الثقافة الإسلامية وتحديات العصر
الثقافة الإسلامية وتحديات العصر
لا أحد يماري في أن الثقافة الإسلامية، كغيرها من الثقافات، تواجه اليوم تحديات كبرى في عالم يعيش تفاعلا بين ثقافات متنوعة، وتدافعا بين حضارات مختلفة، عالم تكسرت فيه الحواجز، وسقطت فيه الحدود، حتى صارت أقطاره كأنها قرية واحدة.
ولما كانت الثقافة الإسلامية من أعظم مقومات أمتنا العربية والإسلامية، فإن هذه الأمة مطالبة اليوم بأن تقف وقفة تدبر وتفكر، لتنظر في أحوال ثقافتها، وتبحث فيما تواجهه هذه الثقافة من تحديات عصرها، ومدى قدرة المسلمين على الحفاظ على ثقافتهم وهويتهم أمام تداعيات هذه التحديات، وقدرتهم على التعايش مع بقية الثقافات والحضارات دون إنكار للأصل، ومن غير شعور بالدونية.
كما أن الأمة العربية والإسلامية مطالبة بأن تستفيد من تراكم الخبرات الثقافية، وتستوعب مجمل الخطاب الإنساني في المجالات العلمية والمعرفية، وفي نظم الحياة وغيرها، وتجتهدَ في تحليل هذا الخطاب والتعرف عليه بعمق ووعي، وإعادة بلورته بما يوافق عقيدتها وخصوصياتها الشرعية والأخلاقية والحضارية.
وإذا كانت العولمة قد جعلت العالم قرية صغيرة تتفاعل فيها الثقافات، ويؤثر بعضها في بعض، فإن هذه الأمة مطالبة أيضا بأن تنهض بثقافتها الإسلامية، وذلك بالمحافظة عليها من جهة، وتطويرها من جهة أخرى، حتى تكون - بمقوماتها ومناهجها- قادرة على استعادة مجدها الأثيل، وقادرة على مواكبة متطلبات العصر ومؤثرة في الرصيد الثقافي والحضاري الذي تراكم لدى المجتمعات الإنسانية عبر القرون.
وإنه لينبغي للأمة، في إطار هذه المطالب الثلاثة، أن تُقنع العالم عمليا بأن ما تمتلكه من قيم سماوية خالدة، ومن تجربة تاريخية حضارية، ومن مخزون تراثي غني ، يجعلها قادرة - بعون الله تعالى- على المساهمة الإيجابية في الحضور الثقافي المؤثر، وفي إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل العصر، وفي التعايش مع الآخر، وتحويله من ساحة مواجهة وصراع، إلى رحاب تسامح وحوار وتعايش وسلام.
إن رعاية الثقافة الإسلامية التي أضحت جزءا من ثقافة العالم، وحمايتَها من المخاطر التي تهددها والتحديات التي تواجهها، أصبحت اليوم من الضرورات الملحة، سواء على مستوى المفاهيم والاصطلاحات، أو على مستوى السلوك أو على مستوى المناهج، وخاصة مناهج العلوم الإنسانية والمادية، أو على مستوى التطور العلمي والتقني، أو على مستوى الشهود الحضاري من خلال مسؤولية الأمة الإسلامية عن ثقافتها حفظا وتطويرا، وأيضا من خلال موقعها الفاعل بين الثقافات الأخرى.
ولا يخفى أن من جملة ما يحقق هذه الضرورة إقامة ندوات ودراسات ولقاءات علمية تحدد كيفية مواجهة الثقافة الإسلامية لتحديات العصر بالمفهوم الذي سلف ذكره؛ وهذا ما تسعى إليه هذه الندوة التي يشترك في تنظيمها المجلس العلمي المحلي للدار البيضاء، مع جامعة الحسن الثاني - عين الشق في موضوع: الثقافة الإسلامية وتحديات العصر
و انطلاقا من مجموعة محاور تتركز في ما يأتي :
- الثقافة الإسلامية بين الماضي والحاضر.
- الثقافة الإسلامية والتكامل المعرفي: (علاقاتها بمختلف التخصصات من أدب وتاريخ وعلم نفس واجتماع...)
- مجالات تحديات العصر: (مجال المفاهيم، مجال السلوك، مجال المناهج، المجال العلمي والتقني، مجال العولمة...)
- الثقافة الإسلامية والشهود الحضاري: (مسؤولية الأمة الإسلامية عن ثقافتها حفظا وتطويرا، تحقيق الثقافة الإسلامية للشهود من خلال موقعها الفاعل بين الثقافات الأخرى.
- الثقافة الإسلامية والتعايش مع الثقافات الأخرى.
وإننا إذ ننظم ندوة في هذا الموضوع الحافل: "الثقافة الإسلامية وتحديات العصر"، لنأمل في أن تنهض هذه الندوة ببعض الواجب العلمي والفكري الذي يخدم ثقافة الأمة وهويتها وشخصيتها أمام تلك التحديات الجسام.
والله الموفق للرشد والصواب
المصدر: http://www.uh2c.ac.ma/cidc/intro.php