التسامح واللا تسامح في الدين والسياسة
التسامح واللا تسامح في الدين والسياسة
رائد عبد الحسين السوداني
القبول بالاخر: قسم أ- الجانب السياسي
لايخفى على احد ان التاريخ حافل بالماسي والجرائم الكبرى، والكثير من الاهوال والصعاب التي واجهتها الشعوب لمجرد ان طرفين
اواكثر قد اختلفا بوجهتي النظر، او بعبارة ادق كان تنافس فردين على كرسي الحكم ان جر المدن والشعوب فيها الى الكثير من المحن، وقد يحدث ان يكون هذين الفردين هما اخوين كما حدث بين الامين والمامون في العصر العباسي الاول . وهناك صراعات قومية، وقومية اخرى، ادت الى ان تسفك دماء غزيرة وقد يحدث ان يجري الصراع على ارض غير الارض التي تنتمي اليها القوميتين المتصارعتين كما بين الخلافة العثمانية والصفوية وقد تنازعتا على ساحة العراق، وايضا هناك صراعات ايدلوجية جرت بعدة الوان، فاما اللون الاول هو ماسيطر على مساحة النصف الثاني من القرن العشرين واعني به الصراع الرأسمالي – الشيوعي وقد حدثت جراء هذا الصراع عدة حروب بالنيابة عن قطبي هذين الفكرين وهما الولايات المتحدة الامريكية عن المعسكر الرأسمالي او ماسمي بالمعسكر الغربي، او ما يحلو لامريكا وحلفاؤها ان يطلقوا على انفسهم بالعالم الحر، والاتحاد السوفيتي الذي مثل المعسكر الاشتراكي الشيوعي، او معسكر اوربا الشرقية، او ما سمتهم الالة الاعلامية الغربية (الامريكية على وجه التحديد) بدول الجدار الحديدي، وقد انشأ كل معسكر من هذين المعسكرين حلفا عسكريا هما، الحلف الاطلسي او مايسمى بحلف الناتو، وهو حلف لمعسكر الغرب او معسكر الرأسمالية، اما الحلف الاخر هو حلف وارشو وهو لمعسكر شرق اوربا او معسكر الشيوعية، دخل العالم مع هذين القطبين في مرحلة حرجة جدا من حيث التنافس في كل مسارات الحياة من فنية ورياضية، واقتصادية، وعلمية، وقد وصل التنافس الى الفضاء وقد عملا في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين حتى الى عسكرة الفضاء من خلال برنامج حرب النجوم الذي ادى الى تسارع انهيار اقتصاد الاتحاد السوفيتي المنهك اصلا نتيجة العمليات العسكرية في افغانستان جراء الغزو العسكري لهذا البلد نتيجة الكلفة العالية لهذه التجارب . لم يقتصر العالم في انقسامه على الجانب الاوربي بين هذين القطبين، بل امتد الى اماكن اخرى من العالم، الى افريقيا، واسيا، وقد انقسم الوطن العربي ايضا بين المعسكر الامريكي والمعسكر السوفيتي وقد اتجهت حكومات الخليج العربية قاطبة باتجاه الغرب والسبب معروف ولا داعي للخوض في دواعيه، اما باقي البلدان العربية ونتيجة للانقلابات التي حصلت فيها فنجدها تارة مع هذا المعسكر وتارة مع المعسكر الاخر ففي بلد مثل العراق حيث عاش العهد الملكي مصبوغا بالصبغة البريطانية الخالصة غمست امريكيا بعد بروز امريكا على المسرح الدولي، اما بعد ان زال الحكم الملكي بحركة عبد الكريم قاسم تغيرت الاحوال والاتجاهات فبريطانيا الحليفة وامريكا معها تحولت متربصة بالحكم والحاكم الجديد خصوصا انه قرب الشيوعيين الذين تعرضوا الى ابشع الحملات في العهد السابق الى ان اطاحت به عام 1963 وستأتي معالجة هذا الموضوع في حينه .
ولم تسلم مصر من هذا الوضع فكانت التقلبات من معسكر الى اخر ايضا هي السمة الغالبة في المشهد السياسي المصري، ونفس الامر ينطبق على ليبيا وغيرها من هذه البلدان مما سيتم ذكره لاحقا ايضا، المهم ان السياسة التي اتبعت كانت استئصالية وعلى الجانبين، لكن كان الجانب الامريكي وبامبراطورياته الاعلامية هو الذي يكسب الجولات لانه يعزف على اوتار حساسة مثل حقوق الانسان، وحرية التعبير وقد شجعت الكثير من المنشقين ورعتهم، وطبلت الكثير لبطولاتهم، ومعاناتهم مع ابناء بلدهم داخل الستار الحديدي، كذلك كان للسينما الاثر الكبير في الترويج للحياة الغربية، وفي استمالة الشباب في دول الكتلة الشيوعية للالتحاق بركب الديمقراطية والحياة الحرة الكريمة .
الحقيقة لم يقتصر الامر على الجانب الاعلامي في تلك الفترة التي سميت بالحرب الباردة، اوالجانب السياسي، ولاحتى على الجانب الاقتصادي، بل كان للسلاح حضوره في المشهد السياسي العالمي من خلال سياسة سباق التسلح بين الطرفين وبنوعيه السلاح التقليدي والسلاح النووي، وقد حبس العالم ولاكثر من مرة انفاسه من خلال تأزم الموقف السياسي بين الطرفين الذي يتبعه تأزم على الجانب العسكري بطبيعة الحال كما حدث في خليج الخنازير في كوبا ابان حكم الرئيس الامريكي(كندي) والزعيم السوفيتي(نيكيتا خروتشوف) ، وقد شعر العالم في تلك الايام انه قاب قوسين او ادنى من حرب نووية لاتبقي ولاتذر من الحضارة الانسانية شيء قبل ان يتفق الطرفان على نزع فتيل الازمة بين الطرفين لكن تبعاتها السيئة شملت القيادة السوفيتية حيث اعتبر الشيوعيون المتربصون بخروتشوف ان الاتفاق يعتبر اهانة للقطب السوفيتي، اما كوبا التي تحولت الى الشيوعية بعد ان سيطر فيدل كاسترو ورفاقه على الحكم في هذا البلد عام 1959 ومنذ 1962خضعت لحصار اقتصادي امريكي استمر لحد كتابة هذه السطور (2. 1.) والحقيقة ان امريكا في عهد كندي هي التي ابتدأت الصدام العسكري بالحكومة الكوبية من خلال تجميع عدد من المناهضين لحكم كاسترو ورفاقه وكذلك من المنفيين الكوبيين وشنهم العديد من الهجمات على قوات كاسترو باسناد جوي امريكي التي شنت عدة غارات على القوات الكوبية التي اسقطت دفاعاتها الجوية عدد من الطائرات الامريكية، اما الصدام السياسي فقد ظهرت صورته الى العالم عندما رفض الرئيس الامريكي ايزنهاور الاجتماع بكاسترو عندما زار الولايات المتحدة كي لا يضيع عليه هذا الاجتماع لعبة الغولف، وبموازاتها ابتدأت الحرب الاقتصادية ومن الطرفين من خلال تاميم الشركات الامريكية العاملة في كوبا واعلان ايزنهاور المقاطعة التجارية على هذا البلد، ثم جاءت ازمة الصواريخ او ماسميت ازمة خليج الخنازير التي نشر الاتحاد السوفيتي اثنائها صواريخ رادعة ستراتيجية كي تمنع التهديد الغربي على كوبا التي دفعت الثمن جراء ذلك بارتمائها في احضان الكتلة الشرقية كليا ، ومن صور الصراع على النفوذ كان القرن الافريقي ساحة صراع دموية بين انصار القطبين خصوصا بعد انقلاب محمد سياد بري الرئيس الصومالي على الكتلة الاشتراكية عام 1977وكذلك بعد اتجاه ارتيريا الى المعسكر الغربي وقد تكفلت اسرائيل برعايتها اثر استقلالها عن اثيوبيا والتي هي الاخرى استقرت على الجانب الغربي على الاخص بعد سقوط (منغيستو هيلا مريام) الرئيس الاثيوبي الذي استلم الحكم بعد الامبراطور الاثيوبي هيلا سيلاسي، منغستو مريام لم يسلم من الدعاية الامريكية ولا المؤامرات كي يتم اسقاطه ، والحقيقة اذا كان حكم اثيويبيا المستبد يعطي الذرائع للقوى الاخرى بالتدخل في شؤون البلد الداخلية من وجهة نظرها هي واقصد بها على وجه الخصوص الولايات المتحدة الامريكية التي اعطت لنفسها حق التدخل في شأن اي بلد يقف بوجه سياستها او قد يقف في موقف ما او يوم ما بوجه هذه السياسة، فهي لاتتقبل ان يصدر صوت معارض لما رسمته هي او ما ترسمه في المستقبل من اجندات، فضلا عن ان تكون تلك البلدان تنهج فكرا ايدلوجيا يختلف عما تنتهجه امريكا من نظام رأسمالي، احتكاري، امبريالي، اقول قد اعطت بعض البلدان ذريعة للتدخل في شؤونها الداخلية، ومر سابقا كيف تصرفت تجاه كوبا، واثيوبيا، لكن تبقى تشيلي ونيكاراغوا خير مثالين على الفكر الاستئصالي، وعدم تقبل اي فكرة ايدلوجية تعارض التوجه الامريكي . في ايلول عام 1973توجهت انظار العالم الى امريكا اللاتينية وبالذات الى القصر الرئاسي التشيلي في العاصمة سانتياغو حيث يقيم الرئيس الاشتراكي سلفادور الليندي حيث هاجمته القوات الانقلابية وقتلته لتبدأ قصة من ابشع القصص التي كتبتها وكالة المخابرات المركزية الامريكية حيث امتلأت السجون، وفتحت الملاعب الرياضية بالمناوئين للانقلاب والمناصرين للرئيس المقتول الذي جاء عن طريق الانتخابات والتي رفض نتائجها الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون، وقد وجه وكالة المخابرات الامريكية بعرقلة استلام الليندي السلطة، لكن بائت هذه الجهود بالفشل التي كانت تتضمن طعنا من قبل الرئيس المنتهية ولايته في الكونغرس ضد استلام الرئيس الجديد لسلطاته او بالاغتيال، فقد كانت تشيلي محط اهتمام الادارة الامريكية في ذلك الوقت وذلك ان القادم الجديد غير مرغوب به ايدلوجيا وسياسيا واقتصاديا وينقل سيمور هيرش عن احد الذين كانت لهم صلة باحداث تشيلي مانصه (ويتذكر رادفورد الذي التحق الى منصبه الجديد بعد الانتخابات التشيلية ببضعة اسابيع بكل وضوح للاحساس بالازمة (لم يكن من المفترض ان يحدث هذا، لقد كانت ضربة حقيقية وعلى حين غرة، انفجر قدر الطعام على الموقد) ويقول رادفورد كان الادميرال روبنسون ورؤساءه يعصرون ايديهم حول تشيلي (وكأن التشيليين كانوا اشبه باطفال مشاكسين) واطلع رادفورد خلال الاسابيع التي تلت على العديد من المذكرات والوثائق الحساسة، ودراسات عن الخيارات المتاحة، حيث كانت الماكنة الحكومية تسعى لمنع الليندي من تسلم منصبه وكان من بين الخيارات مقترح لاغتيال الليندي) ، نستنتج من النص السابق ان الولايات المتحدة الامريكية لا تستطيع ان تتقبل وضعا سياسيا يعارضها او يناويء ايدلوجيتها، او يعارض توجه الولايات المتحدة وشركاتها الاقتصادية، حتى لو كان هذا الوضع هو من خيار الشعب الذي طالما ادعت انها تعمل من اجل حريات الشعوب واحترام خياراتها، ان الادارة الامريكية متمثلة بالرئيس نيكسون ومستشار الامن القومي هنري كيسنجر وc. i. a اعتبروا فوز الليندي فشلا لسياستهم يجب ان لايستمر، ويستطرد هيرش في هذا الصدد فيقول (ويتذكر رادفورد ان احدى الدراسات الخاصة بالخيارات (تضمنت الاساليب المختلفة لانجاز ذلك، فاما ان نجعل احدا ما في البلد يقوم بالتنفيذ اوان نقوم بذلك بانفسنا . وشعرت بالذهول والذعر، وانطبعت تلك الكلمات في ذاكرتي بعمق لانني ولاول مرة في حياتي ادركت ان حكومتي كانت تشارك وبنشاط في التخطيط لقتل اشخاص) . وكانت تلك الدراسات الخاصة بالخيارات قد انجزت بعد انتخاب الليندي ببضعة اسابيع ويقول رادفورد (كانوا يبحثون عدة طرق للتخلص منه وكانت القتل احد هذه الطرق ولاادري اذا كانوا قد استعملوا كلمة اغتيال الا ان المطلوب هو التخلص منه اي انهاءه، كان لابد ان يذهب) ، ان هذه الصدمة التي ضربت رأس الادارة الامريكية جاءت من بلد يعتبر ويعرف بانه قصة نجاح باهر لوكالة المخابرات الامريكية من اواسط ستينيات القرن العشرين حيث تمكنت هذه الوكالة من مد تواجدها واذرعها في كافة مفاصل ومستويات الحكومة التشيلية، والنخب والدوائر السياسية والمجتمع في هذا البلد، وقد استحقت وكالة المخابرات الامريكية الثناء (لكونها تمكنت من ابقاء تشيلي دولة تقدمية تشجع، وليس عن طريق الصدفة، الشركات الامريكية متعددة الجنسيات للعمل داخل البلد) ، ان سلفادور الليندي تحول بنظر صانعي السياسة الامريكية او مثل (اكبر خطر على الديمقراطية في تشيلي) اما لماذا هذا الخطر من الرجل الذي شارك في الانتخابات الرئاسية لمرتين سابقتين في 1958 و1964حيث يؤمن بتداول السلطة سلميا وعبر صناديق الاقتراع ؟ الجواب على ذلك لسببين اتخذت الادارة الامريكية هذا الموقف من الليندي الاول لانه اشتراكي او بالاحرى لكونه احد اعضاء الحزب الاشتراكي ، وكما (سبق له ان رشح نفسه في الانتخابات الرئاسية وفشل عام 1958و1964معتمدا برنامجا يدعو الى اصلاح قوانين الاراضي، وتاميم الصناعات الكبرى (وخاصة النحاس) واقامة علاقات اوثق مع البلدان الاشتراكية والشيوعية، واعادة توزيع الدخل) وهذا مما تعارضه امريكا حيث تتجسد الايدلوجية في الممارسة الاقتصادية، الامر الذي يعتبر ضربة قاصمة لشركة (اناكوندا) و(كينيكوت كوبر) (وكانت تشيلي من اكبر الدول في حقل تعدين النحاس، الا ان 8. % من انتاجها . ويمثل 6. %من مجمل صادرات تشيلي في يد الشركات الضخمة التي تسيطر عليها شركات امريكية مشهورة مثل (اناكوندا) و(كينيكوت كوبر) وكانت الفوائد التي تجنيها الشركات الاميركية ضخمة جدا وعلى سبيل المثال، وخلال الستينات ربحت (اناكوندا كوبر) 5. . مليون دولار من استثمار –قدرته الشركة بسخاء بحدود 3. . مليون دولار –داخل تشيلي حيث كانت تدير اكبر منجم للنحاس في العالم) ، مع هذا الواقع لم تستطع الولايات المتحدة ان تتقبل وضعا ايدلوجيا هدد المصالح الاقتصادية الامريكية في الصميم فما كان منها الا ان تحرك التها المخابراتية لتحاصر الليندي في قصره ويقضي نحبه دون ان يستسلم لهم وتقضي على حلم الاستقلال من الهيمنة الاقتصادية .
اما نيكاراغوا فهي قصة تكاد ان تكون مشابهة في الموقف الامريكي من التغيير الذي حصل في هذا البلد، فقد استطاع رجال الساندينيستا من دحر قوات رئيس الحكم النيكاراغوي المدعوم من امريكا (سوموزا) وليقيموا حكما قريبا الى كوبا وبقيادة (دانيال اورتيغا) الذي لجأ الى فيدل كاسترو، وليقود النضال ضد الصنيعة الامريكية وحرسه القومي السيء في تاريخه مع الشعب النيكاراغوي، لم يهنا للولايات المتحدة بال بعد ان استلمت الساندينستا السلطة فاخذت بجمع افراد الحرس القومي وصنعت منهم جيشا يهاجم قوات الحكم الجديد المناهض ايدلوجيا لرأسمالية الولايات المتحدة، اطلقت على هذا الجيش اسم (كونترا) ودعمته وسلحته واعتبرته المنقذ لنيكارغوا من التعسف الذي يلحق بها تحت ظل الحكام الاشتراكيين اصدقاء غريمهم (كاسترو) وقد تصرفت امريكا ازاء هذه القضية باستخفاف كبير بالهيئات الدولية التي طالما تبنتها كحجة في ضرب وحصار البلدان التي تختلف حكوماتها مع توجهات الولايات المتحدة الامريكية وسياساتها <كما يحدث مع ايران بشأن برنامجها النووي، وكما حدث مع العراق بعد احتلاله للكويت عام 199. حيث اجبرت امريكا الدول الاعضاء الدائميين في مجلس الامن والغير الدائميين على اصدار عدة قرارات خصت العراق من ضمنها قرار فرض الحصار الاقتصادي برقم 661، وبعد اخراج القوات العراقية من الكويت اثر عملية عاصفة الصحراء والتي شاركت فيها اكثر من 33دولة من ضمنها جيوش عربية اصدر مجلس الامن الدولي وباخراج امريكي قرارا دوليا برقم 687الخاص بتشكيل لجان التفتيش على اسلحة الدمار الشامل العراقية ومن ثم تدميرها وقد اخضع العراق بموجب هذا القرار لولاية لجنة التفتيش، وهكذا اصبح مجلس الامن الدولي معبرا لتحقيق السياسات الامريكية، ولكن عندما ارادت الادارة الامريكية (ادارة جورج دبليو بوش) غزو العراق عام 2. . 3واصرت بعض الدول الاوربية (فرنسا) في مقدمة هذه الدول ان تكون العملية من خلال الامم المتحدة رفضت الادارة الامريكية هذا الشرط وقامت بالغزو بالاشتراك مع بريطانيا واستراليا > . قامت الادارة الامريكية بقيادة ريغان بتدمير نيكاراغوا، وهنا يقول نعوم تشومسكي ان (حرب ريجان والولايات المتحدة ضد نيكاراغوا التي ادت الى قتل عشرات الالاف من الناس، وتدمير بلد من اساسه بحيث انه يصعب عليه ان يعود الى حاله الطبيعي .) ردّت نيكاراغوا على هذه الاعتداءات بما ظنت انه الطريق الذي لن ترفضه الولايات المتحدة والتي لطالما ادعت انها معنية بحمايته ومن ثم تطبيقه، واعني به طريق القانون الدولي والمتمثلة بمحكمة العدل الدولية ومجلس الامن الدولي والجمعية العمومية، وبهذا الصدد يقول نعوم تشومسكي (وقد ردت نيكاراغوا ليس من خلال تفجير قنابل في واشنطن بل من خلال نقل القضية الى محكمة العدل الدولية، ولم يكن لهم اية صعوبة في جمع الادلة . وقد وافقت محكمة العدل الدولية على طلبهم برفع الدعوى واصدرت حكما لصالحهم . لقد ادين ما دعى (بالاستخدام غير الشرعي للقوة) وهو في الحقيقة اسم اخر للارهاب العالمي، من جانب الولايات . وقد جرى الطلب من الولايات المتحدة الكف عن نشاطها الاجرامي ودفع تعويض ضخم) الى نيكاراغوا البلد الذي دمرته الة الحرب الامريكية وجعلته الالة الاعلامية الامريكية الشغل الشاغل في العالم لمجرد ان حليفا لها قد ازيح من الحكم بفعل الارادة الشعبية النيكاراغوية، لا بفعل رغبتها هي ، وهنا سؤال بديهي يطرحه المتابع وهو ما مدى استجابة الادارة الامريكية لقرار محكمة العدل الدولية خصوصا ان هذه المحكمة احد سيوف امريكا المسلطة على رقاب الكثير من الحكومات والهيئات كما هو الحال مع مجلس الامن الدولي حيث استخدمته بأبشع الصور وقد تجلت هذه البشاعة بصورة كبيرة عندما بدأت صورة الاتحاد السيوفيتي تهتز، جاء الجواب الامريكي بصورة تنم عن احتقار للقرار الصادر من محكمة العدل الدولية وهنا يقول تشومسكي (وقد ضربت الولايات المتحدة طبعا، عرض الحائط وباحتقار قرار محكمة العدل الدولية واعلنت أنها لن توافق مستقبلا على قرار محكمة العدل الدولية . وقد حدى هذا الامر بنيكاراغوا الى التوجه نحو مجلس الامن الدولي الذي ناقش قرارا يدعو جميع الدول للانصياع للقانون الدولي . وقد استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو . من هنا نستنتج ان الولايات المتحدة هي البلد الوحيد الذي جرت ادانته من قبل محكمة العدل الدولية، وهي البلد الوحيد الذي استخدم حق الفيتو ضد قرار لمجلس الامن يدعو الدول للانصياع للقانون الدولي) اذن الولايات المتحدة تقبل بالهيئات الدولية عندما تتعامل معها كمأمور ينفذ خططها لا كشريك او صاحب امر وقرار او مشرع قوانين تشمل جميع الاعضاء وعلى حد سواء بما فيهم امريكا، ويتعدى هذا الامر حتى الى الدول الاوربية التي تعتبر حليفة للولايات المتحدة الامريكية عسكريا وسياسيا فهي لاتريد هذه الدول ان تكون قائدة القرار الدولي بل تريدها مؤيدة اولا، ومنفذة ثانيا للارادة الامريكية ، لكن متى تريد امريكا ان تكون حليفاتها وتقبل بهم شركاء لها؟ تريدهم بعد الازمات شركاء في تحمل المسؤولية كما حدث بعد انتخاب الرئيس الامريكي باراك اوباما وفي الازمة المالية الامريكية والتي اتسعت رقعة تاثيرها الى كل انحاء العالم تقريبا وذلك لارتباط اقتصاديات اكثر الدول بالدولار الامريكي، في هذه الاثناء قبل الرئيس اوباما ودعا الدول المجتمعة في لندن وخصوصا الاوربية الى تحمل مسؤوليتها في المشاركة في حل الازمة .
هناك صور تبين وتجسد المشهد السياسي الامريكي الذي يصفه البعض بانه ازدواجية في المعايير الامريكية تجاه الدول، وهذا الوصف هو محض خطأ في وصف دولة احتكارية، رأسمالية، امبريالية تدعي ان قدرها امركة العالم، او حتى الله الذي يؤمن به الاخر هو غير الله الذي يؤمن به الامريكي لايستطيع ان يصفها احد بازدواجية المعايير اذا ايدت ايران تحت ظل الشاه مع كل الانتهاكات التي تمارس ضد المعارضين لسياسة الشاه وتقبل به ان يكون شرطي الخليج وتؤيد حصوله لا بل تنصحه ان يحصل على الطاقة النووية طالما هو ضامن لمصالحها وامين عليها، وطالما ايد اسرائيل وزودها بالنفط، واقام معها علاقات دبلوماسية اذن في هذه الحالة تستحق ايران ان تصل الى مرتبة الحليف، لكن لاتقبل ايران تحت ظل الامام الخميني الذي امر باجراء استفتاء لأقرار شكل النظام، وأمر بكتابة الدستور والتصويت عليه، وأجريت عدة انتخابات لمجلس الشورى وانتخاب الرئيس، وانتخاب مجلس الخبراء الذي يراقب عمل المرشد، لكن التوجه الجديد ضد الاستغلال الامريكي للاقتصاد الايراني، وضد اسرائيل، ومع المقاومة لا بل رعت وأسست اذرع المقاومة، هنا ايران يجب ان تحارب ، ويجب ان تحجم ثورتها، وهكذا تحركت امريكا ودفعت صدام حسين لشن حرب على ايران استمرت ثمان سنوات خرج منها البلدان وقد خسرا مايقرب من المليون ضحية .
اما في الدول العربية فالحال فيها من النوع الذي يصعب تميز من هو الحليف ومن هو الخصم، ومن الذي يجب ان يستأصل من قبل الولايات المتحدة، وهذه الصعوبة ليس على مستوى الفرد العادي بل يتعدى الامر الى المثقفين او المحللين السياسيين وذلك عائد لعدة امور منها، ان الوطن العربي فيها بلدان على شكل ممالك واغلبها هي (مشيخات) تعتمد التوريث في الحكم والأسر الحاكمة فيها ليس مصونة غير مسؤولة بل هي مسؤولة ومصونة بنفس الوقت، وهي المشرع للقوانين ايضا، ويجد المتتبع ان امريكا تغض النظر عن احد اهم القضايا التي تحاصر بها اعلاميا وسياسيا خصومها الايدلوجيين واعني بها قضية حقوق الانسان، فلا احد يتصور المدى الذي عليه كبت الحريات السياسية في دول الخليج العربية (بلا استثناء) لابل حتى الحركة الاجتماعية العادية او اليومية لو صح التعبير هي في ظل جدل سياسي وسحبته النخبة السياسية الى فتاوى الدين، على سبيل المثال المرأة في السعودية وقيادتها للسيارة اصبحت القضية رقم (1) في احاديث النخب والمجتمع وهل هي جائزة شرعا ام لا ، هذا فضلا عن باقي الحقوق الخاصة والعامة التي لاوجود لها اصلا، وهناك بلد في الخليج (عربي طبعا) يحلو له ان يسمي نفسه (دولة) فيه نوع من الممارسة النيابية كانت فيه المرأة الى عهد قريب ممنوعة من التصويت فضلا الى الترشيح للانتخابات التي هي اصلا تدخل في كل مرة في نفق مظلم يؤدي بامير البلاد الى حل المجلس النيابي والامر كله مرهون برضى الامير لامستندا او متكئا على القانون والدستور قط ولا اريد ان اتطرق الى تجييش الجيوش من قبل امريكا عام 199. عندما تعرض هذا البلد (الكويت) الى غزو عراقي فهذا ليس مجاله، لكن الذي اريد ان اقوله ان الديمقراطية في مشيخات الخليج موضوعة في خزان التجميد وقد تكون الى الابد لكن الادارات الامريكية المتعاقبة رعت هذه (المشيخات) بعد ان حصلت معظمها على (استقلالها) عن بريطانيا، ومع كل ذلك ايضا يجد المطلع ان الرؤساء الامريكان يحرصون على تمتين علاقتهم بهذه المشيخات، ولاتصدر اي اشارة الى الوضع السياسي او الحراك الاجتماعي المتردي فيها ان هذا يحصل لمجرد ان بلدان الخليج لاتعارض ولو بالاشارة اي خطوة تقوم بها الادارة الامريكية ولو ظاهرا، او لذر الرماد في العيون، والحقيقة ان بلدان الخليج العربية وبتراكم الزمن تحولت الى صدى لما يردده الامريكي حول المنطقة فعندما كان الشاه حليف امريكا ماسكا بالسلطة فلا مطالبة بالجزر العربية، ولا ابداء التخوف من برنامج ايران النووي عكس ما يحصل في هذه الايام "خصوصا بعد الاحتلال الامريكي للعراق " فقد تحولت ايران الى العدو رقم (1) وقد تراجع ذكر اسرائيل كعدو، او كتهديد نووي اوغيرذلك فلأن ايران الان على حالة من الخصام العقائدي مع الولايات المتحدة الامريكية وبطبيعة الحال ان مرحلة مابعد الحرب الباردة هي مرحلة الصدام الحضاري والعقائدي، وايران هي ابرز من يمثل هذا الصدام على الجانب الاخر، وعليه كثمن لقبول امريكا ان يبقى هؤلاء شيوخا على مشيخاتهم التي تدعى مجازا (دول) والذين هم في الحقيقة حراس للقواعد الامريكية التي تتواجد في قطر، وفي البحرين، والسعودية والكويت والحديث يشمل علاقات الامارات المتحدة وعمان المميزة مع الولايات المتحدة الامريكية .
هناك نوع من القبول الامريكي قد يجد فيه المتتبع نوعا من الالتباس او الغموض وقد يكون الكلام حوله نوع من (الشطحات) للكاتب، وهنا اعني حكام مصر والعراق، وهما جناحا الحضارة العربية قبل الاسلام وبعده واعني بالجناحين مصر والعراق وليس الحكام. وسيتم تناول الفترة التي اعقبت الحكم الملكي فيهما، ففي مصر وبعد التغيير الذي حصل عام 1952وجاء بجمال عبد الناصر رئيسا لمصر الذي حاول بشتى السبل ان يتقرب الى امريكا من خلال طلب التمويل لبناء السد العالي، وكذلك طلب التسليح وقد رفضت امريكا في الاخير الطلبين، ورفضت ان يكون لعبد الناصر مكانا في ملف حلفائها الا ان يتخلى عن بعض المباديء منها ان ينسى العداء مع اسرائيل، والرفض ليس كليا، اي بمعنى ان امريكا ابدت استعدادها لامداد مصر بما يحتاجه من سلاح يدخل في قمع الحركات المناهضة لحكم جمال وكذلك مناهضة لطروحات امريكا انذاك، اما ما يدخل في مواجهة اسرائيل فهذا غير قابل للتحقق، ولاسباب شتى لم يستطع جمال عبد الناصر الا ان يتخذ الموقف الذي اتخذه في حينه، وهنا سؤال من المخطيء، امريكا ام جمال عبد الناصر ؟ بطبيعة الحال ان امريكا لم تفقد بوصلتها وعلى الاخص فيما يتعلق بعلاقاتها باسرائيل واتجاهها فقد رعت الولايات المتحدة اسرائيل رعاية سياسية نابعة من تعاليم دينية لا تستطيع اي ادارة امريكية تخطيها، ولايمكن والحال هكذا ان تقبل بتقوية حكم عبد الناصر مع طروحاته هذه، فالقراءة الخاطئة لصورة العلاقة بين امريكا واسرائيل هي التي جعلت عبد الناصر انه بمجرد ان يطلب او يتقرب من امريكا ستقبل وترحب على الفور، فلمصر ثقلها التاريخي والثقافي والسياسي والجغرافي الذي يجعل مراكز القوى العالمية تتسابق نحوها وهو مبدأ صحيح ومنطقي في عالم السياسة لو جرد من اسسه العقائدية الدينية والثقافية، فامريكا وبمعزل عن قضية اسرائيل استخدمت مبدأ الثواب والعقاب في علاقتها مع مصر وهنا نقرأ هذا النص لتتبين لنا هذه الحقيقة حيث يقول (وبعد جلاء القوات الاسرائيلية عن مصر في ابريل (نيسان) 1957 بدأت مرحلة جديدة وقعت فيها احداث مهمة مثل قيام الجمهورية الجمهورية العربية المتحدة في فبراير 1958، وقيام الثورة العراقية في يوليو من نفس العام، ثم الخلافات التي وقعت بين جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم مما ادى الى وقوع خلافات مع الاتحاد السوفيتي وتبادل الاتهامات بينه وبين خروتشوف وبدء مرحلة جديدة من التقارب مع امريكا التي اصدرت قرارا بامداد مصر بالقمح) وهذه جائزة له لانه عمل على افشال ثورة كان لها ان تكون منطلقا لافاق عراقية وعربية رحبة منها الغاء مبدأ الطائفية في الحكم والسياسة الذي رسمته بريطانيا منذ تشكيل ما سمي الحكم الوطني عام 1921وبتصميم من المس بيل، واخذ يتعامل مع اشخاص في حكومة عبد الكريم وفي نفس الوقت خصومه، ومد المناوئين لحكومة ثورة 14 /7بالمال وبأجهزة الاذاعة والسلاح ، وكذلك هناك مسألة داخلية قد اغفلها الكاتب وبتعمد هي قمع الشيوعيين والاسلاميين من قبل اجهزة جمال عبد الناصر فتصور انه باعماله هذه سيتساوى بالمعاملة بالمثل اي كما تعامل امريكا اسرائيل ستعامله سياسيا وعسكريا وعلى شتى الصعد بما فيها القضية الفلسطينية ولذلك (وعندما تولى جون كندي رئاسة امريكا تم تبادل خطابات بينه وبين عبد الناصر تناقش المشاكل المحلية والعالمية، وكانت مشكلة اسرائيل محورا من محاور النقاش كما يتضح من الخطاب الذي كتبه جمال عبد الناصر يوم 18اغسطس (اب) 1961مبديا استعداده للمساعدة في حل مشكلة اللاجئين الفلسطينين الماساوية على اساس مبدأ اعادة التوطين والتعويض وتقديم العون لاحراز التقدم في الجوانب الاخرى من هذه المشكلة المعقدة على حد تعبيره) ، والحقيقة ان جمال عبد الناصر تناول جانبا مهما تقوم عليه فلسفة اسرائيل من بداية المشروع الصهيوني وحتى يومنا هذا حيث يطالب بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل <ونحن في 2. 1. > بان تقر السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس بيهودية دولة اسرائيل اي بمعنى اخر لا وجود حق لغير اليهود في اسرائيل، اي بمعنى اذا كنتم تريدون وتطالبون بعودة لاجئي 1948 فاننا نقول لكم ان الفلسطينيين الموجودون على ارض اسرائيل قد يتحولون ايضا الى لاجئين بعد طردهم من الارض اليهودية، اما ماذا كان جواب الامريكان والاسرائيليين العملي على مطالبات اوقل اراء جمال عبد الناصر حول هذه القضية بالتحديد، الجواب هو ان (الاتصالات التي تمت مع كندي ثم جونسون لم تحل بدون تنفيذ عدوان يونيو (حزيران) 1967الذي انتهى الى هزيمة مريرة وضعت سيناء تحت الاحتلال الاسرائيلي) ، اذن تؤكد امريكا للاخر اني اقبلك كحليف لي لكن بشروطي انا، اولها ان الحلف معي يعني تنفيذ سياستي سواء تعلقت بشؤونك الداخلية ام الخارجية، وهذا الامر لا يتعلق فقط على البلدان التي تسمى نامية او عالم ثالث بل ينطبق حتى على الدول التي تعتبر متقدمة وهي الدول الاوربية . ومن حقائق الامور ان الولايات المتحدة ليس وحدها التي تتعامل مع من يريد التعامل معها بصورة تصرح للاخر انك ليس ندا ولا شريكا كاملا بل تابعا، فاسرائيل ايضا تتعامل بهذا المنظور فهي وأن تجهد نفسها وتضغط من اجل ان تقبل كعضو مقبول وطبيعي ومعترف به (علنيا) و(رسميا) ، وتطالب بمنظومة شرق اوسطية اقتصادية تكون هي الفاعلة فيه وفي الاخير تطالب اسرائيل بسلام اقتصادي بينها وبين جيرانها العرب، كل هذا تريده اسرائيل فماذا تعطي ؟ والحقيقة ان اسرائيل عندما تاخذ فهي لا تعطي مقابل ذلك غير الوعود التي بمرور الزمن تتلاشى هي الاخرى ولاسرائيل طرق شتى في التنصل من وعودها منها تغيير الحكومات فمثلا في بداية الخمسينيات وعندما جاء عبد الناصر الى الحكم وكما يقول احمد حمروش لم تكن المشكلة مع اسرائيل ملتهبة وايضا (كانت الفرصة متاحة لحلها عندما كان موشي شاريت وزيرا لخارجية اسرائيل ثم رئيسا لوزرائها، وتمت في عهده اتصالات سرية عبر السفارة المصرية في باريس عندما كان ثروت عكاشة ملحقا عسكريا، وعبر نائبين بريطانيين هما ريتشارد كروسمان، وموريس اورباخ، وكانت قضية اللاجئين هي المحور الرئيسي للحوار وقتها . وقد قبل شاريت عودة 1. . . . . لاجيء) ، ويعرف المطلعين في خبايا الامور الاسرائيلية ان الحكومة والساسة الاسرائيليين بعد ان ينجحوا في سحب الحكام العرب الى طاولة (المباحثات) تبدأاللعبة الاسرائيلية الاثيرة وهي المماطلة واللعب بالالفاظ وزيادة سقف الطلبات والشروط واستحضار ازمة او تكبير ازمة هي في حقيقتها جزء من المشكلة وليس المشكلة كلها، مثلما يتعامل بنيامين نتنياهو مع السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس حيث وسعت اسرائيل من بناء المستوطنات ليتحول الامر وكأنه فقط يتعلق بالمستوطنات، وليضيع الامر الحقيقي المتمثل بقضم الارض الفلسطينية شبرا شبرا ويبقى الاسرى وراء القضبان الاسرائيلية، وتبقى السلطة الفلسطينية مجردة من كل صلاحية غير المظاهر الخادعة، وتستمر المماطلة ويستمر الخداع الاسرائيلي في شأن الاعتراف بحق اعلان الدولة الفلسطينية، وكذلك عدم الاستماع الى دعاوى حق العودة للفلسطينيين المهجرين واللاجئين في الشتات، ان حركة بن غوريون التي ازاح فيها شاريت هي ديدن اسرائيلي في تغيير الحكومات كلما توصلت الحكومة الحالية الى خط متقدم حسب راي المقابل وحسب مايفهمه اويوحى اليه انها تعهدات تقدمها اسرائيل له ف(بن غوريون الذي خرج من رئاسة الوزارة مجبرا لانتهاجه سياسة استفزازية اعلن انه سيعتزل في مستعمرة منعزلة في صحراء النقب ثم لم يعتزل وانما تامر على شاريت وتدبير ما عرف باسم (فضيحة لافون) التي ارسل فيها فريقا من العملاء في يوليو 1954لتفجير القنابل في دور سينما مملوكة للبريطانيين ومكتب الاستعلامات البريطاني في الاسكندرية، وذلك لمحاولة تخريب المفاوضات المصرية البريطانية) ، ويعتبر بن غوريون رجل امريكا ولذلك ساندت امريكا عودته الى السلطة من خلال حقيبة الدفاع، وهذا ماحصل مع اسحق رابين الذي قتله احد رجال الاستخبارات الاسرائيلية بعد ان كاد ان يصل الى درجة عالية من التفاهم مع سوريا وقد اعلنت الحكومة السورية انها حصلت على تعهد من رابين باعادة الجولان وعرفت فيما بعد بوديعة رابين ابان ادارة كلينتون .
اما كيف كان جمال عبد الناصر يتصرف كحاكم في مصر وهل يقبل المشاركة في الحكم، والمشاركة تعني طرفين الطرف الاول هم الشركاء في حركة الضباط الاحرار في 23/7/1952والتي ازاحت الملك فاروق عن عرش مصر، والطرف الثاني يعني بهم شركاء الوطن ونخبهم واحزابهم، ويبدو ان جمال عبد الناصر وبتركيبته العسكرية، وانحداره من بيئة متقوقعة نسبيا او مغلقة لا تقبل الاخر واعني بها بيئة قرى الصعيد المصري لم يستطع ان يتحمل معه شريكا في الحكم واتخاذ القرار، او شريكا في بناء البلد من خلال تفاعل الافكار والطروحات التي تتبناها الحركات والاحزاب فتحول الى الحاكم الاوحد في مصر، وبعد ذلك تحول الى زعيم عربي، ولم يسمح ولم يستطع نفسيا ان يكون قائدا غيره في بلد عربي اخر واعني به عبد الكريم قاسم قائد التغيير الذي حصل في العراق عام 1958، ولتبدأ دعوات او بالاحرى تبدأ اجتماعات ولقاءات في القاهرة بين رجالات مصر في العراق الذين بدأوا يتقاطرون على مصر زائرين ولاجئين من حكم عبد الكريم قاسم، وهم يتباكون على العروبة التي ضاعت على يد زمرة قاسم في هذا البلد، اما رجالات مصر في الحكم العراقي امثال عبد السلام عارف بأن يبدأوا بحملة منظمة تدعو الى التحاق العراق بالوحدة التي اعلنت بين مصر وسوريا واسست الجمهورية العربية المتحدة، وقد بدأوا بتصرفات توحي لا بل تصرح بانهم هنا يمثلون جمال عبد الناصر وليس عبد الكريم قاسم كرئيس للوزراء على اقل تقدير وقد بقيت الخصومة والنفرة بين ناصر وقاسم الى ان حانت الفرصة للبعث المسلح باسلحة مصرية من ان ينالوا من عبد الكريم ويأسروه ويقتادوه الى مبنى الاذاعة والتلفزيون ليصفوّه هو ورفاقه بعد محاكمة سريعة، وقد دخل العراق في نفق مظلم من الازمات بين الشركاء في الوطن وصلت حد الاقتتال بينهم والتهجير والتهجير المقابل "وسيأتي الكلام عن العراق في حينه " ومن مظاهر القبول والاستمالة الامريكية لجمال عبد الناصر هي قصة المفاوضات التي جرت بينه وبين بريطانيا حول جلاء القوات البريطانية من مصر وعلاقتها بالسودان وايضا فيما يتعلق بمصير السودان التي كانت الوحدة بينها وبين مصر والحديث عن الانفصال هو خط احمر حتى ان الحديث عن استفتاء يجري في السودان كان مرفوضا من قبل السياسيين المصريين قبل حركة 23/7/1952، ولذلك (السودان هو الصخرة التي تحطمت عليها معظم المفاوضات المصرية البريطانية وخاصة التي قامت بها الحكومات الوفدية . . . يقول فؤاد سراج الدين (ان فكرة الاستفتاء كانت مستبعدة ومرفوضة، لانه لا يمكن اقرار استفتاء لاسيوط مثلا) . . . هذا يعني ان الاساس في النظرة المصرية كان وحدة عضوية لمصر والسودان) ، واذا كان الحال هكذا كيف اذن استدرج قادة التغيير (الضباط الصغار) من قبل البريطانيين لبحث الموضوع والاتفاق على الاستفتاء ومن ثم الجلاء وهذا الموضوع هو خارج سياق هذا البحث لكنه يجر الى ان يجد الباحث كيف يرفض هؤلاء الحكام الجدد التعامل مع مخالفيهم بالرأي والايدلوجية الا بسادية واضحة تجعل الباحث فضلا عن الانسان العادي ان يذهب فكره بشتى الاتجاهات حول اعتقال واهانة كبار مسؤولي الاحزاب اليسارية وخصوصا الشيوعية واول هذه الاتجاهات هو محاكاة الغرب وامريكا على وجه الخصوص في معاداتها للشيوعية في الداخل الامريكي وخارج الحدود الامريكية حتى ان الرئيس الامريكي ريغان سمى الاتحاد السوفيتي بامبراطورية الشر، اما في الداخل الامريكي فقد تحولت مفردة (شيوعي) الى كابوس يقض مضاجع الامريكان من شتى المستويات العامة حيث يطرد من وظيفته ويحاكم كل من تلصق عليه هذه التهمة وفعلا طالت الكثير لمجرد وشاية، وقد كانت الفترة المكارثية في نهاية خمسينيات وستينيات القرن العشرين مع قوانين الفصل العنصري في بعض الولايات الامريكية هي فترة استئصالية اجتثاثية هي الاشد وطأة على الفرد الامريكي قد تكون منذ التأسيس، ويقول (هارولد ايفانز رئيس تحرير التايمز السابق ان جوزيف مكارثي اخاف الامريكيين خوفا حقيقيا . لايصدق الامريكان كيف اخافهم مكارثي) ، بدأ مكارثي حملته عام 195. (عندما خطب في ويلينغز (ولاية ويست فرجينيا) في ذكرى ميلاد الرئيس ابراهام لنكولن. واعلن ان ((وزارة الخارجية اصبحت مليئة باعضاء الحزب الشيوعي وجواسيس روسيا)) . ورفع ورقة، وقال ((هذه قائمة فيها 2. 5شيوعيين وجواسيس)) ضخم مكارثي اخبارا عن نشاطات شيوعية داخل وزارة الخارجية، وشاركه بعض قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس) ، ولم يسلم من الملاحقات حتى الفنانين في هوليود التي مرت بالفترة الاستئصالية قبل غيرها وذلك لاهميتها عند صانع القرار الامريكي، ودورها في الترويج والتلميع لو صح التعبير للسياسة الامريكية حيث بدأت الحملة على هوليود عام 1948 على يد (بارتيل توماس) رئيس لجنة النشاطات المعادية لامريكا في مجلس النواب
، اما ان سأل سائل " لماذا لم تكن هذه الممارسات من جانب الحاكم المصري هو لتدينه، والجميع يعرف ان الشيوعية في مفهومها التي يعرفها الناس عنها هي ترفض الاديان " والجواب هو لو كان الامر كذلك لكانت هناك حظوة لدى الجماعات الاسلامية عند السلطة، لكن الذي حصل ان الاسلاميين في مصر ايام جمال عبد الناصر ذاقوا مثل او اشد ماذاق الشيوعيون من تعذيب وقتل واعتقالات واعدامات وما اعدام سيد قطب الا دليل على شدة المعاملة مع الجماعات الاسلامية حتى محمد نجيب اول رئيس مصري بعد التغيير استأصله جمال عبد الناصر والضباط الاخرين وجردوه من مناصبه وفرضوا عليه الاقامة الجبرية طيلة ثلاثة عقود بتهمة التعاون مع الاخوان المسلمين لاستلام الحكم من قادة 23يوليو، لننظر كيف يعامل الشيوعي في مصر وكيف يراد منه ان يكون منقادا الى الحاكم انى شاء وهذا ثاني الاتجاهات لترويض باقي ابناء المجتمع فعندما يروض المثقف او السياسي المعارض والمناهض فان باقي ابناء المجتمع يتحولون الى متلقين فقط من السلطة واعلامها ويصبح الفرد والمجتمع منفذين تلقائيين لما يريده الحاكم الذي يتحول بنظره الى معبود وليس حاكم في تصرفاته وهنا انقل هذا النص ليتبين كيف يعامل الحاكم الاحزاب الاخرى ففي مشكلة السودان التي مرت سابقا والتي كانت موكلة الى صلاح سالم احد اعضاء مجلس قيادة الثورة المصري اتخذ اسماعيل الازهري القيادي السوداني موقفا مضادا للضباط المصريين حتى انه (خطب في الجماهير يقول (ان لحم اكتافي من مصر، وقد دخلتها منتعلا حذاء كاوتش . . . ولكن هل يرضيكم ان يحكمنا صلاح سالم والعسكريون في مصر ؟ وتصرخ الجماهير بصوت عال (لا. . . لا) ) ، صلاح سالم، الضابط الذي يعامل السياسيين السودانيين كما يعامل الجنود (استخدم في معركته ضد الازهري كل الاسلحة المتاحة له الى جانب انشقاق الحزب واثارة الجنوبيين . . . فقد قرر التحالف مع الشيوعيين ايضا في معركته ضد الازهري التي تبلورت الى موقفين . . . اما الاتحاد مع مصر . . . واما الاستقلال الذي اصبح الازهري ينادي به علنا .) ، وقد دلت الوقائع ان مصر لم تصر على الاتحاد مع السودان، ومع ذلك واستنادا لما قرره بشأن الشيوعيين(اتصل صلاح سالم بالشيوعيين السودانيين لما لاحظه من تأثيرهم السياسي في محاربة الوضع القائم كله . . . واتصل في هذه المرحلة بالشهيدين عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني والشفيع احمد الشيخ سكرتير عام اتحاد العمال وعضو المكتب السياسي للحزب .
وعندما علم صلاح سالم ان الحزب الشيوعي السوداني هو نواة انفلقت من الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) وعملت لفترة تحت اسم الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) ، قرر ان يتصل بالشيوعيين المصريين ليساعدوا في اقناع زملائهم في السودان وكان ذلك يوم اول سبتمبر 1955 .
ولكن الشيوعيين المصريين كانوا معتقلين والبعض منهم قدم الى المحاكمة وصدرت ضده احكام بالسجن . . . ومع ذلك لم يتردد صلاح سالم في استدعاء الدكتور يوسف ادريس وكان معتقلا في سجن القناطر، والكاتب ابراهيم عبد الحليم، والكاتب فتحي خليل والفنان زهدي وكانوا معتقلين في سجن ابي زعبل .
وصل الاربعة الى قصر عابدين – حيث كانت مكاتب وزارة الارشاد في ذلك الوقت – بثياب ممزقة واجسام هزيلة بعد معاملة بوليسية قاسية اعقبت اضرابا عن الطعام استمر 18يوما من اجل مطالب انسانية خالصة .
دخل الاربعة على صلاح سالم في مكتبه، فاستقبلهم استقبالا حارا وابدى استنكاره لمظهرهم، واتصل تلفونيا – حسب رواية فتحي خليل – بزكريا محي الدين وزير الداخلية طالبا منه وقف المعاملة الشاذة للمعتقلين في سجن ابو زعبل .) ، وهذا هو مبدأ الترويض الذي جاء ذكره سابقا حيث يعتقد صلاح سالم انه بعد هذه المعاناة لايمكن لهؤلاء القيادات الشيوعية ان ترفض العرض السلطوي وقد تعمد المسؤول المصري ان ينقلهم من مكان هو غاية في السمعة السيئة من حيث التعامل مع البشر (ابو زعبل) ، الى مكان هو غاية في الابهة مع واجب يكلفون به وفي هذا الجو الضاغط لايستطيع الا القليل الرفض والا فالطاقة الانسانية على الاغلب تفقد قابليتها على المقاومة مع انواع التعذيب التي يتلقاها المعتقل، اما من ناحية ان صلاح سالم قد استنكر المظهر المزري الذي بان على هؤلاء القادة وكأنه فوجيء حتى انه اتصل بوزير الداخلية طالبا تغيير الاسلوب الذي يعامل بموجبه المعتقل، وهذا بطبيعة الحال غير معقول وغير منطقي ان يطلب مسؤول بمستوى صلاح سالم في ذلك الوقت احضار معتقلين (قيادات) ، ولا يتم التنسيق بين ادارة السجن وبين وزارة الداخلية من جهة وبين هؤلاء وبين مكتب صلاح سالم حول الطريقة التي يحضرون بها من المعتقل، فهم ارادوا ان يعالجوا الشيوعيين هؤلاء باخر دواء وهو الصدمة استنادا الى طريقة الاحضار ومن مكان الى اخر يختلف جذريا، وبعد ذلك اخذ صلاح سالم بالحديث وطبعا يتعامل معهم كما تتعامل امريكا كدولة كبرى مع الحكام الصغار خصوصا في المنطقة العربية الحريصين اشد الحرص على البقاء في مناصبهم حيث لاازدواجية ولا مواربة، انا اقبلك عندما اريدك انا ان تكون في خدمتي، واريد منك ان تكون جسرا اعبر به الى الضفة الاخرى، ولااقبلك عندما تطالب او تظن انك شريك سواء بالحكم او الوطن او حتى في الانسانية، اقول بدأ صلاح سالم يقدم معطياته وهي في الحقيقة تبريرات لقمع الحركة الشيوعية فيها غزل للغرب وامريكا على وجه التحديد، وبطبيعة الحال هو ليس غزلا للشعب كونه مسلما وقد قمع هذه الحركة حفاظا على مشاعر الشعب، وذلك لان الاخوان المسلمين قد تعرضوا هم ايضا الى عملية اجنثاث منظمة من قبل السلطة في مصر، واما المعطيات التي قدمها صلاح سالم للقيادات الشيوعية هي قدم لهم (1- المفهوم العام لقيادة الثورة وتصور خط سيرها مع تحفظ بعض العناصر على الاتحاد السوفيتي بتأثير دعاية الغرب. 2- ارجع غموض موقف الثورة من الشيوعيين الى خشية البعض من اتهام الحركة بانها شيوعية . 3- ابرز نقاط الخلاف مع الولايات المتحدة وخاصة رفضها امداد مصر بالسلاح) . ان هذه المبررات او الحجج طبعا لاتعطي الحق لاي سلطة في قمع الحركات والاحزاب وعدم تقبل الراي الاخر، وقد يسأل سائل ان صلاح سالم لم يجبر القادة الشيوعيين على تنفيذ ماطلبه منهم ؟ والجواب على ذلك ان مجرد اللقاء بهم بهذه الصورة المزرية لايعطيهم الفسحة الكافية للتفكير .
اما نتيجة اللقاء فيما بعد فهي بعد ان وافق القادة الشيوعيين بالقيام بما طلب منهم، اعلنت استقالة صلاح سالم ولاسباب عديدة اهمها وهي معروفة للفرد العادي فضلا عن المراقب السياسي، وهي ان المنظومة العسكرية وكذلك المنظومة الحزبية التي تعتمد في تنظيمها على الميليشيا العسكرية وعند استلامها الحكم لاتستطيع ان تمارس الحكم بصيغة الجماعة، فالصراع يبرز عندما يحاول بعض من الفريق الحاكم مثلا وخصوصا من يظن انه القائد الحقيقي للتغيير وهو ايضا القائد للمجموعة التي جاءت بها الحركة التغييرية، ان يمارس مهامه وهو مطمئن الى الاخرين انما يتبعونه ، هنا يأتي دور المتربص لاقتناص الفرصة، والانقضاض على الفريسة، والفريسة قد تكون رجل (قائد) أو مجموعة، او حزب بأكمله يقع فريسة لتطلعات (المتربص) المستبد فيما بعد . وفي حالة مصر كان الرجل الذي اعتقد انه القائد الفعلي لما حصل وهو فعلا كذلك، انه محمد نجيب، الذي قتلته شعبيته عند الناس، وايضا قتله ايمانه ان هؤلاء الضباط الصغار انما جاؤا بمشروع اصلاح وليس بمشروع سلطة، هنا تحرك المتربص (جمال عبد الناصر) بواسطة ادواته وهم رفاق نجيب ورفاقه بنفس الوقت وفي طليعتهم صلاح سالم وجمال سالم، والتهمة جاهزة طبعا فاتهموه بالتعاون مع الاخوان المسلمين للانقلاب على السلطة والحكم، وقد حسب ان ازاحة نجيب ستجعله الرجل القوي او من الاقوياء في مصر، ولكن الذي رفض ان يتعامل مع القائد المزاح لايقبل ابدا ان يأتي باخر يريد ان يلعب دور المنقذ او القائد الرديف، او حتى المساعد وهذا ما حصل لصلاح سالم فانه لحق بنجيب وازيح عن مناصبه حتى لو كانت الازاحة بتقديم استقالته بنفسه فهي قبلت على الفور ودون تردد ، وقد دفع اليها .
بطبيعة الحال هنا ليست دراسة لتاريخ مصر فهو اوسع من ان تتناوله بضعة وريقات، بل هي دراسة لظواهر تبين القبول بالاخر من عدمه، مهما كان هذا الاخر، رأي أم شخص، حركة فكرية أم حزب، شريك وقائد في التأسيس ام لا، وحتى شريك في الوطن، وعندما تم تناول بعض من ممارسات حكم حمال عبد الناصر، فلأن هذا الرجل قد تحول الى فكرة (الناصرية) وتحول الى ظاهرة، والحقيقة ان ارث جمال عبد الناصر (النقي) الغير مؤطر بالاستبداد، والقمع، والاعتقالات، انتشر في بلدان الوطن العربي الاخرى واخذ بالدفاع عنه اكثر مما في مصر، فشعارات ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة والوحدة العربية، ورفع راية القومية العربية، واتخاذ مبدأ عدم الانحياز وعدم الانضمام الى تكتلات واحلاف عسكرية مع دول الغرب، هذه كلها مشاريع تغازل الوجدان والعقل العربيين المتطلعين الى التحرر والتقدم في مجالات الحياة كافة، لكن القضية المهمة في ارض الحاكم وكيف يمارس عمله الفعلي بين ابناء شعبه، كيف يصدر القرارات، كيف يدخل في الحرب، وكيف يعد لها ومع من يتشاور، حيث دلت الوقائع ان المستبدين ومن خلال رفضهم للاخر يرفضون بل يمقتون ذوي الكفاءة والمقدرة، ويحبذون ان يتشاوروا مع من هم في ادنى مستويات العلم والكفاءة، ومع من هم كانوا في قاع المجتمع ورفعهم الى اعلى مستويات السلطة، فهؤلاء موافقون قبل ان ينبس الحاكم ببنت شفة، وذلك يعرفون دورهم، وان تجاوزوه فالسيف اول العلاجات، والامر لا يختص بجمال عبد الناصر وصدام حسين . أو حتى ستالين وخروتشوف أو بريجنيف وكوسيغين والحزب الشيوعي السوفيتي الذين رفضوا ان تكون للاحزاب الشيوعية والاتحادات الطلابية والشبابية سلطة التفكير والاستقلالية في القرار وبالنسبة للدول الشيوعية شكلوا اتحاد الكوميكون وهو في شكله الظاهري منظمة اقتصادية لكن في الحقيقة هو جزء من طرق السيطرة السوفيتية الايدلوجيا والعقائدية ومنه تتخذ القرارات ولايستطيع اي حزب شيوعي في دول الكتلة الشرقية ان يحيد عن هذا الطريق، ولاتستطيع اي دولة في حلف وارشو ان تحاول تصحيح اوضاعها السياسية والاقتصادية فالامر يعرضها الى غضب الحزب الشيوعي السوفيتي كما تعرضت كل من هنغاريا وجيكسلوفاكيا في خمسينيات وستينيات القرن العشرين الى غزو مسلح من قبل القوات السوفيتية لاعادة الوضع القديم ، كما ان الاتحاد السوفيتي لم يقبل النهج الذي اختطه الحزب الشيوعي الصيني، وحدثت قطيعة بين الدولتين والحزبين استمرت الى حين تفتيت الاتحاد السوفيتي على يد ميخائيل غرباتشوف، وفي السياسة الداخلية حيث من المعروف ان الحزب الشيوعي لايسمح بالتصريح بدين الفرد ويعرض من يصرح بدينه الى غضب الاجهزة الامنية الروسية، الا انه يسمح ويقبل فقط لليهودي ان يقول انا يهودي، وهذا محط تساؤلات وتأويلات، فأما التأويلات فأولها ان الاتحاد السوفيتي قد وعى ان لليهود واليهودية موقعا متميزا في المسار الديني الامريكي وهو مؤثر جدا في الحراك التاريخي والاجتماعي وبالتالي الثقافي والسياسي هناك، اذن هي نقطة مساومة في العلاقة المأزومة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي اثناء الحرب الباردة بين الطرفين، هنا يطرح سؤال اليس الثورة الروسية الشيوعية هي قبل فترة الحرب الباردة، وقبل تأسيس اسرائيل، وحتى قبل ظهور الولايات المتحدة الامريكية كقوة عظمى أو ظهور القطبين اللذين حكما العالم طيلة النصف الثاني من القرن العشرين، اذن يبقى التأويل الاخر وهو الاقرب الى الواقع حيث ان اكثر القادة الروس (الشيوعيون) هم من اليهود ويمتون بصلات قربى مع بعض القيادات اليهودية الصهيونية التي هاجرت الى فلسطين، وهذا مااؤكد عليه بان السياسي والمثقف لايستطيع ان يتجرد بيسر وسهولة من بيئته الاجتماعية، وتراكماته الثقافية والاجتماعية مهما حاول، وهناك من لايستطيع حتى المحاولة محكوما بقيود هذه التراكمات والتي تحولت الى نوع من المحرمات في في مناقشتها أو حتى التفكير في تغيير انماطها .
وبالعودة الى عالمنا العربي ومصر بالتحديد فان الحياة تحولت فيها الى مفكر واحد ومقرر واحد، ومشرع واحد، وان هذا الواحد لا يستطيع ان يتقبل ان تحرك اي ساكنة الا بموافقته وجعلها مكرمة منه ووصل الى ان يسيطر على لهو الاطفال ولعبهم وجعله ضمن التنظيم السياسي وهذا مايقوله هذا النص (ومن ناحية اخرى فأن جمال عبد الناصر كان ينزل الى الشارع بنفسه، وبدون حراسة وفي سيارة خاصة غالبا ماتكون من النوع العادي الصغير، يختار مناسبات معينة كيوم شم النسيم، او احد ايام الاعياد الصغير، أو الكبير، أو في خلال شهر رمضان، ليجوب المناطق الشعبية بدون برنامج محدد لير بعينه ويتابع تصرفات الناس الرجال والنساء والشباب والاطفال، يتابع ملابسهم . . . نوعياتها والوانها، يقرأ وجوه الناس وتعبيراتهم، عن الحدث الذي يشاهده هل هم سعداء وفرحين ام يمضون يوم المناسبة بشكل تلقائي . . يتابع الاطفال وممارستهم للألعاب المختلفة المعروفة في الاحياء الشعبية، وهل هناك مطاردة للباعة الجوالين مثلا من رجال الشرطة . . هل فيه مرح وبهجة ام لا . . البالونات . . الزمامير . . غزل البنات والوانه . . ؟ ويقارن بين المناسبات وبعضها . . يقول مثلا السنة هذه البنات لابسين فساتين ذات الوان زاهية، السنة الماضية الفساتين كانت الوانها غامقة . . مثلا المراجيح للاطفال تحتاج لرقابة اكثر لئلا تقع حوادث، تشجيع لعب ((الكرة الشراب)) في الاماكن المفتوحة ومحاولة تنظيمها في اطار التنظيم السياسي . . الساحات الشعبية مثلا ينقصها كذا وكذا . . ملاحظات كثيرة يعود بها من جولاته الخاصة علاوة على قياسه لنبض الشارع بنفسه وليس من خلال تقارير) ، اذن هو الذي يعمل كل هذا وهو في الحقيقة ليس عمله ولا من واجباته، فاذا كان الرئيس يعمل كل هذا وغيره طبعا فأين الوزارات واللجان، واين الصحة والداخلية والشؤون الاجتماعية، واين اصحاب الاختصاص، بديهي مع هذه الحالة ينحسر تأثير هؤلاء وينتفي، ذلك لان المفكر الواحد لا يستطيع أن يستمع لانطباع غير انطباعه ولا يقبله، وان استمع فلا يستمع الا ما يوافق الذي اقتنع به . ثم هناك قضية اخطر وهي تسييس البراءة وذلك من خلال التوجيه بتنظيم لعب ((الكرة الشراب)) في اطار التنظيم السياسي وهذا ما يجعل كل الحراك الاجتماعي تحت عباءة الحكم، والامر لايتعلق بهذه اللعبة طبعا، فمن نافلة القول اذا كان الضم والاشراف من قبل السلطة يشمل حتى الالعاب الشعبية، اقول من الطبيعي ان تكون الصناعة والقطاع الخاص غير مقبول ان ينمو وان تنمو طبقة لها وزنها في المجتمع وان قبلت فلتمرير مرحلة زمنية ومن ثم تضرب، وكذلك ان اتحاد نقابات العمال لا يقبل كاتحاد الا ان يكون خارجا من عباءة الحاكم فمثلا (ان المرحلة من 1954الى 1961كانت مرحلة تشجيع الرأسمالية المصرية على اداء دورها في بناء اقتصاد البلاد . ولم يكن من الممكن اطلاق حرية الحركة العمالية، حتى لاتعرقل مسيرة التطور الرأسمالي الذي كانت تصدر لأجله القوانين في ذلك الحين . ولذلك لم يكن مفر من تشديد الوصاية على الحركة العمالية ولكنها لم تكن وصاية احزاب بل وصاية سلطة) ، وهذه بطبيعة الحال خطوة ضد منطق الحراك السياسي، او التنمية السياسية كما يعبرون، فما دام هناك قطاع خاص، وهناك اقطاب رأسماليون فمن الطبيعي والمنطقي ان تنمو حركة عمالية تراقب وتطالب، تراقب الحراك الرأسمالي وتطوره، ونموه، كي تكون الحقوق العمالية مصانة بما يتناسب مع الحراك الرأسمالي، وتطالب بها ان وجدت حيف او ظلم وقع على الطبقة العاملة، لكن بما ان القطاعين لا يسمح لهما اكثر مماهو مرسوم في ذهن الحاكم، اذن لا القطاع الرأسمالي استمر في نشاطه، ولا الاتحاد العمالي استطاع ان يفلت من قبضة الحاكم حيث (ان هذه المرحلة قد انتهت بصدور قوانين يونيو الاشتراكية عام 1961، وبالتالي كان من المأمول ان ترفع الوصاية عن الحركة العمالية لتساهم بدورها التاريخي في ادارة وحماية القطاع العام، الا ان القيادات السياسية التي تولت الاشراف على الحركة العمالية لم تكن تملك الفكر النظري الذي يتيح لها ادراك هذه الحقيقة، فاستمرت الوصاية السلطوية على الحركة النقابية كجزء من الوصاية العامة على الشعب، واستمر فرض قيادات عمالية تدين بالولاء للسلطة وحدها على كثير من النقابات الهامة) ، وهنا سؤال يطرح بالحاح هو اذا كان لا يسمح ولا يقبل ان تنمو الحركة العمالية في ظل المرحلة الرأسمالية لو صح التعبير وهي الاولى بالحماية والمراقبة، فكيف اذن يسمح ويقبل باتحاد عمال ان ينمو تحت ظل قوانين التأميم، اذن الامور كلها سائرة نحو الفردانية، وسائرة بامتلاك كل شيء بدءا من ((الكرة الشراب)) وانتهاءا بالقرارات المصيرية، بدءا من قرار تاميم قناة السويس وانتهاءا بقبول مبادرة روجرز، اما قرارات التاميم فقد صدرت واكثر المؤمنين الحقيقيين بها في المعتقلات، ولم يستشر حتى احمد فؤاد الاشتراكي والذي له علاقة مع عبد الناصر كما استشير عند تاميم بنك مصر حيث علم بالقوانين من الاعلام، وقد(رتب جمال عبد الناصر مشروعات القوانين مع عبد المنعم القيسوني وحسن عباس زكي وكلاهما غريب عن الاشتراكية، بعيد عن الاقتناع بها . . .) ، اذن حركته روح الامتلاك والفردانية والروح العسكرية المشبعة بالسرية ، ومن أدوات امتلاك القرار بيد واحدة هي كل من الجيش، والتنظيم السياسي المعروف بالاتحاد الاشتراكي، وقد اكد جمال عبد الناصر في(ميثاقه ((ان دور القوات المسلحة في الجمهورية العربية المتحدة هو ان تحمي عملية بناء المجتمع ضد الاخطار الخارجية، كما انه يتعين عليها ان تكون مستعدة لسحق كل محاولة استعمارية رجعية تريد ان تمنع الشعب من الوصول الى اماله الكبرى)) واجب محدد ضد الاخطار الخارجية بالحرب . . . . وضد الاخطار الداخلية بالقمع للرجعية) ، والحقيقة ان الفقرتين يمكن للباحث ان يفسرهما على انهما موجهتان الى الداخل اكثر من توجيههما الى الخارج حيث (يقول الميثاق ايضا ((ان فعالية الجيوش الوطنية تكمن في القوة الوطنية الاقتصادية والاجتماعية، فان التقدم هو المستودع العظيم الذي يمد اداة القتال باحتياجاتها المادية والبشرية التي تتمكن بها من رد التحدي واحراز النصر وتعزيزه)) .
ربط الميثاق بين احتياجات الدفاع واحتياجات التنمية ويحذر من طغيان واحدة على الاخرى، ويرى ضرورة التنسيق بينهما .
ولذا نص قانون الاتحاد الاشتراكي على عضوية افراد القوات المسلحة في الاتحاد الاشتراكي كما نص ايضا على عضوية رجال الشرطة ورجال القضاء) ، وفي واقع الامر ان الفقرة الاخيرة هي التي تبين ان الخطاب موجه الى الداخل اكثر من الخارج، وكذلك تبين ان الحاكم لا يقبل ان يكون للجيش استقلالية مهنية، أو صورة ووجود قوي دون الارتباط بالحاكم، أي بعبارة اصح دون امتلاك الحاكم للجيش وجعله اداة له وليس للبلد، ومن صور الامتلاك هو دخول الجيش او عناصر الجيش والشرطة في الاتحاد الاشتراكي، والاخطر هو الجهاز الذي يراد له ان يكون مستقلا وهو القضاء، يشترط الحاكم ان يدخل رجاله في الاتحاد الاشتراكي وهو ايضا خوف وعدم قبول ان يكون لهذا الجهاز ان تكون له كلمة قد تفكه من طوق الحاكم، فالامر لو كان موجها للخارج فالبلد عندما يتعرض الى هجمة المطلوب من كل القوى ان تدافع عنه بطبيعة الحال، ولايشترط في الجيش الا ان يكون ولائه للبلد ومؤسساته الرسمية الدائمة لا للاحزاب التي تؤسس لحماية الحاكم، وكي تكون يده الضاربة .
اترك مصر عند هذه النقطة حيث اعرف اني لم استوعب كل الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي بهذه الكلمات العجلى لانها كما ذكرت سابقا اكبر من تستوعبها بضعة كلمات واعود الى العراق حيث تجلى فيه مبدأ رفض الاخر بأوضح صوره، وليس في عهد واحد، أو على يد حاكم واحد، بل شهد رفض الاخر قبل صنع ماسمي العهد الوطني بقيادة فيصل بن الشريف حسين على يد بريطانيا، بعد ان وضعت السيناريو (المس بيل) السكرتير الشرقي لدائرة المندوب السامي البريطاني والتي تؤكد في كل مناسبة على وجود خلافات ظاهرة للعيان في العراق بين السنة والشيعة ، وهنا تصف المس بيل مدينتي النجف وكربلاء بعد احداث 1918 بانهما (بقيتا قبلة مزدوجة للفوران السياسي الذي كانت تسهل اثارته برد الفعل للحوادث التي تقع في ايران أو بما يحدث من الاحداث في العراق نفسه) ، وكما كانت المس بيل تميل الى اقامة حكم فيه تمييز بين اطياف المجتمع العراقي فانهم عثروا على ضالتهم في من يحقق هذا الهدف او يؤسس له (بريطانيا) هذه المرة من العراقيين، بعد ان كانوا عماد بناء ايضا اسس على التمييز الطائفي والقومي، واقصد به البناء العثماني، وهذه الضالة هو عبدالرحمن النقيب الذي يقول للمس بيل (وعليك الحذر من الشيعة علما بأني ليست لي خصومة مع الشيعة (وهنا يحاول النقيب اقناعي وازالة شكوكي الباطنية) قائلا :انهم يودوني ويحترمونني، وهم يعتبرونني بمنزلة شيخهم، لكن تاريخهم يميز خفتهم، الم يقتلوا الحسين بن علي الذي يعبدونه الان كما يعبدون الله فالتقلب والوثنية تجتمعان فيهم . اياك ان تعتمدي عليهم) ، فاذا كان يحذر المس بيل من الشيعة، فكيف الحال معه ومع انجاله ومريديه، واتباعه السياسيين وقد اضحى بعد هذه المقابلة بعام او اكثر رئيسا لوزراء العراق، فاذا كانت هذه قناعاته الفكرية والتاريخية وطبعا السياسية فكيف يتقبل ان يشاركه الشيعة في اي نشاط او محفل، ووزارة وهكذا الى ان تصل الى الشراكة في الوطن، وهل اختياره جاء على سبيل الصدفة، او قضية ارتجالية، ام هي مبنية على دراسة ؟ فاذا درست اراء صانعة العرش في العراق الحقيقية وهي المس بيل حول جعل الحكم في العراق طائفيا، أو ان يمايز بين الشيعة والسنة، وتدرس كذلك اراء النقيب في هذا الشأن لا يخرج الا بنتيجة واحدة ومحددة هي ان الامر مدروس ولم يكن اعتباطا ابدا، خصوصا انه القائل لها (ان دماء الانجليز والكنديين والاستراليين ومسلمي الهند وعبد الاصنام قد خضبت تراب العراق لذا فلابد لهم من التمتع بما فازوا به . خاتون امتكم عظيمة وثريّة وقويّة:فاين قوتنا نحن واننّي اريد ان يدوم حكم الانجليز فاذا امتنعوا عن حكمنا فكيف اجبرهم على ذلك ؟ واذا ما رغبت في حكم امة اخرى وقرر الانجليز البقاء في العراق فكيف اخرجهم منه ؟ اننّي اعترف بانتصارهم، وانتم الحكام وانا المحكوم وانا من رعايا المنتصر .) ، و(من الواضح أن الانكليز سعوا الى السيطرة على الشعب جزئيا بواسطة من فهموا أنهم قادته الطبيعيون، وفي هذا الضوء تطلعوا الى ((السادة)) ، وخصوصا الى ((السادة)) الذين يترأسون طرقا باطنية، مثل عبد الرحمن الكيلاني، أول رئيس وزراء للعراق) ، وعليه فان النقيب (هو الذي فتح باب الخنوع) ، اذن هناك لغة مشتركة بين الطرفين، وجسورا ممدودة بين الطرفين حرص الطرفان على استغلالها كل حسب اهدافه، والنتيجة ان السياسة البريطانية تحولت الى سياق امتد مايقرب 83 عام، وعليه بالتقاء كوكس وبيل مع عبد الرحمن النقيب فان (النظام القديم الذي كان سائدا في العهد العثماني والذي غلب السنة على تكوينه، اعيد احياؤه على ما يبدو . والحقيقة أن الوضع ما كان ليكون غير ذلك . فقد استبعد الشيعة عن الادارة العثمانية بشكل واسع وقلة منهم تمتعوا بخبرة ادارية، اضف الى ان موقف النقيب وغيره من اعيان بغداد تجاه الشيعة عموما والحذر الذي ساد الاوساط البريطانية نحوهم عقب الثورة شكّلا اساسا مشتركا لاختيار موظفي الدولة الجديدة من فئات اخرى . ولم يكن عليهم ان يبحثوا بعيدا . ذلك ان اعدادا كبيرة من الموظفين العثمانيين السابقين العرب السنة بمعظمهم، والذين استبعدوا حتى الان من قبل البريطانيين، كانوا يتطلعون الان الى الحكومة الجديدة لتعيدهم الى المكان الذي اعتبروه حقا من حقوقهم الشرعية) ، وبعد ذلك وبمرور الزمن تحول الحكم في العراق وليس الوظائف الادارية الكبيرة فقط الى بديهية معروفة انها لفئة دون اخرى حتى انتجت عدة ممارسات خطيرة منها عدم الموفقة على تعيين شيعي في منصب نائب رئيس الجمهورية كما حدث مع البكر عندما اقترح عليه تعيين السيد ناجي طالب بهذا المنصب فرفض لئلا تكون سابقة بتعيين شيعي بهذا المنصب ذلك (ان البكر قام بالاتصال برجب عبد المجيد عن طريق الدكتور عزت مصطفى (والاثنان من مدينة عنه) حيث عرض عليه الامر. . الا ان (رجب) اشترط مشاركة زميله ناجي طالب معه على ان يكون نائبا لرئيس الجمهورية –اي نائبا للبكر . . !وقد اثار هذا الاقتراح حفيظة البكر الذي رد على رجب بانه لايعترض على دخول ناجي طالب ضمن المجموعة الوزارية الا انه يرفض اقتراح تعيينه نائبا للرئيس لان هذا سيشكل (سابقة . . !) في ان يكون نائب الرئيس شيعيا وهذا غير مقبول ؟؟) ، وهنا الحديث عن جماعة تعتبر نفسها علمانية، ثورية، اشتراكية لا جماعة دينية . جعلت هذه الخطوات من المجتمع العراقي مجتمع طبقات، فهناك طبقات الفئة الحاكمة، وفئات الطبقات المحكومة وبالاخص الفئة الاكبر من حيث عدد السكان واعني بهم الشيعة، فلا يسمح ان يفكر الشيعي ولو مجرد تفكير في استلام الحكم وحتى الصراع الذي كان يجري بين القوى المتنافسة (العلمانية) هو بين الطبقة الحاكمة نفسها فقد سالت واريقت دماء غزيرة من ابنائها في سبيل السيطرة على الحكم، فمثلا عندما كان التحضير جاريا لانقلاب 1968 بزعامة احمد حسن البكر التكريتي، وصالح مهدي عماش التكريتي، وحردان التكريتي، وصدام حسين التكريتي، مع عبد الرزاق النايف (الرمادي) ، وابراهيم الداود (الرمادي) وسعدون غيدان (الرمادي) ، وهم ضباط عبد الرحمن عارف (الرمادي) ايضا، تحالفوا لقلب الحكم واستلامه من عارف، واتفقوا على ان يكون النايف رئيسا للوزراء والداوود وزيرا للدفاع، ولم يدم اكثر من 13 يوما حتى حسمت جماعة البكر (تكريت) الامر وازاحت الجماعة التي اوصلتهم فعلا الى السلطة وهما ابراهيم الداوود وعبد الرزاق نايف، في هذا اليوم خلت الساحة كليا لجماعة البكر التي تحركت بعقلية (القرية) لكن مؤطرة بادواتها المعروفة وهم اعضاء حزب البعث الذين لايعرفون عن الامر شيء سوى انهم يتحركون كبيادق بيد البكر وصدام حسين، اما البعثيون الذين هم على خلاف مع البكر او بعبارة اصح الذين يرفضون البكر وصدام حيث (لم يكن يثير قلق البكر وصدام سوى مجاميع البعثيين السابقين، الذين تركوا الجناحين المتصارعين، لما يتمتعون به من سمعة ومكانة بين البعثيين عموما . . تجعلهم مؤهلين اكثر من غيرهم على زعزعة قواعد تنظيمهما . .
وهذا ما دفعهما الى التأكيد على مسؤولي التنظيم بضرورة الضغط على القواعد ومنعها من الاتصال أو الحوار مع أولئك البعثيين السابقين . . وانتظار التطورات القادمة . . وقد ساعدهما قيام النايف بناء على قوائم سلمت له من قبل البكر باعتقال البعثيين من الجناح المضاد قبل اكثر من شهر من الحركة في التخفيف من الضغط على قواعدهما . . حيث كانت أغلب قيادات وكوادر ذلك الجناح في السجن يوم 17تموز . .) ، هذا يعني بالاضافة الى رفض مقترح تعيين ناجي طالب بمنصب نائب للرئيس من قبل البكر، وخطوة تزويد النايف من قبله بقوائم البعثيين الرافضين للبكر وسياسته او المخالفين لرؤاه تعني ان البكر وجماعته بدأوا بالخطوات الاستئصالية قبل تنفيذ حركتهم، وان مابدر منهم في 1958و1959 مع عبد الكريم قاسم سواء في كركوك أو الموصل، أو عملية اغتيال قاسم نفسه وبعد ذلك ما جرى في 1963 على الشيوعيين من قبل الحرس القومي (البعثي) من مجازر والتي في الواقع هي حرب اهلية بخسائرها واهوالها، وتعرضها لكل ماهو محرم ومقدس، وعدم وضع خطوط حمراء أو خطوط رجعة مع الشعب وقواه المختلفة، اقول ان هذه الخطوات هي خط سير واحد وان اختلفت وسيلة الوصول الى الهدف، فالوصول الى السلطة في 1963حدث بدموية بشعة قادها ونفذها صبيان السياسة انذاك مثل علي صالح السعدي وحازم جواد حيث لم يتجاوز عمرهما حينذاك ال(27) عاما وغيرهما مثل منذر الونداوي وطالب شبيب وهكذا باقي الاسماء لكن من قاد هذه الحركة في الحقيقة هما رمز الطائفية والانغلاقية، والفردانية في الحكم المنحدرين من مجتمع القرية المتقوقع، واعني بهما عبد السلام عارف، واحمد حسن البكر الذي يوصف بانه (كان حقودا ولئيما وغادرا الى ابعد الحدود) ، يساعدهما وزير دفاعهما صالح مهدي عماش والذي اصدر ونفذ العديد من اوامر الاعدام بحجة الشيوعية . اما حركة 17 تموز فقد حدثت والبكر ومن معه قد امتلكوا خبرة اوسع واعمق في كيفية الوصول الى السلطة وكيفية الحفاظ عليها حتى اعلن البكر في بداية انقلابه (باننا جئنا لنبقى) ، وفعلا هم بدلا ان يقتلوا الشيوعيين في بداية حركتهم بالصورة البشعة التي ظهروا عليها في 1963، اخذوا باتباع طريقة اكثر ذكاءا ودهاءا وهي اسلوب الخطف من الشارع، والبيت، ومحل العمل وايداعهم المعتقل او القبر دون ضجيج اعلامي، ويبدو ان رعاة هذه الحركة ارادوا لها ان تبقى فترة طويلة لتنفيذ مايريدون تنفيذه، وهذا ماسيتبين فيما بعد .
وبالعودة الى عشرينات القرن العشرين وبداية تأسيس مجتمع الطبقات، يجد الباحث ان الامور رسمت رسما محكما في شأن من يحكم (بكسر الكاف) ومن يحكم (بفتح الكاف) فقد مارس البريطانيون ومن البدء سياسة التمييز الطائفي والديني وابرازه فمثلا ابرزوا قضية الاقليات الدينية اليهودية والمسيحية ودعموهما من خلال نظام مدرسي مستقل وتمثيل خاص بالبرلمان . اما على مستوى المذهبية الدينية بين المسلمين (سنة وشيعة) فالمسألة كانت اعمق وقد عملوا على تكريسها وتجذيرها اكثر في الارض والذهنية العراقية ومن خلال عدة زوايا اهمها زاوية التعليم التي اختارت له شخصية عثمانية الاصل والهوى وهو ساطع الحصري الذي كان قد عمل مديرا لكلية المعلمين في اسطنبول ، والذي ايضا ينظر الى الشيعة في اثناء مزاولته عمله مديرا عاما للمعارف وقبلها بانهم مغالين في التوجه الفارسي ، فاذا هذا هو حال مدير عام المعارف وواضع المناهج الدراسية فكيف هو حال هذه المناهج التي تخرج من ذهنيته المشبعة بالاصول العثمانية التي تنظر الى الشيعة كنظرتها الى اليهود او الصليبيين حيث يقول هذا النص الذي يوضح حقيقة (الدولة العثمانية والاسس التي قامت عليها والاعمال الجليلة التي قدمتها للأمة ؛كحماية الاماكن المقدسة الاسلامية من مخططات الصليبية البرتغالية، ومناصرة اهالي الشمال الافريقي ضد الحملات الصليبية الاسبانية وغيرها، وايجاد وحدة طبيعية بين الولايات العربية، وابعاد الزحف الاستعماري عن ديار الشام ومصر، وغيرها من الاراضي الاسلامية، ومنع انتشار المذهب الاثنا عشري الشيعي الرافضي الى الولايات الاسلامية التابعة للدولة العثمانية ومنع اليهود من استيطان فلسطين) ، ان النص يصف هذه الاعمال بالجليلة، والامر الاخر وهو الاخطر ان الكاتب عندما ذكر الشيعة واليهود لم يستخدم الفواصل في فقرته اي جعل منع الانتشار الشيعي ومنع اليهود من استيطان فلسطين على حد سواء، من هذه البيئة انحدر ساطع الحصري ليتسلم ادارة المعارف في العراق وللقاريء ان يستنتج ماهي الاثار السلبية التي تنتج عن هكذا ذهنية . خصوصا انها التقت بنظرتها الى الشيعة مع نظرة صانعة العرش (العراقي) المس بيل، ومع عبد الرحمن النقيب ايضا .
ثاني هذه الزوايا التي عمل الانكليز على تكريس مبدأ الطائفية، هي الجيش ومن المعروف انها مؤسسة ادخلت ودخلت في السياسة برغبة بعض الساسة الذين ارادوا تغيير وضعا ما لحسابهم، واذا بهذه المؤسسة تكون هي صاحبة اليد الطولى في حكم وتاريخ الحكم في العراق، ففي 1936 حدث اول انقلاب في الوطن العربي على يد الجيش العراقي، وكل الدلائل تشير حينذاك الى قبول القصر الملكي على اقل الاحتمالات بهذا التدخل للتخلص من ياسين الهاشمي رئيس الوزراء انذاك، وفي 1941 دخل الجيش في مواجهة مع بريطانيا على يد العقداء الاربعة وبقيادة سياسية من رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني بعد ذلك جاءت حركة التغيير في 1958 التي قضت على الحكم الملكي في العراق وكانت بقيادة عبد الكريم قاسم، لينقسم على اثرها بين مؤيد لقاسم ومناهض له، او بين من فتحت شهوته للحكم فاراد ازاحة قاسم ليتسلم هو السلطة أو من عليه تاثيرات خارجية (مصرية خصوصا) مثل عبد السلام عارف وعبد الوهاب الشواف وفي بدايات الحركة تحركهم بطبيعة الحال المفاهيم الطائفية، ولنصل الى 8/2/1963وهذا اليوم يشكل مفصلا تاريخيا في حياة العراق والحراك الاجتماعي والسياسي وكذلك في حياة الجيش العراقي، فبعد ان كان هو المحرك الاساسي للسياسة في العراق لعقود من الزمن، تحول هذا الجيش الى اداة تحركه الاحزاب بصورة سافرة أو بعبارة اصبح اداة مطواعة بيد حزب واحد، هو حزب البعث العربي الاشتراكي :جناح البكر – صدام :اما ما يهمنا هو كيفية التأسيس، ومن هم مادة هذا التأسيس وبعد ان قرر الانكليز تشكيل هذا الجيش(وبحلول 1921، كان تجنيد الضباط والجنود يجري بمنتهى النشاط وقد انحدرت المراتب الدنيا من رجال العشائر، غالبا شيعة، لكن ضباط الجيش انحدروا حصرا من ضباط الجيش العثماني السابقين . وكانوا سنة بشكل حتمي، الأمر الذي أدام الهيمنة السنية على سلك الضباط) ، ومن زوايا تكريس الطائفية والانقسام الطبقي في المجتمع العراقي، ليخلق المقبول وغير المقبول في هذا المجتمع هي زاوية الادارة وهي زاوية التماس الحقيقية بين الحاكم والمحكوم، وبين الذي يقبل الاخر وبين هذا الاخر الذي هو مادة الحاكم في كل حركة وانقلاب، وفي كل تمرد وخلاف، وما ان يمسك بالهدف حتى يرمى او يركن بانتظار حركة اخرى، ان الادارة حالها حال التعليم والجيش قد استلمها السنة دون الشيعة وفي كل مفاصلها من قائم مقام ومتصرف وقد تبوأ هؤلاء هذه المناصب حتى في المناطق الشيعية وهنا يقول تشارلز تريب ان المس بيل (التي امنت في البداية بحسنات الحكم المباشر، اصبحت من المؤيدين بشدّة للحكم العراقي الذاتي، تحت الوصاية البريطانية . ورأيها هذا قربها من موقف الوظفين البريطانيين في لندن وفي اماكن اخرى، الذين ايدوا الحكم الشريفي في العراق، وأن كانت اسبابها في ذلك تميل الى الاختلاف عن اسبابهم . ففي لندن، كان الهم الاول هو كلفة الحكم المباشر على الخزينة البريطانية) ، اما عن بيل وقد كان رايها هو الراجح بالنسبة للدوائر البريطانية وهو الذي اكرره هنا مرارا انها خطوة جعلت فئة تعتقد ان الحكم لا يجوز ولا ينبغي ان يذهب لغيرها، وما رفض البكر تعيين ناجي طالب نائبا له الا خطوة يظنها او يعتقدها حق طبيعي يجب ان يخطوها، وان لايكون سببا في ضياع هذا الحق الذي حسبته هذه الفئة انه ضاع او في طريقه الى الضياع والزوال عندما تسلم عبد الكريم قاسم السلطة، ورفض ان ينهج النهج الطائفي المرسوم بريطانيا، ولذلك كثرت محاولات الاطاحة به حتى ازيل عن الحكم في شباط 1963، وبالعودة الى بيل فهي (صارت مقتنعة بأن القومية العربية كانت تتطور بزخم لايمكن الوقوف بوجهه . وبالنسبة اليها، كانت تلك اشارة الى انه على البريطانيين ان يعملوا مع القوميين الذين ينتمون بمعظمهم الى الحضر والسنة لتحديث البلاد وانهاء ما اعتبرته التاثير الرجعي والجاهلي لرجال الدين الشيعة واتباعهم من القبائل) ، وهكذا سار الخط البياني للحراك السياسي، والاجتماعي في العراق، ونما شعور او احساس في الذهنية العراقية، ان العراق لا يحكم الا من فئة واحدة، وعلى الفئة الاخرى ان لا تفكر قي هذا الامر، ولذلك عندما حصل التغيير عام 2. . 3 على يد الاحتلال الامريكي والذي قلب المعادلة، لم يستوعب نخبوبيوا الفئة الاولى هذا الامر، فرفض التغيير لا لانه جاء بسبب الامريكان بل ان التغيير قد ازاح فئة تعتبر نفسها طبقة اعلى لايجوز ان تتجاوزها الطبقة الثانية (المحكومة) .
سارت الامور في العراق بشكل تراجيدي كان لون الدماء هو اللون السائد في هذا البلد وكذلك الحديث لم يكن الا مصحوبا بالدماء، واكثر ما يصدر هذا الحديث هو من الفئة التي تتسلم مقاليد الامور والسلطة، وداعي المؤامرة لايقاف المسيرة نحو تحرير فلسطين واقامة الوحدة العربية هو الحاضر في محضر الاتهام، وهكذا حكم البعث في تصفية مناوئيه، ومعارضيه، والمنافسين لحكمه، او من يظن انه سينافسه من رفاقه في الحكم، اومن يعتقد انه لم يساير ما يريده الحاكم سواء اثناء حكم البكر – صدام أو بعد ان استفرد صدام حسين بالسلطة، فقد طرد كل من عزة مصطفى وفليح حسن الجاسم عضوي قيادة قطر العراق للحزب ومجلس قيادة الثورة لمجرد انهما لم يوافقا على الاحكام الجاهزة التي اصدرتها مجموعة البكر – صدام اثر احداث خان النص، حيث خرج الزائرون باتجاه كربلاء من النجف لمناسبة اربعينية الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) الا ان السلطة تصدت للزائرين بقوات الجيش الامر الذي ادى الى مصادمات بين الطرفين، واعتقل العديد من الزائرين الذين حولوا الى محكمة خاصة شكلها مجلس قيادة الثورة برئاسة عزة مصطفى وفليح حسن الجاسم وحسن العامري الذي وافق على الاحكام الجاهزة بخلاف زميليه اللذين طردا وقد صفي فليح حسن الجاسم فيما بعد، وبعد سنتين من هذا التاريخ وفي عام 1979واثر استلام صدام حسين السلطة اعتقل واعدم فيما بعد العديد من قيادات الحزب ومن ضمنهم اعضاء في مجلس قيادة الثورة كعدنان حسين الحمداني وزير التخطيط ومسؤول لجنة الاتفاقيات النفطية، وعضو القيادة للحزب ومجلس قيادة الثورة عندما كانت كتلة البكر – صدام هي التي تحكم، أما عندما استلم صدام السلطة عين الحمداني نائبا لرئيس الوزراء ورئيسا لديوان الرئاسة، لكن بعد ايام قلائل اعدم مع غانم عبد الجليل عضو القيادة ومدير مكتب صدام عندما كان نائبا وقبلها كان وزيرا للتعليم العالي، ومحمد محجوب عضو القيادة القطرية ووزير التربية، ومحمد عايش القيادي العمالي وعضو القيادة ووزير الصناعة والمعادن، ومحيي عبد الحسين امين سر مجلس قيادة الثورة وعضو القيادة، ومعهم الكثير من قيادات البعث الذين رفضوا ان يستلم صدام حسين السلطة بالطريقة التي تمت فلم يقبل صدام حسين المتربص للانقضاض على السلطة من (11) عاما، فاعدموا على يد رفاقهم بعد محكمة شكلت برئاسة نعيم حداد عضو القيادة الذي ازيح هو الاخر بعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ .
لم تكن هاتان الصورتان هما البارزتين في مشهد الحكم البعثي الرافض لكل رأي اخر حتى ولو كان قريبا من دوائر القرار، وقد اثبت الحكم في العراق وخصوصا بعد تموز 1958 ان الذي يديره هي الحلقات وهي تنقسم الى محيطة، وقريبة، وضيقة وهذه كانت واضحة المعالم في زمن صدام حسين . وحده الرئيس او القائد او الزعيم الذي يقرر من الذي يكون ضمن اي دائرة، ووحده يناقلهم بين الحلقات والدوائر حسب مزاجه لا حسب الكفاءة والاخلاص، وقد عانى العراق من هذه الظاهرة كثيرا، فبعد اقامة الجمهورية شعر الناس والوقائع دلت على ذلك ان الدائرة او الحلقة الضيقة تضم عنصرين لا ثالث لهما هما عبد الكريم قاسم، وعبد السلام عارف الا ان تصرفات الاخير اغضبت قاسم و ماهي الا مدة قصيرة حتى اقصاه عن مناصبه ليعين سفيرا في (بون) الامر الذي رفض من قبل عارف، اصرار قاسم وتدخل بعض الضباط اقنعته بضرورة التنفيذ، لكن لم يرق لعبد السلام عارف وهو الذي يدعي انه القائد الفعلي للثورة، ان يرمى بعيدا فعاد الى العراق دون علم عبد الكريم قاسم وعاود اتصالاته ونشاطه الاول الى ان تم اعتقاله بتهمة التامر قاسم .
ان الصراع بين الرجلين اندلع بعد خمسة ايام من 14 /تموز ، وقد كان العامل الخارجي مؤثرا في بلورة هذا الصراع، فعبد السلام بدأ بالمطالبة بتحقيق الوحدة الفورية مع مصر وسوريا، وبدفع من القوميين العرب والبعث، ان الامر يبدو للوهلة الاولى خلاف سياسي ادى الى صراع على قيادة السلطة كما يقول هذا النص (وسرعان ما ادت خلافاتهما السياسية الى صراع على قيادة الثورة) ، والحقيقة هو ليس خلافا سياسيا في وجهات النظر ولا حتى صراعا بين وجهتي نظر لو صحت العبارة من اجل تحقيق مبدأ اتفق عليه مثلا او اخلالا بتعهد ما، ثم يضيف النص (وعلى الرغم من حقيقة ان الثورة كانت جهدا مشتركا معمولا باسم قاسم، سرعان ما بدأ عارف بوضع نفسه في دائرة الأضواء . ففي جولة واسعة في الألوية العراقية، القى عارف خطبا غير مدروسة ايدت بقوة الاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة . واشار مرارا الى عبد الناصر، في حين نادرا ما كان يذكر قاسم .) ، والحقيقة انها ليست خطبا غير مدروسة، بل نهج انتهج بين القوى التي تؤمن (بالقومية) مبدءا ونهجا حسب ادعائها، وب(الوحدة) الفورية هدفا، يقودهم في ذلك جمال عبد الناصر واعلامه المتمثل باذاعة صوت العرب حينذاك، كذلك واؤكد القول انه ليس خلافا ولا صراعا بقدر ماهو رفض للشريك الفعلي والقائد الفعلي للتغيير، والانقلاب عليه حيث حصل الحدث الاخطر في سوريا بعد اربعة او خمسة ايام من الانقلاب غادر عارف الى دمشق على رأس وفد للتفاوض مع عبد الناصر للحصول على دعمه في حالة حصول هجوم مضاد للثورة . وقد ناقش عارف بوضوح مع عبد الناصر امكانية انضمام العراق الى الجمهورية العربية المتحدة وكان يطلق مرارا على قاسم اسم "نجيب " الثورة العراقية الذي تحدى قيادة عبد الناصر للثورة المصرية وقام عبد الناصر بتنحيته) . والحقيقة بالاضافة الى رغبة عبد السلام عارف في الارتماء في احضان ناصر وذلك للامساك بالسلطة لا غير، وقد دلت الايام على ذلك، فعبد استلام عارف للسلطة كان ابعد ما يكون عن هدف الوحدة وايضا عن عبد الناصر ولو انه تظاهر بانه قريب منه ، لكنهما التقيا بنفسية واحدة هي اقصاء الاخر فجمال لم يطق ان تنظر الجماهير المصرية الى محمد نجيب على انه القائد الحقيقي لحركة التغيير التي حدثت في 23 /7/1952 فدبر له المكائد في سبيل التخلص منه الى ان جاء الوقت واتهمه بالتامر مع الاخوان المسلمين، فحجزه الى ان مات في بداية الثمانينيات، حتى انه منع من حضور جنازة نجله . اما عبد السلام عارف فانه قد فقد توازنه وذلك لعدة اسباب منها، انه قد فرض على الضباط الاحرار فرضا من قبل عبد الكريم قاسم قبل الحركة في 14 /7/1958وهو الاقل رتبة فيما بينهم الى ان جاء يوم التنفيذ حتى تقاسم قاسم وعارف اكبر المناصب في البلد، وهذه احدى اكبر خطايا عبد الكريم قاسم الذي تبوأ رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، اما عارف فقد تبوأ منصب نائب رئيس الوزراء، ووزير الداخلية، ونائب القائد العام للقوات المسلحة، ان اهم باعث على الاستياء او لعله (كان الباعث الاهم على الاستياء ان العديد من الضباط الاحرار في المناصب الاقل شأنا كان عليهم ان يأخذوا الاوامر من عارف، الادنى منهم في الرتبة، وهو الرجل الذي كان وجوده في تنظيمهم محط اعتراض بالاصل) ، ان عارف ومنذ الايام الاولى وحتى يوم اعدام عبد الكريم قاسم كان يصر على انه القائد الفعلي في يوم 14 تموز وحاول انتزاع هذا الامر من قاسم وهو أسير بين يديه يوم 8/شباط الا انه لم يفلح في ذلك حيث رفض قاسم ان يعطيه هذا الانجاز التاريخي .
من مشاهد العراق السياسية والموشحة بلون الدماء هو تحالف عبد السلام عارف مع البعثيين في الثامن من شباط حيث تعكز الواحد على الاخر في القضاء على حكم قاسم . تحالفا وهما يعرفان انهما لم يستمرا على هذا التحالف، فالبعث بفكره لا يقبل للاخر مهما يكن قريبا منه في الفكر ان يكون له شريكا في الحكم، نعم ان يكون شريكا قبل الظفر به، يقبل البعث ان يجعل من الاخرين جسرا للعبور الى ضفة الامان وهذا ما حدث مع عبد السلام عارف وبعد ذلك مع النايف وابراهيم الداود في تموز 1968 وكذلك مع ناصر الحاني، وايضا عندما يجد نفسه في زاوية حرجة اثناء حكمه وهذا ما حدث في سبعينيات القرن العشرين عندما وقع مع الحزب الشيوعي العراقي (اللجنة المركزية) بقيادة عزيز محمد باقامة الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، وبشروط البعث ومنها ان تكون رئاسة الجبهة للبعث، وان لا يدخل العسكري في اي حزب باستثناء حزب البعث، وقد قبلها الحزب الشيوعي الامر الذي اصبح ورقة بيد البعث لاشهارها في اي وقت يرى فيه ان الضربة قد حانت لاسقاط هذا الجسر (العبأ عليه) والتخلص منه، وفعلا لعب البعث بهذه الورقة حيث اعدم عام 1977 مايقارب ال (21) من كوادر الحزب الشيوعي بحجة انتمائهم الحزبي بالرغم من انهم في الجيش وهذا خلاف الشرط، وليشن حملة شعواء ضد كوادر الحزب متمثلة بالاعتقال، والاختطاف، والاغتيال مع وجود الجبهة رسميا، الامر الذي اجبر وزراء الحزب الشيوعي على الانسحاب من الوزارات التي تسنموها وهي الدولة لعامر عبد الله، والري ومن ثم النقل والمواصلات لمكرم الطالباني، وكذلك اجبر القادة والقاعدة على ترك العراق الى المهجر والى شمال العراق ليلتحقوا بالجبال المحترقة هناك، ومن المعلوم ان الحزب الشيوعي يعرف ان الذين استلموا السلطة ووقعوا معهم الجبهة هم انفسهم الذين قادوا المذابح في 1963، لابل هم خلاصة الخلاصة في الفكر البعثي متمثلين بمجموعة البكر – صدام .
اعود الى عبد السلام عارف والبعث، فالبعث يعرف انه اذا قام بتصفية قاسم بمفرده سيعاني من عدم شرعية التغيير امام اكثر ابناء العراق، اما اذا جيء بعبد السلام عارف وهو المعروف عنه ثاني اثنين حكما العراق بعد 14 /تموز، ويدعي انه القائد الفعلي في هذا اليوم كما مر سابقا ثم انه تقاسم السلطة مع قاسم لفترة من الوقت، وبالرغم من اعتقاله ومحاكمته بتهمة التامر الا ان عبد الكريم قاسم ذهب الى زنزانته واطلق سراحه واوصله الى بيته، هنا كل الامورهذه تعطي بعض من (الشرعية) لحركة البعث في 8/شباط، ومن الطبيعي ان البعث يعطي لعبد السلام زخما وذلك انه على الرغم من كل محاولاته ونداءاته للوحدة الفورية مع مصر وسوريا، وايضا كل ادعاءاته بتجيير الحركة في 14 /تموز لم تصنع منه قائدا جماهيريا ابدا، اذن هو اراد يتكأ على البعث لحين من الوقت، فهو اذن (متربص) اخر في دنيا السياسة والاستبداد، والتفرد بالسلطة، وهكذا (فقد رغب اعضاء البعث، الشباب وغير المعروفين، بوضع شخصية معروفة رئيسا، يفضل ان يكون شخصا يحوز على رضا عبد الناصر، تم اختيار عبد السلام عارف رئيسا ورقي الى رتبة مهيب، مع انه لم يكن في اذهان البعثيين اكثر من شخصية صورية) ، لكن هل كان تقدير البعثيين صائبا في جعل عارف رئيسا صوريا، بالطبع الجواب يكون بالنفي فقد دلت الوقائع ان عبد السلام عارف ليس ذلك الحمل الوديع، الذي يقبل ان يكون جسرا ليعبر غيره الى ضفة السلطة الحقيقية، ويحقق طموحاته واهدافه، وهو لا يستطيع ان يعترض او يوافق، حتى لو كان هذا الغير هو الحزب قد جاء به من المنزل ووضعه على سدة
الرئاسة، واعني به حزب البعث العربي الاشتراكي . استغل عبد السلام عارف (المتربص) العلاقات المأزومة بين اعضاء حزب البعث العسكريين والمدنيين، والتي وصلت الى حد اقتحام المؤتمر الذي عقده الحزب لانتخاب اعضاء قيادة جدد يبلغ عددهم ثمانية افراد دعا اليه المعتدلون في الحزب فقد (قاطع عدد من البعثيين العسكريين المسلحين الاجتماع وفرضوا انتخاب قيادة معتدلة جديدة . وجرى اعتقال السعدي واربعة من مساعديه ونفيهم الى اسبانيا .) ، "والحقيقة ان كلمة قاطع هي كلمة مخففة لان ماجرى هو اقتحام لمنصة الرئاسة "، والمهم في الامر هنا ان الامور في حزب البعث اخذت تسير بالاتجاه الذي يتمناه (المتربص) لاستغلال هذه الفرصة "عبد السلام عارف" فبعد هذه الحادثة انتقل الرفض والرفض المقابل بين المتنافسين من البعثيين العسكريين، والبعثيين المدنيين الى اسماع الناس بشكل علني ومكشوف، وذلك بخروج انصار علي صالح السعدي محتجين على مالحق بزعيمهم الى الشوارع واحدثوا هيجانا ولعدة ايام وايضا (هاجم انصار السعدي في القوة الجوية القصر الجمهوري . وبدت بغداد على شفا الفوضى) ، في هذه الخطوة والخطوة التي تلتها حانت فرصة (المتربص) الذي ارادته قيادات البعث ان يكون رئيسا صوريا "عبد السلام عارف" للوثوب والانقضاض على فريسته، والخطوة هي وصول ميشيل عفلق وامين الحافظ الى بغداد، والغائهما لنتائج الانتخابات التي جرت ونفي حازم جواد، وطالب شبيب بالى خارج العراق . كان لابد لعبد السلام عارف وهو في موقعه يرى ويشاهد ان منافسيه الذين جاؤوا به الى الموقع الاول في البلد قد تناثرت اوصالهم، وايضا بدا له ان تدخل ميشيل عفلق وامين الحافظ السوريين في شؤون العراق يعطيه الدافع لضرب ضربته واي تهاون سيأتي غيره، ويذهب بعبد السلام عارف بكل طموحاته مع البعثيين الى زنزانات الاعتقال مرة اخرى وربما الى اعواد المشنقة على اقل تقدير، او يجري عليه مافعله بعبد الكريم قاسم حيث اسره الى مبنى الاذاعة وحاكمه هو (الخصم والحكم) واعدمه بنفس اليوم الذي أسر به .
جاءت الفرصة لكن عبد السلام ايضا لازال يشعر انه لا يملك القوة الجماهيرية التي تؤهله لضرب حزب البعث، فهو قد ساند وأيد بقوة ماقام به الحرس القومي من مذابح بحق الشيوعيين، وانصار عبد الكريم قاسم، فوجد نفسه مرة اخرى مضطرا ان يتحالف مع احمد حسن البكر، والذي اقل ما يوصف به هذا الرجل انه يعيش بعقلية القرية، وان تبوأ منصب رئيس الوزراء ويصفه هذا النص حيث يورد عن احمد حسن البكر، وطاهر يحيى، وصالح مهدي عماش بانهم (جميعهم كانوا اعضاء في حركة الضباط الاحرار وكان لكل منهم اتباع في القوات المسلحة وفي الحزب . وارتكزت هذه التبعية على سياستهم المحسوبية، وفي حالة احمد حسن البكر على الأقل، على خلفيات اقليمية مشتركة وعلى علاقات عشائرية وليس على أي تقارب ايدلوجي واضح . في الواقع، لم يمثلوا كمجموعة تيارا جليا ضمن الحزب، ولكنهم كضباط عسكريين كانوا يدركون حاجة البعثيين للتعاون مع تلك الفصيلة من ضباط الجيش التي التفت حول الرئيس عبد السلام عارف) ، فالسلطة هي الهدف، وسلطة العشيرة، والقرية، ومن ثم الاسرة وصولا الى سلطة الفرد هي الغاية الاسمى عند هؤلاء، وليس الايدلوجيا هي الوسيلة في الوصول الى قلوب وعقول الناس، بل الايدلوجيا جعلوها كالأشخاص جسرا لوصولهم الى ضفة السلطة، ويتحالفون مع أي قوي مرحلي يوصلهم اليها وهم وكما عرفنا يخططون للضربة القاضية للحليف، هكذا فعلوا مع عبد السلام عارف يوم 8 /شباط، وكذلك بعد ان شعر البكر وحردان التكريتي ومعهم صالح مهدي عماش، ان الحزب ماض الى انهيار كان عليهم وهم طلاب السلطة وليس الايدلوجيا ان يتحالفوا مع القوي الحالي عبد السلام عارف (وبوضوح توقعوا ان يلعبوا دورا اكبر في النظام اللاحق من دورهم السابق . فحردان التكريتي، على وجه الخصوص، ساعد في انهيار النظام باستخدام القوة الجوية، وهو عمل استخدمه زملاؤه لاحقا ضده) ، وهكذا قدّر عارف ان الفرصة قد حانت لضرب ضربته بعد ان تصادم جناحا الحزب، وبروز او خروج الجماعة الوصولية، البكر وجماعته مع بقائهم في الحزب، وخروج رشيد مصلح وطاهر يحيى منه والاصطفاف كليا مع عارف، هنا تحرك في 18 /11/1963لينفرد بالسلطة وليعين البكر نائبا للرئيس، وحردان التكريتي وزيرا للدفاع، لكن سرعان ما ازاحهم عارف وهو الذي يفهم مخططاتهم، ويعرف اهدافهم فقد حاصروه بعيونهم وهو رئيس جمهورية في حكومة الحرس القومي خوفا من اي تحرك يقوم به، لذلك سارع على الاطاحة بهم ايضا، وكذلك انه ايضا كالبكر وجماعته، لا يتعدى تفكيره المدينة، والقرية، والعشيرة، والاسرة، فهو وان تحالف في باديء الامر مع البكر واعوانه، وقبل برشيد مصلح، وطاهر يحيى بعد ان تركا حزب البعث، خلافا للبكر وجماعته، فانه ان قبل كلا المجموعتين فبحدود لا يتعدوها، فاما البكر وحردان التكريتي، وصالح عماش، فطموحهم الاستيلاء على السلطة كليا وعارف يفهم عقليتهم، فما هي الا فترة والغي منصب نائب الرئيس ليجبر البكر على الانزواء ليحضر لضربته للقضاء على حكم عارف . اما طاهر يحيى فطموحه توقف عند رئيس وزراء، ورئيس الوزراء عند عبد السلام عارف موظف رفيع الدرجة ليس الا فالسلطات بيده، واما قبوله لهذين العنصرين فلأسباب منها مع انهما لا يمثلان خطر على رأس السلطة، فانهما من نفس الفئة التي رسمتها المس بيل، والسبب الاخر هما من الجيش، ومن تكريت بالذات، واما ما يقال انهما احتجا على تصرفات البعث والحرس القومي فهذا غير دقيق بالنسبة للحاكم العسكري أيام الحرس القومي رشيد مصلح وله صولاته في المذابح التي طالت الشيوعيين وغيرهم من القوى المساندة لعبد الكريم قاسم . وايضا طاهر يحيى فهو وان ترك الحزب لكنه مارس عملهم القمعي حتى بعد 18/11 وهنا يروي محمد حديد هذه الرواية حيث تم استدعاؤه الى المحكمة واعادته الى المعتقل فيقول (وعلمت خلال تلك الفترة ان قرار اعادة اعتقالي كان بايعاز من السلطات العليا ولاسيما عبد السلام عارف وطاهر يحيى الذين الّبهما عليّ بعض الموصليين الناقمين على عهد عبد الكريم قاسم) ، وفي مكان اخر يقول واثناء ايام الحرس القومي (وبعد ايام عدة زارني في المعتقل الانفرادي صالح مهدي عماش نفسه، وكان معه مرافقه الضابط سامي سلطان (ابن حلاق عائلة حديد في الموصل الذي كان يفترض انه يعرفني) . وقف عماش عند الباب فوقفت لاستقباله، واذا بهي نهال عليّ بهجوم شديد:قائلا ((اين فلوسك)) فأخبرته بأن ليس لدي فلوس بل مدين للبنك ويمكنكم التأكد من ذلك . وهم يفترضون ان لدي ثروة كبيرة، والح على ضرورة اخبارهم عن احوالي والا فانهم سيقصون رأسي، هذا اضافة الى اتهامات سياسية اخرى مرتبطة بتعاوني مع عبد الكريم قاسم، وهي اتهامات ماانزل الله بها من سلطان .
وبعد يومين او ثلاثة، جاء طاهر يحيى، وكان حينئذ رئيس اركان الجيش، يرافقه حازم الصباغ، وبدأ هجوما كلاميا عليّ وتوجيه تهم مختلفة، مهددا باني سأنال العقوبة التي استحقها) ، اذن لا فرق بين عماش الذي اشتهر بقيادة المذابح في 1963، وطاهر يحيى الذي عرف عنه الانسلاخ من البعث احتجاجا على ممارساته في هذه السنة، فكلاهما مارسا القمع والتهديد، وكلاهما مثّل دور الخصم والحكم والجلاد .
مع كل هذه الاحداث بنى عبد السلام عارف حلقته او دائرته الضيقة التي عليها اعتمد يوم 18/11، فهو قد اعتمد على شقيقه الاكبر عبد الرحمن عارف الذي عينه فيما بعد رئيسا للاركان بالوكالة، وعلى سعيد صليبي الضابط المنحدر من الرمادي، وهكذا اعتمد عبد الرحمن عارف عند استلامه الرئاسة بعد وفاة عبد السلام في حادثة الطائرة المعروف على حلقة ودائرة ضيقة جدا، هي حلقة ابراهيم الداود، وعبد الرزاق النايف، وسعدون غيدان، والحقيقة ان الداود والنايف قد مثلا مفهوم عزل الرئيس عن محيطه الذي وضعوه فيه خير تمثيل وبذلك لم يعد باستطاعته ان يخرج بقرار يخص الداخل العراقي دون موافقة هذه الحلقة الرافضة لكل رأي اخر، فبالاضافة الى مطامعهم الشخصية، فان انحدارهما من بيئة ضيقة جدا يعطيهما الدافع على رفض ان يكون لغيرهما مكان في دائرة الضوء، حتى ما يتفق عليه مع عبد الرحمن عارف مع القوى في سبيل الخروج من ازمة ما، يجد المتابع ان هذين الشخصين يمارسان ضغطا شديدا على عبد الرحمن على عدم تنفيذ ما وعد به كي يبقى اسيرهما، ومن ثم تنفيذ مخططهما في استلام السلطة، وهذا ماحدث يوم 17 /تموز /1968وصولا الى 3. /تموز 1968وهو اليوم الذي استطيع ان اقول عنه نهاية الفترة العارفية بكل رموزها، وبيئتها ايضا، وبهذا يجد المتابع لهذه الفترة كما (ان تحالف عبد السلام عارف مع البعث لم يكن قائما على مباديء وطنية أو قومية بل هي مباديء الوصول الى السلطة، فلم يتحمل الوضع أن يكون الاثنان قطبي الحكم، فابتدأت المؤامرات تحاك من الطرفين، لكن عبد السلام بخبرته وجه الضربة الاستباقية وابعد البعث عن السلطة، والذي سوف يعود بعد خمس سنين بتحالف مع عبد الرزاق النايف وابراهيم الداود، لكن بنية التخلص منهما سريعا) ، لكن هل يتحمل النايف والداود ان يبقى البعث معهما، وان كان البعث وايضا النايف والداود تحالفا مع السفارة البريطانية في استلام السلطة من عارف، فان هذا لا يعني انهما لا يتسابقان في تقديم الخدمة لبريطانيا دون وجود الاخر، ويبدو ان حظ البعث بما يمتلكه من ادوات اكبر من النايف والداود، وحسب ماابلغ النايف اعضاء حركته ان السفير البريطاني هو الذي فرض البكر وجماعته عليه بعد ان علم بنية النايف وجماعته (الثوريين العرب) بالقيام مااتفقت عليه الجماعة من حركة تصحيحية تبقي على عبد الرحمن عارف على ان تغير الوزارة، لكن الجماعة فوجئت بتغيير المفردة من حركة تصحيحية الى ثورة الامر الذي اثار استغراب واحتجاجهم رفاقه مما اجبره على الاعتراف بالقول (اقسم بالله لقد اتصل بي السفير البريطاني في بغداد وقال :أن حركتكم لا تتم حسبما تريدون وسوف نجهضها ونجهض عارف معكم ما لم تشركوا من نريد، فأعطاني موعدا فالتقيته وبصحبته احمد حسن البكر فقال :هذا ومن معه سوف تتعاونون معه على الثورة) ، وقد اشترك كل من عبد السلام عارف، والنايف والداود، والبكر وحردان التكريتي وصالح مهدي عماش، اشتركوا بالفئوية والبيئية، والاستبداد، والولاء للاخر، وهذه صفات كل صفة منها تجعل صاحبها يرفض الاخر، بل يسعى الى القضاء عليه حتى لو كان حليفه، وهذا ماحصل مع هؤلاء .
حدث في العراق رفض وعدم قبول للاخر يستطيع الفرد العادي فضلا عن الباحث ان يصفه بانه محاكاة لما هو خارج الحدود، موسكو وبكين، انه الصراع بين اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وبين القيادة المركزية التي تزعمها عزيز الحاج أو ماعرفت بجماعة (ماو) نسبة الى ماوتسي تونغ الزعيم الصيني، أو ما عرفت بين الناس باسم (الكفاح المسلح) الامر الذي جر على الشيوعيين الويلات، وعلى الحركة الشيوعية ايضا التشتت نتيجة هذا التناحر بين الفصيلين، وقد قاد الانفصال عن اللجنة المركزية الشيوعي البارز (عزيز الحاج) عام 1967 حيث يقول (قد كانت افكاري الانتقادية للخط السوفيتي السائد اساسا فكريا لحركة حزب القيادة المركزية عام 1967الذي رفض كل الوصايا الشيوعية، الدولية منها والمحلية، على اختلاف اتجاهاتها، الدولية منها والمحلية، وعلى مختلف الاتجاهات . ولعل النزعة الاستقلالية والانتفتاح على القضية الفلسطينية كانا اهم اثار حركة حزب القيادة) ، وهذا معناه رفض لكل ماسبق ومالحق ويلحق من مواقف اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي، لكن هل اختلف فكر وممارسة عزيز الحاج عنهما، خصوصا فيما يخص العلاقة بين الشيوعيين ككل وبين السلطة القائمة حيث يقول (وكان دعاة خط اغسطس (اب) وهم يكررون التعاليم والتوجيهات السوفياتية يدعون الى الانفتاح على حكم عبد السلام عارف والى حد امكان دخول الشيوعيين الى اتحاده الاشتراكي . وبالغوا في مغزى ومردود بعض التأميمات المشوهة فيما ظلت مسألة النفط غير محلولة . وأهملوا السياسات الشوفينية والطائفية للنظام المذكور . ولم يكن كل ماقالوه خطأ وخصوصا التقييم الايجابي لدور القيادة الناصرية . ولكنهم خلطوا بين القيادتين واعتبروا الحكم العارفي سائرا وراء عبد الناصر ووضعوا علامة مساواة بين الاتحادين الاشتراكيين) ، ولايفهم من هذا الكلام الا تخطئة الاخر (الضد من نفس الفصيلة) وايضا لايفهم من هذا الكلام الا ان الشيوعيين وسائر الحركات لاتفهم او لاتريد ان تفهم بواطن الامور، خصوصا فيما يتعلق بالدور الايجابي للقيادة الناصرية، والتي مافتئت تحيك الؤمرات ضد عبد الكريم قاسم حتى تم اسقاطه، وايضا كان لابد منهم ان يعرفوا ماهو دور الاتحاد الاشتراكي في مصر، قبل ان يناقشوا ايجابياته من عدمها في العراق، ويكمل الحاج بالقول (واذا كنت مع كوادر حزبية اخرى نلح على رفع شعار اسقاط الحكم، حتى عندما كان يحقق بعض الخطوات الهامة كحل الحرس القومي وكشف جرائمه والانفتاح على مصر، والقوى القومية التقدمية العراقية، فاننا كنا نخطيء في الخطة التكتيكية وكنا نستعجل الامور قبل نضوج شروط رفع الشعار المذكور، اذ كان ضروريا تقدير كل ما ينجز ايجابيا ايا كان كانت الحكومة ورأسها . واذن فالخط العام للمعارضة كان سليما مع شعارات تكتيكية متشنجة فيما كان خط اغسطس (اب) قائما اساسا على فرضيات خاطئة واوهام وعلى انفصام عن الواقع العراقي) ، وانا اريد ان اسأل السيد عزيز الحاج :كيف يستفاد من بعض المظاهر البراقة التي تطلقها السلطة وفلسفتها أو قل تفكيرها وافقه ضيق الى ابعد الحدود لا يتعدى البيئة، والقرية، والعشيرة، واين انتم من اسقاط عبد الكريم قاسم، وولاء عبد السلام عارف لعبد الناصر، وهو الذي اعتمد على الجيش في حكمه هو وعبد الرحمن عارف من 1963 – 1968 وعلى قيادات عسكرية من نفس البيئة حيث (كان ذلك درسا أكدّه عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف الّلذين حكما العراق على التوالي في السنوات الخمس التالية . فقد وضّح عبد السلام بأنه ينوي احتكار السلطة وألاّ يشارك فيها سوى أعوانه الذين يثق بهم أو يعتقد بأنهم يستحقون المكافأة . هكذا، ظل رئيسا للدولة وقائدا أعلى للقوات المسلحة، حكم بالمراسيم ولم يعين سوى زملائه في المجلس الوطني لقيادة الثورة، الذي اصبح الان رئيسا له . وشكّل الحرس الجمهوري كنخبة وحدات القوات المسلحة، وجعله تحت قيادة احد اقربائه من قبيلة الجميلة في محيط الرمادي . جهزت هذه الوحدة بالسلاح الكامل وتمركزت في موقع استراتيجي قرب بغداد بهدف حماية النظام من اية محاولات انقلابية في المستقبل) ، سلطة هذه هي طريقتها في تسيير الامور، هل يصح نجتزأ مواقفها؟ علما ان كل معالجة يقدم رأس السلطة المستبدة، تكون انية وليس بهدف بناء مجتمع بقدر الامساك اكثر بالسلطة، ولم يكتف عزيز الحاج بانتقاد اللجنة المركزية، وكذلك ما يسمى خط اغسطس (اب) ، بل ينتقد حتى مبدأ الكفاح المسلح الذي تبنته قيادته (القيادة المركزية) ، وقد يتبين السبب في هذه الفقرة (أما كبريات الأخطاء فرفع ((الكفاح المسلح)) الى مستوى المبدأ والاستراتيجية، والفهم العقائدي الجامد والمنفصل عن الواقع لما يدعى (الدور الطليعي للطبقة العاملة بقيادة حزبها الشيوعي)، والتسرع الانفعالي لمواجهة سلطة البعث الثانية رغم فترة حوار دامت شهورا) ، وهنا اتسائل، هل الوقوف بوجه شخصيات مارست القتل قبل خمس سنين بابشع صوره ودون ان تعلن عن ندمها عن ذلك هو تسرع انفعالي ؟وهل الوقوف ومقاومة من ابتدأ حكمه بنكث المواثيق والعهود مع من اوصلهم الى السلطة وهما الداود والنايف، لا بل مارسوا القمع من خلال تزويد البكر للنايف كونه معاونا لرئيس الاستخبارات في عهد عبد الرحمن عارف قوائما باسماء بعثيين مناهضين لجماعة البكر – صدام واعتقالهم ليصفو لهم الجو والتحرك دون تاثير هؤلاء على القواعد البعثية، وسؤال اخرهو ماذا حصلت وجنت اللجنة المركزية بقيادة عزيز محمد من حوارها وقبولها بالدخول في جبهة مع السلطة الثانية للبعث كما يقول الحاج ؟ انا لا أتكلم عن مؤرخ سياسي بل عن سكرتير للجنة المركزية وهو في العشرينيات من عمره وكذلك عن زعيم الانفصال عن اللجنة المركزية، وزعيم القيادة المركزية وعليه ان يقرأ الساحة ويقرأ اللاعبين فيها وهو في الميدان، لكنني اعتقد وبثقة ان هذه الفقرة هي تبرير لما ال اليه مصير الحاج نفسه من وضع تاريخه الشخصي برمته بين يدي سلطة البعث، وقد عين ممثلا للسلطة في اليونسكو فيما بعد . واترك الخلاف الشيوعي – الشيوعي لدراسة اخرى وانتقل الى فئتين اخريين هما اكبر المتضررتين من الرسم البريطاني لمصير العراق منذ 1921واعني بهما الشيعة والاكراد
المصدر: http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1...