حوار مع المستشرق ويلفرد مادلونج

حوار مع المستشرق ويلفرد مادلونج

يعد الأستاذ ويلفرد مادلونج (Wilfred Madelung) المولود في شتوتغارت في ألمانيا عام 1930م واحدا من أبرز الدارسين والباحثين في الدراسات الإسلامية في الغرب، وقد اشتهر بدراساته المستفيضة عن الاثني عشرية والزيدية والإسماعيلية. تلقى الأستاذ مادلونج دراساته في القاهرة وهامبورغ، وعمل منذ 1969م أستاذا للدراسات الإسلامية في جامعة شيكاغو، ثُمَّ أستاذا في أكسفورد منذ عام 1978م ومن أشهر كتبه:

1. المدارس والمذاهب الإسلامية في الإسلام الوسيط 1985م.

2. الاتجاهات الإسلامية المبكرة في إيران 1988م.

3. الحركات الدينية والاثنية في الإسلام الوسيط 1992م.

4. خلفاء الرسول في الخلافة الراشدة 1998م.

إضافة إلى بحوثه الكثيرة المنشورة في المجلات العلمية في الغرب، ومساهماته في دائرة المعارف الإسلامية.

التسامح: أستاذ مادلونج، يتساءل كثير من المثقفين في العالم العربي والإسلامي عن إقبال الشباب في الغرب على دراسة الإسلام، ترى ما هي مجموعة العوامل التي قادتكم إلى هذا اللون من الدراسة؟

مادلونج: لقد كنت طالبا في واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية، وكان دخول الولايات المتحدة إلى تلك الحرب، وما رافقها من أحداث سببا في تزايد اهتمام الشارع الأمريكي بالشرقين الأوسط والأقصى. وقد اخترت أن أدرس الإسلام، وأن أتعلم اللغة العربية. وقد بدأت بدراسة المصادر الإسلامية، ثم أخذت بدراسة التاريخ الإسلامي، ابتداءً من عصر الخلافة الراشدة. ولا ريبْ أن فهم التطورات اللاحقة في التاريخ الإسلامي، يتطلب أن نفهم عصر التأسيس ومرجعياته، لنفهم التحولات التي حدثت ونعي أسبابها.

التسامح: هل يعني ذلك أن مسألة دراسة الآخر في الولايات المتحدة، تولدت في آفاق نمو أمريكا بوصفها قوة جديدة، راغبة في السيطرة والتحكم؟

مادلونج: لقد كانت الولايات المتحدة قبل الحرب الثانية شبه معزولة عن العالم باستثناء علاقاتها مع أوروبا. وقد رأت أمريكا، بعد دورها القوي إلى جانب الحلفاء في تلك الحرب أن من الضروري قبل إقامة علاقات مع العالم، الشروع في دراسته وفهمه. ولا شك أَنَّهُ يختلط في هذه المسألة البعدان المعرفي الذي يتمثل في الفهم والتحليل، والسياسي الذي يسعى لتوظيف تلك المعرفة لخدمة مصالح الدولة.

التسامح: هل هذا يعني -كما أشار كثيرون من أمثال أنور عبد الملك، و إدوارد سعيد- أن الدراسات الاستشراقية، وضعت نفسها في خدمة صاحب القرار السياسي؟

مادلونج: إنني أتفهم ما قاله أنور عبد الملك وإدوارد سعيد، وهما لم يكونا يتحدثان عن المستشرقين على نحو فردي، ولكنهم كانوا يتحدثون عن خطاب الاستشراق عموما. نعم، في داخل الدراسات الاستشراقية، يمكنك أن تعثر على أنماط شتى من الكتابات، بعضها ذات مرامي علمية، تهدف إلى فهم الثقافات الأخرى وتحليلها، ودراستها من منطلقات منهجية، وبعضها يكتب لخدمة سياسة الدولة وبرامجها. ولكن الدراسات ذات الطابع العلمي تتميز، بأنها ليست ذات نوايا مبطنة، وليس لها هدف معاد عندما تسعى لمزيد من فهم تلك الثقافات، وتحليل آفاقها.

التسامح: هل سيكون في رأيكم تأثير للحادي عشر من سبتمبر في بنية الدراسات الإسلامية في الجامعات في الغرب بشكل عام؟

مادلونج: أنا لا أعرف نوعية التغيرات في الجامعات الغربية في هذا الصدد؛ لأنَّني منذ تقاعدت متفرغ للبحث، وبعيد عن الخطط والبرامج الدراسية. ولكنني أعتقد أن الرأي العام في الغرب، وبخاصة في الولايات المتحدة، سيكون أكثر رغبة وتشوقا في فهم الإسلام، وستترك هذه التحولات بشقيها السلبي والإيجابي أثرها في الخطط الدراسية والمناهج، وسيصبح التركيز أكثر على بلدان وقضايا ومسائل كانت مهمشة في الماضي.

التسامح: كيف ترى نفسك على المستوى الشخصي؟ هل أنت مستشرق ألماني أم أنجلو أمريكي؟

مادلونج: ليس المهم كيف أرى نفسي، بل المهم هو كيف ينظر القارئ إلى ما أكتب. أنا باحث ودارس، ولست أديبا، وينبغي في الباحث أن يحد -ما استطاع- من العوامل التي تؤثر سلبيا على موضوعيته، ولست أجد مشكلة في كيف أصنف أنفسي! فأنا خلاصة تفاعل ثقافات متعددة، أسعى لفهمها وتحليلها وأتعامل معها باحترام وموضوعية ما استطاعات.

التسامح: إن هذا السؤال يقصد إلى إثارة مسألة التمايز بين الدراسات الاستشراقية في البلدان الأوروبية. فمن المعروف أنه لم يكن لألمانيا مستعمرات، على غير ما كان في بريطانيا، وفرنسا، وإسبانيا، وحتى هولندا. ترى ما تأثير ذلك في حركة الدراسات العربية الإسلامية في ألمانيا؟ هل اتجهت اتجاها فيلولوجيا؟ وهل انخرطت في قراءة النصوص بعيدا عن الغايات الأستعمارية؟

مادلونج: ليس هناك من شك أن المصالح الاستعمارية كانت دافعا (ولو على نحو جزئي) للدراسات الشرقية في أوروبا في القرن التاسع عشر، إلا أن هذا الدافع كان أقل وضوحا في ألمانيا منه في الدول الأوروبية الأخرى التي كان لها مستعمرات في العالم الإسلامي، وقد كان الجانب والمدخل الفقهي اللغوي (الفيلولوجي) للدراسات الشرقية دائما قويا، وما زال كذلك في ألمانيا. ولم تعد المصالح الاستعمارية مهمة (كدافع للدراسات الشرقية) في كل من أوروبا. إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود دراسات شرقية تعكس الميول والدوافع السياسية. أما نحن العلماء فعلينا أن نتوخى الموضوعية دائما.

التسامح: لو عدنا إلى دراساتك عن التاريخ الإسلامي، لقد اخترت حقبة تاريخية مملوءة بالرؤى المتعددة والمتناقضة. ترى ما هي المنهجية التي حاولت من خلالها النفاذ إلى حقبة مملوءة بالروايات المتناقضة، والأبعاد الغامضة؟

مادلونج: كان التاريخ على مر العصور في كل الأوقات حقلا للرؤى والأفكار المتصارعة المتناقضة، وعلى المؤرخ السعي في المقام الأول إلى فهم الحقائق، وإلى عرض الرؤى المختلفة بشكل عادل ومتوازن، وعندها يجب علينا أن نقرر تلك الرؤى ووجهات النظر التي ما زالت صالحة لنا في وضعنا الراهن.

