في معنى التواصل الثقافي
تختزن الثقافات الإنسانية، طاقة هائلة للتواصل مع الآخرين، وذلك لأنها عبارة عن مجموعة القيم والمعتقدات والاتجاهات والعواطف التي تخلق معنى محددا على العملية الاجتماعية والحضارية.
من هنا فإن الثقافة من الروافد الأساسية للتواصل بين بني البشر. وذلك للتعارف، وإغناء الخبرات والتجارب الإنسانية، وتضمين حركة التنمية بمضامين حضارية، وذات آفاق إنسانية.
وانطلاقا من أهمية الثقافة في التواصل الإنساني ومشروعات التنمية، تتأسس المشروعات الثقافية التي تتجه إلى الشعوب والأمم كافة.
والتخطيط للثقافة ضرورة تاريخية، من أجل أن يكون للإنسان يد أقوى في البناء والعمل والتغيير وخاصة في الفترة الراهنة التي يتلقى فيها النفط أعنف الضربات في السوق العالمية، دون أن تنبئ جميع المؤشرات عن إمكانية استعادة النفط لسنوات الازدهار، وبسبب ذلك فقد بدأت نذر المستقبل تهددنا.
فقد كان يفترض لهذا النفط أن يطلق جميع إمكانياتنا الثقافية والحضارية، ويوظف مكاسبنا الوطنية في حين إنه أطلق إمكانيات العالم الخارجي ضدنا، وأودع في داخلنا التواكل والرغبة العنيفة في الاستهلاك، والاستعراض واستمراء مظاهر الرفاه.
وكل ذلك لا يعني سوى إننا في مرحلة تاريخية دقيقة، ينبغي فيها ألا تنصرف بصيرتنا النقدية عن الصورة المكفهرة المتشائمة، بل ينبغي أن نحدق ونتأمل فيها كثيرا كي نكون قادرين على التفكير، والتخطيط في كيفية إطلاق إمكانياتنا وطاقاتنا التي نثق ثقة تامة في وجودها وقدرتها على بناء مجتمعنا بناء متوازنا.
لذلك فإن الخطوة الأولى في طريق توظيف الثقافة وأبعادها وتأثيراتها المجتمعية في عملية التواصل وحركة التنمية، هي إطلاق الإمكانية الذاتية، وتوظيف الطاقة الحيوية التي يختزنها الإنسان في هذا المجتمع.
وإن إيجاد صيغة من هذا القبيل لا يمكن لها أن ترتكز إلا على طبيعة المنظومات الفاعلة في حركة المجتمع بديناميكية مستمرة قادرة على الإضافة النوعية.
ويشير إلى هذه الحقائق الكاتب( إبراهيم عبد الله غلوم) في كتابه( الثقافة وإشكالية التواصل الثقافي في مجتمعات الخليج العربي) بقوله :ومن المؤكد إن أخطر ما كرسته المفاهيم السائدة في حياتنا الثقافية المعاصرة، هو عدم وضوح رؤية الكاتب/ المبدع.
ذلك أن أي منظومة ثقافية ثابتة من الأفكار، إنما تعمل على وضع مواقف الكتاب وعواطفهم في دوائر مغلقة، الأمر الذي يحول دون تواصلهم في حوار مشترك.
وفي ذلك مؤشر على وجود ظاهرتين ثقافيتين سيئتين هما:
إن المفاهيم السائدة قد تحول منطقة ثقافية بأسرها من كونها ميدانا لإنتاج الثقافة المبدعة إلى كونها ميدانا للاستهلاك والاتباع للشروط السائدة مجتمعيا.
عدم حدوث توازن بين وضوح مواقفنا ورؤيتنا الفلسفية والعقدية ووضوح مواقفنا ورؤيتنا على صعيد الثقافة والإبداع.
والتواصل الثقافي الذي نعنيه، ليس هو ذلك الذي يصيب في معنى الاستمرار والامتداد في عملية قوامها انتقال السمات الثقافية من جيل إلى آخر وفق سلسلة ما كما تقرر نظرية التطور، وإنما التواصل الذي نعنيه هو عملية شاملة قوامها تماسك المجتمع. والتئام أجزائه، ووحدة أهدافه وتشابه عناصره الثقافية، واتصال أنماطه الاجتماعية، وهذه العملية يجري الكثير منها وفق ما هو كائن متحقق في المجتمع من مظاهر التماسك، وعوامل الوحدة والانسجام.
ولا نعني ب ( الثقافي) غير المعنى الشامل للثقافة، المعنى المفتوح الذي يستوعب مجموعة الأفكار والقيم والمعايير والأشكال، التي قد تنعكس في قصيدة أو قصة أو مسرحية أو كتاب أو عنصر من عناصر التراث.
فالتواصل الثقافي عملية حضارية متكاملة، تفتح العقول والنفوس على آفاق جديدة وإمكانات حديثة، وتشترك قوى صاعدة ومتميزة في مسار البناء والتنمية.
لذلك فهي – عملية التواصل الثقافي – ضرورة إنسانية وحضارية.. إنسانية لكونها هي الطريق الفعال لتحقيق إنسانية الإنسان، وإبراز قوى الخير في نفسه، وهي الصيغة المثلى للتعاطي مع المختلفين على المستويين المعرفي والثقافي .
وحضارية لكونها وسيلة استيعاب منجزات الآخرين، والتعرف على ثرواتهم المعرفية وإمكاناتهم الثقافية، وبدونها تتحول الاختلافات الثقافية إلى بؤر للتوتر والصراع المدمر والمميت.
ولا بد أن ندرك في هذا الصدد، أن التواصل الثقافي لا يستهدف الوصول إلى حالة من المطابقة بين الثقافات، وإنما يستهدف بالدرجة الأولى الحوار والاستيعاب وإبراز المضامين الإنسانية والحضارية للثقافات.
لذلك كله ينبغي أن يهتم القائمون على شؤون الثقافتين العربية والإسلامية بمسائل وقضايا التواصل والتفاعل مع الثقافات الإنسانية.
لأن في هذا التواصل والتفاعل حيوية ثقافية، تقاوم ركام الجمود واليباس، وتبدد عناصر التخلف الثاوية في أحشائها.
كما أن في هذا التواصل إضافة نوعية، واشتغال مستديم على القضايا ذات الأولوية والأهمية.
ونرتكب خطيئة كبرى، حينما نعتقد أن بإمكان الثقافة – أية ثقافة – أن تعيش بلا تواصل وتفاعل، لأن غياب التواصل الثقافي، يعني انحدار الثقافة وبؤسها وعدم حيويتها وعدم قدرتها على مواءمة الجديد ومواكبة التطور.
والتواصل الثقافي الذي يتطلع إلى الأبعاد والمضامين الإنسانية والتنموية في الثقافات الإنسانية، هو الذي يغرس الحيوية والفعالية والاشتغال المعرفي النوعي في مجالات الثقافة المختلفة.
المصدر: http://hewarpost.com/?p=1611