السياسات التهويدية للقدس
فتيحة عطية
يُعتبر احتلال أرض فلسطين على يد الغَاصب الإسرائيلي وبشكل خاص في تهويده للقدس، من أشد أنواع الإستعمار العنصري الذي عرفته البشرية في التاريخ المعاصر، هذا المُحتل الإسرائيلي الذي هو نموذج صارخ في مخالفة القوانين والقرارات الدولية والتلاعب بها وبآليات تطبيقها، وفي ممارسة أشنع أنواع التهويد والتزوير بحق الأرض والإنسان في القدس.
فقد عَمد الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلاله الشطر الغربي للقدس عام 1948 حتى اليوم على تهويد المدينة القدس، حيث تعرضت المدينة طيلة هذه الفترة لأكبر عملية تهويد على الصعيد الديني والثقافي والديموغرافي، و محاولة تغيير هوية المكان عبر رواية تاريخية مكذوبة بإقحامها في خط التاريخي للمدينة.
أنتهج الإحتلال الإسرائيلي سياسات تهويدية استهدفت من خلالها المقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، وعمل على حصار الفلسطينين إقتصادياً وضيّق الخناق عليهم في سكنهم، حتى باتت حياتهم في المدينة ضرباُ من الجحيم، و ما تنطويه هذه السياسات العامة من أخطار هو تهدد الفلسطيني “الإنسان”، وتهدد المكان “الذاكرة والتاريخ”، في سياق حرب ضروس ضد الحق العربي والإسلامي بالقدس.
ترتكز إستراتيجية الإحتلال على طرد أكبر عدد ممكن من المقدسين لإحلال أكبر عدد من المستوطينين مكانهم لزيادة نسبة اليهود في القدس وذلك بالإستلاء على أكبر مساحة ممكنة وبالتالي تغير هوية المكان، ويتم هذا التهويد بفرض حزام أمني محيط بالقدس لعزل المدينة عن المدن الفلسطينية الأخرى، والحفاظ على المواقع العسكرية المهمة في مرتفعات القدس ومناطقها الحساسة لحماية المستوطنين من جهة، وعرقلة أي نمو عمراني وسكاني طبيعي للمقدسيين وإعاقة تمددهم في محيطهم و بذلك لتفكيك التواصل الجغرافي بين أحياء القدس من جهة أخرى، بهدف تحويل القدس إلى مدينة طاردة للمقدسيين وجاذبة للمستوطنين، أما على الصعيد الخارجي عَمِل على ترويج لفكرة أن القدس عاصمة لدولة الاحتلال.
تقوم أذرع الاحتلال ومؤسساته المختلفة على تنفيذ هذه السياسات و التي تُرجمت على أرض الواقع باقتحامات الأقصى بشكل شبه يومي مرفوقة باعتداءات عديدة في حق المصلين والمرابطين وحراس الأقصى المتمثلة في التعنيف الجسدي والنفسي، والإبعاد عن القدس والأقصى ومنعهم من الصلاة والغرامات المالية والإعتقال، حيث تفرض سلطات الاحتلال الحبس المنزلي على كثير من المقدسيين لفترات تمتد من عدة أيام إلى عدة أشهر، ويقيد هذا الحبس حرية المقدسيين ويمنعهم من التوجه للمدارس أو تلقي العلاج أو السفر،
ويفرض الاحتلال أحيانا أن يقضي المحكومون مدة حبسهم المنزلي خارج القدس وبعيدا من بيت العائلة.
كما عَمد الاحتلال على عرقلة عمل دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس لترميم مباني المسجد الأقصى المبارك وصيانتها، لجعلها آيلة للسقوط أو غير قابلة للاستخدام، وحفر الأنفاق أسفل وفي محيط المسجد المبارك وربط هذه الحفريات المختلفة والتي تتضمن القاعات والأنفاق لتصبح أماكن تستقطب الزوار، لتُستخدم هذه الأخيرة لأغراض سياحية ودينية واجتماعية للترويج لتاريخ يهودي مكذوب.
كما طوت أيضاً تلك السياسات تشييد المباني التهويدية كإنشاء مدينة يهودية أسفل البلدة القديمة وفي محيطها، ويطلق على المشروع “تأهيل الحوض المقدس”، والتي تتضمن إنشاء “مدينة الملك داود” المزعومة، وذلك بهدم منازل الفلسطينيين و السماح للجمعيات الاستيطانية بالاستيلاء على منازل الفلسطينين، بالإضافة إلى منح العطاءات الاستيطانية الضخمة، بهدف حشر الفلسطينيين في أحياء صغيرة غير قابلة للتطور السكاني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، لخنق الفلسطيني سواء كان فردا أو مؤسسة أو جهة قائمة في وجه الاحتلال.
إن الإرادة التهويدية الإحتلالية الإسرائيلية تترجم بالعمل والسياسات يتمّ تطبيقها على أرض الواقع، و بالمقابل ماتزال إرادة المواجهة العربية والإسلامية تتخبط فاقدة البوصلة.
المصدر: https://islamonline.net/23682