وجهة نظر حول التسامح الديني في القرن العشرين
وجهة نظر حول التسامح الديني في القرن العشرين
سحبان السواح
"إن بهيمة تقاد أفضل من مقلد ينقاد" ! .
هكذا وصف المناضل الكبير الشيخ عبد القادر الجزائري رجال الدين الذين ينقلون دون أي تفكير أو تمحيص،
أو حتى محاولة فهم السبب الذي جاء بمناسبته ذلك الحديث، أو من أجله أنزلت تلك الاية. وحقيقة الأمر أن أجمل وأرقى ما يمكن أن يوصف به أولئك النقلة ذوو العقول المغلقة، الذين يديرون شؤون الإسلام، منذ نهاية القرن الماضي، وصولا إلى اليوم، هو ذلك القول الذي قاله المجاهد عبد القادر الجزائري.
من يراقب الحضارة والفكر الإسلاميين في عصور الازدهار الإسلامي، لا شك سينتبه إلى الفارق الكبير بين تلك الفترة وهذه الأيام . بالتأكيد لم تكن مرحلة تشكل الدولة الإسلامية، ومن بعدها نهضتها الثقافية والعمرانية والفلسفية والعلمية، مرحلة حرية كاملة، كما لم تكن مرحلة كبت فكري كامل. ولكنها على امتداد حضارتها الطويلة ن مرت بمراحل انفتاح كبير، فكما كان ابن تيمية متمسكا بتشدد بالنقل، وهو الذي جاء متأخرا جدا مع بدايات عصر الانحطاط الإسلامي. كان قد سبقه الغزالي والكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد وسواهم، وكان الحوار يحتدم فيما بينهم، فينتصر هذا على ذاك، وذاك على ذلك، ولكنه كان انتصارا للفكر، وليس انتصارا خاصا، ولم تكن كل تلك الاختلافات تفسد للود شيئا. ويمكننا أن نفسر قول ابن رشد " الفلسفة تفتح باب العلم بالله، ومعرفته حق المعرفة " على وجهين : معرفة الله على حقيقته بعيدا عما جاء في الأحاديث المنقولة، كما يمكن تفسيره عكس ذلك مع أنني أميل إلى التفسير الأول.
في مرحلة انحطاط الفكر الإسلامي، مع انحطاط دولته، وإمساك رجال الجيش والمماليك وأبناء الجواري بمقاليد الحكم في الدولة الإسلامية، ساد فكر رجال الدين المتشددين والنقلة الذين لا يفكرون سوى بنقل النص، وتنفيذه دون التذكير في الأبعاد التي يحملها، وفي الأسباب التي قيل في مناسبتها، والمغزى من قول النبي لها.
انتهت دولة الخلافة العثمانية، وسقطت إمبراطوريتها، وبدأت تتشكل ما سمي بالقومية العربية والدول العربية، وجاءت فترة الاستعمار الأجنبي، ثم مرحلة الاستقلال. في هذه المرحلة، لم يكن أمام رجال الدين إلا الخضوع لرأي الشارع الذي بدا متدنيا في حدود مقبولة، ورجال الدين ابتعدوا عن التدخل في الأمور الحياتية اليومية للمواطن المسلم ن فكان أن نهضت الدول العربية بعد الاستقلال، وشهدت نوعا من التحرر الديني، وكان الدين سلسا ذكيا، فنرى دولة مثل مصر في أربعينات القرن الماضي، لم تكن تعرف الحجاب ن فنساء المدينة يخرجن في أبهى أزياء العصر، ونساء القرى يرتدين زيهن التقليدي الجميل بلا حجاب، في تنوع من أزياء شعبية تتلون، وتتعدد من منطقة إلى أخرى.
في هذه الفترة كانت النهضة، وكان تطور الفكر والموسيقا، والفن، وكانت سيادة العقل على كل مناحي الحياة !..
أتذكر في مدينتي الصغيرة " حمص " أن بنات مفتيها لم يكن محجبات، وكن يخرجن بملابس متحضرة باحتشام أنيق، يتساوين في ذلك مع بنات كبار شيوخ " حمص " وأئمة مساجدها.
فجأة انقلبت الآية، خرج شيوخ الجهل والتعنت والتعسف إلى واجهة الأحداث من نهاية القرن الماضي وصولا إلى اليوم، بدأوا يتسللون بتشجيع من السلطات القمعية في المنطقة، وفي غياب أي نوع من أنواع الديمقراطية، في عموم المنطقة ألإسلامية، وبات من الطبيعي أن يسيطر جهلة رجال الدين، وأن يبدأوا استعادة تاريخ كان لكل ما قيل فيه سببه وعلته، فاستخرجوا من الكتب الصفراء القديمة أحاديث موضوعة في معظمها، رغم وجودها في الصحيحين، أحدهما صحيح البخاري الذي قالوا عنه في زمنه أنه وضاع الأحاديث، كاذب في معظم ما نقله.
ما نراه بأم أعيننا من سيطرة رجال الدين بدءا بابن لادن وطالبان ومن لف لفهما، وصولا إلى شيوخ مساجدنا الذين لا يفقهون في أمور دينهم إلا ما يقرؤونه دون تفكير ولا تمحيص، وقصدهم واضح، يوحي بأن الأرب من كل ذلك بقاء هذا الشعب جاهلا !. فبقدر ما يكون جاهلا تسهل السيطرة عليه من حكوماته الديكتاتورية، ومن القوى العظمى من خلفها. وبذلك تمرر كل المشاريع التي هيئت، ورتبت للمنطقة، دون أن تجد من يقف في وجهها، بسبب انشغالنا بأمور صغيرة كطريقة الوضوء، وما يصح، وما لا يصح من سفاسف الأمور.
لست مع النقل لا مما جاء في الكتب المقدسة ولا من أفكار غربية جاهزة، كما فعل الشيوعيون حين جاؤوا بالفكر الماركسي اللينيني إلى بلادنا، دون أي تفكير أو تمحيص أو محاولة تفكير فيما يناسبنا منه، وما لا يناسبنا !..
و إذا كان قول عبد القادر الجزائري " إن بهيمة تقاد أفضل من مقلد ينقاد "، ينطبق على رجال الدين السلفيين، فهو بشكل من الأشكال ينطبق على أولئك الماركسيين الذين لا يزالون يستشهدون بأقوال " لينين "، كما لو انه قالها اليوم.
سأطرح سؤالا لن أجيب عليه / أليس غريبا توقيت ظهور السلفية في هذا الوقت بالذات، أي بعد نهاية عصر الاستعمار المباشر، وبداية عصر الاستعمار غير المباشر ؟؟؟.
نشرت في موقع مجلة ألف ايضا.
المصدر: http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1...