التسامح في تقبل الآخر المختلف واحترام الأفكار
ليس من السهل أن يكون الإنسان متسامحا بدرجات عليا، فالبشر بطبعهم ميالون إلى الحنق الداخلي تجاه من يبخسهم حقوقهم أو يتعدى عليهم بأي فعل كان صغيرا أم كبيرا.. فئة قليلة من عموم الناس تتصف بالتسامح والقدرة على تحجيم البغض والكره الداخلي تجاه المواقف غير المنصفة في حياتها.. ورغم اعتقادي الكبير بان السماح بصفته الطبيعية والحقيقية والثابتة هو أمر جيني في الفرد (خلق به) إلا أنه بالتدريب والتوعية والتثقيف قد يكون مكتسبا بدرجات مقبولة تفي بالغرض.. ليس المطلوب من الناس أن يكونوا متسامحين إلى الدرجة التي تجعلهم يتنازلون عن حقوقهم الاجتماعية والنظامية والحياتية، لكن لنفهم جميعا أن الحياة زاخرة بالمواقف غير المنصفة وأن احتمال مصادفتنا ببشر غير عادلين أمر وارد وعلينا في هذه الحالة أن نصنع لأنفسنا طريقة نفسية للتعاطي مع هذا الواقع، فلا نجابه هذه المواقف بالاحتراق الداخلي والشعور المؤلم بالاضطهاد والظلم.. والمشكلة أحيانا تتضخم ليس لأن بعض الناس وقع تحت تأثير الكره والإحساس بتدني الإنصاف بل وقوعه تحت تأثير فكرة الانتقام كرد فعل تجاه ما تعرض له.. التسامح صفة إنسانية نبيلة وعلاوة على كونه كذلك فهو يجنب البشر كوارث أخلاقية وإنسانية.. للتسامح فضائل وأبعاد إيجابية كثيرة منها ما يتعلق بالمجتمع-وكيفية مساعدته للبشر على العيش بسلام في بيئة اجتماعية يتقلص فيها الكره ونزعة الانتقام- ومنها ما يخص الفرد، فالإنسان المتسامح عادة ما يحمل لياقة نفسية وعاطفية تجعله متقبلا لمعظم تقلبات الحياة والظروف، كما أن المتسامح شخص مهذب العاطفة روحه غير مثقلة بالهموم والشعور بالكراهية والنقمة.. إن أبسط درجات التسامح تتمثل في تقبل الآخر المختلف، وتظهر في احترام الأفكار والقيم والفلسفات التي يعتنقها الآخرون مهما كانت (طالما أنها لا تمارس فرضا ورغبة في الهيمنة على الآخرين).. فنقيض التسامح لا يتمثل في عدم غفرانك أخطاء الآخرين في حقك فحسب، بل إن عدم التسامح بشكل عام يظهر في عدم تقبلك لما يؤمن به الأفراد من مبادئ ومعتقدات لأنها لا تتوافق معك.. ورغم أن ثقافتنا الإسلامية تدعو إلى التخلق بهذه الصفة إلا أن كثيرا من أخلاقنا العامة بعيدة عنها، وأقرب مثال على ذلك أن مجرد الحوار والحديث في مسائل اجتماعية عامة بين الأفراد في مجالس التجمعات أحيانا يقود إلى جدل عقيم لا ينتهي إلا وقد ترك أثرا من النفور أو الكره في النفس.. أخيرا، السماح والعفو والترفع عن الصغائر والجدل العقيم صفة النبلاء والكبار.. وبالمناسبة ليس علينا تعلم السماح لنكون نبلاء فقط، ففوائد التسامح تتعدى ذلك، فقد أثبتت الدراسات العلمية في الحقل النفسي، أن الكره الذي هو نقيض الحب والتسامح يتسبب بطاقة سلبية عنيفة تؤذي حامله وتضعف من جودة حياته، وقد وصفه أحد الباحثين بـ«طاعون المشاعر» ورأى أنه من أقوى المشاعر السلبية التي يمر بها الإنسان، فهو على الصعيد الصحي يزيد من عدد ضربات القلب ويقصر من حياة هذه العضلة الحيوية، كما يتسبب في عدد من المشاكل الصحية والنفسية.. الحل إذًا أفشوا السماح لأجل السلام والصحة..
المصدر: http://hewarpost.com/?p=953