قراءة في كتاب: نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم للأستاذ الدكتور عز الدين عناية

قراءة في كتاب: نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم للأستاذ الدكتور عز الدين عناية

د. محسن العوني

تدنّي إلمامنا بالمسيحيّة في الثقافة العربية الراهنة عائد لافتقاد علم كنسيّ أو علم مسيحيات .. المثاقفة الدينية لدينا محدودة ومفتقرة لسند الرصد المعرفيّ أو التعاون العلمي الحقيقي ..

غياب المتابعة المعرفية من الجانب العربي للمسيحية داخل العالم العربي وخارجه خلّف لدينا قصورا في الوعي بالغرب .. المسيحية في البلاد العربية قضية إشكالية غير أن الفكر الخامل يصوّر المسألة قضيّة مسوّاة ومحسومة ..
تفريط الثقافة العربية الحديثة في تطوير مباحث علم الأديان خلق وهنا في العقل عند التعامل مع هذه المسائل ونظائرها ..
إن كانت إشكالية المسيحية العربية اليوم بالأساس على صلة بالضمور الحضاري ..فإن إشكالية المسيحية الغربية تتلخّص بالأساس في أزمة المعنى ..
أصدر الباحث والأكاديمي التونسي الدكتور "عزالدين عناية" الأستاذ بجامعة لاسابيينسا في روما كتابا تحت عنوان "نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم" عن دار توبقال للنشر بالمغرب في طبعته الأولى 2010.. إصدار جاء يـُلقي الضوء ويوجه الأنظار ويطرح تساؤلات حول فهمنا ووعينا بحقيقة وواقع المسيحية في العالم العربي وفي العالم.. مسيحية ظلت لزمن طويل محلّ اختزال والتباس ونقص معرفة وضعف وعي وغفلة عن كافة تطوراتها وأنشطتها ونفوذها وتأثيرها.. وقد كتب الأستاذ الباحث الدكتور عزالدين عناية تمهيدا جيدا للكتاب وضع القارئ من خلاله في إطار الموضوع محل الدرس وضمن سياقه وفي عمق المسائل التي سيتناولها بالتحليل والتساؤلات التي سيعمّق البحث فيها.. فأشار إلى أن الفهم السائد في الثقافة العربيّة والذي يختزل المسيحية في كونها رسالة روحيّة يعوزها الجانب الدنيوي كما يختزل الكنيسة في كونها مؤسسة كهنوتية مغتربة.. فهم مجانب للصواب ولواقع الحال معتبرا ذلك حصرا مخلا ّ ومشوّها يغمط الموضوع حقـــّه.. فالمسيحيّة ديانة شاملة والكنيسة الناطقة باسمها مؤسسة مركـّبة إلى حدّ لا نجد له نظيرا في ديانات أخرى ويـُرجع الأستاذ الباحث تدني إلمامنا بالمسيحية في الثقافة العربية الرّاهنة إلى افتقاد ما أطلق عليه علم كنسي أو علم مسيحيات يسمح بتجاوز المقولات الكلاسيكية بخصوص حضور النصارى في المجتمع الإسلامي وغياب قراءة مستجدّة للمسيحية ضمن تحوّلات التاريخ الحديث ومحدوديّة المثاقفة الدّينية وافتقارها لسند الرّصد المعرفي أو التعاون العلمي الحقيقي.. أما المسيحية خارج العالم العربي فهي غائبة عن المتابعة المعرفيّة من الجانب العربي سواء من المسلم أو المسيحي.. وقد أشار الأستاذ الباحث إلى زيف مقولة أن الغرب ماديّ ودهريّ وأنه خلع عباءة الدين منذ دخوله عصر الحداثة.. وأكد محوريّة الكنيسة في الغرب.. ورغم محوريتها تلك فهي مازالت غائبة بشكل شبه كليّ في الذاكرة العربيّة وهو يشير إلى أنّ المسيحيّة في البلاد العربيّة قضية إشكالية وإن كان ما يدعوه بالفكر الخامل يصوّر المسألة وكأنها قضية محسومة ومفروغ منها نتيجة التعامل معها بأدوات بالية تحول دون الإحاطة بالتطورات التي شهدتها هذه الديانة وأتباعها.. كما أشار إلى الارتباطات اللاهوتيّة بين المسيحيّة العربيّة المحلية والكنائس الخارجيّة التي استظلت بها المسيحيّة العربيّة طلبا للنصرة.. وقضيّة الولاء والانتماء في وقت لم تتوقف فيه المسيحيّة الخارجيّة عن توظيف المسيحيّة الداخليّة بغرض اختراق البناء الحضاري العربي بدعوى الحماية والرّعاية لإخوة الدّين..ويشير إلى عنصر اتصال العرب بمسيحيّة وافدة بعضها رافق المستعمر وغيرها سبقه أو تلاه.. وهو عنصر ساهم في إذكاء الجدل الداخلي.. كما كان حضور العنصر الدّخيل جنب العنصر الأصيل مدعاة لحصول مستجدات حوّلت المسيحيّة إلى مسيحيّات وتفريط الثقافة العربيّة الحديثة في تطوير مباحث علم الأديان ساهم في تكريس إشكالية الموضوع المسيحي وعلاقتنا به وخلق وهنا في العقل عند التعامل مع هذه المواضيع ونظائرها.. كما أن الإهمال الذي عرفته هذه الدّيانة ألجأ المسلم والمسيحيّ على السّواء إلى استيراد وعيه وإحصاءاته ومعطياته ومراجعه عن هذه الكنائس من الخارج مما أشاع تشوّشا في الرؤية والتعامل مع الموضوع.. وقد بيّن الأستاذ الباحث أن الكتاب مجموعة من الدّراسات يربط بينها خيط ناسج أساسه التأمل في مسارات حضور المسيحية في عالم اليوم داخل العالم العربي وخارجه والتأمل في طبيعة علاقتنا بالمسيحيّة .. وعنوان الكتاب "نحن والمسيحيّة" يروم الكشف عمّا يتوارى خلف المعلومة العامة أو القراءة التي لا تزال مكتفية بمعارفنا الموروثة عن المسيحيّة دونما شعور بالحاجة إلى اعتماد معارف حديثة مستقاة من المصادر المسيحية المعاصرة نفسها ومن الثقافات المحيطة بها.. وصار من الطبيعي ّ أن تختلف إشكاليات مسيحيّة بلاد العرب عن إشكاليات مسيحيّة بلاد الغرب بعد أن صارت المسيحيّة مسيحيّات وبعد أن فقدت المسيحيّة العربيّة في جانب كبير منها استقلاليتها اللاهوتية والمصيريّة.. يشير الأستاذ الباحث إلى أن الكتاب لا يزعـم إقرار موقف عقائديّ من المسيحيّة بل يتطلع لترشيد مسارات وعينا بالمسيحيّة العربيّة وبالمسيحيّة الوافدة ضمن الحثّ على قراءة التاريخ والإلمام بالحراك الدينيّ.. وهو يطرح تساؤلات في الصميم..
- أية هويّة للمسيحيّة العربية اليوم في ظل الضغوطات التاريخية المتراكمة؟
- ضمن أية شهادة اجتماعيّة تحاول المسيحيّة الخارجيّة الحضور في البلاد العربيّة وتاريخها مثقل بالانتهاكات والتورط مع الآلة الاستعمارية؟
يؤكد الأستاذ الباحث أن الكتاب يهدف إلى الإمساك بتلك العناصر في تداخلاتها الداخليّة والخارجيّة سواء من ناحية المسيحيّة العربيّة أو من ناحية الكنيسة الغربيّة أو في إطلالة هذه الأخيرة على الشرائح المسلمة.. فالمسيحيّة تخضع بالأساس إلى مرجعيّة دينيّة واحدة لكن نقاطا شتى تفرّق بينهما برغم المشترك الدّيني الذي يربط المسيحيّ العربيّ بالمسيحيّ الغربيّ.. فإن كانت إشكالية المسيحيّة العربيّة اليوم بالأساس على صلة بالضمور الحضاري.. فإن إشكالية المسيحية الغربيّة تتلخص بالأساس في أزمة المعنى.. وأمام هذه الأوضاع يظل المطلب ملحّا في تطوير مناهج حداثية تلائم التحوّلات الدّينية المتفاعلة في واقعنا وفي العالم.. ويخلص الأستاذ الباحث الدكتور عز الدين عناية إلى أن المسيحيّة العربيّة تبدّلت كثيرا وطرأت عليها عدّة مستجدات كما تبدّلت المسيحيّة الغربيّة أيضا حيث تحاصر لاهوتها أزمة معنى وأزمة رهبنة وأزمة إيمان وهي قضايا عويصة ورغم ذلك ثمة خشية في بعض الأوساط الإسلامية والمسيحيّة أيضا من كنائس غربيّة تصرّ على تصدير بشارتها نحو الخارج هروبا من أزماتها بعد أن عجزت عن معالجتها في الدّاخل ولن نعي هذه التحديات المطروحة الآن إلا بتجديد مقاربتنا للمسيحية بوجهيها الداخلي والخارجي من أجل إرساء تعميق معرفتنا بها ثم من أجل حوار علميّ يفتح أفقنا على حياة من التفاهم والحرّية.. رسالة الكتاب باتت واضحة: تبدّلت المسيحيّة العربيّة كثيرا.. كما تبدّلت المسيحيّة الغربيّة.. فلا بدّ – والحالة تلك- أن نغيّر موقفنا لننتج قراءة مستجدّة للمسيحيّة ضمن تحوّلات التـاريخ الحديث من أجل تجاوز حالة قصور الوعي بالغرب ولعلّ ذلك داخل في دلالة قوله تعالى:"إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم"11 الرّعد.
أذكر في هذا السياق تلك الدعوة الصادرة عن الأستاذ عبد المجيد الشرفي إلى الاهتمام بالديانات الأخرى والانفتاح على نصوصها وعلى علومها:"لا نكون مغالين إن قلنا إنه لا غنى للمتكلمين اليوم إن أرادوا ضمان قدر أدنى من المصداقية ومواكبة الفكر الحديث من أن يأخذوا نتائج التحليل والمقارنة مأخذ الجد وأن ينطلقوا منها لشرح معانيها الدينية للمؤمنين وهذا ما نحسب المفكرين المسلمين من أمثال الجاحظ والنوبختي والعامري وعبد الجبار والبيروني وابن حزم قد حققوه حسب ما وصلت إليه المعرفة في عصرهم في عهد ازدهار الثقافة والحضارة الإسلاميتين حين اهتموا بالملل والنحل وديانات اليهود والنصارى والمانوية والصابئة والمجوس والهنود وغيرهم واطلعوا اطلاعا مباشرا على كتبهم المقدسة، وما نقدّر أن الفكر الإسلامي الحديث مقصّر فيه تقصيرا خطيرا"*.
يشتمل الكتاب على عشرة فصول في كل فصل مباحث مرقــّمة وبعض المباحث قسّمت بدورها إلى مسائل جزئية..
الفصل الأول / المسيحيّة العربيّة: تشظي الهوّية
الفصل الثاني / الحضور المسيحي في المغرب العربي
الفصل الثالث / سياسية الكنيسة في المغرب العربي
الفصل الرابع / واقع المسيحيّة في الثقافة الإسلاميّة
الفصل الخامس / أوجه من أزمة العقل الدّيني الغربي
الفصل السادس / مسارات تأويل الدّين في المسيحيّة
الفصل السابع / الفاتيكان مآزق الرّاهن
الفصل الثامن / المسيحيّة ومنطق السّوق
الفصل التاسع / تطورات في المشهد المسيحيّ
الفصل العاشر / إشكالية النصوص المنحولة
كما وضع الأستاذ الباحث في نهاية الكتاب فهرست المصطلحات المسيحية الواردة في عمله تيسيرا لضبط معانيها وفهمها وقد أشار إلى ذلك في هامش التمهيد.

• تجديد المقاربة العربيّة:
نبّه الأستاذ الباحث في الفصل الأول ضمن المبحث المذكور أعلاه إلى إسقاطات تعميميّة جمّة في الفكر العربيّ عند الحديث عن المسيحيّة .. مثل حشر المسيحيّة العربيّة ضمن تاريخ الكنيسة الغربيّة أو بشكل أدقّ ضمن تاريخ الكنيسة الكاثوليكية التي انتهكت كرامة الإنسان وفكره في عديد المناسبات والحال أن المسيحية العربية لم تعرف طيلة تاريخيها تلك الممارسات ومن الخطأ تحميلها ما لم تفعله.. كذلك واقع تسطيح التجربة المسيحيّة داخل التاريخ العربيّ والإسلامي.. وغياب التمييز بين الحدود الفاصلة بين القدح الدّيني والتهجّم الملــّي من ناحية والمقاربة العلميّة والنقديّة من ناحية أخرى.. الذي أدى إلى قلـــّة الكتابات العربيّة في موضوع المسيحيّة والأناجيل والرّسائل كمّا وكيفا مقارنة بما كتب عن اليهوديّة وإن كان هو أيضا يغلب عليه الطابع الذاتي لا العلمي.. مما فتح الباب أمام طروحات غير واقعية في الفكر العربي الحديث تعيد أساطير وانحرافات شائعة منها أن المسيحيّة ديانة قلبيّة وروحيّة وغير واقعيّة وأشار إلى ضرورة تمييز العديد من الأمور المتعلــّقة بالتراث الدّيني للمنطقة بكافة طبقاته ومراحله ونوافذه ولا ينبغي أن تحشر العملية ظلما وبهتانا مع الممارسات التبشيريّة الخارجيّة.. فلكم عانت المسيحيّة العربيّة من هذا المزج والضمّ.. يقول "التخوّفات السّائدة والمغالطات الشائعة خلفتها بالأساس تدخلات دوائر دينيّة غربيّة أحجمت كثيرا عن التعامل التلقائي. ولذا لا بد من التمييز بين المسيحيّة المحلية والمسيحيّة الوافدة. فما يبدو جليا هو أن هناك طرحا مغلوطا للعديد من المسائل. فالتكتلات المسيحيّة العربيّة لا تعيش تناقضا مع تراثها وواقعها بل ما تعيشه حقا هو جزء من معاناة شاملة تثقل كاهل كافة شرائح المجتمع وتلوناته جراء تدني المفهوم المواطني والمجتمع المدني. وإن استخلاق مخاوف المسيحية العربيّة من التيارات الإسلامية أو من دواعي تطبيق الشريعة أو من الاضطهاد العــُروبي الإسلامي لا يعني سوى تغييب مطلب الديمقراطية الاجتماعية والسياسية التي يحتاجها الجميع" .
كما أشار الأستاذ الباحث إلى ضرورة تجديد المقولات اللاهوتية التأصيلية المتعلقة بمفهوم الأبوّة والولادة والبُنوّة.. ذلك أن حمل التجسيد المسيحيّ على معنى تجليّ كلام الله لا يفقر العقيدة المسيحيّة أو ينزع عنها خصوصيتها بل يضعها في موازاة الانسجام مع عقيدة التنزيل القرآني.

• مستقبل المسيحيّة العربيّة:
أشار الأستاذ الباحث ضمن الفصل الأول وفي المبحث المذكور أعلاه أن ارتباط أتباع المسيحية في البلاد العربية لاهوتيا بالكنيسة الغربية أدى إلى تكثيف العمل لإضعاف الأواصر التي تربطهم بالحضارة العربية والإسلاميّة كما جعل الإغراءات تشتد لإلحاقها خدمة وولاء وتبعية بالكنيسة الغربية وتزامن ذلك مع حالة الضعف الذي دبّ في الكيان الحضاري العربي الإسلامي وبعد أن كان يطلق عليهم مسيحيو البلاد العربية صاروا مسيحيو الشرق.. وتوزعت كنائس الشرق طرائق قددا.. آشورية وكلدانية وسريانة وفينيقية وقبطية ..إلا أن تكون عربية ..وصارت العناوين التي تعقد تحتها المؤتمرات واللّقاءات في الغرب بشأن مناصرة المسيحية "المستضعفة" تحت مسمّى "مسيحيو الشرق" التي حلّت محلّ "المسيحية العربية" ..وغالبا ما تنتهي تلك اللقاءات إلى تصوير المسيحيين في الشرق كبش فداء واتهام الإسلام أولا والعرب والمسلمين ثانيا ..يؤكد الأستاذ الباحث أن المحنة الأساسية للمسيحية العربية متأتية من هؤلاء الذين يدّعون حمايتها والوصاية عليها والاعتراف بذلك يتطلّب شجاعة روحية في مستوى صدق السيد المسيح في حادثة: "من كان بلا خطيئة فليرمها بحجر".
الهجرة المسيحية نحو الغرب مخطط لها من جهات غربية معروفة ولها نتائج كارثية لا مجرّد آثار سلبية.. وذلك مما يقدّم صورة غير حقيقية وسلبية عن الإسلام بأنه يرفض الآخر ولا يحترمه بالتالي فإن الغرب سيعامل المسلمين بمقتضى ذلك ويعطي لنفسه الحق في رفضهم وعدم التسامح معهم.. إن كان لهجرة المسحيين نحو الغرب أسبابا اقتصادية واجتماعية ونفسية وسياسية وبحث عن فرص جديدة.. فهي أسباب غير خاصة بالمسيحيين بل تشمل الجميع مسلمين ومسيحيين.. والوجود المسيحي ليس طارئا في الشرق.. فهم مياهه وأرضه وترابه.. توجد كنيسة صغيرة في حوران تعود إلى ما قبل ولادة الإسلام وقبل بعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.. يقول "عندما يتحدث الغربيون عن المسيحية العربية التي ينعتونها بالشرقية نافين عنها خاصياتها العربية وبعدها الحضاري الإسلامي.. غالبا ما يكرّرون الحديث عن المسيحيين العرب بصفتهم شعلة المدنية والتقدم واللائكية والتسامح في غابة من المسلمين المتخلفين والجهلة ولمن له دراية بما كانت عليه شروط دخول مدارس المبشرين في بلدان المشرق في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين يعرف لم كان قصب السبق في التعرّف على الغرب والانفتاح عليه وعلى لغاته للإخوة المسيحيين . ولكن ذلك السبق بدأ يتلاشى مع بداية عودة الأمور إلى نصابها فقد جرت في النهر مياه كثيرة. كان الحصار العلمي المضروب على العرب المسلمين حينها وراء رواج أسطورة أن الحداثة العربية تمرّ عبر قناة المسيحيين العرب ولكننا كمسلمين ومسيحيين همّنا واحد وأملنا واحد ..... وحديثي ليس دعوة تحض المسيحيين العرب على أن يقطعوا صلاتهم بإخوانهم في الدين من الغربيين وغير الغربيين بل ما أودّ قوله هو أن المسيحي العربي ينبغي أن لا يهوّن من شأن نفسه فهو الوريث المباشر للمسيح قبل أن تتأورب المسيحية. فقرية معلولا الآرامية بسوريا شاهدة لسانا وعبادا على أن أهاليها أقرب من الفاتيكان نسبا إلى المسيح حتى ولو تكاثرت الكنائس وضجت النواقيس في روما إذ واقع السوسيولوجيا الدينية في الغرب يخبر أن "الكنائس خاوية والساحات ملأى". ستتوارى المسيحية من أرض العرب إن تواصل النزيف على ما هو عليه، بربط مصائر المسيحيين بالخارج والأمر ليس رجما بالغيب بل تـُبينه وقائع السائد والإحصائيات لذا لا بد أن يعيي المسيحي العربي قبل المسلم هذه الفاجعة الداهمة. ففي اليوم الذي يتماهى فيه المسيحي العربي مع حضارته العربية الإسلامية ستبدأ الصحوة الوجودية والانبعاثة الحقيقية للمسيحية العربية".

• يمنى القديس أوغسطين العائدة:
في الفصل الثاني وضمن المبحث المذكور أعلاه وفي سياق حديث الأستاذ الباحث عن سعي الكنيسة الحديثة الوافدة مع الاستعمار إلى بعث وإحياء الريادة المسيحية في الغرب الإسلامي.. ذكر واقعة مثقلة بالرموز والدلالات وهي مبادرة المونسنيور ديبيش Dupuch بعد تعيينه أسقفا في الجزائر سنة 1838 م على إثر احتلال البلد بإذابة وصهر قطع برونز مدافع تركية متبقية وتحويلها إلى تمثال للقديس أوغسطين وعمد إلى استجلاب بعض رفاته متمثلا في يده اليمنى وانطلقت عملية ترحيل هذه اليد في 12 أكتوبر 1842 من مدينة بادوا الإيطالية وطافت عدّة أبرشيات أوروبية كانت فيها محلّ حفاوة من الكاثوليك وفي طورينو خرج لتشييعها الملك كارلو ألبارتو لتستلم البقايا البحرية الفرنسية في الجزائر وتحط الرّحال في مدينة عنابة في الثالث من نوفمبر حيث أقيم حفل بهيج عقده والي المدينة الفرنسي ورجالات الكنيسة وكانت إعادة بعض رفات القديس أوغسطين تحديا لاعتقادات الأهالي فيما لم تكن العملية ذات قيمة إلا لدى الأجانب وكنيستهم.

• بوادر استراتيجيا جديدة:
في الفصل الثالث أيضا وضمن المبحث المذكور أعلاه أشار الأستاذ الباحث إلى محاولة الكنيسة الوافدة في بلدان المغرب العربي عرض رسالتها حاليا تحت مبرّر الشهادة الاجتماعية رغم إخفاقها في سالف عهدها في شرعنة حضروها في المنطقة نظرا للتلاحم بين الكنسية والاستعمار في المخيال الشعبي وهو ما حدّ من توغلها في الأوساط الاجتماعية.. ذكر الاستاذ الباحث استناد الكنيسة في تبرير حضورها على ادعاء يتلخص في أن المنطقة تابعة تاريخيا لحيز المسيحية الرّومانية والحقيقة أن شمال إفريقيا لم يتنكر لماضيه المسيحي، فقد كان معقلا من معاقل هذا الدين الجليل حيث حمل عدّة بابوات إلى سدّة البابوية أمثال فيكتور الأول (بابويته ما بين 189 - 199 م) وجيلاز الأول (بابويته ما بين 492 – 496 م) وقدّم قوافل الشهداء والعلماء.. بيد أن ما يجحده القساوسة هو التطور العقدي الذي مرّت به المنطقة من الديانات البدائية إلى التوحيد الخالص مع العقيدة الإسلامية.. ويشير الباحث إلى أن حقبة الاستقلالات فرضت على الكنيسة سياسة جديدة هيمن فيها التعامل مع المغرب العربي ضمن معطيين أحدهما براغماتي والآخر استراتيجي.. يتمثل الأول في التسليم على مضض بهيمنة الإسلام والطابع العروبي للمنطقة والثاني في مواصلة نقض تلك البنية الحضارية الموسومة بسمة الغزو مما يحوّل الإسلام والبعد العربي إلى دخيلين وطارئين أملا في العودة بالمنطقة إلى فترة ما قبل الفتح الإسلامي.. هذا الطرح نجده متطورا بالأساس مع أسقف الجزائر السابق هنري تسيي Henri Tessier الذي كانت له مداخلة لافتة شارك بها في ندوة نظمها معهد الدراسات الأوغسطية بباريس بتاريخ 13 مارس 2003 تحت عنوان "أوغسطين، المتوسط، أوروبا . الجذور الإفريقية للمسيحية اللاتينية" مداخلة اختتمها بعبارة لجون كلود أسلن Jean-Claude Eslin "من وجهة نظرنا، عمل أوغسطين يرتكز على قدرته أن يصنع من خلال نتاج يضم أكثر من تسعين كتابا وكتيّبا تمفصلا مستحدثا لم يُسبق إليه بين عالم العصور القديمة والعالم المسيحي الذي يعطيه شكلا جديدا.. بهذا المعنى يمثل أوغسطين أول رجل غربي، أول رجل حديث، لأنه أول من جرّب وحاول ذلك التمفصل بعبارة معقولة فلسفيا وواضحة جلية ولأنه فعلها قدّم لوجهة نظرنا وحساسيتنا نموذجا مجسما لقرون بالنسبة للإمبراطورية الرومانية كذلك بالنسبة لمسيحية الشرق وبالنسبة لاستقرار قيم هذا العالم وقيم الرجل القديم الواثق من نفسه في ظروف غير مستقرّة. إنه يسجل قطيعة.. إنه يمثل اللحظة التأسيسية فيما يشيده.. لحظة القلق الغربي.. أشاع حالة عدم استقرار بنــّاءة (في السياسة وفي المسائل الجنسية) دينامية لم تهدأ ولم تسكن بعد خمسة عشر قرنا.. أوغسطين هو قلق الفكر حتى وهو في عقر المرفأ الذي كان يبحث عنه". وعبارة لدومينيك دوكورسال Dominique de Courcelles " لم يقابل نتاج كاتب مسيحيّ باللغة اللاتينية في أوروبا المسيحية بمثل الإعجاب والإكبار والانشغال الذي قوبل به نتاج أوغسطين ولا عرف مجدا كمجده".
ويعلق تيسيي على مقولة دومينيك دو كورسال قائلا: "مع وعيه أنه بصدد الحديث بعبارته الخاصة عن "بربري مسيحي" يطلق على عمله عنوان "أوغسطين أو نبوغ أوروبا" وهذا النبوغ كان نوميديا من الإمبراطورية الرومانية.. يا له من انتقال للحكمة من جنوب المتوسط إلى شماله!".

• الجزائر وتحديات الأنجلة:
في الفصل الثالث وضمن المبحث المذكور أعلاه أشار الأستاذ الباحث إلى أن الحديث عن التنصّر والتــّنصير فيه إثارة لمواضيع شائكة وفي غاية التداخل وذات صلة بالحرية الدينية والهوية الجماعية وبمشروعية تنافس الأديان الرمزي والعقدي ويؤكد على ضرورة التفريق بين مفهومي التــّنصير والتـــنصّر.. لأنه الأول مصطنع مفتعل وموجه يخضع لما هو مسموح وغير مسموح به قانونيا وعــُرفيا أما الثاني فهو اختيار وقناعة ومندرج تحت باب الحرية الدينية المنصوص عليها قانونيا.. وقد جاء ضمن هذا المبحث:"إن أحد الجوانب المغيّبة في الجزائر وفي المغرب العربي عموما هو جانب دراسة طبقات التراث الديني والتعامل معها بروح واعية. فالهوية الدينية تجد تجذرها في الأسطوري البدئي مثلما تجد اتصالها وانتسابها في البنى الأحدث جرّاء التداخل البنيوي بين مختلف الأنماط الدينية القديمة والحديثة التي عرفتها المنطقة من خلال المكونات الطوطمية والأرواحية والطبيعانية مرورا بالتوحيد اليهودي والتوحيد الإيروسي المسيحي إلى التثليث المسيحي الروماني حتى بلوغ الإسلام".
"هناك وهم في المغرب العربي وهم المحافظة على الهويّة عبر تغييب الذات عن معرفة ذاتها ولذلك ما معنى أن لا يتم تناول القدّيس أوغسطين ولاهوته (ولد بسوق هراس 354 م وتوفي بعنابة 430 م) بالدراسة والعناية** وهو ابن المنطقة في الزيتونة والقرويين وفي جامعة الأمير عبد القادر ؟ وما معنى أن تـُغيّب دراسة الكاهنة اليهودية وهي أصيلة المنطقة ؟ هذه إشكاليات ينبغي أن تطرح داخل العقل المغاربي ولا يرتقب فيها التصدير من خارج أو التلاعب بها وتوظيفها".
في ذات المبحث أشار الأستاذ الباحث إلى حسرة رجال الدين والرّهبان والرّاهبات عند التطرّق للتاريخ الديني في شمال إفريقيا.. حسرة على فراغ بلاد القديس أوغسطين من المسيحيين وتواري المسيحية واندثارها وما يصحبهم من شوق عارم لإحياء ذلك المجد التليد كما يذكر أنه خلال ما كان يدور بينه وبين رجال الدّين المسيحيين من حديث في ظواهر الأديان خصوصا ما يتعلق بشمال إفريقيا بحكم كونه ابن المنطقة وبشكل ما أحد أحفاد القديس أوغسطين باعتباره أحد أركان اللاهوت المسيحي الكاثوليكي.. كان ينتقد بشدّة مواقف أوغسطين من الدوناتية المعاصرة له نسبة إلى اللاهوتي دوناتو القرطاجي الذي أشهر رفضه لهيمنة روما الحضارية والدينية ويبرر انقراض أوغسطين وخطه اللاهوتي من أكاديمية قرطاج التي كان يدرس بها جرّاء تعنته في إلحاق أهالي شمال إفريقيا قسرا بروما ودينها وإمبراطوريتها وتنكره للبعد الحضاري السامي الذي يربطهم بالمشرق فهو رغم ذكائه اللاهوتي المتفرد الخارق خانته نباهته الاجتماعية وهو يخلص إلى أن أحد أسباب اكتساح الإسلام للمنطقة هو ما أحس به الرجال "الأحرار" الأمازيغ من تواصل حضاري وتناغم عقلي مع الرّوح الساميّة وهو رأي وجيه وعميق وإن كان لموقف أوغسطين بعد آخر وارتباطات أخرى غير أن الرأي سليم.. وفي هذا درس ماثل من دروس التاريخ تشهد على صحته الجغرافيا السكانية.. لعل بزوغ شمس الإسلام على شمال إفريقيا كان تحققا مدهشا لروح حركة الدوناتيين القرطاجيين الذين بادروا بفضح تحويل وجهة وخطف رسالة السيد المسيح من قبل الأباطرة ومن سار في ركبهم من رجال الدين وانخرط في فسادهم وهو ما أعلنه القرآن بوضوح وجلاء في قوله تعالى:"اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يــُحمى عليها في نار جهنم فتــُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" التوبة (31-35).
يقول شارل بيكار في عمله "الحضارة": "خلاصة القول على هذا إن إفريقيا أوفت روما دينها وأظهرت أنها قادرة جني الفائدة مما اقتبسته وصبغته بروح ليست يونانية ولا شرقية هلينستية"
وفي هذا السياق لعله من المفيد الوقوف على العبارة التي ينهي بها بيير سلامة بحثه "من روما إلى الإسلام": ".. وبهذا ينتهي العصر القديم في هذه الأقاليم مختلطا في أحداثه وفيه أدت التقلبات الاجتماعية والسياسية تدريجيا إلى تلاشي التأثير اللاتيني مظهرة الروح الاستقلالية التي لا تخمد وروح العزم والتصميم على بلوغ الهدف وهي السّمة المميزة الثابتة لتاريخ شمال إفريقيا".

• الأنجلة واستقالة العقل الأكاديمي:
ذكر الأستاذ الباحث في الفصل الثالث ضمن المبحث المذكور أعلاه أن حملة تبشير تستهدف شمال إفريقيا حسبما ورد في صحيفة جزائرية مضيفا: "واللافت أنه في الوقت الذي تشهد فيه المسيحية تراجعا في قارة أوروبا العجوز تبحث عن تعويض لها بين الشعوب الفاقدة للمناعة الثقافية ففي التقرير الإحصائي الصادر عن حاضرة الفاتيكان ثمة إقرار بتواصل تراجع الكاثوليكية في معقلها التقليدي الأوروبي وتناميها بين الدول الفقيرة وفي إفريقيا أساسا" . كما ذكر مشاركة المؤسسات الدينية في البلاد العربية انجذابا وتقليدا في الحوار مع الكنسية الغربية من غير أي استعداد علمي ودون تملــّك القدرات اللازمة لذلك.. "إنه لحريّ بجامعات المنطقة أن تهتم برموز تاريخيها لا أن توكل الأمر لغيرها ليصوغوا لها الخلاصة التي يريدون. فالتاريخ الديني السابق للإسلام لا يزال صناعة غربية ولا يزال إيديولوجيا تسلط على المنطقة بغرض التوظيف وحتى الذين اشتغلوا بالتاريخ العام لتلك الحقبة بفعل تكوين جلهم غير العضوي يكرّرون ما تروجه المدرسة التاريخية الغربية ولذلك ترى لدى هؤلاء أن أعظم عقل توحيدي مسيحي أنجبته المنطقة أريوس الموحــّد (مطلع القرن 3 م) ينظر إليه منحرفا وهرطوقيا وهو ما تروجه الكنيسة والمدرسة التاريخية الغربية في الشأن.

إهمال دراسة المسيحية وآثاره:
في الفصل الرابع من الكتاب وضمن المبحث المذكور أعلاه أشار الأستاذ الباحث إلى أن إهمال الاهتمام بالمسيحية في المنطقة المغاربية مدعاة لحصول عدّة تطورات أبرزها تحديات الأنجلة للهوية الإسلامية بعد أن ظننا أن تلك المخاطر توارت إلى غير رجعة.. فمازالت الخلاصة التاريخية عن المسيحية في شمال إفريقيا تنجز من قبل مؤرخين وآباء مسيحيين وتصدر للأهالي بحسب ما يريده المسيحيون خاصة وأن المنطقة قدّمت للكنيسة في سالف عهدها عدّة رموز مسيحية أشهرهم البابا فيكتور الأول (بابويته ما بين 189-199م) والأسقف الشهيد سبريانوس (205 – 258 م) والفيلسوف القديس أوغسطين (354 – 430م) الذي لا نجد باحثا أو أستاذا من المنطقة تخصص في لاهوته وفلسفته... ويذكر الأستاذ الباحث أنه حين عقد ملتقى أوغسطين بالجزائر في أفريل 2001 كان جلّ المشاركين غربيين ولم يحضر من العرب إلا ثلة من تونس والجزائر متخصصة في علوم الآثار ساهمت بأبحاث وما كانت لها علاقة بعلم اللاهوت والديانات وتاريخها.. ويخلص إلى القوم:"في غياب الاهتمام بتاريخ المسيحية في المنطقة، وهو مدخل علمي مهم لتاريخ الأديان في المغرب العربي صاغ بعض رجال الكنسية خلاصات عن تاريخ المنطقة لعل أشهرهم جوزيف كوك وهنري تيسيي الذي شغل في وقت سابق منصب رئيس أساقفة الجزائر ولكن النقص الأساسي لهذه القراءات يكمن في تحاملها على الفتح الإسلامي وعدم إقرارها بأن المسيحية انطفأت جرّاء عوامل داخلية وما كان ذلك بسبب "الغزو الإسلامي" كما يصوّر. لماذا تمثل دراسة المسيحية في الثقافة الإسلامية اليوم حاجة ملحّة؟ إن الخطاب الواعي للإسلام مع العالم المسيحي لن يتحقق إلا عبر إلمام علمي بهذه الديانة، فإن تكن الكليات اللاهوتية والكليات الرسمية التابعة للدول الغربية تولي عناية بتدريس اجتماعيات الإسلام وتواريخه وتشريعاته وفقهه فضلا عن الاهتمام بلغة الضاد واللغات المحلية الأخرى كالأمازيغية بلهجاتها المختلفة والقبطية والسواحلية والآرامية والآشورية فإنه حريّ بأبناء الثقافة الإسلامية أن يولوا الدين والاجتماع المسيحيين عناية لرصد التحولات والتطورات فلا يمكن أن يتأسس حوار بين الأديان في غياب الوعي العلمي بالأديان حتى لا تكون المشاركات العربية والإسلامية في الملتقيات مفتقدة لاستراتيجيا واضحة المعالم وكأن مقصد الحوار يبدأ وينتهي بالحضور حول طاولة مشتركة. فلا بد من توفر شجاعة علمية تتجاوز الخشية التي يبطنها الجهل في موضوع التعامل مع المسيحية.. لذلك كله تتضح ضرورة قراءة التراث والتاريخ المسيحيين في البلاد العربية بعيون أبناء البلد وعدم الركون في ذلك للخارج. فالمقاربة الغربية مثقلة بالانحياز والضغينة، لذلك تعجز عن إنتاج خلاصة موضوعية في المسألة. وثمة بالمثل جدار نفسي مبني بين المسيحيين والمسلمين العرب علا صرحه مع الفترة الاستعمارية وتواصل حتى الوقت الراهن. لذلك تغيب وتنتفي المبادرات الأكاديمية والبحثية بين أبناء الملتين في ما يتعلق بتراث المنطقة الديني فلا بد من كسر تلك الحواجز بين الجانبين" .
• الكنيسة وخيار المحرومين أو المترفين:
في الفصل الخامس من الكتاب وضمن المبحث المذكور أعلاه يذكر الباحث أنه رغم فسيفساء النحل والعقائد التي تميز الواقع الديني المسيحي الغربي.. يجمع رابط مشترك بين كنائسه يضبط علاقاتها الداخلية ونظرته للآخر الحضاري.. فبفعل القوة المادية التي تميز الغرب الحالي وسمات الهيمنة التي تطبع سياسته الخارجية.. ظهرت قناعة لدى الساهرين على مؤسسات الغرب الدينية ترنو للعب نفس الدور في مجال النفوذ الروحي على العالم أيضا وتـُلخص ذلك في السعي للوصاية على " الأخلاق الدينية" والتطلع لإعادة تربية الجنس البشري بغرض إعادة تهيئته روحيا عبر مداخل مختلفة منها ما سمي بالأنجلة أو بإعادة الأنجلة أو بحوار الأديان أو بحوار الحضارات.. وهو ما جعل بعض المفكرين واللاهوتيين المنشقين ينتقدون بشدة هذه المركزية.. فقد دعا اللاهوتي الألماني السويسري هانس كونغ إلى أخلاق كونية شاملة كبديل لمركزية طروحات الكنيسة الحالية.. والواقع أنه ليس من السهل على الكنسية في ظل تحالفها الجلي والخفي مع الآلة السياسية التي يطبعها التجبـّر.. إرساء حوار شفاف مع الأديان الأخرى أو مع الفضاءات الحضارية المحاصرة لنهضتها، تسترجع فيه ثقة أتباعها نظرا لمحاولة الكنيسة الصعبة الإمساك بالتناقضات المتمثلة في كل من الولاء للمستكبر والدّعم للمستضعف في الآن نفسه.. لذلك تأتي مساعيها للحوار مع الحضارات الأخرى باهتة ومفتقدة لدعامات القوة ولعل هذا الوهن هو ما جعل الكنيسة تتعثر حتى الآن في إرساء حلف ديني عالمي برغم توفرها على قدرات هائلة مؤسسية وتكنوقراطية ومالية.
ويخلص الأستاذ الباحث إلى أن حتى "علم التبشير" و "لاهوت الأديان" الناشطين في داخل المؤسسات الأكاديمية الكاثوليكية في الجامعات البابوية الرئيسية بروما الغريغورية والقديس توما الأكويني وساليزيانا لم يقدرا حتى الآن على تجاوز الإرث اللاهوتي القديم وإنتاج خطاب منفتح يتجاوز ضيق الرؤى القروسطية المتلخصة في أن لا خلاص خارج الكنيسة.. وأورد وثيقة هامة صادرة عن "مجمع عقيدة الإيمان" Congregazione per la Dottrina della Fede وهي أعلى الهيئات الفاتيكانية الساهرة على العقيدة بإمضاء مفتش العقائد السابق الكاردينال جوزيف راتسينغر بنيدكتوس السادس عشر الذي يشغل الآن منصب الحبر الأعظم في حاضرة الفاتيكان:"الحوار وإن كان يــُشكل جانبا من رسالة الأنجلة فهو واحد من أدوات الكنيسة لتبشير الأمم والنديّة المطروحة أثناء الحوار تتعلق بتساوي الكرامة الذاتية للأطراف لا
بالمحتويات العقدية التي بحوزتها" الأمر الذي جعل أحد منتقدي الكنيسة من الداخل يعلّق على هذا الموقف المتملــّك للحقيقة بقوله:" هذا ليس حوارا بل ذمــّا".

• تعثر حوار الكنيسة الغربية مع الإسلام:
في الفصل الخامس من الكتاب وضمن المبحث المذكور أعلاه ذكر الأستاذ الباحث السياق الذي جعل من الإسلام عنوان التحدي في الفضاء الأوروبي وترافق هواجس الأوروبيين مع تراجع بيـّن وفعلي للمسيحية في فضاءها التاريخي أي أوروبا الغربية الأمر الذي يخشى أثره على قلب المسيحية في روما بصحبة قلق من الصحوة الإسلامية وتطوراتها المجاورة المنتظرة وما أدت إليه تلك المخاوف من أوليات دفاعية متمثلا في "السور الحضاري" الذي أقيم تبعا لاصطفاف حضاري مصطنع أسس على مفهوم "التراث اليهودي المسيحي" الذي انطلق الترويج له منذ تأسيس دولة إسرائيل.. يقول "الواقع أن مفهوم الحضارة اليهودية المسيحية كمفهوم لا تاريخي يتغافل عن مفهوم الحضارة المسيحية الإسلامية التاريخي لاغيا قرونا من التّماسّ والاندماج الحضاري بما فيها من سلام وحروب وتوتر وتفاعل".

• أطروحة التعالي الحضاري الغربي
يذكر الأستاذ الباحث مؤتمرات الحوار الديني التي تحل في سياق تكثف هواجس الكنيسة من الكتلة الإسلامية .. هذه المؤتمرات تأتي مصحوبة بنزعة بطريركية للكنيسة على الديانات الأخرى.. ويذكر كتاب الأب موريس برمانس "الحوار الإسلامي المسيحي في عصره وضد عصره" الذي يلخص تلك النزعة البطريركية حيث يترجم صاحبه التعالي الحضاري الغربي دينيا، إذ يتناول بالتفصيل الهندسة الإصلاحية للعالم الإسلامي محدّدا مقياسين للصواب لها هما: التشريعات الاجتماعية الغربية والمناسك الدينية الكنسية، وما عداهما فهو هراء.. ويشير الباحث إشارة جوهرية عميقة أن الحوار بشكله الحالي - رغم كونه قيمة سامية - المستتبع بعنف رمزي واستعلاء حضاري يكشف عن خلل بنيوي في التواصل الحضاري وفي مطلب المثاقفة الأصيل ولزوم التمعن في المقاصد العليا التي يحتكم إليها وفي الموجهين له لتبين المنطق الذي يسير ضمنه والمقاصد العليا التي يسير نحوها.. فإلحاح الكنسية الغربية على الحوار في وقت تعرف فيه الكتلة الإسلامية شيطنة موسّعة من مؤسسات "مجتمعات الكنسية" يدعو للريبة..

• أزمة الحوار الجوهرية:
يذكر الأستاذ الباحث أن إحدى مسببات أزمة الحوار الجوهرية تعود بالأساس إلى خطاب الغرب المنفلت والمتنكر للأخلاقيات الكونية.. ففي العقود الأخيرة تشكلت شراذم كلفت بمهمة عرض الإسلام، منها ما أفرزته الكنيسة ومنها ما استصنعه الإعلام داخل عملية فبركة مستعجلة يطلق على هذه الشراذم نعت المستعربين أو المتخصصين بالإسلاميات يتولون تقديم الإسلام وعرض مواقفه بشكل مغرض يفتقد الموضوعية والرصانة.. والواقع أن المقاربة الهشة المستحدثة مع هؤلاء الوكلاء الذين أنشأتهم الظروف الطارئة ولم يقدّمهم التمحيص العلمي استعراضية وغير رصينة وغالبا ما سمّمت مناخ المثاقفة بين الحضارتين..

أزمة المعنى:
في الفصل السادس وضمن المبحث المذكور أعلاه يورد الباحث واقعة دالة على حدّة أزمة المعنى التي تعيشها الكنسية.. فقد صادف أن دخل دورة مياه في منزل عائلة كاثوليكية إيطالية فوجد هناك.. الكتاب المقدس من تلك المطبوعات التي يتلهى بها أثناء قضاء الحاجة.. ووجد الباحث في ذلك دلالة عن امحاء المسافة بين المقدس والمدنس أو بين الأعيان النجسة والأعيان الطاهرة.. وهو ما يحيل على أزمة المعنى الذي يشهده لاهوت الكنيسة في زمن الحداثة مما جعل انشغالها ينصب على الإطار الاجتماعي حيث تبحث لنفسها عن موطئ قدم تمارس من خلاله أنشطتها ونفوذها واستمرارها بعد واقع انسحابها من المجتمعات الغربية برغم الإطار الديمقراطي الذي يحتضنها.. هذه الواقعة التي أوردها الأستاذ الباحث ذكرتني بمواقف كثيرة دالة على أزمة المعنى التي تعيشها الكنيسة منها موقف حصل أثناء برنامج "خط أخضر" المباشر الذي يُبث على قناة الراي أونو الإيطالية صباح كل أحد عندما تقدم مقدم البرنامج من رجل كان يقف في صف طويل أمام باب المتحف قائلا له بتلك الطريقة الإيطالية والنبرة المميزة " أراك تقف أمام باب المتحف .. ألا تذهب إلى الكنيسة صباح الأحد!؟" فأجابه الرّجل وكأنه كان يتوقع سؤالا كهذا وأعد له إجابته "لعلي أجد الله هنا وأحسه أكثر مما أجده وأحسه في الكنيسة" كما كنت ألاحظ تعجب وانبهار السياح الغربيين في البلاد العربية والإسلامية عندما يصادف مرورهم يوم الجمعة أمام المساجد خروج المصلين عقب صلاة الجمعة وكأنهم أسراب من الحمام الأبيض فتراهم ينظرون إليهم بتلك العيون التي يكحّلها الإعجاب والانبهار حتى أن بعضهم كان يخرج آلة التصوير أو الكاميرا ويصوّر هذا المشهد الذي هزّ مشاعره بقوّة.. كثيرة هي المواقف التي تؤكد أن الغربيين يتشوّفون نحو الإسلام والمسلمين وتشرئب أعناقهم وقلوبهم بحثا عن منبع نور وبارقة أمل.. ولو أحسن المسلمون مخاطبتهم والتوجه إليهم "بالحكمة والموعظة الحسنة" ولو تـُصغي قلوبهم لتوجيه الله وندائه "قل يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم غير الحق"- 77 المائدة- لانعكس ذلك على العلاقات فصارت أكثر توازنا وإنسانيّة وأقرب لواقع تكريم الإنسان.. إنها الأمانة والمسؤولية.. مسؤولية الطرفين في الارتقاء من حضيض التعصّب والتطرّف والغلوّ.. إلى مراقي الإنسانية والسماحة والحق والعدل.. ذلك أن المشاكل المزمنة للإنسانية لن تعرف الحلّ بحركة سحريّة ولا بهزّة أرضيّة ولا بتسوية أخويّة.. فانظر ماذا ترى؟!..

*لاهوتيّ متمرّد يغرّد خارج السرب:
أفضل من شخّص أزمة المعنى التي تمرّ بها الكنيسة اللاهوتي المتمرّد هانس كونغ بما نبّه إليه من دواعي تفرق الناس من حول الكنيسة وما تعانيه المؤسسة من خواء في المعنى وتحولها إلى هيكل إكليروسي متصلب حتى غدت حاضرة في المجتمع شكلا لا روحا الأمر الذي نزع عنها بعدها الإنساني الخيري وحوّلها إلى مؤسسة باحثة عن تدعيم سلطانها ونفوذها على غرار المؤسسات الدنيوية التي باتت لا تختلف عنها في التراتبيّة الإدارية وفي دعم مصالحها حتى صارت الروح الحالية للمسيحيّة متجلية في .. افتقاد الروح .. تتجلى أزمة المعنى في تفرق الناس من حول الكنيسة الذي يلخصه القول السائد "الساحات ملأى والكنائس خاوية" ولكن في خضم هذه الأزمة تحاول الكنيسة الخروج من ورطتها وذلك بتأجيج المواقف من المهاجر ومن الاعتراف بالإسلام في الغرب ومن ضم تركيا إلى المجموعة الأوروبية وغيرها من المسائل وكأنها تأبى الاعتراف بحقيقة إفلاسها.. "الساحات ملأى والكنائس خاوية" والفراغ جلاب أهواء وذاك ما تخشاه الكنسية.. وذاك ما يقض مضجع القائمين عليها ؟؟؟..

*وقائع من سنوات الجمر:
أعادني هذا الكتاب الهام إلى ذكريات ووقائع من سنوات الجمر منها ذلك الموقف الذي وقفته مع مدير مكتب صحيفة عربية تصدر من العاصمة البريطانية كنت أنشر على صفحاتها.. عندما طلب مني أن أحذف آية قرآنية كنت أوردتها في مقال لي حول تداعيات تفجير برجي التجارة في نيويورك وهي قوله تعالى:" قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون" 64 آل عمران.. فرفضت حذفها وتمسكت بموقفي على أساس أنها آية في صميم روح المقال تشتمل على دعوة مفتوحة إلى الحوار الحضاري المتكافئ البعيد عن روح التعبئة والتجييش في تلك الحملة الشعواء المفتعلة ضد الإرهاب التي تزعمها بوش الابن.. وقد علل مدير المكتب طلبه بأن بعض الجهات اليهودية المتصهينة في بريطانيا كانت قد قدمت شكوى ضدّ الصحيفة على إثر مقال نشر على صفحاتها ورد فيه ما اعتبرته تحريضا ضدها وتهديدا لمصالحها وكادت الشكوى أن تؤدي إلى سحب الترخيص من الصحيفة.. قلت:على افتراض صحة توصيفك للواقعة فإن الآية الكريمة لا تتضمن دعوة للكراهية أو الصراع.. بل بالعكس تتضمن دعوة إلى الحوار الحضاري والبحث عن القواسم المشتركة والكلمة السواء بطريقة مهذبة ونداء مشبع باللياقة والذوق "يا أهل الكتاب".. اللهم إلا إذا اعتـبروا قوله تعالى: "فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" عدوانا وتعدّيا عليهم!؟؟.. ومنها أيضا أني أثناء إقامتي للتدريس في مدينة المهدية التونسية خلال الثمانينات قمت بمراسلة الكنيسة التي كانت تبث بعض برامجها باللغة العربية وذكرت في الرسالة أني أستاذ باحث أسلمت وجهي لربّ العالمين مهتم بالحوار الإسلامي المسيحي وبحوار الأديان عموما وأني أمدّ نحوهم يد التواصل بعيدا عن التعصب الذي لا يصدر عن مؤمن حقيقي أصيل سواء كان مسلما أو مسيحيا.. وطلبت بعض الكتب والمراجع التي لم تكن متوفرة في المكتبات بحكم التضييق الذي كان مسلطا على هذه النوعية من الكتب لأسباب لا تمت بصلة لا للبحث العلمي ولا للمحافظة على الهوية والغيرة على الدين ولا للمنطق.. فوصلتني رسالة شكر وترحيب من الكنيسة وعبروا عن استعدادهم أن يرسلوا نحوي جميع ما أحتاج للبحث ودعوة إلى أن أرسل نحوهم عنوان قريب لي أو صديق محل ثقة يقيم في أوروبا أو الولايات المتحدة حتى يرسلوا الكتب على عنوانه ثم أتسلمها منه لاحقا لأنهم فهموا أن الكتب لا تصل إلى أصحابها (هكذا).. يوجد من يقطع طريقها ويحوّل وجهتها نحو الأقبية المظلمة أو المخازن المهملة حيث تودع الكتب قبل أن تحرق أو تتلف وقد تقع بين يدي ضابط محدود الأفق فيسخر من اهتمامات هؤلاء وسخفهم أو قد يظن بمن ترسل نحوهم الظنون!؟..هذه حال البحث العلمي في دول الفساد والإفساد ..وهذا مصير الباحث اللامنتمي المستقلّ عن الجهات المتنفذة المتحكمة في موارد البلاد والعباد ..ثم نتساءل لماذا نحن متخلّفون عن الركب الإنسانيّ ويراد لنا أن نكون في حكم الغائب أو المغيّب أو غير الموجود أصلا..أونظهر التعجّب حين ينعت بعض علماء الاجتماع الغربيين البلاد العربية بأنها تزدهر فيها ظاهرة السفه الجماعي ..سفهاء بالملايين ..كما تزدهر فيها الجمهوريات الملكية.. !!!

*وجوه من الإضافة والإبداع:
وجوه الإضافة والإبداع والجودة والأصالة التي تضمنها الكتاب كثيرة جليّة نذكر منها:
- الرجوع إلى الكتابات المسيحية وتنويعها.
- اعتماد منهج تحليلي تفكيكي تركيبي نقدي والاستناد إلى فكر عقلاني علمي رصين نفتقده في هذا النوع من الدراسات في اللغة العربية..
- الرؤية الواسعة الشاملة والدقيقة المنفتحة على المستجدات مع الوعي الدقيق بهدف الكتاب وحدوده.
- تلك العين الراصدة اليقظة المنتبهة المتابعة التي قطعت مع العقل الخامل وحاجة المكتبة العربية الشديدة لنظرتها الثاقبة ورؤيتها.
- نصاعة وابتكار في اللغة وقائمة مفردات ثرّة تحيل على معجم حديث ممتاز وذائقة في القراءة ذات مراق خبيرة بمظان الإضافة.
- النقد الذي وجهه الأستاذ الباحث إلى الجامعات الإسلامية والذي أراه وجيها وعميقا وفي الصميم.. أرجو أن تجد دعوته المخلصة / صرخته المدوّية إلى تطوير مناهج التدريس في الجامعات الإسلامية آذانا صاغية واعية لتخليص المناهج من قدامتها وانعدام جدواها وتخلفها عن روح الوقت بعبارة المؤرخ أحمد ابن أبي الضياف.
- شدتني في الكتاب تلك السطور المتوهجة من السيرة الذاتية العلمية وصعوبات وتحديات سنوات التكوين التي يجد فيها طلاب العلم والباحثون أنسا ودافعية وتقوية على قلة الزاد ووحشة الطريق..
- كنت أثناء كتابة هذه القراءة بين نارين.. خشيتي أن أفوّت على القارئ فرصة الوقوف على عيون النص وهي تلك الإشارات والملاحظات العميقة والدقيقة فأوردت عيّنات منها مع خوف لازمني من الإطالة فتغدو القراءة في ومن كتاب » نحن والمسيحية« .. وخشيتي من اكتفاء القارئ بهذه القراءة واستغنائه عن الكتاب الذي أعتبره جيّدا جدّا وضروريا لكل باحث في حقل الأديان وحوارها فهو من أعمق وأجود ما قرأت في هذا الباب في اللغة العربيّة.

مـــحســـــن العونـــــــي

......................................
الهوامش:
- الأستاذ الدكتور عز الدين عناية / جامعة لاسابيينسا / روما
المصدر: http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=5...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك