هل التسامح والحوار وتقبّل الرأي الآخر مشاريع متعثرة
تتورم لدينا عقدة الحب والنزوح للهدوء والالتقاء في المنتصف، وتقابلها مصافحة عجولة دوماً للكراهية ونبذ الآخر، فيما يقبع التسامح والحوار الهادئ وتقبّل الرأي الآخر وتغليب حسن النوايا مشاريع متعثرة في مشاهدنا العامة، أما اللحظات التي نتخيل فيها أن نتحول إلى بشر يملكون خريطة حياة مثالية متزنة ووسطية فهي لحظات لا تزال – إلى حد كبير – مكتوبة على الورق، وتستنزف كمًّا هائلاً من الأحبار والألوان، وتُعزف فيها مئات الجمل الرخيصة للتنظير والوعود والتوقعات والظنون، التي تقف من دون سابق إنذار، لأن الوقود لم يكن كافياً أو ليس مشجعاً على انطلاق منتهٍ بانتصار، ولو كان متدرجاً.
يقف مطلب المكاشفة وتعرية المتبلدين مطلباً استراتيجياً في ظل نمو مسلسل حقن الأفراد وغمسهم حتى النخاع في مفاهيم مغلوطة ومعلومات مضللة تعبر إليهم من منافذ ليست عصية على الحصر أو الكشف، ويبقى النضج الفكري هدفاً رئيساً يستحق أن نذهب إليه بمعية مؤسسات الدولة التعليمية والحكومية – ونختار ما يجب أن يقدم لمن يجب أن يعرف – في رؤية عامة قابلة للتنفيذ، لا الدراسة والتخطيط، فيما يظل الوعي الوطني حلماً لن نصل إليه، ما دام بيننا من يفتي ويفسر ويحلل ويحقن ويصدّر ويجيش ويراوغ ويكذب من دون أن نشير إليه بأصابعنا ونضع بين يديه مثلث الأسئلة المشروع، حين تكون الضبابية سيدة موقف ما والفوضى أباً وأماً: لماذا كل هذا؟ ومن أجل ماذا؟ وإلى متى؟
نزع جذور الكراهية ليس مستحيلاً، لكنه بحاجة إلى شيء من الالتفات الجاد وكثير من الحماسة والرغبة الرافضة لأي إشغال أو انشغال، صحيح أنه قد يتهمنا – وما أكثرهم – من يرى أننا نستخدم مصطلح الكراهية في المكان الخطأ، وينسى أو يتناسى أننا استخدمناه ولزمن ليس قصيراً في الأمكنة الخاطئة وبالطرق المربكة والمضللة، وبخطط ملتوية لصيد شبان كان من المنتظر أن نفتح أعينهم على حياة مليئة بكل معاني العيش والسلام، فأهدينا لهم حصصاً في كيفية الموت بالنيابة والجهاد بلا وعي والتحدث بوصف الوصاية على الدين، ولم يكن لذلك أن يتم لولا أن مدارس تفعيل الكراهية بصفوفها المعروفة «الشك، توزيع الاتهامات، التلقين، التصنيف، الإقصاء، التطرف» قدمت جهداً كبيراً على مدى أعوام طويلة، وإن كانت هذه الجهود لا تطفو على السطح لسبب مستتر معروف ينص على أن طفو الخطط المبذولة في تعزيز الكراهية يتقاطع مع الرؤية والرسالة والأهداف، ولا يثمر مخرجاً نهائياً متصالحاً مع الشيطان».
لا نتسرع في القول إن «الكره» صناعة طرف واحد، ولن يكون كذلك، لكن كراهيتنا أدق، أكثر جهلاً، وفي نطاقات أضيق وأضيق، وباتت أخطر، كراهيتنا تستند على الجهل، وتتكئ على التعصب والتصنيف والشكوك والاتهامات، وتتغذى على الطيش وعنتريات الماضي، ونعلم بعد كل هذا أنها كراهية بلا ظهر علمي وبقدرة تحت الصفر للعيش في منأى عن ثمرات ما ينتجه العقل المكروه. الكراهية «تعصب واستعداء مجاني» لا تذهب بنا لخير، والوجع الأكبر حين تنمو ليكون «حيلنا بيننا». إذاً، ماذا يمكن أن نتوقع من نفخنا لكراهية لسنا أهلاً لها ولا مؤهلين على مختلف الأصعدة لبلع مرارة نتائجها وقساوة آثارها، فضلاً على مواجهتها؟
المصدر: http://hewarpost.com/?p=1068