التسامح: ما مدى اطلاعك على أدبيات هذه الحقبة في كتابات المؤرخين العرب المعاصرين من طه حسين إلى هشام جعيط، مرورا بالعديد من الكتابات. وكيف ترى قدرتها المنهجية على الاقتراب من تلك الحقبة وبخاصة في الإسلام المبكر؟

مادلونج: من الطبيعي أن يكون لعصر ظهور الإسلام أهمية بالغة عند الكتاب والمؤرخين من العرب المسلمين الحديثين والمعاصرين، وقد كتب الكثير منهم عن تلك الفترة، وقدم بعضهم إسهامات مهمة وأصيلة لفهم لذلك العصر، إلا أن المؤرخين سيجدون من المستحيل تجاوز خلفياتهم ومعتقداتهم عند تعاملهم مع تلك الفترة التي ما زالت تثير المشاعر القوية، ولذا فإن من الضروري بذل جهد إضافي قبل الوصول إلى إجماع في الرؤى حول ذلك العصر.

التسامح: لنعد إلى موضوع الحوار العربي – الغربي؟ كيف يمكن للدراسات الاستشراقية أن تهيئ المناخ لحوار يتجاوز الكلام البروتوكولي إلى حديث في الجوهر؟

مادلونج: نحن العلماء والمؤرخين نستطيع أن نسعى دائما إلى متابعة دراساتنا الموضوعية لكل قضايا وجوانب الصراع، ومن ثم نقدم ذلك لعامة الناس بشكل سليم، وعلى السياسيين توفير المناخ والجو المناسبين للحوار، إلا أن بعضهم وللأسف، يبحثون عن صراعات عسكرية وليس عن حوار سلمي.

التسامح: برزت صورة للإسلام في الإعلام الغربي وفي كثير من الكتابات في الغرب في الحقبة الأخيرة. تتميز بالسلبية والنمطية وارتباطه بالعنف. كيف ترى الإسلام وحضاراته، ثم كيف يمكن الخروج على هذه الصورة السلبية تماما؟

مادلونج: أنا لا أعتبر الإسلام وحضارته ميالين للعنف من حيث الجوهر ولكن عصورا طويلة من الصراع قد نمّت تلك الفكرة في عقول بعض الغربيين، وقد عزز تلك الفكرة الساسة الداعون والمؤيدون إلى حرب عالمية جديدة لتغيير وجه الشرق الأوسط.

التسامح: سادت في نهاية القرن العشرين دعوة إلى "صراع الحضارات"، مثلما بدأ الحديث عن "نهاية التاريخ"، الأمر الذي أدخل الحوار بين الحضارات إلى منعطف خطير. ما رأيك كدارس للتاريخ الإسلامي في هذه الرؤى؟

مادلونج: أعتقد أنه لا يجب علينا أن نتحدث كثيرا بلغة صراع الحضارات، حيث كان هناك دائما تعايش بين الحضارات المختلفة، نعم، لقد كان هناك دائما تنافس إلا أنه كان هناك أيضا تبادل مشترك للثقافة والإفادة منها، ويجب أن يكون هدفنا الإنساني العام كبح جماح العنف بكل أشكاله. إن الحضارات لا تتصارع بطبيعتها ولكن الناس الذين من طبيعتهم العنف يسعون دائما إلى فرض آرائهم وأفكارهم بالسلاح لا بالحوار.

التسامح: ما رأيك بالدعوة التي أصبحت تنادي بنهاية الاستشراق، وبداية دراسات شرق أوسطية جديدة؟ وهل ترى نهاية الاستشراق حقا؟

مادنولج: يستعمل مصطلح الاستشراق في دلالات مختلفة. فإذا كان المقصود منه الدراسة الأكاديمية (العلمية) للشرق في الدول الغربية، فإننا بحاجة إلى المزيد من ذلك.

أما إذا كان المقصود بالاستشراق الدعاية المنحازة التي تحركها السياسة، فإننا نرحب بانتهائه.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=16

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك