من أجل تعايش أرقى بين الشعوب والحضارات
من أجل تعايش أرقى بين الشعوب والحضارات
عائشة التاج
قد لا نكون بحاجة إلى التذكير بأن الكرة الأرضية تتكون من خمس قارت ،وتحتوي هذه القارات على عشرات الأمم ومئات الشعوب وآلاف اللغات واللهجات والاثنيات ....حضارات اندثرت واخرى في طور النشوء ... ثقافات تعاقبت وتداخلت وانصهرت لتكون تراكمات حضارية تشكل رصيد البشرية جمعاء ،ساهمت فيها كل أمة بحصة قد تتفاوت حسب مكوناتها ومميزاتها وخصائصها في هذه الحقبة او تلك .
صراعات ونزاعات تشب بين الفينة والاخرى حول المصالح والثروات ،
لا تلغيان الأصل الذي هو المحبة والتعاون والتعايش بين الأمم والشعوب.
هذا التعايش لا يمكن ان يتم بالتاكيد بدون آليات للضبط ذات طابع قانوني أو ثقافي او زجري حتى .
ما يهمنا في هذا السياق ،هو الجانب الثقافي والذي يعتمد على ترسانة القيم والأعراف والتقاليد .
هناك ثقافات منغلقة على ذاتها ، خائفة ومفزوعة ،تهاب كل شيء خارجي وتعتبره خطرا سيفكك اوصالها .
وهناك ثقافات تعتمد على منطق الانفتاح و لا ترى ضررا في التعايش مع الآخرين مهما تفاوتت طباعها وخصائصها لأنها واثقة من نفسها ومن قدراتها ...
وهناك في المقابل ثقافات تنحو للهيمنة على الآخر ولا تنفتح إلا على من هو مستعد للانبطاح والاحتوء لأنها تعتبر نفسها مالكة للحقيقة المطلقة و قد تفرض حقيقتها المفترضة هذه بقوة الحديد والنار.
هكذا يختلف ميزان الانفتاح والتعايش أو الإقصاء والتهميش حسب محددات كل ثقافة او حتى حضارة ومكوناتها الفكرية والاقتصادية والسياسية ...
قد تختلف المساحيق الخارجية لكل حضارة او ثقافة لتخفي وراءها العديد من أشكال الإقصاء والاحتقار للآخرين . علما ان العديد من القيم هي منتوج قد يتاثر بميزان القوى الذي تحركه آليات الاقتصاد والسياسة هنا والآن.
فالأصوليات ألوان وأشكال تتغير بتغير المساحيق ،وتوجد في كل مكان وزمان كعائق حقيقي للتواصل البناء بين البشر .
حسب اعتقادي المتواضع لم يخلق الله البشر بما يميزهم من خصائص عقلية وروحية وجسدية وثقافية جد راقية ومبهرة كي يقتتلوا فيما بينهم بدون رحمة ...لا شك بان كل اشكال الاقتتال ... هي هدر وضياع في الأرواح والمنشآت المادية والمعنوية مهما خلقت لنفسها من بطولات .
لا شك ان العنف والحرب والدمار هو اختيار كبار الجهلاء الذي يحركون دفة العالم في اتجاه التخريب حفاظا على مصالحهم الضيقة جدا،جدا، جدا.
وحسب نفس المنطق ،فإن أي شكل من أشكال العنصرية والنبذ والإقصاء للآخر هو هدر وضياع . ذلك ان لكل شعب مقومات تميزه عن الآخر ...
ولكل ثقافة خصوصيات قد تغني رصيد الحضارة البشرية جمعاء ...
وبالتالي هناك ضرورة ملحة من اجل التكامل والتعاون ضد آفات الطبيعة .
وأضرار الكائنات المضرة حتى وإن اتخذت طابع البشر.
قد يبدو هذا المنطق ساذجا في ظل التطاحنات الهوجاء التي هي مشتعلة في مناطق متعددة هنا وهناك ...وانا لا أعني فقط التطاحنات الجسدية بل ايضا الرمزية . كل حوار ياخذ طابع العنف هو هدر وضياع وقيادة لدفة البشرية نحو الخلف .
وحسب رأيي الساذج جدا ، لن تستكمل البشرية إنسانيتها إلا عبر تحقيق سلم شامل على سطح الكرة الأرضية وتعزيز سبل التعايش ما بين الشعوب والثقافات والحضارات انطلاقا من منطق الاحترام والتقدير .
فهل يتعبا عقلاء البشرية من أجل هكذا أهداف ؟
لا شك ان هناك الكثير من أشكال الغوغائية هنا وهناك تعوق لحد الآن تعايشا حقيقيا بين البشر ،لكن تحديات العيش على كوكب الأرض ما فتئت تزداد تعقيدا
وتفرض بالتالي ضرورة تعايش حضاري بين مختلف الحضارات .
ولا شك ايضا بأن ذلك لن يتحقق إلا عبر تطبيق مباديء العدالة والمساواة
وإنعاش قيم الحب والتآزر التي تحث عليها كل المذاهب والمعتقدات والأديان ذات المنحى السليم والبناء .
أليس ذلكم عين العقل ؟
قد يكون ذلك مجرد حلم سقط سهوا على هذه الصفحات لكنه يسكنني حد الهوس
وانا اقتات مثلكم جميعا صباح مساء بهذا الحجم الهائل من دمارات عولمة جديدة بدون قيم ولابهارات إنسانية.............
فلنقاوم هذه الهمجية الرعناء بكل ما اوتينا من عقلانية ووجدان ،كل منا حسب موقعه وإمكانياته.
عائشة التاج
المصدر: http://www.almaghreb-almoulahed.com/?c=257&a=1164