هل فشلنا في حوار التعددية الثقافية؟
من البديهي أن نشعر بالهزيمة وخيبة الأمل وقد فشلنا في أن يحقق حوارنا في الداخل، الذي كنا نتطلع إليه وسعت الدولة لإذابة كل الفوارق والإختلافات والتمايز بين أطياف المجتمع وكل فرقه وجماعاته، لأجل ذلك صدرعام 1424هـ الأمر السامي بإقامة مركز الحوار الوطني في الرياض، ليحقق أهدافه من أجل مجتمع متحاور في وطن متلاحم، سعيا وراء وحدة فكرية وطنية، والأخذ بسياق تيارات فكرية وثقافية متجددة، ومنسجمة مع النسيج الوطني، والقضاء على كل ما هو متخلف وقاصر ومتشدد، وفق رؤى وسطية معتدلة.
من مبادئ مكونات الحوار الجيد والناجح بين أصحاب الفرق المختلفة، والثقافات المتضادة، ولضمان نتائج إيجابية نفتقدها اليوم، لابد أن يكون كل أطراف الحوار مهيأون نفسيا وأخلاقيا لحوار هادئ وجاد، وهناك سلوكيات وأخلاقيات لكل حوار، ومن المؤسف أن نجد تلك العناصر مفقودة في حوار مثقفينا، في مؤتمراتهم ولقاءاتهم عبر وسائل الإعلام المختلفة، وفي مختلف دورات الحوار الوطني، التي شهدتها مناطق المملكة، منذ انطلاقته قبل ثلاثة عشر عاما، ولعل من أبسط أبجديات هذه الأخلاقيات، أن يتقبل كل طرف رأي الطرف الآخر، ويتحاور حوله أو ينتقده بمنطق وحجج لا لبس فيها، ولا يفرض كل طرف رأيه على الآخر، بحيث يكون النقاش ايجابيا بعيدا عن التشدد والتعصب والغلو. ولا يكون الحوار حضاريا بين مختلف أطراف الثقافات المختلفة، إذا لم يكن له أهميته ومصداقيته، فخارج فضاءات وقواعد الحوار وسلوكياته، ولا يمكن أن نخرج بنتائج متفق عليها، ولا يلتقي المتحاورون عند نقاط على الأقل متقاربة. وفي الغالب يكون الحوار غير صحيا،حين لايكون هناك اتفاق للوصول إلى حلول وسط. وهذا ما لم يتحقق لنا للأسف.
كان هدف الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، منذ أن كان وليا للعهد، وتحمسه لإقامة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني،هو الوصول إلى اتفاق بين مختلف الأطياف والمذاهب حول الكثير من الآراء والأفكار والمسائل، وكذلك القضاء على الطائفية والمذهبية والمناطقية التي تضر بالوحدة الوطنية والنسيج الوطني، أملا في إعطاء مساحات واسعة للحوار، وتقبل وجهات النظر المنبثقة عن تعددية ثقافية متباينة. حين لا نعترف بالمذهبية، ولا نقبل الرأي ولآخر، ولا نعترف بأصحاب الفرق، فإننا ننسف فكرة إقامة الحوار الفكري من أساسه. وهذا للأسف ما كانت تفتقده منابر الرأي والحوار في مختلف المؤسسات الثقافية والفكرية والتعليمية، كما لو أنها ترفض من الأساس كل أسباب التجديد ونبذ التعصب والتشدد، من مختلف الفرق والطوائف، وترفض حتى مسألة الإجتهاد الذي هو من سمات العلماء والمفكرين المنفتحين والمجتهدين لصالح أمتهم.بحيث يتاح لهم طرح نظريات ورؤى مستحدثة،أو تتفق مع كل عصر وكل زمان يعيشون فيه،ولا يتقصدون فرض نظريات أو يستحدثونها بعيدا عن أصولها وجذورها الفكرية والعقائدية،لمجرد إحداث الخلاف وإنما هم يجتهدون لتصبح المسائل منسجمة ومتأقلمة مع ظروف وحالات الواقع. استنادا لحجج واستدلالات صحيحة.
خلق الله البشر على اختلاف في آرائهم ومعتقداتهم وأفكارهم، ولو شاء ما أختلفوا من بعد ما عرفوا الحق، لكن الله يفعل ما يريد. ولو شاء ربنا لجعلهم أمة واحدة. في حين كل مجتمع لا يقبل التعددية الثقافية وينبذ التنوع الفكري ،يصف متشددوه كل فكر لا يتفق معهم أو لا ينتمي إلى مذهبهم وما وطنوا عليه أنفسهم من أفكار ونظريات،يعد فكرا مرفوضا أو منبوذا، وعندها يفقد المجتمع فرصة انصهار أفراده وتوافقهم في مناخ ثقافي وفكري آمن وسليم. ومن الطبيعي أن تكون الفوارق والإختلافات الثقافية ملموسة في المجتمعات الأكثر كثافة ونموا،حيث تختلط أجناس مختلفة، لها ميولها الفكرية المختلفة.
كان علينا أن ندرك أن إقامة الحوار الهادئ البناء، يبعدنا عن كل مسببات الفتن التي تثير الخلاف فيما بين الناس، ويتيح الفرص للجماعات المتفرقة وأصحاب المذاهب المتباينة أن يتعايشوا في سلام. إيمانا منا بطبيعة اختلاف الثقافات وتعدديتها،والعمل على توفير فرص الحوار الذي يضمن الحرية ويوفر مناخا ملائما للأمن الثقافي والإجتماعي، في كل مجتمع.