العنف اللغوي في الكتابة والحوار معاول هدم في كيان الأمم

حمد عبد الله اللحيدان
 

الأسلوب اللغوي سواء أكان في الكتابة الصحفية أم عبر الانترنت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ام كان من خلال المقابلات التلفزيونية والحوارات ام كان عبر الخطب امم حتى التعليق على ما يكتب ويقال، يعتبر وسيلة طرح وتواصل واتصال وأخذ وعطاء مع الجمهور، وهذا يعني ان تلك الوسائل معنية بطرح رؤى وأفكار نيرة بأساليب متوازنة القصد منها التوعية او الدعوة او التحليل او سبر غور وابعاد الاحداث، او تقديم وجهات نظر او اقتراحات يراد منها التثقيف أو الإقناع أو تبني طروحات واقتراحات، أو الدفاع عن رأي او مشروع يحتاج للاشهار والتبني، أو بيان خلفيات ومميزات وفوائد بعض القرارات أو تداول وتبادل الأفكار حول موضوع أو موضوعات ذات مساس مباشر أو غير مباشر بالحراك الوطني او الاجتماعي على اختلاف وتنوع معطياته، ففي النطاق الضيق يكون الأمر محصوراً بهموم فردية أو جمعية محدودة، وفي النطاق الواسع يمتد الامر ليطاول ابعادا ذات مساس بالمصلحة العليا للوطن والمواطن من النواحي الامنية او العسكرية او السياسية او الاقتصادية او غيرها مما يتناوله الطرح الذي يتطرق لتلك الامور على المستوى المحلي او الاقليمي او الدولي ناهيك عن التصدي للاعداء والتحذير من ممارساتهم. ولا شك ان بعض اساليب الطرح ممتع وجميل وجذاب يستمتع المتلقي به ويحرص على قراءته او الاستماع اليه ومتابعته.

حرية التفكير والتعبير مضمونة للجميع شريطة الالتزام، فليست حرية التفكير والتعبير أمراً مطلقاً، ولكن يتم ذلك ضمن ثوابت وضوابط يأتي في مقدمتهما المصلحة العليا للوطن والمواطن، فحرية كل شخص تنتهي عند حدود حرية الآخرين

الا أن بعض اساليب الطرح بالوسائل المختلفة يتسم بالعنف والإرهاب اللغوي الذي أصبح ظاهرة لا تخفى على المتابع لبعض وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية ما يتوجب معه الانتباه إلى هذه الظاهرة والعمل على الحد منها قبل أن تتفاقم وتصبح مقبولة لدى البعض نتيجة سوء فهم لدى البعض او حسن نية لدى البعض الآخر كما يمكن ان يكون ناتجا عن قصد وسبق إصرار وترصد القصد منه الاساءة والفرز والتحريض والاستقطاب واشاعة عدم الرضا.

فإذا أخذنا الكتابة الراقية نجد أنها تعتبر أحد أساليب التعبير الذي ينبع من تفكير الكاتب ويلامس تفكير الأغلبية ويداعب احلامهم لأنه يعتمد على طرح أفكار وآراء أو اقتراحات نيرة متعددة الجوانب تتناول ما تحتاجه الساحة من تحليل وتقصّ وبيان للإيجابي ودعمه وتحديد للسلبي وتحجيمه..

والكاتب قد يكون متخصصاً في فرع من الفروع يقتصر في كتاباته عليه وقد يكون موسوعيا يستطيع ان يتناول القضايا العامة والتخصصية بالطرح والتحليل، وهذا الطرح أو التحليل وما يتضمنه من حلول قد يكون موجها للعموم وقد يكون موجها للمسؤول والفرق بينهما كبير، ففي حالة توجيهه للعموم يكون القصد التثقيف والتوجيه والتوعية وطلب الالتزام ومعاضدة الجهات الرسمية على الاستفادة منه أو إنجاحه بالاضافة الى التحذير من مغبة الوقوع في شرك الاعداء من خلال تصديق الشائعات وترويجها ناهيك عن الحث على وحدة الكلمة ووحدة الصف خصوصا في الظروف الاستثنائية.

وفي حالة توجيهه للمسؤول فإن القصد منه يكون طلب تبني هذا الطرح أو ذاك، وفي هذه الحالة يجب أن يكون الطرح ايجابيا على شكل ورقة عمل يمكن أن تصبح أساساً يبنى عليها أو تكون نقطة انطلاق لمبادرة أكبر وأشمل، ذلك ان تلاقح الافكار احد ابرز محفزات الابتكار والابداع وعلى هذا الاساس تقوم عمليات تقصي ردود فعل واستقراء آراء الرأي العام وردود فعل مراكز البحث والتطوير والدراسات الاستراتيجية اتجاه الفعاليات والاحداث والقرارات المختلفة لحراك الامة.

أما الكتابة المتشنجة المبنية على المحدودية في التفكير وتبني الاقصاء منهجا واسلوب طرح وكذلك اجترار الشائعة أو استخدام الهمز واللمز أو التهكم أو الاستفزاز أو استنقاص الآخر، او التكفير او التصنيف او تعميق روح الطائفية فهذه أحد أبواب الفرقة والخلاف.

وللأسف فإن مثل هذا النوع من الكتابة يلقى صدى لدى شريحة محدودة لا يجذبها إلا هذا النوع من التشنج والاستفزاز الا ان ضجيجها اكبر من حجمها، فهم مع الجعجعة ورفع الصوت والمخالفة والتهميش والمغالطة.

ويدخل في باب الكتابة المتشنجة والاستفزازية الاتجاه نحو التصنيف ومهاجمة من يتم الاختلاف معه بصورة شخصية واتهامه بأنه علماني أو ليبرالي أو متطرف أو ظلامي أو ضلالي او طائفي أو غيرها من الصفات والنعوت التي ما أنزل الله بها من برهان وذلك بدلا من الاعتراض على الفكرة وتفنيدها دون التعرض لصاحبها فمعارضة الفكرة دون اقحام صاحبها ظاهرة صحية مبنية على قاعدة اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، اما الاستخفاف والاستنقاص لصاحب أية فكرة وتوجيه الاتهامات اليه ونسيان الفكرة او الموضوع فهي سلاح العاجز الذي تنقصه المعرفة في آداب الرد والحوار وحسن التعامل.

ان السكوت عن أسلوب التصنيف والشخصنة والاستمرار عليه من قبل البعض وعدم الحد منه يعتبر من اوسع وسائل تقسيم المجتمع وتحويله إلى طوائف وأحزاب على المدى الطويل خصوصاً مع وجود من يشجع كلاً منهما ضد الآخر ويدعمه من خلال صب الزيت على النار وهذا خطر لو تعلمون عظيم خصوصا في الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة.

إن العلة ليست في الكتابة الملتزمة المتوازنة المتميزة العقلانية مهما تجرأت، ولكن العلة تكمن في الكتابة غير الرصينة التي تتصيد الأخطاء وتحرف الكلام وتبتر الأفكار وتستخدم قلماً كل همة الشتم والتجريح والتقليل من النجاح والتشكيك والتسلق على ظهور الآخرين من خلال أسلوب فج مج فيه كثير من المغالطة وقليل من الفائدة وهذا اكثر ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي التي اصبحت عالما افتراضيا غير ملتزم بقواعد ونظم تحمي الاخرين.

نعم عندما أتحدث عن الكتابة او الخطابة او الحوار فإنني أقصد قليلاً مما يطرح في الصحف المقروءة وكثيرا جداً مما يكتب وينشر في مواقع التواصل الاجتماعي دون حسيب أو رقيب إلى درجة ان التشكيك في كل منجز والتحريض ضد اي قرار ونشر الأراجيف والشائعات والتهم والنفخ في روح النزعات الجاهلية من عصبية وطائفية ومناطقية وعرقية وخلافية أخرى دون إدراك أن تلك الأمور اوسع ابواب الهزيمة امام الاعداء ولذلك فإنها تجد من يدعمها ويشجع عليها من قبل المتربصين والحاقدين في الداخل أو الحاسدين والمتآمرين والطامعين في الخارج أو منهما معاً.

فالعدو الإيراني على سبيل المثال يستغل مثل تلك الامور من اجل تسهيل التدخل في شؤوننا حيث يهدف إلى تقويض جميع منجزاتنا ومكتسباتنا الثقافية والدينية والمادية والمعنوية، فها هو يعبث في أمن واستقرار دول الخليج والعراق وسورية ولبنان واليمن وفرقه تجوب الشارع المصري والليبي والتونسي بل تتحرك على مستوى العالم العربي والافريقي معتمداً على قاعدة فرق تسد وما زالت الدول العربية تشتكي وتحتج وتستنكر وتشجب كعادتها دون حراك عملي مضاد باستثناء عاصفتي الحزم واعادة الامل في اليمن، بينما إيران وإسرائيل تخططان وتنفذان أجندة متوازية ومشتركة هدفها تفكيك الدول العربية وتقسيمها إلى كانتونات تتحكم في بعضها إسرائيل وتتحكم في البعض الآخر إيران. وهذا الكلام ليس محض خيال بل هو الحقيقة الواقعة في العراق وسورية ولبنان وخيوط المؤامرة تنسج للاطاحة ببقية الدول العربية ومع هذا ما زال بعض ما يكتب يتحدث عن المخاض الديمقراطي الذي سوف ينقذ المنطقة بينما هناك استحقاقات أكبر وأهم يجب أن تسبق ذلك الاستحقاق بل يجب أن يكون وليدا لها يأتي في مقدمتها الوعي بالمصلحة العليا للوطن ووحدته ووحدة كلمته والحفاظ على منجزاته ومكتسباته والتصدي للاستهداف الخارجي ايا كان مصدره لان هذا الاستهداف يريد بنا العودة الى الثالوث البغيض الجهل والجوع والمرض ناهيك عن المهانة وفقد الكرامة.

ان الحس الوطني يجب ان يكون متكاملا لدى جميع الفئات والاتجاهات وأن تكون الكتابة والحوارات والخطب والتحاليل والاراء ملتزمة بتوضيح الحق والدعوة إليه حتى يصبح ديدن الجميع دون استثناء وذلك بدلا من الطرح المتشنج الذي يرسخ روح الاستفزاز والتخريب وخلخلة الاستقرار الذي تدعمه بعض الفضائيات التي تجد ضالتها وقصب سبقها وارتفاع حرارة برامجها وأخبارها وتعليقات مراسليها بحواراتها مع أطراف النزاع المختلفة بصرف النظر عن المصداقية وتحري الدقة ما يكون له انعكاسات سلبية على المصلحة العامة والخاصة للدول والمجتمعات المستهدفة.

وهنا يأتي دور الاعلام الملتزم والإعلام المخلص الذي يسعى بكل الوسائل إلى تهدئة الخواطر وبيان أهمية الالتزام بما يحقق المصلحة العامة للوطن والمواطن وبيان منزلقات الخطر وانعكاساتها على مكتسبات وإنجازات الأمة.. ناهيك عن خلق اعلام خارجي قادر على مقارعة الهجمة الاعلامية ضدنا كدولة ودين وثقافة ووجود ومكتسبات.

إن حرية التفكير والتعبير مضمونة للجميع شريطة الالتزام، فليست حرية التفكير والتعبير أمراً مطلقاً، ولكن يتم ذلك ضمن ثوابت وضوابط يأتي في مقدمتهما المصلحة العليا للوطن والمواطن، فحرية كل شخص تنتهي عند حدود حرية الآخرين، فالحرية مثلها مثل المساكن والشوارع والميادين، فالأول يخص صاحبه ويخص أفراد أسرته والثاني والثالث يخصانه ويخصان الآخرين معه وما يتم فيهما يجب أن يحظى برضا الآخرين بحكم النظام. وهكذا تكون حرية التعبير حيث يصبح الرأي العام هو الحكم.

اما ردود فعل بعض القراء أو بعض المتلقين لما يكتب ويقال فإنك تجد العجب العجاب، فهناك فئة دائما تحلق خارج السرب ولذلك فهي ترد على الكاتب بأسلوب فج وبعض هؤلاء في الغالب يكتب تعليقا تخمر في رأسه دون أن يكلف نفسه قراءة النص لان الغرض من التعليق اساسا حب الظهور وهناك من يشطح في الرد لأنه لم يقرأ بتمعن وفهم فيضع في فم الكاتب ما لم يقله او يتعرض له وهناك من يتهم الكاتب بالجهل وهو الى الجهل اقرب ناهيك من يتعمد تعمية الفكرة المطروحة والتقليل من اهميتها، وفي المقابل هناك اكثرية تقدم للكاتب نقداً إيجابياً واقتراحات بناءة وتلفت نظره إلى القصور أو التميز فتجد مثل ذلك القارئ عوناً للكاتب او المحلل على نجاح مهمته، وعلى العموم فإن الاسلوب المتشنج يعكس ثقافة صاحبه وكل كأس بما فيها تنضح.

إن استغلال الكتابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي واستخدام الواتس – اب للإثارة والهرج والمرج والتشويش ونشر الاشاعة أو انتحال شخصية الآخرين او التقول عليهم وما يترتب على ذلك من بلبلة وغموض أو إساءة أو غير ذلك من الممارسات الخاطئة التي تعتبر خروجا على العرف بل النظام فإن كل ذلك وغيره يجب أن يجابه بوسائل فعالة يأتي في مقدمتها الشفافية التي تعتبر طفاية حريق تزيل الشك وتدحض الشائعة وتحق الحق وتمحق الباطل ناهيك عن تبني برامج مضادة يقوم عليها أناس على قدر من العلم والمعرفة والثقافة والانفتاح والقدرة على الحوار البناء دون تشنج أو استفزاز أو غطرسة أو مغالطة، فالذي يجيد الحوار ويعرف قواعده وخصائصه وأساليبه هو الذي يحرز قصب السبق ويحقق أهدافه ويأتي في مقدمة ذلك احترام الطرف الآخر.

إن الإرهاب بجميع انواعه مرفوض بما في ذلك اساليب الارهاب اللغوي الذي يعكر صفو الحياة لانه احد معاول الهدم وبالتالي يؤدي الى ان يستغل الاعداء ذلك الذين ديدنهم الاصطياد بالماء العكر كعادتهم في البيئات غير المستقرة كما حدث في العراق وسورية واليمن وغيرها ممن ضيع بوصلة الاستقرار وركب موجة الطائفية وظل يمارس الارهاب بجميع انواعه بما في ذلك الارهاب اللغوي المعتمد على الكذب وتحريف الحقائق والخروج على الشرعية وممارسة كل انواع الذنوب ضد شعوبهم وبني جلدتهم. والله المستعان.

المصدر: http://hewarpost.com/?p=2264

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك