الحوار المفقود
على المرء أن يدرك حقيقة التقوى المراد اتباعها، وهي التعارف، والتحاور، والتشاور، لبناء الأرض
من المفارقات العجيبة حين تكون الاختلافات الضيقة، والشبهات التافهة؛ محور صراع، وجدال، وحجر زاوية لنقاشاتنا المتعصبة دوماً، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على مجتمع يخلو من ثقافة الحوار الهادف، الذي يهدي للتي هي أقوم، أو التي هي أصلح لقوامة مجتمعٍ مدني يخلو من الصراعات العقدية، والمذهبية، والفكرية، فكل إنسان حر بما يعتقد، ولكن عليه ألا يجبر الآخر على هذا المعتقد، سواء بالصراع الجبري، أو بالمشاكسات اللغوية، أو تفنيد الحجج المراد طرحها على طاولة الحوار من كافة الأطراف.
من هنا تنطلق آلية الحوار الهادف والهادئ، حيث إن من مبادئ الحوار الناجح ألا أجعل من معتقدي مركزية عليا، استند عليها متى ما أردت، أو شئت سبيلاً للوصول إلى مخرج إما للاستعلاء، أو التغلب على الخصم. تطرقنا لهذا الوضع كثيراً في عدة مقالات، وكتب عنه كثيرٌ من الكُتَّاب، ولا مفر من الحيلولة، خاصة بعد الأحداث المروِّعة، ولكن كثيراً من الناس لا ينتهج سياسة التعايش، أو البحث عن جسور تواصل اجتماعية تجمعنا.. لا فوارق قديمة حدثت قبل 1400 سنة بين أقوام، وعناصر يجمعهم الدين، والدم، والقومية، ولكن فرقتهم زمرة السياسة، وكيد الشيطان، فالكل تابع حلقة «سيلفي» بين المتخاصمين على المذهبين على الرغم من أن الوطنية والعادات الاجتماعية التي تطرقت لها الحلقة في بدايتها جمعتهما، ما زاد الألفة بينهما، ولكن حين ذكرا اسميهما أصبحا على مفترق طرق بسبب حقيقة «الفاصل الطائفي». هنا تنبثق أسئلة عديدة، منها: ما مدى جهل عوام الناس بحقيقة، أو فهم الدين منذ بداية الدعوة المحمدية؟! وكيف يصدِّق الناس «سفاسف الشائعات»، ومخلفات فتاوى رجعية لا أساس لها من الثوابت المعروفة ولا حتى منطقٍ عقلي.
على الرغم من هذا الجنون، الحاصل في الأمة الإسلامية من انتهاكات ضد الدين الإسلامي، وتشويه مصادر من أجل تضييع وقت المسلمين، وجعلم يتخبطون فيما بينهم، فتضيع الأمة، ويتم تفكيكها إلى دويلاتٍ متناحرة، إلا أن العجب كل العجب حين لا يفهم كافة المسلمين نصوصهم المقدسة التي تدعو إلى السلم قبل أي مطب.
ألم يرَ الذين اختلفوا، ويقرأوا هذه الآية القرآنية «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن اللهَ عليمٌ خبير» الحجرات 13. المراد هنا بالناس كافة الأمم البشرية، وليس أمة بعينها، أو عقيدة بذاتها، لذا على المرء أن يدرك حقيقة التقوى المراد اتباعها، وهي التعارف، والتحاور، والتشاور، لبناء الأرض، وتحقيق استقرار الإنسان فيها ليعيش بسلام دائم. وهنا لا أوجه مقالي إلى مثقفي المذهبين، ولا الذين يتشدقون في صالات الأماكن الفارهة، ويزعمون التحاور والتشاور في هذا الشأن المذكور، دون جدوى بمعالجة جادة، ينبغي أن تنتهي إلى تقارب المذهبين في كافة المجتمعات البسيطة. هنا أوجه كلامي للإنسان البسيط، وإنسان الشارع، الذي ولجت إلى عقله شحنات الكراهية منذ الصغر: قل ما شئت يا عزيزي القارئ في التنشئة الأسرية، أو مع رفقاء الدرب، والمدرسة، وعن مناهجها، أو في دور العبادة من قِبل ملهمين زائفين، تعلموا قليلاً من العلم الشرعي، ولم يلتفتوا أبداً للعلوم المادية أو الفلسفية التي تفتح الطريق للتفكير والتأمل.