حوار مع الشباب

آن الآوان أن نعزز الحوار مع الشباب، فهم ومهما حاولوا وصف أنفسهم، فهم عُدة المستقبل

جواد العناني
 

أول شيء يؤكده الشباب عندما تُحاوِرُهم أنهم لا يريدون أن تستخدم معهم ألفاظاً مثل “تمكين الشباب” و “تطوير دور الشباب”، فهم يعتبرون أن مثل هذه المصطلحات تنطوي على سعي من الكبار لاحتواء الشباب أو رعايتهم أو الوصاية عليهم، إنهم يتحدثون عن أنفسهم بلغة جامعة. فهم يريدون الحديث عن دور الشباب في بناء المجتمع، ويقولون نحن نَتحدث عن الحقوق المدنية والقانونية لكل الشعب، وليس حقوقنا فقط.

هذا موقف يستحق التقدير، ويفتح علينا نحن كبار السنّ الباب لكي نغير النظر في كثير من مصطلحاتنا التي ألفناها وتعودناها. فهم لا يتحدثون عن الأمن الذي يجب دعمه ورعايته، فهذه حقيقة بالنسبة لهم واضحة ومُسَلمٌ بها. ولكنهم يقولون “إذا اعتدى عَلَيَّ رجل أمن، فهل نحن متساويان أمام القانون والدستور؟”، “هل استطيع مقاضاته من دون خوف أو وجل؟”.

وهم يتساءلون عن تحليل الاقتصاد والأولويات. يقولون إنهم قد مَلّوا من الأحاديث عن المشكلات… نحن نعلم مشاكلنا فقد سمعناها مئات المرات، وهي الفقر، والبطالة، والعنف المجتمعي، وتأخر المشروعات الكبرى، والترهل الإداري، وعجز الموازنة… ويتساءلون ما خطة العمل ؟.

وعن اللجان واللجان الفرعية المنبثقة عن اللجان فهم يقولون إن المسؤولين يتحدثون عن هذه المشاكل من دون حس بإلحاحية المشاكل، وضرورة التصدي لها بالعلاج بسرعة. هل رأيتم ما جرى في ميدان التحرير؟ ألم تشاهدوا كيف كنا نرى على نصف الشاشة التلفزيونية الرئيس السابق حسني مبارك يتحدث للشعب، وعلى نصف الشاشة الآخر ردة فعل الجمهور والشباب الصامد في ميدان التحرير. لقد كان الشباب يحددون موقفهم، ورد الفعل على ما يسمعون، والخطوة التصعيدية المقبلة، وذلك قبل أن يُنهي الرئيس خطابه القصير.

هذا زمان لم تعد المشاكل فيه تحتمل الانتظار. وقالت شابة صاحبة رؤية واضحة، لقد مللنا الحديث عن الفرص الضائعة، ومللنا من تقلب الحكومات، كل يأتي ويروح ولا هم له إلا نقض ما فعلته الحكومة التي سبقته. نُريد استقراراً ووضوحاً في تعاقب الحكومات، من أجل استقرار السياسات والتشريعات.

ويقول الشباب نحن نحب التكنولوجيا الحديثة، لا لأنها أدوات تسلية، ولكن لأنها تعطينا الحرية لكي نقول ما نريد، وقت ما نريد. لقد توفر لنا الفضاء الذي نستطيع أن نمارس فيه انسانيتنا، ونستعيد فيه حريتنا وعقلانيتنا أو جنوننا، لقد كنا على تواصل كامل مع أقراننا في ميدان التحرير. وشاركناهم في الرأي، وصنع القرار، ومنحناهم الدعم المعنوي الكامل.

وقادهم هذا الواقع الى التساؤل عن الإعلام الرسمي، وعن انعدام فاعليته. وقد أقسم بعضهم أنه لم يشاهد التلفزيون الرسمي منذ سنوات طويلة لأنه مغيب عن الحدث يعاني من حالة الغيبوبة، إن لم يكن البَيات. ورغم كل ما قيل عن الإصلاح، وعن الرأي والرأي الآخر، فهو إعلام جامد ولا يقنع أحداً، وخاصة المرئي منه. وحتى محطات الإذاعة الرسمية فهي تعزز ثقافة المطلبية والتواكل والنظرة الأبوية.

كل هذا الحديث جرى في حوار مع بعض الشباب المتفوقين الذين يجنون دخولاً طيبة وبحضور سمو الأمير الحسن راعي منتدى الفكر العربي. وقد جلس معهم وحادثهم وحادثوه بكل صراحة.

آن الآوان أن نعزز الحوار مع الشباب، فهم ومهما حاولوا وصف أنفسهم، فهم عُدة المستقبل. وآسف أنني استعمل في وصفهم اصطلاحاً مكرراً … آن لنا أن نسمع من أناس لم نسمع منهم منذ زمن.

المصدر: http://hewarpost.com/?p=504

الأكثر مشاركة في الفيس بوك