الداعية بين اللين والشدة
على الداعية إلى الله أن يعرف بوضوح أن رسالته التي يحملها إلى الناس، هي رسالة رحمة، كما أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 1077].
وحين يستوعب الداعية ذلك، يتعمق في نفسه الإحساس بالتيسير على الناس والرفق بهم، فالله تعالى لا يريد بعباده إلا اليسر، كما قال تعالى ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].
وهو تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على الشدة والعنف، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه))[ صحيح مسلم ].
ولكن هذا الرفق المأمور به الداعية، لا يعني التساهل مع المدعوين أو مسايرتهم دائما فيما يريدون، بل إن مراعاة المدعو أحيانا ومصلحته تتعلق بمنعه من الخطأ، والأخذ على يديه بالشدة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (( انصر أخاك ظالما أو مظلوما)). قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا فكيف ننصره ظالما؟ قال: (( تأخذ فوق يديه))[ صحيح البخاري ].
كما بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أقواما يجبرون على الدين، ويشدون إلى الجنة بالسلاسل، فقال:((عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل)).
فإذا علم الداعية أن عامة مصالح النفوس في مكروهاتها، كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها كان للمدعوين مثل الأب الشفيق على ولده، العالم بمصلحته، إذا رأى مصلحته في إخراج الدم الفاسد عنه، شق جلده، وقطع عروقه، وأذاقه الألم الشديد، وإن رأى شفاءه في قطع عضو من أعضائه، أبانه عنه، كل ذلك رحمة به، وشفقة عليه، كذلك يمنعه كثيرا من شهواته، حمية له ومصلحة لا بخلا عليه.
ومراعاة المدعوين بين اللين والشدة، من واقعية الدين الإسلامي، فهو يقر التفاوت النظري والعملي بين الناس، فليس كل المدعوين على درجة واحدة من قوة الإيمان والالتزام بما أمر الله تعالى من أوامر، والانتهاء عما نهى عنه من نواه، فبعض الناس يفتح الرفق مصارع قلوبهم، ويمتلكها الإحسان، وفي الوقت ذاته فإن (الهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوما، ويهجر آخرين... كما أن المشروع في العدو، القتال تارة، والمهادنة تارة، وأخذ الجزية تارة، كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح).
(والائتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وعظ أهل الجهل والمعاصي والرذائل واجب، فمن وعظ بالجفاء والاكفهرار، فقد أخطأ وتعدى طريقته صلى الله عليه وسلم.
ومن وعظ ببشر وتبسم ولين، وكأنه مشير برأي، ومخبر عن غير الموعوظ، بما يستفتح من الموعوظ، فذلك أبلغ وأنجع في الموعظة.. وأما الغلظة والشدة، فإنما تجب في حد من حدود الله تعالى، فلا لين في ذلك للقادر على إقامة الحد خاصة).
والمواقف التي تحلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق أكثر من أن تحصى، فهي الأغلب في أحواله، مقارنة بالمواقف التي تحلى فيها صلى الله عليه وسلم بالشدة.
ومن شواهد ذلك في غزوة الفتح: إعراضه عن قبول إسلام ابن عمه أبي سفيان بن الحارث وصهره عبد الله بن أمية بادئ الأمر، حتى إذا استوثق من صدق رغبتهما في الإسلام وأشفق عليهما، قبل ذلك منهما، وأمره بقتل ابن خطل وهو معلق بأستار الكعبة، كذلك أمره بقتال من نقض الأمان من أهل مكة، حينما لم يرعوه وبادؤوا المسلمين بالقتال.
المصدر: http://www.denana.com/main/articles.aspx?article_no=15055&pgtyp=66