تنظيم داعش بين البقاء والتمدد: رؤية استشرافية
تشير معظم التقديرات المتوافق عليها (من الأجهزة الاستخبارية العالمية خاصة المخابرات الأمريكية والبريطانية الألمانية والبلجيكية والهولندية، والأمم المتحدة، والمنسق الأوربي العام لمكافحة الإرهاب ومراكز الدراسات الأمنية المختصة بالإرهاب)، والتي جمعها مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب في عمان - الأردن إلى أن عدد المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق يتراوح حتى آخر إحصاء ديسمبر2015م (ما بين 27الف إلى 31 الف) مقاتل ومن 86 بلد في العالم، وهو ما يعني المدى الذي تعولم فيه وتوسع الإرهاب الذي يمارسه تنظيم داعش في الحقبة الحالية من العولمة.
سيناريوهات المستقبل
1- هل سيستمر المقاتلون الأجانب بالقتال في العراق وسوريا بعد هزيمة داعش؟
- السيناريو الأول: فرضية "الابتلاء والمحنّة"
تقوم هذه الفرضية حسب اعتقادي ومعلوماتي على أنهم يعيشون مرحلة الابتلاء وامتحان الصبر وتقديم التضحيات بالنفس والأموال، وهو يلائم العقلية الإسلامية السلفية-الجهادية التي تحكم قيادة داعش، والتي تقوم على أنهم سيقاتلون حتى الموت أو الشهادة، باعتبار أن هذا هو ما يسعون إليه أصلا: وهو شعار النصر أو الشهادة.
وأشير هنا إلى الرسالة (التي نشرتها مجلة النيوزويك الأمريكية باللغة العربية8-8-2016، الصفحة الثالثة، مرفق صورة عنها أدناه) التي أرسلتها قيادة داعش إلى القائد العسكري لمدينة منبج شمال سورية أبو يحيى الشامي قبل أربعة أيام من سقوط المدينة بيد قوات سوريا الديمقراطية، والتي طلبت منه القتال حتى الموت وعدم الانسحاب وقتل كل من يهرب من المعركة، أو يفكر بالانسحاب أو الاستسلام.
ولعل ما لفت انتباهي - ولم أستطع تفسيره حتى الآن- هو ما ورد في هذه الرسالة في النقطة (3) وهو الإشارة إلى مسألة (الأخوة المسحورين) وقتلهم؟ فمن هم هؤلاء المسحورون؟!
ويعلق عضو الهيئة الاستشارية لمركز شُرفات إبراهيم غرايبة على حالة "المسحورين" أن هذه الحالة نوع من التحايل النفسي، وقد سبق أن تم رصدها أيام قتال المجاهدين العرب قبل دخول تنظيم القاعدة وبعدها في أفغانستان، حيث ينهار بعض المقاتلين نتيجة الضغوط الشديدة والرعب والخوف فيتظاهر بالجنون.
لكن وعلى العموم، أعتقد بأن هذه الحالة بحاجة إلى بحث منفصل وموسع.
- لن يعترفوا بالهزيمة حتى لو خرجوا من الموصل إلى سوريا أو غيرها من المناطق داخل العراق؛ خاصة وأن خطاب داعش في كل أدبياتهم وتصريحات قياداتهم مثل أبي محمد العدناني قبل مقتله ورسالة منبج أعلاه تؤكد هذا.
- يركز خطاب التنظيم على الادعاء أنهم يكسبون المعارك حتى بعد خسارتهم العسكرية، وقد ظهر ذلك في سوريا (في منبج) والعراق (في الأنبار) أيضا وحجتهم في ذلك أنهم يربحون الشهادة والجنة، وأنهم يلهمون الأجيال الإسلامية الشابة المؤمنة بالجهاد وإقامة الخلافة الإسلامية.
- ستراهن قيادة التنظيم على البقاء لأطول وقت في الصمود والقتال؛ والمراهنة على:
1- تأييد الحاضنّة الشعبية السنية في محافظة نينوى والموصل التي تشكل حوالي 26% من المواطنين المؤيدين للتنظيم.
2- خوف المواطنين السنة من انتقام الشيعة وقوات الحشد الشعبي والبشمركه، وهنا تصبح داعش حاضنة اضطرارية لأكثر من 54% من المواطنين السنة في الموصل. ويمكن للمتابع لسير العمليات من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أن يرى الشعارات الطائفية الشيعية موجودة على السيارات والمركبات العسكرية المشاركة في المعركة، علما ً بأن هذه الشعارات الطائفية كانت وما زالت تثير غضب وحقد المواطنين السنة داخل العراق وخارجة في الوطن العربي والإسلامي.
- الاستقطاب الشديد جدا ً، وخلافات الأطراف السياسة الفاعلة من الدول اللاعبة في الملف خاصة (أمريكا وروسيا) سواء على أرض المعركة أو في الغرف المغلقة في المفاوضات السرية. والأطراف الفاعلة من غير الدول خاصة القبائل والعشائر مثل عشائر شمر وعبيد والتركمان واليزيدية والمسيحيين والأحزاب السياسية مثل حزب العمال الكردستاني الذي يتلقى الدعم من سوريا وإيران في منطقة سنجار، وحزب الاتحاد الوطني في منطقة الموصل.
ولعل ما يؤكد قولي أن جيمس جيفري سفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا والعراق أكد (16 أكتوبر 2016)أكد هو أيضاً أن مقاتلي داعش سيقاتلون بضراوة وعنف. في حين أن القوات العراقية منقسمة ما بين جيش وشرطة وميليشيات شيعية مدعومة من إيران وبيشمركة كردية وسكان عرب سنة منقسمين على أنفسهم على رأسهم محافظ نينوى السابق أثيل النجفي حليف تركيا، ونوفل حمادي حليف بغداد وإيران ولذلك، لن يكون توحيد الجهود سهلاً. وسيكون لهذه الانقسامات أهمية أكبر في اليوم التالي لمعركة الموصل.
السيناريو الثاني: فرضية البقاء
- تقوم هذه الفرضية على أن هزيمة داعش هي حتمية وأنها مسألة وقت فقط. وأن هدف التنظيم الآن هو البقاء؛ لأنه أهم للتنظيم من التمدد والتوسع.
- سيتم التحول من شعار المزدوج: البقاء والتمدد على الأرض الذي طبقه التنظيم خلال العامين 2014و 2015 إلى شعار البقاء فقط. وحسب معلوماتي، فإن التنظيم كان يعتمد على كتاب: إدارة التوحش لأبي بكر ناجي في نظرية التوسع والتمدد.
- سيتم تحوّل في تكتيكات التنظيم؛ لكن دون تغير على الاستراتيجية الكبرى للتنظيم، وهي إقامة الخلافة الإسلامية.
- سيعود التنظيم للعمل تحت الأرض بسرية أكثر وضمن جماعات صغيرة وعلاقات شخصية في المدن العراقية خاصة في نينوى والأنبار خاصة في الحواضن التي ما يزال يسيطر عليها في أقضية: عانة، وراوى، والقائم، التي تشكل المراكز الرئيسة للسنة.
- سيتم التركيز والتوسع في استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في التجنيد والدعم والتمويل والدعاية والحرب الإلكترونية (الهاكر، سرقة المعلومات، استهداف المواقع ...).
- سيستفيد التنظيم من الفراغ السياسي والصراع بين السنه والشيعة وبين الإدارة المركزية في بغداد والأكراد في أربيل وكركوك والسليمانية. كما قال مؤخراً مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش بريت ماكغورك، إن الانتصار في الموصل لا يعني نهاية داعش ولكنه سيقيّده ويمهّد الطريق للمعركة النهائية في عاصمته السورية، الرقة.
- سيكون أمام التنظيم ثلاثة خيارات قاسية، وهي:
1- خيار القتال حتى الموت والشهادة، وهو الخيار الذي يطبق الآن وما يجري على الأرض حاليا بعد أكثر من شهر ونصف من القتال منذ إعلان انطلاق المعركة فجر 17-10-2016م.
2- خيار الهروب والاختفاء والذوبان في المجتمع، وهناك معلومات مؤكدة أن هناك أعدادا كبيرة هربت بالفعل من الموصل عن طريق تل أعفر جزء نحو سوريا إلى القامشلي والرقة، وجزء هرب باتجاه الأنبار، وبعظهم خرج متخفيا كنازحين.
3- الوقوع في الأسر، أو الاستسلام، ومصيرهم إما القتل أو السجن من قبل القوات العراقية والحشد الشعبي أو تحويلهم إلى بلدانهم الأصلية خاصة الدول الأوروبية التي لديها برامج لاستيعاب العائدين خاصة فرنسا التي أشارت معلومات إلى وجود 200 مقاتل منها داخل الموصل.
ثانيا: هل يوجد احتمال أو خطط لعمليات إرهابية من قبل خلايا داعش في الدول الأجنبية، مثل الدول الغربية والأسيوية من أجل إبراز قوة التنظيم؟
السيناريو الأول: احتمال القيام بعمليات إرهابية
1- على المدى القصير؛ لا أستبعد القيام بمثل هذه العمليات ضد أهداف سهلة ورخوة، وذلك بهدف لفت الأنظار فقط، وإثبات فرضية البقاء التي تحدثت عنها أعلاه. لكنني أعتقد بأن هذه العمليات ستكون رمزية وليست كبيرة، بل رسالة للغرب والعالم الإسلامي والمؤيدين أن التنظيم ما يزال باقيا.
2- سيتم تنفيذ العمليات الإرهابية من خلال استخدام أسلوب الذئاب المنفردة.
3- أعتقد أن الدول والساحات المرشحة لتنفيذ هذه الهجمات هي: فرنسا نظرا لوجود جالية إسلامية كبيرة هناك وألمانيا نظر لوجود حوالي مليون مهاجر ولاجئ معظمهم من سوريا، وأمريكا بعد وصول ترامب إلى الرئاسة. ولا أستبعد تنفيذ هجمات في جنوب شرق آسيا خاصة في الفلبين وماليزيا وإندونيسيا ضد المصالح الغربية خاصة وأن هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة قد راكمت خلال العقدين الماضيين تجربة عنيفة في تنفيذ العمليات الإرهابية.
4- على المدى المتوسط والطويل سيقوم التنظيم بتنفيذ عمليات وإرهابية عنيفة في دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا للانتقام من هذه الدول، وكسب المزيد من الدعاية والأعلام والتجنيد في الأوساط الإسلامية.
السيناريو الثاني: الهدوء والانسحاب، والذوبان وسط المواطنين والعودة تحت الأرض وعدم القيام بالعمليات الإرهابية بهدف المحافظة على البقاء.
- هذا هو السيناريو الأكثر احتمالا الآن وسط أجواء المعركة الدائرة في الموصل والتحضير لمعركة الرقة القادمة التي يبدو أن الأمريكان يتحمسون لها أكثر من الموصل نظرا للصراع الشديد الآن بين روسيا وأمريكا، خاصة بعد الخطاب العنيف لفلاديمير لبوتين في الكلمة التي ألقاها أثناء جلسة عامة لـ "نادي فالداي" في مدينة سوتشي 27اكتوبر2016م، وتحدث عن فشل التنسيق مع أمريكا بمكافحة الإرهاب في سوريا.
- يعتمد هذا السيناريو على عاملين هما:
1- استمرار الصراع والاستقطاب بين الطراف الفاعلة من الدول وغير الدول في سوريا.
2- إنّ استمرار سياسية الإقصاء والتهميش للمكون السني من قبل السلطات المركزية في بغداد، سيمنح داعش البقاء والاستمرار ويزود التنظيم بالمجندين بحجة أنه يدافع عن السنة في العراق في وجه ايران والشيعة. وستظهر نسخة أخرى معدّلة ومتطورة من التنظيمات الإرهابية أكثر رعباً وتوحشا من نسخة داعش 2016م
المصدر: http://www.mominoun.com/articles/%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%AF%D...