدارية.

واختار لوجارد أحد مساعديه الإداريين هو هانز فيشر H. Vischer ليقوم بتنظيم التعليم في الشمال ذلك في عام 1909 حيث افتتح بناءًا على توجيهات فيشر مدرسة حكومية في ناسارا قرب كانوا وبدأ العمل بإنشاء فصل لتدريب الدارسين للعمل كمدرسين وكانت هذه المدرسة تدرس القراءة والكتابة بلغة الهوسا بالحروف اللاتينية ومبادئ الحساب والجغرافيا ومبادئ الصحة العامة بالإضافة إلى اللغة العربية والدين الإسلامي.

وفى عام 1929 حدث تطور هام تمثل في اندماج إدارتي التعليم في الشمال والجنوب في إدارة واحدة، ووصل عدد المدارس الحكومية في هذه السنة في الإقليم الشمالي 116. مدرسة تديرها الحكومة وتقدم لها الإدارات المحلية معونة مالية ومجموع تلاميذها 3549 تلميذ وتتكون من 95 مدرسة أولية 8 مدارس صناعية و12 مدرسة ابتدائية ومدرسة واحدة ثانوية، في الوقت الذى كان التبشير في الشمال قد نشط نسبيًا حيث كان عدد مدارس الإرساليات في نفس العام في الشمال 152 مدرسة منها خمسة فقط تتلقى مساعدات مالية من الحكومة وإن كانت الحكومة البريطانية قد منعت المبشرين المسيحيين من العمل في شمال نيجيريا المسلم فإنها لم تحارب وجود تأثيرهم تمامًا في هذه المنطقة حيث تعين الجنوبيين من أبناء مدارس التبشير في الوظائف الحكومية التي لم تجد الإدارة الاستعمارية إعدادًا كافياً بها من متعلمي الشمال لشغلها.

على أية حال فإن التبشير في الشمال كان ضئيلاً بالمقارنة بالجنوب النيجيري مما أحدث عزلة بين الإقليميين ولقد عبر أبو بكر أمام عن مخاوف الشماليين حيث كان قد شغل لوقت طويل منصب مدير تحرير هوسا ويكلى (Housa Weckly) في مقابلته مع اتحاد طلبة غرب أفريقية في لندن سنة 1943تحدث عن مشاعر المتعلمين في كل من الشمال والجنوب تجاه الآخر فقال كل منا يحتقر الآخر وكل منا يتهم الآخر بالجهل وإن الجنوب فخورًا بالمعرفة والثقافة الغربية ونحن فخورون بالثقافة العربية وإننا لا نثق في المتعلمين الذين هم في الجنوب.

ولقد وضع أبو بكر إمام قائمة بمخاوف الشماليين من الجنوبيين أهمها قيام الصحف الجنوبية بالسخرية من الهوسا وعدم احترامها للأمراء الشماليين. وأن الكتبة الجنوبيين في الشمال مميزون عن الشماليين في الوظائف الحكومية والشركات التجارية. ويطمع الجنوبيون في حكم الشمال.

وإن كان النشاط التبشيري في الشمال قليلاً ولكنه تسبب مع سياسة الحكومة البريطانية في خلق دولتين في دولة مما كان له بالغ الأثر في قلة الوعى السياسي في نيجيريا حتى وقتنا هذا وازداد المد التبشيري في جنوب نيجيريا وكان للأزهر في مصر دورًا في تقوية وتعليم المسلمين في الشمال، فلقد درس في الأزهر العديد من الزعماء الإسلاميين ولا يزال النيجيريون يدرسون في الأزهر إلى وقتنا هذا. وقدم الأزهر منحًا دراسية للأبناء نيجيريا وكان الأزهر يقبل كل طالب يذهب إليه من البلاد الإسلامية ويعلمه بدون مقابل.

ولم يتقبل المسلمون من ساحل الذهب التعليم الغربي سواء التبشيري أو الحكومي على الرغم من حرص بريطانيا على أن تمد سبل التعليم بفتح المدارس وتوزيع الكتب مما اضطر الحكومة إلى إغلاق بعض المدارس هناك.

أحرزت الطريقة الأحمدية نجاحًا في التعليم الإسلامي في الشمال حيث أن ساحل الذهب كان لم يتقبل التعليم الغربي. ولقد كان للتعليم الإسلامي السبق عن التعليم الغربي في ساحل الذهب فقد بنى المسلمون المساجد وإلى جوارها المدارس التي كانت تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الدين الإسلامي وتعاليمه وعمل أفراد هذه المدارس بالتجارة أثناء عملهم كمعلمين ثم جاء بعد ذلك التعليم الغربي في البداية على أيدى رجال الإرساليات التبشيرية فظهرت مدرسة الغابة.

ولقد عزل البريطانيون المسلمون الغانيون عن الجو العربي حيث تمركزت الأغلبية الإسلامية في المناطق الشمالية، فأصبح الغانيون مجبرين على استخدام الحروف اللاتينية بدلاً من العربية.

ولم ينتشر التبشير في شمال ساحل الذهب وذلك بسبب تمسك المسلمون بدينهم ورفضهم للتبشير والتعليم الغربي. وحرص الحكومة الاستعمارية أن يظل التعليم الشمالي محتفظًا بذاته دون تأثير الإرساليات التبشيرية عليه لعدم إثارة المسلمين عليهم وتحقيق أهدافهم في عزل الشمال عن الجنوب ولم يكن يوجد طلب شعبي من المسلمين على التعليم الغربي.

ولقد أقام أحد الدعاة وهو فضل الله حكيم مدرسة ابتدائية في غانا وأخرى متوسطة كما أقام دار للدعوة الأحمدية بعد وصوله في عام 1921 وفى كوماسي أقيم مسجد ومدرسة للتعليم الثانوي للأحمدية فأحرزت تقدماً ملموساً في نشر التعليم الإسلامي بين الأهالي في شمال ساحل الذهب. ولقد تنافس المسلمون والمسيحيون في جذب الروح الوثنية وبدلًا من أن يكون المجال خاليًا للإسلام أصبحت المسيحية تنافسه في المجال. ولا يزال الإسلام أسرع عقيدة تنمو حتى في مناطق عمل الإرساليات التبشيرية.

لقد تنافس المسلمون والمسيحيون في سيراليون من أجل جذب الروح الوثنية ولم يكن الإسلام وحده في مسرح سيراليون حيث تركز الإسلام في الشمال أما الجنوب فتقدمت فيه المسيحية عن الإسلام. ولا يزال الإسلام أسرع عقيدة تنمو حتى في مناطق عمل الإرساليات التبشيرية، ومن أشهر الطرق الإسلامية التي قامت بنشر الإسلام في شمال سيراليون الطريقة الأحمدية نسبة إلى أحمد الباكستاني التي وصلت سيراليون عام 1939 من باكستان.

وبعد الحرب العالمية الثانية انتشر الإسلام سريعًا في الوقت الذى كانت الإرساليات التبشيرية المسيحية في أقوى مرحلة لها ولقد انتشر الإسلام في العديد من المراكز والمدن في الشمال في سيراليون وبالأخص قبائل الفولا أو المادينجو Fullah or Madingo في الوقت الذى كان يحتار الأفريقي في الانضمام إلى كنيسة أو مذهب معين فإنه ترتقى مكانته الاجتماعية بانضمامه إلى عالم الإسلام الواسع ولم يحارب الإسلام بعض المعتقدات والعادات الأفريقية مثل تعدد الزوجات.

ولقد فشلت المسيحية والإرساليات التبشيرية في المقاطعات الإسلامية حيث أن الإسلام كان لديه الوقت لتثبيت نفسه فيها وبسبب عدم تشجيع الحكومات الاستعمارية في انتشار النشاط التبشيري المسيحي في المناطق الإسلامية، الإسلام بوصفه دينًا عالميًا لا يعطى فقط مكانه الاجتماعية ولكنه يعطى مكانة ثقافية وهذا ما كتبه ترمنجام Trimingham في كتابه الإسلام العام Popular Islam فيما يخص المعتقدات الإسلامية والدين الإسلامي.

ويقول شارلى. ر. تيبر عن الإسلام “إن الإسلام هو أكثر من عقيدة دينية إنه نظام متكامل للحياة والدين فالإسلام يدمج كل المؤسسات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية على أسس الإيمان والاقتناع والالتزام بقبول الله وبالاستسلام كلية لإرادته”. على أية حال فإن المسلمين رفضوا التعليم الغربي الذى قدمته الإرساليات التبشيرية سواء في شمال سيراليون أو في شرق جامبيا. وعن أسباب رفض المسلمون للتعليم الغربي والتبشير، فقد وجدوا أن إدخال التعليم الغربي سوف يدمر المدارس القرآنية وهى أساس نظام التعليم الإسلامي ورأى آخرون أنها سوف تؤدى إلى خفض المستوى الخلقي وتدمير الإسلام لأن المسلمين سوف يختلطون بانتظام مع غير المسلمين.

يبقى أن الإسلام أول دين سماوي يدخل المنطقة، حيث وصل إلى منطقة تشاد في القرن الأول الهجري (السابع الميلادي)، واعتنق السكان الدين الإسلامي، وانتشر في كافة الأراضي التشادية على فترات متقاربة ما عدا الأقاليم الجنوبية التي بقيت على الوثنية حتى بدأ انتشار الإسلام فيها في الآونة الأخيرة بفضل الله -تعالى-، ثم بفضل الجهود الجبارة التي بذلت هناك، مع أن الحركات التنصيرية وصلت إلى جمهورية تشاد برفقة المستعمر منذ عام 1923‏م إلأ أنها لم تنجح في إدخال الوثنيين في الديانة النصرانية إلا عددا قليلًا بالنظر إلى جهودها المبذولة المتواصلة ليلًا ونهارًا.

 
المصدر: https://islamonline.net/24698
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك