الهجرة واللجوء والحلم الليبرالي

منير الكشو

 

تعرّف الهجرة، عمومًا، بأنها: انتقال شخص من دولته الأصليّة إلى دولة أخرى، بُغية الاستقرار بها على نحو مؤقت أو دائم[2]، وتخضع هجرة شخص، في عالمنا المعاصر، إلى دولة ما، إلى السياسات العامة المعتمدة من قبلها، وإلى حاجاتها الاقتصادية، وكذلك، إلى الاستعداد الفكري والنفسي لمواطنيها إلى استضافة أجانب وقبولهم، أيضًا.

وتقبل الدول، عمومًا، بنوعين من المهاجرين؛ أولًا: من اضطروا إلى الهجرة، لأسباب إنسانية، تتعلق بحروب تجتاح بلدانهم الأصليّة، أو بالاضطهاد السياسي، أو العرقي، أو الديني، أو الثقافي، في بلدان لا تُحترم فيها حقوق الإنسان، والأقليات، وهؤلاء هم: اللاجئين. وثانيًا: المهاجرون لأسباب اقتصادية، والذين تُقبل طلباتهم في الهجرة، وفق استعداد البلد المضيّف لتوفير إقامة دائمة لهم، سواء لحاجة اقتصادية في قطاعات إنتاجية، تقتضي يد عاملة زهيدة الأجر، مثل ما هو الأمر في بعض الصناعات، أو في الفلاحة، أو التجهيز، والبناء، أو لحاجة ديموغرافية، مثل ما هو الحال في بلدان مزدهرة، تعاني من تهرّم سكاني مثل؛ ألمانيا، أو لأسباب ثقافية ودينية، مثل ما هو الحال في بعض الدول، التي تقبل المهاجرين الذين ينتمون إلى نفس ديانة الأغلبية السكانية في بلدانها.

وسنهتم، في هذه الورقة، بالضربين من الهجرة، والتحدّيات التي يطرحانها أمام النظرية الليبرالية، وسنعبّر عن صيغة من حلم ليبرالي، وهو: أن يتجه عالمنا نحو انفتاح الدول والشعوب على بعضها البعض، وأن تصبح الحدود بين الدول مفتوحة، قدر الإمكان، وأن يتمتّع كل شخص، مهما كان البلد الذي ينتمي إليه، بحقّ دخول أي بلد في العالم، والاستقرار فيه، متى شاء وطاب له ذاك، وهو حلم، أيضًا، بأن لا يكون أحد في هذا العالم، مُكره على مغادرة بلده وموطنه الأصلي، لأي سبب كان؛ سواء الاضطهاد السياسي، أو العرقي، أو الديني، أو الثقافي، أو لإكراهات اقتصادية، وعدم قدرة بلده الأصلي على أن يوفّر له أسباب تحقيق الذات، والأسس الاجتماعية لاحترام الشخص.

إن ما نحلم به: هو أن تكون الهجرة طوعيّة، ولأسباب شخصيّة وذاتيّة؛ كالحاجة، مثلًا، إلى تغيير نمط العيش وأسلوب الحياة، أو لرغبة في القطع مع الرتابة وضيق الأفق في البلد الأصلي، أو سعيًا وراء فرص الكسب والتألق والإشعاع على الصعيد العالمي، أو غيرها من الأسباب الذاتية لا الموضوعية، وهذا الحلم، الذي سبق أن راود عديد المفكرين والفلاسفة الليبراليين، ليس بعزيز المنال، في نظرنا، رغم المسافة التي تفصلنا عنه، وهو يختلف عن الحلم الكوسموسياسي؛ الذي راود كانط في نص أصدره سنة 1793م، تحت عنوان "النظرية والممارسة"، اعتبر فيه أن  مسيرة البشرية صوب تحقيق غرضها الأخلاقي، تقتضي وضع دستور كوسموسياسي للشعوب، يجعل تعايش الحريات دون صدام، في إطار جمهورية كوسموسياسية، وفي كنف قانون كوني، أمرًا ممكنًا[3]. ولو توفر الإيمان بقابلية هذا الحلم الكوسموسياسي بالمواطنة العالمية على التحقق، لأخذ تداولنا، اليوم، في شأن اللجوء والهجرة، ومدى مشروعيتهما، وصواب مسوّغاتهما، منحًى مغايرًا، لذلك الذي يجري فيه[4]. غير أنه، حتى كانط نفسه، قد تراجع في نصّه اللاحق 1797م، "مشروع للسلام الدائم"، عن هذا الحلم الكوسوموسياسي، وقصر مدى الحق  الكوسموسياسي، فقط، في حقّ الزائر لبلد ما، في إكرام مثواه مدة إقامته فيه المحدودة الزمن؛ فقد تبيّن لكانط، أن من المتعذّر القفز فوق واقع الدول القومية، وتعدّديّة الجماعات السياسية في الساحة الدولية، كما تبيّن لنا اليوم، أيضًا، أن العالم كلما زاد انفتاحًا، وقويت نسق العولمة فيه، كلما تشبّث الناس بدولهم القومية، وبحدودهم الجغرافية، ورفضوا فكرة الحكومة العالمية الواحدة[5]، لذلك؛ فالحلم الذي عبّرنا عنه، يبدو لنا أكثر واقعية، من الوجهة الكوسموسياسية الليبرالية أيضًا؛ فهذا الحلم يمكن أن يندرج، ضمن ما أسماه رولز بـ (اليوطوبيا الواقعية): التي تنظر إلى الفضاء الدولي، كعالم متشكل من دول قومية، تنضوي داخلها مجتمعات وشعوب سمحة، تحترم حقوق مواطنيها، وتسود داخلها معايير العدل في توزيع الخيرات والثروات الوطنية، وتقيم علاقات فيما بينها، على أساس التعاون والاحترام المتبادل، والتضامن، والتوزيع العادل لفوائد ذاك التعاون. ورغم ما يعرفه عالمنا اليوم من حروب أهلية دامية، وانقسامات، ومآس، وتشريد، وتهجير، وصعود لقوى قومية متطرفة في البلدان الديمقراطية، التي كانت مهدًا للحلم الليبرالي الذي قدمناه، إلا أن ذلك لا يجب أن يحجب عنا ما حققته البشرية من تقدم، في سبيل عالم يعمّه السلام، ويستقبل فيه اللاجئون بدل أن يصدّوا، وتُصان فيه حقوقهم، وتحفظ فيه كرامتهم، ويُعترف فيه بحقوق المهاجرين، ولا تكون فيه الحرب والقوة، أداة للسياسة الدولية، ولا وسيلة لحلّ المشاكل السياسية الداخلية لدولة ما.

وفي هذه الورقة؛ سنتطرق، أولًا، إلى مسألة اللجوء لأسباب إنسانية، وأهميتها بالنسبة إلى الدول؛ التي ضمنت في دساتيرها، التزامًا باحترام حقوق الإنسان بمفهومها الكوني، متخذين تونس، مثالًا، على ذلك، ثم سنتطرق، في الجزء الثاني منها، إلى الاختلاف داخل النظرية الليبرالية؛ بين موقف يدافع عن الحق في الهجرة اللامشروطة، وضرورة اعتماد مبدأ الحدود المفتوحة، وبين موقف آخر ليبرالي، لكنه قومي، يرى ضرورة الاعتراف بحق الشعوب في تقييد شروط الهجرة، ودخول الأجانب إلى بلدانها. لنؤكد، في النهاية، أن الموقف الثاني: هو الذي ينسجم مع الحلم الليبرالي، الذي عبرنا عنه، ويجسم، في رأينا، فكرة اليوطوبيا الواقعية الرولزية.

مسألة اللجوء السياسي:

يمكن أن نعتبر أن مدى استعداد بلد ما، لقبول لاجئين لأسباب إنسانية على أراضيه، ومدّ يد المساعدة إليهم، مقياسًا لمدى تحضر ذلك البلد، وتوفر الشعور لدى أبنائه بوجود مصير مشترك للإنسانية[6]، ويقدّم بلدي تونس، سواء في ظل الدستور القديم لــسنة 1959م، أو في ظل الدستور الجديد لـسنة 2014م، مثالًا، على الالتزام بهذا المقتضى الدولي، ولكن، أيضًا، على الصعوبات التي يواجهها بلد يسعى نحو الديمقراطية، في تكييف قوانينه، حتى تكون منسجمة مع التزامه باحترام حقوق الإنسان، وفق مفهومها الكوني، مثلما ورد في توطئة دستوره الجديد.

لقد أقرت تونس منذ الاستقلال عن فرنسا، حق اللجوء السياسي؛ ففي أول دستور للجمهورية التونسية لسنة 1959م، ورد تنصيص واضح على ذلك، في الفصل 17؛ حيث نقرأ: "إنه يحجر تسليم اللاجئين السياسيين"، كما ورد، أيضًا، في الفصل11: "إنه يحجر تغريب المواطن عن تراب الوطن أو منعه من العودة إليه"، وفي تناغم مع دستور 1959م، ورد دستور 2014م في الفصل 26، "أن حق اللجوء السياسي مضمون، طبق ما يضبطه القانون، ويحجر تسليم المتمتعين باللجوء السياسي". أما في الفصل 26؛ فقد جاء "أنه يحجر سحب الجنسية التونسية من أي مواطن، أو تغريبه، أو تسليمه، أو منعه من العودة إلى الوطن"، وبهذا، كان دستورا الجمهورية التونسية؛ دستور 1959م، وهو: دستور البناء الوطني للدولة الحديثة. ودستور 2014م: دستور بناء الدولة الديمقراطية، منسجمين مع مقتضيات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في المادتين، الرابعة عشرة والخامسة عشرة؛ حيث نجد في المادة الرابعة عشرة، تنصيص على أن: "لكل فرد حقّ التماس ملجأ في بلدان أخرى، والتمتع به، خلاصًا من الاضطهاد"، وكذلك المادة الخامسة عشرة؛ حيث ورد الآتي:

"1- لكل فرد حق التمتع بجنسية، و2- لا يجوز، تعسّفًا، حرمان أيّ شخص من جنسيته، ولا من حقه في تغيير جنسيته".

وقد انخرطت تونس في معاهدة جنيف الدولية للاجئين، لسنة 1951م، ووقّعت عليها، وعلى البروتوكول الإضافي لسنة 1967م، وأصبحت منذ سنة 1958م؛ أي سنتين بعد الاستقلال عن فرنسا سنة 1956م، عضوًا دائمًا في الهيأة التنفيذية لبرنامج المفوضية العليا للاجئين، وقد بدأت المفوضية العليا للاجئين عملياتها في تونس، بطلب من الحكومة التونسية، سنة 1957م، لمساعدة آلاف اللاجئين الجزائريين، وفي سنة 1963م، أصبح للمفوضية العليا للاجئين، تمثيل شرفيhonoraire في تونس، تحوّل إلى تمثيل دائم وكامل، في 18 يونيو 2011م، وإثر الأزمة الليبية التي اندلعت في فبراير 2011م، عرف التعاون بين تونس والمفوضية العليا كثافة وحركية كبيرة، ورافق ذلك تعاون مع المنظمة العالمية للهجرة، التي ساندت ودعمت الجهود الكبيرة، التي قامت بها السلطات التونسية والشعب التونسي، من أجل إغاثة مئات الآلاف من الأشخاص الذين لجؤوا إلى تونس، هربًا من الحرب في ليبيا.

لكن لا يجب أن يحجب عنا ذلك، المشاكل التي لا تزال قائمة وتعترض اللاجئين في تونس؛ فمشروع قانون اللجوء لا يزال قيد الفحص على مستوى حكومي، وصفة اللاجئ لا زالت غير محدّدة بعد في تونس، وقد جلبت المفوضية العليا للاجئين، عديد المرات، أنظار الحكومات التونسية المتعاقبة، منذ 2011م، إلى ضرورة أخذ قرار سياسي حول منح حقّ الإقامة للاجئين، في انتظار قانون منظّم للجوء، دون أن يؤدي ذلك إلى حلّ للإشكاليات التي تعترض اللاجئين، مثل؛ الحصول على عمل، أو تسجيل أبنائهم في المدارس العمومية، أو السكن والإقامة، وكامل الأوراق الثبوتيّة؛ فافتقاد البلاد لقانون لجوء ومنظومة لدراسة مطالب اللجوء، يجعل مطالب اللجوء توجه إلى المفوضية في تونس، التي تتولى البحث عن حلول دائمة لهم، وتسلمهم وثيقة لا تعتبرها السلطات التونسية بطاقة هوية رسميّة، ولئن أمكن التماس الأعذار للسلطات، من جهة صعوبات المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها البلاد، وما تقتضيه من مراجعة لمجمل القوانين، حتى تكون متوائمة مع الدستور الجديد، ومن تركيز المؤسسات الدستورية المنصوص عليها بدستور 2014م، مثل؛ المجلس الأعلى للقضاء، والمحكمة الدستورية، والإعداد لتنظيم الانتخابات البلدية، ووضع التشريعات المطلوبة لإخراج البلاد من الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمرّ به، مما جعل مسألة اللجوء لا توضع في أعلى سُلّم أولويات الحكومات التونسية، إلا أنه لا يمكن نكران وجود قّصور في فهم النخب التونسية، وخاصة السياسية منها، لأهمية هذه المسألة، مما يفسح المجال للأحكام والمواقف، المسبّقة والمتحيزة، ضد اللاجئين، والمتوجسة منهم في أحيان كثيرة، خاصة، إذا أخذنا بعين الاعتبار صعوبة الوضع الأمني الذي تمرّ به البلاد[7].

ويطرح ذلك على عاتق منظمات المجتمع المدني، الناشطة في مجال حقوق الإنسان، وعلى مفوضية اللاجئين في تونس، مسؤولية كبيرة في تفسير معنى اللجوء السياسي، وفي مقاومة الأحكام، الخاطئة والمتحيّزة، ضدّ اللاجئين، والشائعة في أوساط الشعب والنخب التونسية، في نفس الوقت، ولكنه يطرح، أيضًا، على المجتمع الدولي، مسؤوليات تجاه ديمقراطية ناشئة مثل تونس، مواردها محدودة، في حين أن طلبات اللجوء إليها مرتفعة، خاصة في الأوضاع غير المستقرة، سياسيًّا وأمنيًّا، التي تعيشها جارتها ليبيا، منذ 2011م.

وتشير عديد الدراسات، إلى أن اللاجئين الذين اضطروا إلى مغادرة بلدانهم، إثر ثورات الربيع العربي، استقروا، في معظمهم، في بلدان عربية وإسلامية؛ فمن مجموع 5 ملايين من 22 مليون سوري اضطروا إلى مغادرة بلدهم، استقبلت تركيا 2.5 مليون منهم، ولبنان 1 مليون، والأردن 600 ألف، في حين لم تستقبل أوروبا إلا ما بين 400- 500 ألف[8]، وإذا أخذنا في الاعتبار ما أشارت إليه الباحثة في شؤون الهجرة (كترين ويهتول ويدين) صاحبة موسوعة أطلس للهجرات، الصادر سنة 2016م، أن معظم من غادروا تونس ومصر، قد مكثوا في البلدان العربية والإسلامية[9]؛ فإن البلدان العربية والإسلامية، مرشحة أكثر من غيرها لاستقبال العدد الوافر من اللاجئين، كلما حصلت اضطرابات سياسية في بلد عربي أو إسلامي، تهدّد سلامة مواطنيه، وهو ما يقتضي تضامنًا من المجتمع الدولي، لمساعدة البلدان المضيفة، ودعم لقدراتها اللوجستية والمادية، حتى تستطيع أن تتكفل بهذه المهمة على أحسن وجه، وأن توفر الظروف اللائقة والكفيلة بحفظ كرامة اللاجئين، كما لا يفوتنا، هنا، أن نذكّر بما يشير إليه الدارسون، من الاختلاف بين اللاجئين؛ الذين ينتقلون للاستقرار في البلدان الغربية، وأولئك الذين يفضلون الاستقرار في البلدان العربية والإسلامية، التي تكون قريبة جغرافيًّا من بلدهم الأصلي؛ فالذين يطلبون اللجوء إلى البلدان الغربية، يكونون، عمومًا، من ميسوري الحال نسبيًّا؛ إذ يمكن لهم دفع تكاليف السفر، والمقابل المالي المهم لشبكات الهجرة غير الشرعية، التي تتولى نقلهم إلى البلدان الأوروبية، ويكون لهم، في معظم الأحيان، أقارب أو أصدقاء، يساعدونهم على القدوم، ويكونون، في معظمهم أيضًا، من المتعلمين، أو من أصحاب الكفاءات؛ كأطباء، ومهندسين، ومدرسين، وقانونيين، ورجال الأعمال، مما يمثل إضافة نوعية للبلدان الغربية المستضيفة، في حين يكون اللاجئون الوافدون على بلدان الجوار، في معظمهم، من أوساط الطبقات الضعيفة اقتصاديًّا، والهشة، وذات المستوى التعليمي المحدود، وهو ما من شأنه أن يثقل أكثر، في واقع الحال، كاهل بلدان مثل؛ الأردن، ولبنان، وتونس، ومصر، وحتى تركيا تعرف موازناتها المالية صعوبات كبيرة، وتفتقر إلى الوسائل المادية لإيوائهم، لذلك؛ تطرح بشدة ضرورة الدعم المالي لهذه البلدان، من طرف المجتمع الدولي، فضلًا عن هذا، تشير الدراسات إلى أنه، على الصعيد الاتحاد الأوروبي، كانت ثمانون بالمئة من مطالب اللجوء تلبى، في السنوات السبعين من القرن المنقضي، ويتحصل المتقدمون بها على صفة لاجئ، أما اليوم؛ فـــإن ثمانين بالمئة من المطالب المقدمة إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، تواجه بالرفض، وإذا كان التعامل مع الهجرة واللجوء، طغى عليه، في تلك الفترة، منطق الاقتصاد، والحاجة إلى اليد العاملة، تدرس المطالب اليوم، وفق منطق مغاير، تغلب عليه مفردات الأمن، والقمع، والثني عن الهجرة، والردع أيضًا[10].

ولا يبدو لنا أن هذا التحوّل في الموقف الغربي تجاه الهجرة، مقترنًا بالتحوّلات التي ما فتئ يعرفها الاقتصاد الرأسمالي، فقط، واتجاهه أكثر فأكثر نحو الاعتماد على قطاعات تستخدم التكنولوجيات المتطورة، وتقتضي كفاءات إنتاجية عالية، ويد عاملة ذات مهارات جيّدة، والتخلي عن الصناعات المعتمدة على يد عاملة ذات كفاءة متدنية، وأجور منخفضة، وإنما، أيضًا، بانحسار تأثير الفكر الليبرالي في الثقافة العامة للمجتمعات الغربية، واسترجاع النزعة القومية المعادية لليبرالية لعنفوانها، ويبدو لنا هذا التراجع مرتبطًا، أيضًا، بصعوبات تجدها النظرية الليبرالية، في تسويغ موقف فلسفي، منسجم ومتناسق، حول مسألة الهجرة، وهو ما سنعمل على توضيحه في الجزء الثاني من عرضنا.

الليبرالية ومسألة الهجرة:

.ينبغي بادئ ذي بدء، أن نميّز بين الموقف الليبرالي تجاه الهجرة، والموقف الليبرتاريني، الذين، غالبًا، ما يقع الخلط بينهما، ونجد لدى الفيلسوف الليبرتاريني (ميري روثبارت) أفضل تعبير عن موقف الليبرتارينيين تجاه الهجرة، وتستخدم، في أحيان كثيرة، حججهم ضدّ الهجرة، من قبل طيف واسع من السياسيين المحافظين، والقوميين المتطرفين لرفض الداعين إلى غلق الحدود أمام المهاجرين؛ ففي نص نشره سنة 1994م، بالإنجليزية تحت عنوان "أمم عبر التوافق: تفكيك الدولة- الأمة"، يقول روثربرت: "لقد بات جليًّا، في نظري، أن بلدًا مخصخصًا كليًّا، لن تكون له، بتاتًا، حدود مفتوحة؛ فإذا كان كلّ شبر من الأرض في بلد ما، ملكًا لشخص أو لزمرة من الأشخاص، أو لاتحاد ما؛ فسيعني ذلك: أنه لن يستطيع أي مهاجر دخوله، إلا إذا سُمح له بكراء ملكيّة ما أو شرائها"[11]، من البيّن: أن هذا الموقف الليبرتاريني، أو ما يسميه أيضًا، روثبرت بالموقف الرأسمالي الفوضوي، يلتقي، في جوانب عديدة، مع الفكر القومي المحافظ لليمين السياسي؛ الذي إن قبل القليل من المهاجرين؛ فهو يشترط أن يكونوا من الأثرياء، القادرين شراء الممتلكات، وعلى توظيف الأموال في البلد المضيف، لكنه لا ينسجم مع الموقف الليبرالي؛ الذي عُرف بمناصرته، عمومًا، للهجرة، وحماسته للدفاع عن حقوق المهاجرين في سياق تصور كوني لحقوق الإنسان[12]، غير أن الموقف الليبرالي، يجد نفسه أمام صعوبة موضوعية للدفاع عن الهجرة وعن المهاجرين، لارتفاع أعبائها وتكاليفها المادية على البلد المضيّف.

إن أول الأسباب التي تجعل من الهجرة مشكلًا في البلدان الديمقراطية؛ هو أنها تفرض تكاليف وأعباء على البلد المضيف، ولا تجلب له فوائد فقط، وفي حين يؤكد علماء الاقتصاد أن نتائج حرية التنقل إيجابية، عمومًا؛ لأن وجود أسواق تنافسية للعمل، يدفع نحو الاستخدام الأكثر فاعلية للموارد المتوفرة، وينبّه بعض الدارسين إلى أن تدفّق المهاجرين، لا يفيد كلّ الدول على نحو مباشر، وعلى حدّ السواء، كما أن الأعباء والتكاليف التي يقتضيها استقبال اللاجئين، ومواءمة متطلباتهم، لا تقع على كاهل جميع مواطني الدول المضيفة، على قدم المساواة؛ إذ يتحمل آثارها بعض المواطنين، أكثر من البعض الآخر، وفق هوية المهاجرين، وتوزيعهم الجغرافي، والقطاعات الاقتصادية؛ إذ سيتنافسون فيها مع المواطنين الأصليين، في مواطن الشغل، واستخدام المرافق العمومية المتوفرة، فضلًا عن ذلك، يوجد سبب آخر يجعل الهجرة مشكلًا بالنسبة إلى الدول الديمقراطية والليبرالية، هو: أن هذه الدول، هي: دول رفاه (welfare states) بدرجات متفاوتة؛ ففي هذه المجتمعات، تُوفر الدولة أو تضمن جملة من المنافع العامّة، مثل؛ التربية، والتعليم، ومنَح البطالة، وجرايات التقاعد، والرعاية الصحيّة، وغيرها من البرامج الاجتماعية، التي تستهدف فئات مخصوصة، وتشمل هذه المنافع المهاجرين، بوصفهم مستفيدين محتملين من هذه المنافع والخدمات، حينما تقبل مطالبهم في الإقامة، لذلك؛ يتعين على كل دولة مضيفة، أن تأخذ في الاعتبار هذه الحاجات المتزايدة لتلك الخدمات والمنافع، وقدرتها على تلبية طلبات هؤلاء المهاجرين، من خلال أموال دافع الضرائب، على الأقل، أثناء المدة التي يقضيها المهاجر دون أن يموّل هذه الخدمات والمنافع العامة، ولسبب كهذا، تتردّد الكثير من الدول الليبرالية في قبول المهاجرين، خصوصًا من يعانون منهم من إعاقات، أو من يكونون من المتقدمين في السنّ؛ لعدم قدرتهم على العمل لمدة طويلة، لتغطية تكاليف الرعاية الصحية، أو الجراية عند الإحالة على التقاعد.

وتمثل الهجرة مشكلًا أيضًا، باعتبار طبيعة الدولة الحديثة؛ فالدول الديمقراطية الليبرالية الحديثة، تعامل أفرادها بوصفهم مواطنين أو وأعضاء كاملي الحقوق من الجماعة السياسية؛ فالانتماء إلى الدولة، وإلى الجماعة السياسية، يمنح حقوقًا كاملة في المواطنة، مثل؛ الانتخاب، والترشح للوظائف العامة، في حين أن التمتع بصفة "المقيم"، حتى ولو كانت دائمة، تمنح المهاجر حق الشغل، والتمتع بالخدمات الصحية، والتعليم، ومرافق دولة الرفاه، ولكن لا تحميه من الإرغام على مغادرة البلاد، ولا تعفيه من سحب صفة المقيم منه، لذلك؛ تشبه الدول الحديثة النوادي التي تمنح المنتمين إليها امتيازات، غير أنها تظل متحفظة تجاه قبول أعضاء جدد، قبل أن تتأكد من أن ذلك سيجلب لها ربحًا، أكثر مما لو أنها أصرّت على عدم قبولهم؛ فالإقامة المؤقتة، رغم الامتيازات القليلة التي تمنحها، تظل موضع توجّس من البلدان المضيفة الليبرالية؛ لأنها مجبرة على تسهيل النفاذ إلى المرافق والموارد، التي تصبح موضع تنافس بين الوافدين من المهاجرين، والسكان الأصليين.

لذلك؛ تركزت النقاشات والمجادلات الأكاديمية، حول الهجرة في الفترة الأخيرة، على السؤال حول القيود المفروضة على الهجرة، وحول مدى انسجامها مع الليبرالية، وقد برز، في هذا الصدد، موقفان داخل الفلسفة الليبرالية: 1- موقف ينادي بفتح الحدود؛ لأن تقييد حركة المهاجرين، يتضارب مع حقّ أساسي من حقوق الإنسان، وهو: حق التنقل في العالم. 2- موقف يدافع عنه قوميون ليبراليون: يرى أن تقييد الهجرة، لا يتنافى مع الليبرالية؛ لأنها ضرورية لحماية خيرات عامة، ذات أهمية بالغة لاستمرارية المجموعة، مثل؛ الثقافة القومية المشتركة، أو نظام توزيع الثروة، والموارد، والدخل القومي، بين الشركاء في الوطن. ويعكس الاختلاف بين الموقفين تجاه قضية الهجرة، التوتر القائم في صلب النظرية السياسية الليبرالية، بين وجهتين أخلاقيتين؛ الأولى: كونية، والثانية: ذات منحى خصوصي، وفي حين تشدّد الأولى على الالتزام بالمبادئ الكونية لحقوق الإنسان، ولا تمنح الحدود الجغرافية الفاصلة بين الدول، والمحدّدة للانتماء والهوية القومية للأفراد، أهمية مركزية. تشدّد الوجهة الثانية: على خصوصية كلّ شعب، وكل مجموعة قومية، وعلى حقها في السيادة على أراضيها، وتنزع إلى منح الأولوية في توزيع مزايا المواطنة على الشركاء في الوطن، ولذلك؛ تدعو إلى نظام من الهجرة، يميل إلى تقييدها، وحصر مداها في ما يتناسب مع المصالح القومية لشعب ما.

ويرى أنصار الموقف الليبرالي الأول؛ الداعم لفكرة "الحدود المفتوحة"، أن الليبرالية تناقض نفسها، حين تسوّغ موقفًا يدعو إلى إغلاق الحدود في وجه اللاجئين والمهاجرين، أو تقييد حركتهم في أنحاء العالم؛ لأن مبدئها الأساسي يتمثل في المساواة الأخلاقية بين البشر، مهما كان لونهم، أو جنسهم، أو عرقهم، أو دينهم، أو قوميتهم؛ فعلى قاعدة هذا المبدأ، طالبت الليبرالية، بوصفها فلسفة سياسية، بإقرار التزام أخلاقي، يعتبر أن كلّ كائن بشري يستحقّ الاحترام، والتقدير، والحماية ضدّ عوارض الطبيعة، وصدف المنشأ الاجتماعي على قدم المساواة مع غيره، لذلك؛ ينبغي أن تتصدى الليبرالية، في رأيهم، لكل أنواع التمييز التي تعود إلى ظروف وأسباب خارجة عن نطاق سيطرة الفرد، وتُدين كلّ معاملة تمييزية بين الناس، على أساس الانتماء القومي، وصدف المولد والتنشئة؛ فالحكومات التي تسمّي نفسها ليبرالية، تقع في التناقض، يقول هؤلاء، حينما تخصّ المهاجرين بمعاملة تمييزية، حسب البلد الأصليّ الذي أتوا منه؛ فتقبل مطالب المهاجرين من البلدان المتقدمة، في حين ترفض مطالب المهاجرين المنحدرين من بلدان نامية، وعندما تميّــز، أيضًا، بين المهاجرين، وفقًا لإمكانياتهم المادية، ومستوياتهم العلمية، ومهاراتهم، وكفاءاتهم؛ فلو أخذت هذه الدول المسلّمة الليبرالية، المساواة الأخلاقية للبشر على محمل الجدّ، لما أمكنها أن تتجاهل أن المواطنة، على اعتبارها الانتساب إلى جماعة سياسية محدّدة، تظلّ، في جوهرها، واقعة عرضيّة، وبالتالي؛ اعتباطية أخلاقيًّا، مثل؛ العرق، والجنس، والانتماء القومي.

فكارنس (Carens)، مثلًا، يقارن اعتباطية صفة المواطنة المعاصرة، من الناحية الأخلاقية، باعتباطية الامتيازات الإقطاعية للعصر الوسيط؛ إذ يقول: "تُعزى المواطنة بحكم المولد لمعظم الناس، ولا تكون موضوع تغيير بفعل الإرادة والجهود الفردية، ويكون لها أثر كبير على حظوظ الشخص في الحياة، أن يولد المرء في بلد ثريّ، مثل كندا، هو بمثابة أن يولد في طبقة النبلاء، في حين أن يولد في بلد فقير، مثل بنغلادش، هو بمثابة أن يولد في طبقة الفلاحين في العصر الوسيط"[13]؛ فلتكون الليبرالية متسقة مع نفسها، لا بدّ أن تأخذ في الاعتبار الطابع الاعتباطي للمواطنة، ما دامت تلتزم بمبدأ المساواة الأخلاقية بين البشر على الصعيد العالمي، ويذهب ذلك بكارنس إلى الدفع بضرورة أن تعوّض دول الرفاه الأشخاص الذين ولدوا في مجتمعات، ولا يتمتعون فيها بظروف مواتية لعيش لائق، عن الآثار الناجمة عن الاختلافات الأخلاقية الناتجة عن المولد، بأن تفتح حدودها للمهاجرين الراغبين في القدوم إليها، وأن تستقبلهم؛ فمطلب فتح الحدود لاستقبال المهاجرين، يهدف، إذن، إلى توسيع جماعة الأشخاص؛ الذين يمكنهم أن يتمتعوا بالمعادلة بين المساواة الأخلاقية، والمساواة السياسية على الصعيد العالمي.

مقابل هذه الوجهة في معالجة مسألة الهجرة، يرى مفكرون ليبراليون آخرون: أن مثل هذا التوسيع، لا مبرر له؛ فالمطالبة بحدود مفتوحة، حتى يشعّ العدل في العالم، تغفل، في نظرهم، الاختلاف بين المساواة الأخلاقية، بوصفها مسلّمة كونيّة، ومبدأ كليّ مطلق الصلاحية، والحاجات الشديدة الخصوصية للمساواة السياسية، التي لا تنشأ إلّا في إطار الدولة الليبرالية الديمقراطية، وبمعنى آخر؛ لا يمكن للمعادلة بين المساواة الأخلاقية، والمساواة على الصعيد السياسي، أن تتمّ إلّا داخل الدولة القومية الواحدة، لا خارج إطارها أو من دونها[14]، لذلك؛ دافع ليبراليون عن سياسات تميّــز بين ما نحن مدينون به لشركائنا في الوطن، والذين نتقاسم معهم هياكل الدولة ومؤسّساتها، والتي ينبغي أن نضمن داخلها شروط المساواة السياسية، وبين واجبنا تجاه الكائنات البشرية عمومًا، لذلك؛ تدافع هذه الوجهة عن ضرب من الأخلاقيات السياسية، ذات منزع خصوصي (particulariste)، تكون فيه الواجبات الأخلاقية مقترنة بالسياق السياسي، لا منقطعة عنه، وفق هذه الوجهة، يخضع الشركاء في الوطن إلى الأجهزة القسريّة للدولة، ويقيمون فيما بينهم علاقة خاصة داخل الدولة القومية، تجعلهم يتحملون المسؤولية في إدارة الحكم، وممارسة السلطة القسريّة للدولة، لفرض واجب المساهمة في تمويل منظومات إعادة توزيع الدخول من خلال الضرائب.

وإذا كان موطنو الدولة الليبرالية، يشاركون، على حدّ السواء، في تمويل هذه الأجهزة والمؤسسات القسرية، في حين أنه لا توجد مؤسسات مثيلة لها، على الصعيد الدولي، والوافدون على تلك البلدان، لم يساهموا، بالتالي، في تمويل تلك الأجهزة والمؤسسات، لهذا؛ فمن وجهة نظر هذه الأخلاق الخصوصية، لا يكون توسيع دائرة تطبيق مبادئ إعادة التوزيع، على النطاق الدولي، فكرة صائبة؛ إذ ليس على الدولة الليبرالية واجب إعادة توزيع مواردها، تجاه من ليسوا شركاء في الوطن، ولم يساهموا في إنتاج تلك الموارد؛ فتسويغ فتح الحدود، يقتضي حجة قوية، لصالح إرساء ضرب من الواجب في إعادة توزيع الموارد، والدخول على الصعيد الدولي، وفي نظرهم، لا تتوفر فكرة الحدود المفتوحة على حجّة مقنعة وقوية، إلى الآن، وينبغي، بالتالي، الاكتفاء على الصعيد الدولي بواجب أخلاقي، بالمعنى الواسع، نجد صيغة منه لدى كانط؛ إذ يحضّ على تقديم المساعدة للكائنات البشرية، التي تعاني من ظروف تنعدم فيها مقوّمات العيش الكريم، ولكنه لا يفرض واجبات قاطعة[15]؛ فمبدأ المساواة في الحظوظ والفرص، الذي صاغه رولز، لا ينطبق، في رأيهم، إلا على الدولة القومية، وليس على الصعيد الدولي، وهو ما سبق وأن أكّد عليه رولز مرات عديدة، حين شدّد على أن مبادئ العدالة التي صاغها في كتابه "نظرية في العدالة"، لا تطبّق إلا على الصعيد الداخلي لدولة قومية ما، لا على صعيد العالم برمّته[16]؛ فالدول الليبرالية ملزمة، على الصعيد الدولي، في نظره، بواجب المساعدة الإنسانية تجاه الشعوب الأخرى، وليست ملزمة بواجبات إعادة توزيع الثروة والموارد تجاههم، لذلك؛ نقد رولز الحجج التي قدمها بعض طلبته، أمثال: شارل بايتز، وطوماس بوجي، للدفاع عن تطبيق دولي لمبدأ المساواة في الحظوظ بين البشر، مهما كانت انتماءاتهم القومية، واعتبرها حججًا كوسموسياسية، لا تصمد أمام الفحص المتأني[17].

ومن جهة ثانية؛ ترى الليبرالية القومية، التي يدافع عنها رولز: أن المساواة العالمية في الحظوظ، يصعب قبولها؛ لوجود مبدأ ليبرالي آخر، ينتج بدوره عن مبدأ المساواة الأخلاقية، ويفرض احترام التقاليد والثقافات غير الليبرالية؛ فرولز ينبهنا إلى أننا ننزلق، أحيانًا كثيرة، نحو فرض مبادئنا الليبرالية ومعاييرنا الأخلاقية، على المجتمعات التي لا تشاطرها، عندما نعتمد مبدأ المساواة العالمية في الحظوظ، في حين أن المنظومة الليبرالية، لا بُدّ أن تحترم الاختلاف بين المجتمعات المتعدّدة، وأن تكتفي بمبدأ المساعدة المتبادلة، كمبدأ وحيد ندافع عنه على الصعيد الدولي، وسيكون، في نظره، الدفاع عن حق كوني في الهجرة، تعدٍّ على حق شعب ذي سيادة في امتلاك مجاله الجغرافي، وبسط نفوذه عليه، لذلك؛ يقول متحدثًا عن الحق في الهجرة: "تسمح المجتمعات الليبرالية، مع مراعاة شروط معيّنة، بهذا الحق، وقد يثار اعتراض بأن هذا الحق في الهجرة، لن يكون له معنى، دون الحق في القبول في مكان ما كمهاجر، ولكن الكثير من الحقوق، وليس هذا الحق فقط ، تحتاج إلى عنصر مكمّل، ولنضرب أمثلة أخرى: الحق في الزواج، وفي أن يدعو المرء أناسًا إلى بيته، أو حتى أن يعطي وعدًا، ولكي يتحقق أي من هذه الحقوق، يتطلب الأمر طرفين"[18]؛ فليس هناك، إذن، حق مطلق في الهجرة، بالنسبة إلى رولز، كما تدافع عن ذلك أطروحة الحدود المفتوحة، ويحق للبلدان الليبرالية، في رأيه، أن تضع شروطًا معقولة لقبول المهاجرين، وهو ما ينسجم، في نظره، مع مبادئ قانون الشعوب التي صاغها في هذا الكتاب.


[1] نص المداخلة التي قدمت في الندوة المصغرة، التي نظمتها مؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، في صالون جدل بالرباط؛ 26 نوفمبر 2016م، حول موضوع (اللجوء  الإشكالات والتحديات).

[2] Kukathas, Ch. "The Case for open Immigration" in Contemporary Debates in Applied Ethics, Ed. by Cohen,A.I. & Wellman, Ch. H. UK.: Blackwell Publishing, 2005, p p 207-228.

[3] تعتبر الفيلسوفة الأمريكية (مارتا نوسباووم) من المدافعات البارزات عن اليبرالية الكوسموسياسية، من وجهة نظر المواطنة الكونية، التي دافع عنها الرواقيون،  وتنتقد، في هذا المجال، تخلي كانط عن المثل الأعلى الكوسموسياسي، متأثرًا بالفيلسوف الروماني شيشرون، الذي دفعته حميته الجمهورانية، إلى التخلي عن إحدى الأفكار الهامة في الفكر السياسي الرواقي. حول هذه النقطة يراجع:

Nussbaum, M. "Duties of Justice , Duties of Material Aid: Cicero’s Problematic Legacy", in The Journal of Political Philosophy , vol. 8,n° 2, 2000,pp. 176-206

[4] Kant, E. Théorie et pratique, trad. L. Ferry, in Œuvres philosophiques de Kant ,II, Bibliothèque de la Pléiade p. 297 sq.

نعرف أن كانط قد تخلى عن هذه الفكرة، وجعل الحق الكوسموسياسي متمثلًا، فقط، في حق الزيارة أو الضيافة الكونية، ويعرف ذلك الحق في كتاب "مشروع للسلام الدائم"، كما يلي: "حق النزيل الأجنبي، من حيث التشريع العالمي، مقصور على إكرام مثواه". مشروع للسلام الدائم، ترجمة: عثمان أمين، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1952م، ص 60.

[5] المصدر السابق، ص ص 51- 52.

[6] وتجدر الإشارة، أيضًا، إلى أن مناصري الحدود المقيدة، والتحكم في الهجرة، يعترفون للاجئين في الحق في الهجرة، والإقامة في أي بلد يرون أنه يقيهم شر  الاضطهاد الذي يعانونه في بلدهم الأصلي، غير أن معاهدة الأمم المتحدة حول شروط منح صفة اللاجئ، تعتمد تعريفًا ضيقًا جدًّا، يشمل، فقط، من ثبت تعرضهم للاضطهاد، بسبب انتمائهم العرقي، أو الديني، أو الاجتماعي، أو بسبب آرائهم أو أفكارهم السياسية، أما من يغادرون مواطنهم هربًا من الحرب، أو الجوائح والكوارث الطبيعية، أو المجاعة؛ فلا يعدّون وفق هذا التعريف من اللاجئين، رغم أنهم من الحالات الإنسانية التي تستحق الغوث والنجدة، ولكن إقرار ذلك والاعتراف لهذا الضرب من المهاجرين بحق اللجوء، لا يمكن، أيضًا، أن يستثني اللاجئين بسبب الجوائح والكوارث الطبيعية، وهو ما من شأنه أن يقلص الهوة الفاصلة بين اللاجئ والمهاجر لأسباب اقتصادية؛ إذ إن كلًّا منهما، يكافح من أجل حياة أفضل. في هذه النقطة، يراجع: كوكثاس، مرجع سبق ذكره، ص 2217.

[7] نحن مدينون بهذه المعلومات، وبالعمل التوثيقي في هذه المسائل، إلى أمين بن خالد؛ المختص في القانون العام، والباحث في مرحلة إعداد دكتوراه حول علم  اجتماع القانون، ونتوجه له بجزيل الشكر على تعاونه.

[8] De Wenden, C.W. «Et si l’on ouvrait les frontières ? », in L’Histoire, n° 73, 3. Oct. Dec. 2016, p p 8- 14.

[9] المصدر السابق.

[10] Jeager, G. A. L’immigration, faut-il avoir peur de l’avenir ?, Paris: Eyrolles 2016, p.16-17.

[11] Rothbard, M. « Des nations par consentement: la décomposition de l’Etat-nation» In Les nationalismes, ss. direct. Beasrtschi, B. & Kivin,M. Paris: PUF, 2002, p p 227- 239.,هنا الص. 2355 (من ترجمتنا)

[12] حول التمييز بين الليبرتارينية والليبرالية، يراجع: كتاب كيمليشكا ويل، مدخل إلى الفلسفة السياسية المعاصرة، تونس، دار سيناترا للنشر، 2010م، الفصل 4.

[13] J. Carens, "Migration and Morality: A liberal egalitarian perspective" in Free Movement, Ethical Issues in the transnational migration of people and money, Ed. by Barry, B. & Goodin, R. Pan.: Pennsylvania University Press, 1992, p p 25- 47. هنا الصفحة 26 (من ترجمتنا)

[14] نجد دفاعًا عن هذا الموقف لدى بول كوليير، في كتاب الهجرة، كيف تؤثر في عالمنا؟ ترجمة: عالم المعرفة، الكويت، 2016م. يراجع، هنا، خاصة الفصل 11. ونجد دفاعًا عن موقف شبيه لدى

Miller, D. National Responsibility and Global Justice, Oxford University Press 2007, espc. Chap. 8

[15] كانط، من كتاب "ميتافيزيقا الأخلاق"، الطبعة الفرنسية، ترجمة: ألان رونو، منشورات دار فلامريون 1994م، يراجع الجزء 2، نظرية الفضيلة، المدخل، القطع 7، واجبات الإيتيقا ذات إلزام غير قاطع، في حين أن واجبات القانون ذات إلزام قاطع. وأيضًا، في الواجبات تجاه الآخرين، باعتبارهم مجرد بشر، الفقرات 26- 27- 28- 29- 30- 31 من واجب الإحسان (bienfaisance)، واجب حب الإنسانية، وواجب العطف، ..إلخ.

[16] رولز، ج. قانون الشعوب، ترجمة: محمد خليل، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 2007 م، ص ص 156-158.

[17] المصدر نفسه، يراجع: الفصل 16.

[18] رولز، المصدر نفسه، ص 124، الهامش 15.

المصدر: http://www.mominoun.com/articles/%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D...

 

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك