إدماننا على الخلاف

ساهم هذا النهج الخلافي بين المثقفين في تأجيج نار الخلاف

د. محمد ناهض القويز
 

لا يسلم أي مجتمع من تصنيفات مبنية على الانتماء السياسي أو الديني أو المناطقي على مر التاريخ.. وبينما تكون هذه التصنيفات في المجتمعات المتحضرة تصنيفات تعريفية كالمحافظين والعمال والديموقراطيين والجمهوريين فإنها لدينا تصنيفات اقصائية كإخواني وجامي وسلفي وليبرالي أو رافضي وناصبي. ولذلك يحرص أصحابنا على استخدام أسوأ وصف ممكن ويتبعونه بصفات تخوينية وإقصائية. أو صفات نفاقية مبنية على المصلحة الشخصية.

على مدى عقود تدور رحى خلاف كبير بين بعض مثقفينا لدرجة العداء ويتم استقطاب العامة ممن لا يفقه شيئاً مما تبناه من رأي أو دافع عنه من قضية، وهذا بلا شك ساعد على توسيع الفجوات بين أطياف المجتمع ونتج عنه التخوين والتكفير وترديد عبارات الإقصاء دون فهم الموضوع أو حتى الاطلاع عليه.

وكأن قضايا مجتمعنا ليست كافية لتسعير أوار نار خلافاتهم تناولوا كل حدث بذات العقلية التخوينية الإقصائية سواء أكان هذا الحدث في المحيط الإقليمي أو في أقاصي الدنيا. فما يحدث في تركيا يستغله أصحاب التيار الإسلام السياسي لتدعيم موقفهم والنيل من خصومهم ويمتدحون الأتراك بما يفتقدونه هم من خصال ويتجاهلون السلبيات ويبررونها أحياناً. بينما يتناوله خصومهم ليس كحدث تركي ولا بتناول المحايد أو المنصف وإنما لتصفياتٍ مع خصومهم “الإسلاميين”، من دون أن يقروا للأتراك بإنجازاتهم. ولهذا فالساحة هناك ميدان صراع بينهم وستبقى كذلك.

أمثلة كثيرة لهذا الخلل يمكن أن تجدها في كل حدث يجِدُ وإن لم يجِد حدث تمحور خلافهم حول تصريح أو حدث قديم يبعثونه من جديد ليكون مادة خلافاتهم. ولو تسنى لهم حوار بدلا من الكتابة والتغريد لعلت الأصوات واستخدمت ألفاظ لا تليق بمثقف وربما تعدت ذلك لما هو أسوأ.

لقد ساهم هذا النهج الخلافي بين المثقفين في تأجيج نار الخلاف. وشجع على التصنيف الإقصائي. ومن التصنيف الإقصائي يتولد التكفير أو التخوين ومن التكفير أو التخوين يتولد التفجير والظلم والتشرذم.

المجتمع أطياف مختلفة (دينية وثقافية وفكرية) شاء من شاء وأبى من أبى. وكل طيف من أطياف المجتمع له الحق في حياة كريمة في وطن يكون الولاء فيه للوطن وليس لأية مبادئ تنافي مبدأ المواطنة.

ننتظر من المثقف أن يعمد إلى النواحي الإيجابية التي يجتمع على تأييدها الغالبية ويجعل منها هدفاً سامياً يسعى لحشد الوعي في سبيله عسى أن نتجاوز مرحلة التخوين والإقصاء إلى مرحلة الفهم وقبول الاختلاف والإقرار بالتنوع.

المصدر: http://hewarpost.com/?p=972

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك