الأخطاء التسعة

معظم الناس لا يتصور نفسه مخطئاً، ولا يستسيغ فكرة الاعتراف بالخطأ، فضلا عن إصلاحه !!

د. أحمد الغامدي

على الرغم من إقرار معظم الناس بأن الإنسان خطاء، وعلى الرغم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» رواه مسلم، إلا أن معظم الناس لا يتصور نفسه مخطئاً، ولا يستسيغ فكرة الاعتراف بالخطأ، فضلا عن إصلاحه.

ذلك لأن الخطأ مرتبط بالتفكير، والتفكير مرتبط بالذات بصورة يصعب معها التعامل بحيادية أو فض الاشتباك بينهما، فإذا أراد أحد أن يقنع آخر بأنه مخطئ فسيصطدم بصورته عن نفسه التي يراها كما يحب أن يراها لا كما هي في الواقع.

لقد رصد أحد المهتمين الغربيين في مجال أبحاث التفكير والإدراك، العديد من أخطاء التفكير المنطقية، والتي يتسبب فيها قصور إدراك المرء عن استيعاب كل ما يحيط بالموضوع الذي يفكر فيه، ورأى أن من أهم الأخطاء التي يتكرر الوقوع فيها بوعي أو بغير وعي تسعة أخطاء هي:

أولا: التحيز والنظرة الجزئية التي تعد إلى حد بعيد، الخطأ الرئيس في التفكير، إذ في هذه الحالة ينظر من يفكر إلى جزء من الموقف فحسب، ويقيم حجته على أساس ذلك، لأنه من السهل أن يصر المرء على وجهة نظر معينة متعمدا كان أو غير متعمد طالما أنه يستطيع أن يشيد حجة متسقة منطقيا يعتمد عليها في إقناع الآخرين، ويصعب غالباً اكتشاف الخطأ ما لم يكن هناك إلمام بجميع جوانب الموضوع.

ثانيا: الزمن المعتبر للحالة، ويعتبر هذا الخطأ حالة خاصة للنظرة الجزئية، حيث يركز المرء على شريحة زمنية ضيقة، غالبا ما تكون قريبة، ويبدو هذا الخطأ واضحا حين نحاول توقع نتائج الأحداث، فكثيرا ما تتغير نتائج الحدث الواحد بعد مرور فترة من الزمن، فما يبدو إيجابياً ومرضياً في نتائجه القريبة قد لا يكون كذلك على المدى البعيد، والعكس صحيح.

ثالثا: التمركز حول الذات، وهو أن تتركز المساحة الجزئية للإدراك على الذات، وإذا كان هناك مبرر للتمركز حول الذات، من منطلق أن الغرض من التفكير الشخصي يكمن في إفادة المرء نفسه لمواجهة الحياة بفاعلية، فإن الخطأ لا يقع إلى حد بعيد في عناية المرء بمصالحه، بل في عجزه عن رؤية بقية الموقف، وإذا كان بوسع المرء أن يرى الموقف بطريقة أشمل ثم يعود للتمركز حول ذاته فإنه في هذه الحالة سيكون صائباً في تفكيره غير أنه أناني في أخلاقه.

رابعا: الغرور، ويبرز خطأ الغرور حينما يبدو تفسير منطقي واضح لأمر ما، ويؤخذ هذا التفسير حينئذ على أنه صحيح، ويكمن الخطأ في أن الرضا عن التفسير المبدئي يعوق البحث عن أية تفسيرات أخرى، برغم إمكانية وجود تفسيرات أخرى قد تتجاوز التفسير الأول وربما تفضله، ويوجد سببان لهذا النوع من الخطأ:

أولهما: أنه لا يبدو خطأ على الإطلاق فغالبا ما يبدو أنه تفسير كاف مُرض.

الثاني: هو وجود طريقة منطقية لتبريره تعيق البحث عن التفسيرات الأخرى.

والحق أن تقدم العلم يعود فقط إلى العلماء الذين هيأوا أنفسهم لعدم الرضا عن التفسير الأقرب، وكرسوا جهودهم للبحث في التفسيرات البعيدة الأخرى لاحتمال أن يكون الحق في أحدها.

الخامس: الحكم الأولي، الذي يتوهم حين يستخدم التفكير لا للوصول إلى الحكم وإنما لمناصرة حكم تم إصداره سلفاً، على أساس من التحيز أو العاطفة أو الاعتقاد أو التكتل الاجتماعي.

وليس الخطأ في إصدار حكم ابتدائي ولكن الخطأ في توجه العقل نحو خلق حجج متسقة منطقية لدعم هذا الحكم، ومن سمات العقل أنه إذا لم يجد ما يشغله فإنه يندفع إلى صياغة الأحكام متأثرا بالبعد العاطفي بينما يحتاج المرء إلى مزيد من السعة في الإدراك لتمحيص الموقف والتعامل مع الحكم الابتدائي كنقطة عبور للحكم النهائي المتيقن صحته.

المصدر: http://hewarpost.com/?p=256

###

السادس: الحكم المناوئ، وهو التأكيد على صدق الحجة بإبراز خطأ منطقي في الحجة المعارضة، للوصول إلى القول: أنت على خطأ ومن ثم فإني على صواب.

فالخطأ المنطقي في حجة أي امرئ لا يزيد عن كونه خطأً منطقياً لتلك الحجة، ولا يعني بأية حال صحة الحجة المعارضة، والواقع يشهد أن أغلب الخلافات التي تحدث وتتسع بين الأفراد، تنتج وتستمر بسبب سوء توجه الحوار بين الأطراف المختلفة، فكل منهم ينبري لإبراز أخطاء الآخرين معتبراً أن ذلك كافياً لتأكيد صحة موقفه، على الرغم من احتمال أن يكون الجميع على خطأ، أو الجميع على صواب، ولكن من وجهات نظر مختلفة، وهو مسلك يصب في إطار الكِبر المنهي عنه، الذي هو رد الحق.

السابع: تضمين الذات، فالحاجة إلى أن تكون على صواب طوال الوقت، هي الهدف الأكثر قوة في تحديد اتجاه التفكير، من بين معظم الأهداف الأخرى؛ إذ يستخدم المرء تفكيره كي يحافظ على صواب موقفه، ثم يعتقد به، ويجد أحدنا صعوبة بالغة في الاعتراف بأن تفكيره كان خطأ حتى بينه وبين نفسه على الرغم من كثرة ترديد الحكمة القائلة (إن الاعتراف بالحق فضيلة) كما يجد الصعوبة نفسها في الاعتراف بأن تفكير غيره على صواب، فالتفكير مع تضمين الذات يستخدم لدعم الأنا، لا لاستكشاف آفاق الموضوع ومعرفة الحقيقة.

ولذلك يغلب على التفكير هنا الافتقار التام للموضوعية، برغم أن بناء الأفكار قد يكون منطقياً ومتسلسلاً لدى المفكرين الماهرين إلا أن الإدراك منحاز بشكلٍ كبير.

الثامن: الخطأ الكمي، وهو واحد من الأخطاء الرئيسية في الإدراك، فعلى سبيل المثال: دعاوى الإعلانات عن “المعقمات تقتل الجراثيم”؛ فالجراثيم تؤثر في بقايا الطعام وتسبب رائحة الفم، فإذا استخدمت معقماً في غسيل الفم فسيكون نفسك ألطف.

ويبدو هذا كله منطقياً تماماً، إلا أنه خاطئ تماما من وجهة نظر كمية؛ فالمعقم ينحل سريعاً في الفم بحيث لا يمكنه قتل الجراثيم إلا لدقيقة واحدة على الأكثر، أما الجراثيم فتتضاعف بسرعة لتعويض نفسها، وعلى أية حال فإن تركيز المعقم الذي يقتل الجراثيم في أنبوب الاختبار يختلف كثيراً عن تركيزه في الفم، وبالتالي فلا يمكن للمرء الكشف عن الخطأ إلا إذا توفر لديه مجال واسع للإدراك يتيح له الحكم على الحجة المطروحة.

التاسع: التطرف، إن التطرف ينتج إلى حد ما من اعتيادنا التعامل مع مفاهيم وتعريفات مطلقة، فما أن يدخل شيء ما في إطار التعريف حتى يجري التعامل معه بطريقة مماثلة لكل ما هو في ذلك الإطار.

وربما لاحظ بعضنا كيف تسيطر تلك الأحكام العامة والمفاهيم المطلقة على الكثير من حواراتنا وتشكل رؤانا، فتجد من يقول كل الألمان متكبرون، وكل اليابانيين مخترعون، وكل من لم يدرس بالجامعة غير مثقف وهكذا والحقيقة أن كل ما بدأ بـسور عام ككل ونحوها فإنه يحمل جانباً من الخطأ في التفكير، ونادراً ما يثبت صوابه.

كما يفهم مما جاء في كتاب الله من نهي الله -تعالى- عن إطلاق حكم عام على البشر، حتى فيما يتعلق بقضايا الإيمان، فليس كل من يلقي السلام من غيرنا يلقيه تقية أو مخافة القتل، فقد يكون مؤمناً يكتم إيمانه كما كان الصحابة من قبل.

وينبغي حين نتحدث عن أخطاء التفكير أن نحذر الخلط بين قصور الإدراك وافتقار المعرفة، فالإدراك ليس مثيلاً للمعرفة؛ وإنما هو طريق النظر في المعرفة المتوافرة، وهو أيضاً طريق توجيه الانتباه، لما هو أكثر من المعرفة المتوافرة.

فعيوب التفكير لا تقع غالباً في قصور المعرفة، بل في قصور الطريقة التي ننظر بها إلى الأمور؛ فإذا نظرنا إلى الموقف بأسلوب يتمركز حول الذات، فقد اخترنا أن نفعل ذلك، وإذا افترضنا واثقين أن تفسيراً معقولاً يستبعد أي تفسير آخر، فإننا اخترنا الحكم بذلك.

إنه ينبغي التأكيد على أن التحرر من الأخطاء المنطقية لا يعني أنه هو وحده مهارة التفكير، وإنما يعني تجاوز ذلك إلى تنمية سعة الإدراك وتطوير مهارات تفكير أرحب.

المصدر: http://hewarpost.com/?p=259

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك