الشّورى والدّيمقراطية في وعي الإسلاميّين بين التباس اللّغة والتباس التاريخ

إدريس الكنبوري

 

شكّلت ثنائيّة الشورى والديمقراطية، في الوعي العربي ـ الإسلامي الحديث والمعاصر، واحدة من الثنائيات الصعبة التي ظلّت طيلة عقود تتقاذف المشهد الفكري والسياسي وتوزّعه إلى تيّارات متضاربة ومتعادية في الكثير من الأحيان، إلى حد أنّها أربكت الحياة الفكرية والسياسية، وأدخلت الثقافة العربيّة الحديثة في منطقة محبوسة لم تكد تخرج منها إلى اليوم.

مرجع هذا الارتباك أنّ الفكر العربي الإسلامي الحديث وقف من قضيّتي الشورى والديمقراطية موقفين متناقضين منذ البداية: الموقف الأوّل ركّز على الجانب الإجرائي العملي في كلّ من الشورى والديمقراطية، فاعتبر أنّ الخلاف في المصطلح المستعمل لا يعني خلافاً في ما يدلّ عليه، من وجوب فتح باب الحرية السياسية للمواطنين والقطع مع الاستبداد السياسي الطويل، أمّا الموقف الثاني فقد غلب عليه الجانب الإيديولوجي في النظر إلى المسألة، فرأى أنّ كلاً من الشورى والديمقراطية تحمل في أحشائها مدلولات معينة؛ فإذا كانت الشورى وليدة المجتمع الإسلامي المتديّن ولها "أساس قرآني"، فإنّ الديمقراطية لصيقة بالدولة العلمانية الحديثة، ولها جذور وثنية تعود إلى اليونان القديمة، ومن ثمّة لا سبيل إلى التصالح بينهما([2]).

أوّلا: الشورى والديمقراطية في التجربة التاريخية للمسلمين

ليس هناك أدنى اختلاف في أنّ الشورى في التجربة التاريخية للمسلمين قد ارتبطت بالجانب التعبّدي والأخلاقي لدى الفرد الحاكم، ولم ترقَ لتصبح نظاماً مؤسّسياً له ضوابط محددة يمكن التحاكم إليه. وبهذا المعنى كان يجري اعتبارها شيئاً زائداً يمكن الاستغناء عنه من لدن الحاكم، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإنّ الحاكم لم يكن يلجأ إليها إلا في حال الضرورة، أي في الحال التي يتبين له معها أنّ هناك مسألة يتعين التشاور فيها؛ وبهذا المعنى لم تتحول إلى نظام أو آلية سياسية تجري مجرى العرف والعادة في واقع المسلمين.

وردت الإشارة إلى الشورى في القرآن الكريم بمعنيين اثنين؛ فقد وردت تارة بمعنى المشاورة، كما في الآية: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} (آل عمران. 159)، ووردت تارة أخرى بمعنى الإفتاء، كما في الآية عن ملكة سبأ: {قالت يا أيها الملأ افتوني في أمري، ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون} (النمل. 32). وقد توسّع المفسرون في تفسير هذه الآيات التي وردت فيها الإشارة إلى معاني الشورى، بيد أنّ الملاحظ أنّهم أجمعوا على امتداح "محاسن" الشورى، بوصفها خلقاً من الأخلاق الفردية الحميدة التي يتوجب على الحاكم المسلم الأخذ بها، دونما حتم، ولم يضعوها في عداد الأوامر الأخرى مثل الزكاة والصيام والحج، أو غيرها من الفرائض، على اعتبار أنّها لا تدخل في الضروريات بل في التحسينيات، وإن كان هناك من تأول الآية: {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم وممّا رزقناهم ينفقون} (الشورى.38)، على معنى أنّ الشورى من الفرائض، بدلالة ورودها بين فريضتين، هما الصلاة والزكاة؛ ولكنّه تأويل بعيد، خصوصاً وأنّه لا يحضر في الكتابات التراثية في موضوع الشورى والمشاورة، ولم يتطرّق إليه المفسرون السابقون الذين اكتفوا بعرض فوائد الشورى وما قيل فيها، مجردة عن الحكم والسلطة، ولكنّه ظهر ضمن التأويلات الحديثة مع الحركات الإسلامية التي دفعت بالتفسير السياسي للنصوص إلى حد أبعد.

إنّ هذا البعد الأخلاقي الذي غلب على مفهوم الشورى في تاريخ الإسلام، وفي المدونات الفقهية، هو ما جعل قضية الشورى في العقل الإسلامي الكلاسيكي تتردّد بين الإلزام والإعلام. فقد اختلف الفقهاء على قولين في المسألة: قول يذهب إلى أنها ملزمة للحاكم يتعين عليه الأخذ بها، وقول ثانٍ يذهب في الاتجاه المضاد ويرى أنها معلمة فقط، أي يمكن للحاكم الأخذ بها على وجه التخيير([3]).

وما نستنتجه من هذا الاختلاف أنّ قضيّة الشورى لم تكن محسومة بشكل واضح في التصوّر الفقهي لدى فقهاء الإسلام السابقين، إذ لا يسوّغ الانقسام بين فئتين من هؤلاء الفقهاء في أمر معيّن، إذا كان هذا الأمر من الوضوح والجلاء في النص الديني بما لا يستدعي الجدل حوله.

ولعلّ مردّ ذلك، أنّ النصوص الدينية، قرآناً وسنّة، ومجموع المأثور الذي قيل في فضائل الشورى، قد تركت الأمر معلّقاً على التخيير ولم تدخله في حيز الإلزام، هذا من جانب؛ ومن جانب آخر فإنّ هذه النصوص تركت مهمّة الشورى بيد الحاكم، الذي هو المركز، إن شاء أعملها وإن شاء عطّلها. إنّ آية {وشاورهم في الأمر}، على سبيل المثال، توحي بأنّ وليّ الأمر هو المعني بالخطاب، وهو خطاب لا يمكن فصله عن الخطاب الآخر الذي يلحّ على ضرورة طاعة أولي الأمر في الآية القرآنيّة الأخرى: {يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} (النساء. 59)؛ وإذا جمعنا بين الآيتين تكون قضية الشورى مقيدة بطاعة الحاكم، الذي يبقى بيده أمر إنفاذها من عدمه.

بيد أنّنا يجب أن نضع المفهوم في سياقه التاريخي والمجتمعي؛ فكما أنّه لا ينبغي إسقاط مفهوم الشورى على واقع الدولة الحديثة، كذلك لا ينبغي إسقاط مفهوم الديمقراطية على واقع المجتمع الإسلامي القديم. لقد كانت آلية الشورى تناسب مجتمعاً تقليدياً بسيطاً خالياً من التركيب، تطبعه البداوة وتغيب فيه الدولة، بما هي وحدة سياسية مهيمنة على مختلف الوحدات الاجتماعية الأخرى، كالفرد والأسرة والقبيلة. وفي اعتقادنا، فإنّ تحرير القول في الشورى لا يستقيم إلا بتحرير القول في سلطة الدولة، كبنية مهيمنة. ومن هذا المنطلق، يجب التنويه إلى أنّ الشورى كانت تناسب مجتمعاً تقوم فيه العلاقات الاجتماعية ـ السياسية بشكل أفقي، بين مختلف الوحدات الاجتماعية المشار إليها أعلاه، فيما الديمقراطية تناسب مجتمعاً تنهض فيه تلك العلاقات بشكل عموديّ، بين الدولة والمواطن.

في إطار هذا التحديد يمكننا فهم ارتباط مفهوم الشورى بالمبدأ الأخلاقي، كنوع من الفضائل، لا كإجراء سياسي. ولهذا نرى أنّ الإشارات الواردة عن الشورى بوصفها خلقاً في التراث الإسلامي كانت توجه إلى الجميع في المجتمعات الإسلامية التقليدية، من أعلى الهرم في سلطة الحكم إلى أدناه في السلطة العائلية، وهذا ما تشير إليه الآية: {وأمرهم شورى بينهم}، أي بين جميع المسلمين([4])، في ظلّ التصور الأفقي للمجتمع الذي يوزع السلطة على مختلف الوحدات الاجتماعية، وفقاً لما يرسمه الحديث النبوي: "كلّكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"([5]).

ثانياً: الشورى والديمقراطية في الوعي الإسلامي الحديث

إنّ هذه الخلفية النظرية والتاريخية لمفهوم الشورى في التجربة الكلاسيكية للمسلمين قد تعرضت للاهتزاز مع نهاية القرن التاسع عشر وبدء القرن العشرين، لدى الاحتكاك الفكري والحضاري مع العالم الغربي، والأفكار الليبرالية التي راجت في الأوساط الإسلامية الحديثة. وقد انعكس هذا الاهتزاز توتراً على صعيد الوعي الإسلامي الحديث تجاه مسألة الشورى والديمقراطية، بوصفها وسيلة للحكم الرشيد، كما يظهر ذلك من خلال بعض الرحلات السفارية المصرية والمغربية للمثقفين المسلمين الذين زاروا أوروبا في تلك الفترة، وعادوا مندهشين للتقدم التقني والحرية السياسية اللّذين وقفوا عليهما.

قدم محمد رشيد رضا، أحد الإصلاحيين السلفيين في بدايات القرن العشرين، ما يشبه تشخيصاً لهذا التوتر في الذات المسلمة حيال المفهومين. فقد كتب يقول: "لا تقل أيها المسلم إنّ هذا الحكم (يعني به الحكم المقيد بالشورى) أصل من أصول الدين ونحن قد استفدناه من الكتاب المبين ومن سيرة الخلفاء الراشدين، لا من معاشرة الأوروبيين والوقوف على حال الغربيين، فإنّه لولا الاعتبار بحال هؤلاء الناس لما فكرت أنت وأمثالك أنّ هذا من الإسلام"([6]).

وتكشف لنا هذه الفقرة أنّ المسلمين في العصر الحديث قد أعادوا اكتشاف مفهوم الشورى من خلال الاحتكاك بمفهوم الديمقراطية فحسب، الأمر الذي يؤكد أنّهم كانوا يجهلون حتى مفهوم الشورى ذاته، الذي ظلّ الكثيرون يتغنون به طويلاً كما لو كان جزءاً من الممارسة السياسية للحكم على مرّ التاريخ الإسلامي([7]). لقد كان اكتشاف الديمقراطية في العصر الحديث صدمة ثقافية ودينية لدى المسلمين، وما يبرهن على هذا غزارة الكتابة في موضوعة الشورى والديمقراطية، اتفاقاً أو اختلافاً، طيلة العقود الماضية، بحيث إنّ حجم هذا الإنتاج خلال عقود فاق حجم الإنتاج حول الموضوع نفسه طيلة قرون من تاريخ المسلمين في الماضي، ما يؤكد في الوقت نفسه وجود فقر ملحوظ في المأثور الإسلامي في قضية الشورى والحاجة إلى التدوين فيها.

يمكن تقسيم الوعي الإسلامي الحديث ـ في موقفه من الشورى والديمقراطية ـ إلى ثلاثة تيّارات بارزة: التيار الأول وقف موقف العداء من مفهوم الديمقراطية لصالح مفهوم الشورى، ونمثل له بحزب التحرير، والتيار الثاني اتخذ موقفاً دينامياً من المفهومين، معتبراً أنّ الديمقراطية رديف للشورى، ونمثل له بمحمد الغزالي، والتيار الثالث تبنى مبدأ التوفيق بين المفهومين، ونمثل له بحسن الترابي.

لقد كانت أبرز المواقف الحدية من الديمقراطية هي تلك التي صدرت عن حزب التحرير، الذي تأسس عام 1953م على يد تقي الدين النبهاني، بهدف إقامة نظام الخلافة الإسلامية، على الرغم من أنّ هذا الموقف يتبناه الكثيرون في أوساط التيار الإخواني، ومجموع التيار السلفي. فحزب التحرير يرفض رفضاً باتاً اتخاذ الديمقراطية نظاماً للحكم، ويعلن كفرها، مفضلاً مفهوم الشورى عليها. ويبدو هذا الموقف مفهوماً في سياق المنظومة الفكرية والسياسية التي يستند عليها الحزب، ذلك أنّ إحياء نظام الخلافة لديه يرتبط بإحياء المفاهيم الفقهية التقليدية كما هي، في محاولة لـ"التأصيل" والمحافظة على الجذور، بحيث إنّ اللغة نفسها تصبح مجالاً للصراع السياسي، ويصبح المصطلح أداة لتصفية الحساب مع الغرب.

جاء في أحد منشورات حزب التحرير عام 1990، تحت عنوان "الديمقراطية نظام كفر يحرّم أخذها أو تطبيقها أو الدعوة إليها" ما يلي: "الديمقراطية التي سوّقها الغرب الكافر إلى بلاد المسلمين هي نظام كفر، لا علاقة لها بالإسلام، لا من قريب، ولا من بعيد. وهي تتناقض مع أحكام الإسلام تناقضاً كليّاً في الكليّات وفي الجزئيات، وفي المصدر الذي جاءت منه، والعقيدة التي انبثقت عنها، والأساس الذي قامت عليه، وفي الأفكار والأنظمة التي أتت بها، لذلك فإنه يحرم على المسلمين أخذها، أو تطبيقها، أو الدعوة لها تحريماً جازماً"([8]).

ويربط هذا الموقف بين الديمقراطية وبين جذورها التاريخية في أوروبا، والصراع الذي نشأ بين الشعوب الأوروبية وبين رجال الدين([9])، كما يربط بينها وبين الهيمنة الغربية، إذ يرى أنّ الأخذ بالديمقراطية هو بمثابة الخضوع لتلك الهيمنة بغرض القضاء على الإسلام([10]).

ولا شكّ في أنّ هذا التيار يضخم من البعد الإيديولوجي للديمقراطية على حساب البعد الإجرائي، ويصرّ على منح مفهوم الديمقراطية مضموناً متحيزاً، دون النظر إليها كآلية محايدة لتنظيم العلاقة بين السلطة والمواطنين، أو بين الحكام والمحكومين. ويتمثل الالتباس لديه في الخلط بين النشأة التاريخية للمفهوم، وبين السياق السياسي والإيديولوجي الذي تمخض عنه، وهي منهجية لو صحّت لما أمكن للمفاهيم أن تنتقل من حيث ولدت إلى ثقافات أخرى.

أمّا التيّار الثاني، الذي يتخذ موقفاً دينامياً من مفهومي الديمقراطية والشورى، ويرى أنّ الديمقراطية يمكن أن تساهم في تطوير الشورى، فيمثله محمد الغزالي.

يضع الغزالي معادلة بسيطة بين الديمقراطية والشورى من جانب، وبين الاستبداد السياسي من جانب ثانٍ؛ ولرفض هذا الأخير يقترح الاستمداد من الديمقراطية كآلية وصلت إليها البشرية في العصر الحديث للخلاص من الطغيان السياسي، لتطعيم مفهوم الشورى، دون أن يطرح ذلك أي مصادمة مع هذا المفهوم في الوعي الإسلامي.

يقول في كتابه: "أزمة الشورى في المجتمعات العربية الإسلامية": "إنّ الديمقراطيات الغربية إجمالاً وضعت ضوابط محترمة للحياة السياسية الصحيحة، وينبغي أن ننقل الكثير من هذه الأقطار لتسدّ النقص الناشئ عن جمودنا الفقهي قروناً طويلة"([11]). ثم يقول: "إنّنا أغلقنا باب الاجتهاد قرابة ألف عام، فإذا سبقنا غيرنا في شؤون إنسانية مطلقة، فلا معنى لاستكبارنا عن الإفادة منه، ولا معنى لابتداء السعي من حيث وقفنا متجاهلين كدح غيرنا نحو الكمال"([12]).

فالغزالي يرى أنّ الديمقراطية قدّمت ضمانات تحول دون الطغيان السياسي والاستبداد الفردي، الذي عطل المجتمعات الإسلامية طيلة قرون، وهو يتبنّى أطروحة مفادها أنّ الديمقراطية الحديثة نجحت حيث أخفقت الشورى في أن تتحوّل إلى منظومة سياسيّة توفّر الضمانات التي جاءت بها الديمقراطية، ويوجّه اللوم إلى المتديّنين الذين عطلوا مبدأ الشورى ولم يدركوا إلا متأخّرين أنّ "الحرية مهاد الآباء والخلق واليقين والإخلاص"([13]).

أمّا التيّار الثالث، الذي يعقد مصالحة أو تفاهماً بين مفهومي الشورى والديمقراطية، فيمثّله حسن الترابي. وخلافاً للتيّار الأوّل الذي يعتبر الديمقراطية كفراً ولا يرضى بديلاً عن مفهوم الشورى، والثاني الذي يبقي على الخلاف القائم بين المفهومين، ولكنّه يستعيض عن نقص التراكم في الشورى بما تحقق من تراكم في الديمقراطية، فإنّ التيار الثالث ينحاز إلى خيار يجمع بين المفهومين في دلالة واحدة، دونما اهتمام بالاختلاف المصطلحي أو السياق التاريخي والفكري لنشأة كلّ منهما.

يرى الترابي أنّ أصول الدين وفروعه تطوّرت في سياقات تاريخية مختلفة، وهي بالتالي عرضة للتغيير والتجديد، بحسب متطلّبات المجتمع وحاجيّاته، لذا فإنّ استبدال مفهوم بآخر ليس انتهاكاً لحرمة الدين، شرط أن يجري الإجماع بين المسلمين على هذا الاستبدال. ومن هنا يرى الترابي أنّ النظر إلى كلٍّ من الشورى والديمقراطية من خارج الإطار التاريخي لهما يجعلهما يحملان الدلالة نفسها. ومع أنّه يقرّ بأنّ المشروعية العليا هي لله، إلا أنّه يرى أنّ المشروعية السياسيّة والعمليّة هي للناس([14])، كما يعتبر أنّ كلاً من الشورى والديمقراطية تلتقيان في جوهر واحد، هو المشاركة الشعبية، إذ يقول: "فما دامت الشورى مشاركة والديمقراطية من شأن الشعب كله فليشترك الشعب قاطبة في المسؤولية عن تطور بنائها، من بدء الإعلان إلى التحقيق العملي، ومن الإيمان إلى التصديق الفعلي"([15]).

نستطيع القول، ممّا تقدم، إنّ إشكالية الشورى والديمقراطية في وعي التيارات الإسلامية ظلت مثقلة بالإرث التاريخي والسياق الإيديولوجي الذي نشأت فيه كلّ واحدة منهما، وهو ما ألقى الكثير من الالتباس بين المفهومين أربك العقل الإسلامي طوال عقود من الزمن، شغل نفسه خلالها بقضية فك الارتباط بين الاثنين، أو المصالحة بينهما، من غير نجاح كثير، بسبب الانقسام في الوسط الإسلامي المعاصر حيال ذينك المفهومين. لذلك فإنّ الخروج من هذا الالتباس يقتضي إعادة النظر في الأصول المعرفية لمفهوم الشورى، والنظر إلى الديمقراطية كآلة محايدة وغير متحيّزة، واعتبار الاختلافات في تنزيلها في المجتمعات الغربية الحديثة، بالرغم من الاختلافات الدينية والثقافية واللغوية، برهاناً على حياديتها وعلى بعدها الإجرائي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) نشر في الملف البحثي "الشورى والديمقراطية" بتاريخ 27 فبراير 2016، إشراف بسام الجمل، تنسيق أنس الطريقي.

[2]ـ ينظر على سبيل المثال: توفيق الشاوي: فقه الشورى والاستشارة. دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة. الطبعة الثانية 1992. ص ص 48-51

[3]- انظر: وهبة الزحيلي: التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج. دار الفكر المعاصر، بيروت/دار الفكر، دمشق. المجلد الثالث. الطبعة الأولى 1991. الجزء الرابع. ص 143

[4]ـ يراجع ما ذكره سيد قطب على سبيل المثال في الرؤية التقليدية للشورى بهذا المعنى. في:

ـ سيد قطب: في ظلال القرآن. دار الشروق، القاهرة. الطبعة الشرعية الرابعة والثلاثون. 2004. المجلد الخامس. ص 3165

[5]ـ رواه البخاري ومسلم.

[6]ـ وجيه كوثراني: مختارات سياسية من مجلة المنار. دار الطليعة، بيروت. الطبعة الأولى 1980. ص 97

[7]ـ إدريس الكنبوري: الإسلاميون بين الدين والسلطة، مكر التاريخ وتيه السياسة. طوب برس، الرباط. الطبعة الأولى، 2013. ص 61

[8]ـ عبد القديم زلوم: الديمقراطية نظام كفر يحرم أخذها أو تطبيقها أو الدعوة إليها. من منشورات حزب التحرير. ص 2. موقع حزب التحرير.

[9]ـ نفسه. ص 5

[10]ـ نفسه. ص 9

[11]ـ محمد الغزالي: أزمة الشورى في المجتمعات العربية الإسلامية. دار الشرق الأوسط للنشر. الطبعة الأولى، 1990. ص 69

[12]ـ المرجع نفسه. الصفحة نفسها.

[13]ـ المرجع نفسه. ص 71

[14]ـ حسن الترابي: تجديد الفكر الإسلامي. الدار السعودية، جدة. الطبعة الثانية، 1987. ص ص 80-85

[15]ـ حسن الترابي: في الفقه السياسي. مقاربات في تأصيل الفكر السياسي الإسلامي. الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت. الطبعة الأولى 2010. ص ص 166-167

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك