من مناقبيات الحوار

الحوار يعتبر وسيلة لتنظيم الاختلافات بين الناس وليس بالضرورة إنهاؤها !!

يوسف الحسن
 

قبل أن نفكر في نجاح أي حوار فإنه يلزم أن يتحلى شخوصه بمواصفات تضمن ذلك ومنها ضرورة الاعتراف بالآخر وجودا وكيانا وحقوقا وأهمها حقي التعبير والاختلاف. فالحوار

– والذي يعتبر أعمق وسائل التواصل الاجتماعي – لا يتم بين المتماثلين في الأفكار والمواقف بل بين المختلفين وهكذا فإن من البديهي أن تختلف مواقف وأفكار المتحاورين. أما إذا بدأ أحد أطراف الحوار بنفي الآخر أو إسقاطه أو ربط بقائه معه في الحوار بتحول الآخر إلى معسكره هو، أو في حال بادر بالسب والشتم وقذف التهم جزافا نحو الآخر فإنه يحكم بذلك على الحوار بالفشل، لأنه يريد استخدام هذه الأساليب كفزاعة لا تترك أمام الآخر إلا الخضوع لإرادة القهر والقبول بأفكاره ومواقفه. ومهما تباينت المواقف والأفكار بين أي طرفين فإنه يمكنهما التحاور في مناخ هادئ وآمن للطرفين وبدون أي تهديد لأي منهما.

ومن نافلة القول هنا أن يكون لدى المتحاورين الاستعداد الكافي لتقبل أي أفكار مقنعة من الطرف الآخر في حال انجلاء حقائق لهم، وبالتالي استعدادهم حينها حتى لتغيير مواقعهم، رغم أن الإقناع والاقتناع ليسا هما محك استمرار أو انقطاع الحوار، لأنه عملية متواصلة ومستمرة في جميع الظروف والأوقات وبين جميع الأطراف. ويلجأ بعض المتحاورين أحيانا وعند إفلاسه – أو قرب إفلاسه – إلى تغيير مسار الحوار بشكل ينحو إلى الاصطدام لتجنب استحقاقات ما بعد الحوار.

ولا بد في خضم أجواء الحوار أن نفرق بين الحوار والجدال رغم أنهما يشتركان في بعض الأمور والتي منها أن شخصين أو أكثر يتداولان الحديث ويتناقشان فيه. لكن الأول هو الدخول في عملية نقاش مع الآخر في جو من الهدوء، مع رغبة داخلية في الوصول إلى الحقيقة والتعرف على الآخر الفكري أو الثقافي أو الديني، أما الثاني فهو النقاش الذي تغلب عليه الخصومة مع رغبة في الانتصار للذات مهما كانت وميل للإفحام والانتصار والتشفي من الآخر وانعدام النية في الاقتناع مهما كانت حجج الآخر قوية. لذا فإنه عندما يتحول الحوار إلى جدال فإنه يصبح آفة ينبغي التنبه لها لأنها لا تترك أي مجال للتقدم إلى الأمام فيه، بينما الحوار الحقيقي والذي يفترض أن يكون ناجحا هو الذي يسلك مسلك التروي والهدوء والنية الصادقة، لأنه يعتبر وسيلة لتنظيم الاختلافات بين الناس وليس بالضرورة إنهاؤها. هو وسيلة لاكتشاف العوامل المشتركة بينهم (وهي لا بد أن تكون موجودة مهما بدا لنا تباعد المواقف والأفكار)، ثم بعد ذلك محاولة توسيع هذه العوامل وزيادة رقعتها. وكما ورد في الأثر (إن الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) وهو أدنى درجات التوافق بين البشر الذين كرمهم الله تعالى.

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك