الحوار وسيلة الشعوب المتحضرة في تجاوز الخلافات
تستطيع شعوب العالم التغلب على خلافاتها السياسية والمذهبية بالاعتماد على الحوار والشورى وتقبل الآخر، وثقافة الحوار هي أعلى المهارات الاجتماعية قيمة ورقياً ومكاسب، وعلى وسائل الإعلام تشجيع ثقافة الحوار البناء الفعال لا ثقافة النزاع والخلاف والخسائر.
فالحوار هو عمل الأنبياء مع أقوامهم، والعلماء بين ذواتهم، والمفكرين مع بعضهم والقادة الناجحين مع مرؤوسيهم والمربين الحقيقيين مع أبنائهم.
قال صاحبي: ماهي الأسس الرئيسة للحوار الإيجابي والفعال؟
قلت: إن الحوار الجاد والفعال هو الحوار الذي يستند على البراهين والحجج المقنعة، والذي يتخذه من الحجج العقلية سبيلاً لمعرفة الحق واثبات الرأي، وإقناع الطرف الآخر؛ كما نرى في منطق القرآن الكريم (في حوار الأنبياء مع أقوامهم) إنه استند على الأدلة والبراهين والحجج والحقائق، وهذا هو الحوار المنتج المثمر. أما الحوار القائم على الشكوك والتوهمات ورفع الصوت والمجادلات الفارغة من دون برهان مقنع فلن يكون إلا حواراً فاشلاً، وجدالاً عقيماً، لا هدف له إلا إضاعة الوقت وإقناع الآخرين بأننا جلسنا للحوار، ولكننا لم نصل إلى شيء فعلينا بالعمق في الحوار لأن التفكير السطحي هو الذي يغيب العقل، ويقطع الحوار!
الأساس الثاني: تقبل رأي الطرف الآخر.
كثيراً مايتقابل المتحاورون وفي ذهن كل منهم فكرة ذاتيه دفينة، مؤداها أن رأيه هو فقط الصائب القبول، والذي لا رجعة عنه، وأن الطرف الآخر هو الخاطئ المرفوض تماماً، ولا يمكن قبوله ولا بأي حال من الأحوال! فلا يمكن أن نصل لحوار بناء مادمنا نأتي للحوار وقد بيتنا النية بعدم تغيير أي من أفكارنا أو أرائنا.. فالحوار لا يمكن أن يحصل بين طرفين يدعي كل طرف أنه على هدى، وأن الطرف الآخر في ضلال مبين! فمن الصعب أن يتحقق الحوار في ظل هذا المنطق المعوج المبني على قناعات فكرية شخصية وحزبية متصلبة، لا يمكن التراجع عنها أو تعديلها فهنا ستبقى الهوة بين الأطراف واسعة، فالبعض خوفاً من الاقتناع بالرأي الآخر نجده يقفل باب التحاور أمام الآخرين بشتى الوسائل، ولكي يتحقق الحوار المرغوب به، فلا بد أن نأتي بعقلية ذهنية تقول: (إن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب). عقلية التغير والانفتاح على الآخر وتقبل له.. لأن نهاية المطاف إن لم يتم الوصول لحلول توافقية عادلة لجميع الأطراف فإن الفجوة ستزداد بالتدريج بمرور الزمن.
الأساس الثالث: الرغبة الصادقة في التوصل إلى الحلول.
عندما نعلن أننا نريد التحاور من أجل التوصل لفهم مشترك أو حل قضية عالقة، فإنه لا بد أن يكون لنا الرغبة الصادقة للوصول للنتائج والوصول إلى الحق والصواب والتغيير لصالح الوطن، حتى لا يكون جلوسنا للحوار نوعاً من إضاعة الوقت فعلينا أن نعطي الآخرين فرصة للتعبير عن أنفسهم وأن نكون موضوعيين فيطرحنا وفي قبولنا للحقائق والآراء، ومن الحكم السديدة: (رأس الأدب كله الفهم والتفهم والإصغاء إلى المتكلم)
الأساس الرابع: الالتزام بأساسيات الحوار
من أهم أخلاقيات الحوار الاستماع وحسن الإصغاء للطرف الآخر، وعدم مقاطعته حتى يكمل فكرته، والصدق في الطرح لا المخادعة، واللياقة واحترام الحوار واحترام الآخر وعدم رفع الصوت فوق الدرجة الطبيعية، (وَلَوۡ كُنۡتَ فَظًّا غَلِيۡظَ الۡقَلۡبِ لَانْفَضُّوۡا مِنۡ حَوۡلِكَ) آل عمران: 159، ولكن مانتابعه اليوم من حوارات عربية تنقلها وسائل الإعلام يظهر كيف أن هذه الأخلاقيات كثيراً ماتنقض عراها الواحدة تلو الأخرى، أثناء الحوار. فيبدأ التحاوران يقاطع كل منهما الآخر، ودون استماع أو مناقشة، مع رفع الصوت تدريجياً إلى أن ينتهي الحوار بالشتائم أو الضرب أحياناً! وبشكل بعيد كل البعد عن مفهوم الحوار! واللافت للنظر أننا لا نلحظ مثل هذه السلوكيات في الحوارات بين الأجانب، عندما تنقلها وسائل إعلامهم، فلماذا لم نتعود الرقي والسمو في حواراتنا؟ إننا بحاجة للتدريب بأسلوب التحاور السليم والراقي منذ الصغر في البيت والمدرسة والمجتمع ووسائل إعلامنا، من أجل استخدامه كإستراتيجية موصولة للحلول والأفكار السديدة.