هل اليزيدية ديانة تنتصر لإبليس؟

محمد فتحي النادي

 

اليزيدية أو الإيزيدية ديانة غامضة تمركزت في شمال العراق.

وإن الباحث ليحار في التوصيف الدقيق لها.

فهل هي ديانة قديمة أم فرقة إسلامية انحرفت وغالت وخرجت من الإسلام؟

وهل أتباعها عرب أم أكراد؟

وهل هم متعصبون للدولة الأموية أم يوقرون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؟

وهل هم يعبدون الشيطان حقًّا؟ وهل هي ديانة توحيدية أم وثنية؟

وعند الإجابة تسمع الرأي ونقيضه؛ وذلك لأن تعاليمهم في غالبها شفوية، ولا يبوحون بأسرارهم لغيرهم، ولا يبشرون بدينهم.

فالباحث اليزيدي خضر دوملي يعتبر اليزيدية ديانة قديمة قائمة برأسها فيقول: “الإيزيدية واحدة من الديانات الكردية القديمة التي تتمركز في بلاد وادي الرافدين منذ آلاف السنين، لغتهم كردية ونصوصهم الدينية كردية، ومعبدهم الرئيس هو لالش في كردستان”([1]).

ويشير إلى أن “اسم (الإيزيدي) جاء من كلمتي: (إز) و(داي) الكرديتين، أي: (من خلقني)، ثم تدرج إلى (إيزيدي) و(يزيدي) و(يزدا)”([2]).

أما مهدي كاكه يي فيعتبر اليزيدية فرعًا من فروع الديانة اليزدانية القديمة فيقول: “واضطرّت فروع الديانة اليَزْدانية: (إيزْدي، يارْساني، هلاوي (علوي)، الشبك، الدروز) إلى اقتباس بعض الرموز الإسلامية وإضافتها الى معتقداتها لحماية معتنقيها من القتل والسبي والظلم والإهانة وللحفاظ على دينهم الكوردي الأصيل”([3]).

أما الأستاذ عباس العزاوي فيقول: “وأما تسميتهم باليزيدية فلا يزال بعض الكتاب يعتقدون فيهم أنهم يمتون إلى أصل قديم، إما مجاراة للأجانب، أو سياسة يأملون بها أن يبعدوهم عن الأموية والعلاقة بها.

ولعل أكبر سائق إلى مثل هذه الأقوال أن لا يكلفوا أنفسهم مهمة التحقيق ومراعاة النصوص التاريخية، وكأن النصوص التاريخية في نظر هؤلاء لا قيمة لها.

وهذه التسمية بـ(اليزيدية) أصلها الاعتقاد بيزيد بن معاوية، وأن إمامته صحيحة”([4]).

ويؤكد هذا القول الأمير اليزيدي أنور معاوية الأموي حينما قال: “صحيح أن اليزيدية لها جذورها العراقية القديمة، إلا أنها اتخذت طابعها واسمها اليزيدي الأموي المتميز بعد ما دخل فيها الجنود الأمويون الشاميون (12 ألف مقاتل)، والذين استقروا في شمال العراق بعد هزيمتهم في معركة (الزاب الأعلى) بقيادة آخر خليفة أموي (مروان الثاني) في 750م.

لكن هذا التأثير بقي من الناحية البشرية وسببًا لوجود العوائل الأموية في طائفتنا.

لكن التأثير الأكبر حدث بعد مجيء (عدي بن مسافر) في القرن 12م، وهو متصوف شامي أصله من (بعلبك) في لبنان، ومن السلالة الأموية”([5]).

ونسبتهم إلى يزيد بن معاوية ليس أمرًا استحدثه الباحثون في العصر الحديث، بل هو أمر مستقر من القدم؛ فهذا عبيد الله بن شبل المتوفى (658) هـ يقول: “هؤلاء اليزيدية قوم قد استحوذ على عقولهم الشيطان، وحال بينهم وبين عقولهم ووسوس لهم محبة يزيد بن معاوية”([6]).

و”عدي بن مسافر هو الشخصية البشرية الأكثر محورية في الديانة الإيزيدية؛ فهم يتناولون اسمه بعظيم التبجيل والاحترام، ويعدون قبره في منطقة لالش شمالي الموصل أكثر المناطق تقديسًا على وجه الأرض، حيث يعتبرونه (مجدد) الديانة، ويعتبره عدد من المؤرخين أصل الديانة الإيزيدية ومؤسسها”([7]).

وذكر ابن خلكان أن طريقته في التصوف سميت بالعدوية، فقال: “الشيخ عدي بن مسافر، العبد الصالح المشهور الذي تنسب إليه الطائفة العدوية، سار ذكره في الآفاق، وتبعه خلق كثير، وجاوز حين اعتقادهم فيه الحد، حتى جعلوه قبلتهم التي يصلون إليها، وذخيرتهم في الآخرة التي يعولون عليها، انقطع إلى جبل الهكارية من أعمال الموصل، وبنى له هناك زاوية، ومال إليه أهل تلك النواحي كلها ميلاً لم يسمع لأرباب الزوايا مثله”([8]).

وهذا ما أكده ابن تيمية بقوله: “والشيخ عدي بن مسافر بن صخر كان رجلاً صالحًا، وله أتباع صالحون، ومن أصحابه من فيه غلو عظيم يبلغ بهم غليظ الكفر”([9]).

وقد اعتبره اليزيديون رئيس الأنبياء؛ فقد جاء في كتاب الجلوة، وهو كتابهم المقدس: “خلقت من عكس نور الملك طاووس الشيخ عدي، ولما حان وقته ظهر في هذه الدنيا، وأخذ بيده رئاسة الأنبياء”([10]).

أما المَلَك طاووس فهو رئيس جميع الملائكة، ويعتبرونه -أيضًا- إلهًا؛ فقد جاء في كتابهم المقدس (مصحف رش) أو ما يسمى بالمصحف الأسود: “الملك طاووس هو واحد من الآلهة السبعة، ولا يجوز أن نلفظ كلمة (شيطان)؛ لأنه اسم إلهنا، ولا كل اسم يشابه ذلك مثل: قيطان وشط وشر”([11]).

وفضل الملك طاووس على الملائكة أنه لم يسجد لآدم -عليه السلام؛ فقد جاء في كتاب (الجلوة): “خلقت الملائكة وجمعتهم جميعًا، وأوصيت يومًا بأنني أنا الذي أستحق الصلاة والخضوع والعبادة وحدي.

مضت أربعون ألف سنة، ثم خلقت آدم في أحسن تقويم، وأردت أن أمتحن الملائكة فأمرتهم بالسجود له.

نسي الملائكة ما كنت أمرتهم به قبل أربعين ألف سنة، فسجدوا لآدم وصلوا له إلا (تادوسا) وحده تذكر أمري، فلم يسجد له.

فجازيته بأن سميته الملك (تادوس)، وجعلته رئيسًا لجميع الملائكة، وأستاذًا مرشدًا لآدم في الجنة.

جعلت الملك تادوس رئيسًا لجميع الملائكة، وسلمت بيده مفاتيح اللوح المحفوظ؛ لكي يستمد منه أوامره ونواهيه، وملكوت السموات والأرض.

جعلت ستة من الملائكة معاونين لتادوس، وخصصت لكل واحد منهم وظيفة مستقلة”([12]).

ورغم هذا التقديس لإبليس إلا أن اليزيديين ينفرون من وسمهم بأنهم يعبدون الشيطان؛ فهم يخالفون كل الأديان التي اعتبرت أن إبليس هو الذي وسوس لآدم لإخراجه من الجنة، ومن قبل ذلك رفضه للأمر الإلهي بالسجود لآدم -عليه السلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) صحيفة الشرق الأوسط، الخميس – 18 شوال 1435 هـ – 14 أغسطس 2014 م، العدد (13043).

([2]) السابق.
([3]) مقالة صمود الديانة اليزدانية واستمراريتها، الحوار المتمدن، العدد (5680)، 26/ 10/ 2017م.
([4]) عشائر العراق، ص(260) باختصار.
([5]) سليم مطر: جدل الهويات، ص(217).
([6]) عبيد الله بن شبل: الرد على الرافضة واليزيدية المخالفين للملة الإسلامية المحمدية، ص(245).
([7]) الإيزيديون.. طائفة منزوية تخشى الغرباء، موقع الجزيرة نت.
([8]) وفيات الأعيان، (3/254) باختصار.
([9]) مجموع الفتاوى، (11/103).
([10]) كتاب الجلوة، ص(11).
([11]) مصحف رش، ص(8-9) باختصار.
([12]) كتاب الجلوة، ص(9-10).

المصدر: https://islamonline.net/24177

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك