الحوار وترسيخ التعايش السلمي
( أَلَم تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فأَخرَجنا بِهِ ثَمَراتٍ مُّختَلِفاً أَلوانُها وَمِنَ الجِبالِ جُدَدٌ بيضٌ وَحُمرٌ مُّختَلِفٌ أَلوانُها وَغَرابيبُ سودٌ. وَّمِنَ النّاسِ والدَّوابِّ والأَنعامِ مُختَلِفٌ أَلوانُهُ كَذالِكَ. إِنَّما يَخشَى الله مِن عِبادِهِ العُلَماء إِنَّ الله عَزيزٌ غَفورٌ) 27 - 28 فاطر
التنوع والاختلاف سنة الحياة والكون والطبيعة، والإنسان باعتباره الوجود الواعي والمريد الوحيد من العوالم التي نعرفها حتى الآن، هو الذي يعي التنوع والاختلاف بعقله وتتفاعل في مشاعره الأحاسيس الإيجابية والسلبية تجاه واقع التنوع والاختلاف، فتنعكس مواقف وعلاقات وأساليب أداء متبادل بين عناصر التنوع والاختلاف. والذي يهمنا هو كيفية تجاوز الانعكاسات السلبية التي سببت للإنسانية على طول امتداد تجربتها التاريخية الكوارث والمآسي من احتراب واقتتال وعداوة، نغصت على الإنسان حياته وأفقدته الأمن أهم شرط في تحقق السعادة الفردية والاجتماعية، وضيعت عليه فرص البناء، ولم تكتف بذلك بل ساهمت في هدم وتخريب كل ما بني بعرق وجهد وفكر الأجيال.
الحوار كان دائما أداة العقلاء للخروج من المأزق والواقع المربك للحياة والمرعب للنفوس، مما أنتجه الاحتراب الذي يتجذر ويتوسع دائما مع غياب الحوار أداة العقلاء والواعين لمسؤوليتهم الاجتماعية، الوطنية والإنسانية، التاريخية. فالحوار هو السبيل إلى إعادة تجسير الثقة بين من تقطعت بينهم جسورها.
ولا يكفي معرفة أن الحوار هو السبيل إلى تحقيق التعايش السلمي والتآزر والتعاون على البر والإنسانية والبناء والإصلاح، وإنما لا بد من أجل أن يؤدي الحوار رسالته حق الأداء، من أن نتعرف على شروط الحوار البناء، لأنه إذا لم يحسن استخدامه، ولم يتعرف على شروط إنجاح رسالته، تحول ربما إلى عكس الغرض منه، أي إلى معول جديد يضاف إلى بقية معاول الهدم والتخريب.
لست بصدد فرض إيديولوجية خاصة على أدوات وآليات الحوار، عندما أأتي بشواهد من القرآن الكريم، بل أتعامل مع القرآن كمصدر من مصادر الحكمة، وأضيق الاسترشاد بالقرآن على مل يمثل مساحة مشتركة، فأورد ثلاثة شروط للحوار:
التعارف «وكذلك جعلناكم شعوبا وقبائل لتتعارفوا».
الكلمة السواء «تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم».
اختيار أفضل الأساليب في الحوار «وجادلهم بالتي أحسن».
الحوار من أجل التعارف: وهذا ما تثبت التجربة صحته وأهميته مجددا بين الحين والحين. فالأطراف التي تلتقي، وتتحاور بشكل مباشر، ووجها لوجه، مهما تباينت رؤاها، تجدها تتعرف على بعضها البعض بشكل أفضل، مما كان عليه الأمر، في فترات التباعد وعدم الالتقاء، حيث يكون كل طرف صورة عن الطرف الآخر عن بعد، وعن طريق وسيط ثالث بينهما، وعلى ضوء الأحكام المسبقة. وهذا التعارف أو المزيد من تعرف البعض على البعض الآخر، يؤدي إلى التقارب الفكري والنفسي، فتبدأ الحواجز تتلاشى، والمسافات الفاصلة تقصر.
الحوار بحثا عن المساحة المشتركة: وهنا تأتي النتيجة، وهي اكتشاف مساحات مشتركة بين الأطراف المختلفة أكثر بكثير مما كان عليه التصور قبل مرحلة التحاور. والمساحة المشتركة التي نعتها القرآن بالكلمة السواء، تكون تارة نتيجة للحوار، ولكنها قبل أن تكون نتيجة، من الضروري أن تجعل هدفا للحوار. فينطلق المتحاورون من موقع الرغبة في البحث عن المساحة المشتركة بينهم من خلال الحوار. لأن الذي ينطلق في حواره من هدف اكتشاف المساحة المشتركة والكلمة السواء بينه وبين الآخر المغاير، ينطلق في ذلك بروحية إيجابية أكثر بكثير، ممن يجعل الغلبة هدفا للحوار. وهذا يحتاج إلى تأسيس لثقافة جديدة وتجذير هذه الثقافة وتوسيعها، وهي ثقافة نسبية الحقائق في عالم الإنسان، وليس من صواب مطلق ولا خطأ مطلق، بل هناك صواب نسبي وخطأ نسبي، وإذا ما تركنا قضية الصواب والخطأ، وتحدثنا عن المغايرة أو التباين والاختلاف، لا بد من وعي أن ليس هناك من فواصل حادة بين المتباينات، وأن ليس هناك تباين بالمطلق، بل إن هناك مساحات مشتركة بين رؤية وأخرى، مهما تباينتا، وإن هذه المساحات المشتركة تمثل مساحات التداخل بين الدوائر المتباينة تباينا نسبيا، وهذه المساحات المشتركة تمثل الجسور الممتدة ونقاط اللقاء بين كل الأطراف.
الحوار بأفضل الأساليب:
اجتناب الاتهام بما دليل له.
المصارحة والمكاشفة.
اجتناب الأحكام المسبقة.
اجتناب التعميم والإطلاق.