إخبار النبي يعقوب عليه السلام ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في سفر التكوين
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين وصحبه الميامين.
أشار القرآن الكريم في أكثر من مورد الى ان الكتب الالـهية السابقة التوراة والزبور والإنجيل وغيرها كانت تحتوي على خبر بعثة النبي محمد (ص) ، وان اهل الكتاب كانوا ينتظرون بعثة نبي يظهر في مكة وانهم كانوا يعرفون بموجب تلك النصوص تفصيلات كثيرة عن مصير نبوته ، قال تعالى : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[البقرة/146].
وقال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ)[الأعراف/157].
وقال تعالى : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللـه إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)[الصف/6].
ثم ذكر القرآن ان علماء اليهود تصدوا لتحريف البشارات بعد البعثة حسدا وبغيا كما في قولـه تعالى : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ)[المائدة/41].
وقولـه تعالى : (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللـه يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[المائدة/13].
وقد كتبت في هذا الموضوع حديثا وقديما عشرات الكتب ومئات المقالات والفصول من قبل علماء المسلمين انفسهم ومن قبل علماء اهل الكتاب الذين شرح اللـه صدرهم للاسلام وهي بحوث قيمة ونافعة جزى اللـه كاتبيها خير الجزاء .
غير ان الملاحظ على أغلب هذه الدراسات انها لم تقم على منهج ملاحقة النص في الترجمات الاساسية الآرامية والسريانية والإغريقية واللاتينية وغيرها ومقارنة ذلك بالاصل العبري وهو ما حاولناه في دراساتنا هذه من اجل لفت النظر الى اهمية هذا المنهج وضرورة توفر عدد من الباحثين للنهوض به ونحن نامل من القراء والباحثين الكرام ان يوافونا بملاحظاتهم واقتراحاتهم لنفيد منها في سد الثغرات التي قد تنطوي عليها كل محاولة من هذا القبيل واللـه ولي التوفيق .
إخبار النبي يعقوب (ع) ببعثة النبي محمد (ص) في سفر التكوين
|
|
جاء في التوراة العربية المطبوعة في مجموعة باريس (ط1645م) ومجموعة لندن (ط 1657م) (1)انقر هنا للذهاب الى الهامشسفر التكوين الاصحاح (49) :
1. (ثم دعا يعقوب بنيه وقال اجتمعوا أبارك فيكم وأخبركم بما ينالكم في آخر هذه الايام) .
2. ( اجتمعوا واسمعوا ذلك يا بني يعقوب واقبلوا من إسرائيل أبيكم) ...
10. (لا يزول القضيب من يهوذا والرسم من تحت أمره ، إلى أن يجئ الذي هو لـه ، وإليه تجتمع الشعوب) .
ومن الواضح : ان النص وبخاصة الفقرة العاشرة يتحدث عن شخص الـهي موعود يظهر في آخر الايام وعلى هذا الفهم يتفق كل مفسري التوراة وان كانوا يختلفون في تشخيص الواقع الذي تنطبق عليه الفقرة العاشرة بالذات .
ومراده من (القضيب) هو : صولجان الحكم ، وقد استبدلت في بعض الترجمات كلمة (القضيب) بـ(الصولجان) .
ومراده من (الرسم من تحت امره) هو : مبيِّن القانون ومفسِّره ومشِّرعه أي العالم التوراتي الخاضع لـه المنسجم معه .
وقولـه (الى ان يجئ الذي هو لـه) إشارة الى الشخص الالـهي الموعود .
وفيما يلي عرض للمحاولات المبذولة من قبل علماء اليهود والنصارى الذين اسلموا في دراسة وتطبيق هذه البشرى على النبي (ص) ثم عرض للمحاولة الجديدة التي قمنا بها في فهم البشرى وتطبيقها على النبي محمد (ص) .
|
ــــــــــــــــ
(1)رجوع الى المتن توجد في مكتبة المتحف البريطاني ومكتبة الوثائق الـهندية تحت عنوان : Biblia Saccra Polyglotta .
برقم : 6 75, 1,1, 1-6 ، ورقم 1, h, 1-8,2,h,1,2 والذي يبدو ان الترجمة العربية الموجودة في هذه المجموعة طبعت بشكل مستقل سنة 1671م في روما وبقيت سائدة حتى ظهرت ترجمة الدكتور صموئيل الانكليزي وفارس الشدياق اللبناني التي اعتمدت النص العبراني في الترجمة وقد طبعها وليم واطسون في لندن سنة 1857م ثم ظهرت بعدها ترجمة فانديك والبستاني سنة 1864م وترجمة الاباء اليسوعيين سنة 1880 ..
****
المحاولات المبذولة في دراسة النص وتطبيقه على النبي محمد (ص)
(1) اسلم في عهد السلطان بايزيد الثاني (886-918هج) . (3) في كتابه الذي يحمل اسم منقول الرضائي (4) في اظهار الحق ج2/381-384 . (5) في كتابه (أنيس الاعلام في نصرة الاسلام) بالفارسية ج5/73-76 طبع سنة 1354 هجرية شـمسية . (6) لم أجد في حدود مطالعاتي من ذكرها قبله . (7) كان اسمه قبل ان يسلم : بنيامين كلداني ولد سنة 1867 م في اورميا من بلاد ايران درس في روما منذ سنة 1892 ثم تم ترسيمه كاهنا سنة 1892 اسلم سنة 1904من خلال لقاءاته مع شيخ الاسلام جمال الدين افندي وآخرين في استانبول . (8) افترق اليهود الى كيانين سياسيين بعد موت النبي سليمان (ع) : الكيان الاول : يشمل سبط يهوذا وسبط بنيامين وسبط لاوي وقد اتخذ من مدينة القدس عاصمة لـه ويعتقد ابناء هذا الكيان ان الجبل الذي قدسه اللـه تعالى هو جبل صهيون وتعرف توراة ب(التوراة العبرانية) وخطها يعرف بالخط الآشوري المربع . الكيان الثاني : يشمل بقية بني اسرائيل وقد اتخذ مدينة نابلس عاصمة لـه ويعتقد ابناء هذا الكيان ان جبل جرزيم هو الجبل الذي قدسه اللـه تعالى وتعرف توراتهم بالتوراة السامرية وخطها يعرف الخط الفنيقي القديم . بعد سقوط الكيانين سياسيا استمر أتباعهما كفرقتين دينيتين تحملان الاسم نفسه . والتوراة السامرية تحتوي على الاسفار الخمسة الاولى فقط ويرفضون غيرها بينما تحتوي التوراة العبرانية على اسفار اخرى يصل مجموعها الى تسعة وثلاثين سفرا .وقد قام الدكتور احمد حجازي السقا بدراسة الفروق بين التوراتين في كتابه التوراة السامرية .الذي نشر فيه النص الكامل للتوراة السامرية ترجمة الكاهن السامري ابي الحسن اسحق الصوري . (9) انظر قاموس الكتاب المقدس لفظة (شيلوه) وقد وقع محرر اللفظة في اشتباهات لا مجال لذكرها هنا ، وانظر أيضا كتاب : The Aramaic Bible volume1A, TargumNeofiti 1 : Genesis by martin Mcnamara (Notes,Chapter 49 Note,24 p220). وهو اكثر دقة من الأول . وانظر ايضا التوراة الحية للعالم اليهودي المعاصر (اريه قافلا) : The living Torah ,The Five Books of Moses and the haftarot p247 by R. Areyh Kaphlan. وهو اوسع من المصدرين السابقين . (10) كترجوم اونقيلوس والترجوم الفلسطيني والترجوم المنسوب الى يوناثان وكذلك ترجوم مخطوطات قمران . (11) حيث قال : توجد بلدة اسمها (شِلوه) () تقع في ارض سبط افراييم (سفر صموئيل اصحاح/1 جملة 1) ولكن لا يوجد فيها حرف (يود)(ياء) ولذلك لا يمكن ان يكون الاسم مطابقا او مشيرا لـها ، فالكلمة اذا وحيثما وجدت تشير الى شخص ، وليس الى مكان . اقول يرد على كلامه ان شيلوه كمكان وردت في التوراة مع الياء وبدونها(1 صموئيل 9:1 (شلوه)(شله) وايضا بالواو بدلا من الـهاء(1صموئيل 21:1 (شلو) (). (12) ذكر العلامة عبد الأحد فيما بعد ان كلمة (يقها) تعني الطاعة او التوقع ولم يقف عندها كثيرا بل اختار معنى الطاعة ودرس النص في ضوئه ، انظر ص81 من كتابه ط2/1405هج . (13) (البشيطتا) اسم الترجمة السريانية للتوراة ولفظة (البشـيطتا) () (Pshitta) : سريانية تعني البسيطة . ويحتمل الباحثون ان الاسفار الخمسة الاولى ترجمت من قبل يهود اعتنقوا المسيحية وانها اقرب الى النص الماسوري وترجوم اونقيلوس . انظر كتاب : The Interpreters Dictionary Of The Bible,ward (version) . (14) أقول هذا التحليل يصدق مع الكلمة في النسخة السامرية حيث هي هناك من ثلاثة احرف (ش.ل.ه)().وهذه لكي تصبح (شالوح)() أي (الرسول ) لا تحتاج الا الى تبديل حرف الـهاء بحرف الحاء . اما في النسخة العبرية فهي من اربعة احرف (شيلوه)().وتحتاج لكي تصبح (شالوح) الى حذف حرف الـهاء وحرف الياء . (15) كلمة (رسول ) أو (مرسل) بالعبرية لـها ثلاث صيغ الاولى: (شلوح)() وتكتب ايضا بدون حرف الواو () الثانية (:شليح)() الثالثة: (مشلح) () .راجع (قاموس كوجمان) وايضا(هملون اعبري امركز). (16) أقول : ليس الامر كما يقول إذ مر علينا ان الكلمة لـها احتمالات اخرى وقد ذكرناها ، نعم الاحتمال الثالث الذي ذكره العلامة عبد الاحد لم تذكره المصادر التي اوردناها . (17) التنبؤات المسيحانية : مصطلح يراد به عند المسيحيين والنصارى النصوص التي تتحدث عن شخص الـهي يبعثه اللـه في آخر الزمان قال علماء التلمود هو المسيح ولا يريدون به عيسى بن مريم (ع) . وقالوا انه لم يبعث فعلا . وقال العلماء المسيحيون هو عيسى بن مريم وقال علماء المسلمين الشيعة والسنة ان هذه النصوص تتحدث عن النبي محمد (ص) واضاف علماء الشيعة ان بعض هذه النصوص يتحدث ايضا عن اهل البيت (ع) . (18) أقول : وقد اختار المؤلف معنى (الطاعة) بناء على ان اللفظة هي(يقهت)وهي من (ياقَه) () كما هي في النسخة العبرية المتداولة . وسيأتي في المحاولة الثالثة ان الكلمة الاخرى هي (يقوا) () وتعني التوقع وانها الاصل الذي حرفت منه كلمة (يقهت ) . (19) في انجيل مرقص 12 : 35-37(قال يسوع كيف يقول الكتبة ان المسيح هو ابن داود وداود نفسه قال بوحي من الروح القدس : قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى اجعل اعداءك تحت قدميك فداود يدعوه ربا فكيف يكون ابنه ؟) ومثلـه في لوقا ومتي والترجمة الصحيحة لعبارة (قال الرب لرب)ي هي(قال الرب لسيدي) . (20) اقول : أو (شليحا) أو (مشلح) . (21) يعتقد اليهود والمسيحيون ان شيلوه من سبط يهوذا . (22) نبوة محمد في الكتاب المقدس عبد الاحد داود ترجمة فهمي شما ط2 /140 وقد اخذ بهذه المحاولة الاستاذ تامر مصطفى في كتابه بشائر الاسفار ص167-178 طبعة دار التوحيد1994 . |
***
هي المحاولة التي نقدمها هنا ونبدأ فيها من الاحتمال الثالث الذي اثاره العلامة عبد الاحـــد وهــو ان تكون لفظة () (شيلوه) محرفة من () (شلوحَ) .
ثم من اللفظة () (يقهت) التي تعني (يطيع) ، وكونها محرفة عن كلمة () (يقوه) التي تعني (يتوقع وينتظر) واختار العلامة عبد الاحد القراءة الاولى السائدة للنص فعلا وهي (يقهت) بمعنى يطيع ولم يعر اهمية للقراءة الثانية المحتملة ومعناها وهي (يقوه) التي تعني ينتظر .
الترجمة العربية للأصل اللاتيني
هناك ترجمة عربية للعهد القديم (1) طبعت سنة 1753 م في مطبعة (ملاك روتيلي) ، وقد جاء فيها النص متطابقا مع الاحتمال الثالث الذي احتملـه العلامة عبد الأحد في لفظة (شيلوه) أي كونها محرفة عن لفظة (الرسول) وايضا متطابقا مع القراءة الثانية المحتملة للفظة أي (يقوه) التي تعني (الانتظار) والتي اغفلها في دراسته .
ففي الصفحة 66-67 نجد النص كما يلي :
(لا يزول القضيب من يهوذا ولا القائد من فخذه ،
\حتى يأتي الْمُزمَع ان يرسل ، وهو يكون انتظار الامم) .
ومراده بـ(المزمع ان يرسل) : الرسول الذي يراد ارسالـه ، او الرسول الموعود (2) .
وهذه الترجمة العربية المهملة والمنسية هي ترجمة حرفية للترجمة اللاتينية المنتشرة الى اليوم عند اتباع الكنيسة الكاثوليكية وهي الترجمة المعروفة بـ(الفولكات The Latin Vulgate) ، وقد قام بها (اوسيبيوس ايرونيموس) (Eusebis Hieronymus) الذي عرف باسم (جيروم) (Jerome) (340-420 م) وكان البابا (دماسيوس) (Damasus) قد كلفه بتنقيح الكتاب المقدس .
وكان (جيروم) اعظم علماء المسيحيين في عصره ، اتم مراجعته للترجمة اللاتينية للإنجيلِ حوالي 383 ، و بعدها قدَّم ترجمات لاتينية جديدة من (المزامير) وكتاب (ايوبِ) ، وبعض الكتبِ الأخرىِ معتمدا على الترجمة الاغريقية المعروفة بـالـ(سبتوجنتا)(3) ثم لاحظ ان الترجمة الاغريقية غير مقنعة/ لأنها كانت ترجمة بالمعنى في كثير من الموارد / لذلك اتجه الى الاصل العبري لتكون الترجمة منه مباشرة واستعان ببعض الاساتذة اليهود في تلك المهمة (4)، وكان قد بدأ عملـه في فلسطين سنة 390 م وانتهى منه سنة 405 م (5)، اي قبل بعثة النبي محمد (ص) بقرنين من الزمن تقريبا وبعد اربعة قرون من بعثة عيسى (ع) تقريبا .
والنص اللاتيني في الفولكاتا هو :
Non auferturn sceptrum de Juda , |
ومن الغريب ان لا يلتفت العلامة عبد الاحد الى ذلك وبخاصة وهو مطلع على نسخة (الفولكاتا) وقد ذكرها في كتابه في اكثر من مورد .
وعلى كل حال تسهيلا للبحث في النص نقسمه الى فقرتين :
الفقرة (أ) :
لا يزول القضيب من يهوذا ولا مشترع من فخذه . |
Non auferturn sceptrum de Juda . |
الفقرة (ب) :
حتى يأتي الْمُزمَع ان يرسل . |
donec veniat qui mittendus est . |
وهو يكون انتظار الامم . |
et ipce erit expectatio gentium . |
ونحن نفضل البدء بدراسة الفقرة (ب) ثم نتحدث بعد ذلك عن الفقرة (أ) .
الفقرة (ب) من النص
( حتى يأتي الْمُزمَع ان يرسل وهو يكون انتظار الامم )
ذكروا : ان جيروم صاحب ترجمة (الفولكات) اعتمد الاصل العبري في ترجمته ومعنى ذلك ينبغي (7) ان يكون النص العبري الذي ترجمه في ذلك الوقت :
|
|
|
|
|
|
عد كي |
يابوء |
شلوح |
ولو |
يقوه |
عميم |
حتى |
يأتي |
الرسول |
وله |
تنتظر |
الأمم |
ولكن الذي نجده في نسخ التوراة العبرانية المتداولة اليوم هو :
|
|
|
|
|
|
عد كي |
يابوء |
شيلوه |
ولو |
يقهت |
عميم |
حتى |
يأتي |
شيلوه |
وله |
تطيع |
الأمم |
والكلمات التي هي موضع الشاهد هي كلمة (شلوح) () التي حُرِّفت الى كلمة(شلوه) () في التوراة السامرية و(شيلوه) () في التوراة العبرانية وكلمة (يقوه) () التي حرفت الى كلمة (يقهت) () كما هو مبين في الجدول اعلاه .
فهل ان (جيروم) :
ــ او كانت نسخته شاذة ؟
ــ ام ان القراءة السائدة للاصل العبري في زمانه كانت كذلك ثم حرفت بعده ؟
احتمالات ثلاثة نبحثها كما يلي :
بطلان الاحتمال الاول والثاني :
ان كلا من الاحتمالين الاول والثاني لا بد من استبعادهما وذلك اذا اخذنا بعين الاعتبار المهمة التي كان يضطلع بها (جيروم) وهي تقديم ترجمة حرفية معتمدة للكتاب المقدس عن الاصل العبري مباشرة دون توسط الترجمة اليونانية (السبتوجنتا) التي كانت ترجمة بالمعنى ، ان هذه المهمة تفرض عليه ان لا يعتمد على نسخة شاذة او خاصة بفرقة يهودية صغيرة ، ولا على قراءة محتملة ، واذا كانت بين يديه نسخ مختلفة فان خطورة المهمة تفرض عليه ان يشير الى اختلاف النسخ وهو امر متعارف عليه عند النساخ فضلا عن المترجمين وليس من المتوقع ان يجهلـه من مثل (جيروم) الذي وصف انه من اعظم علماء عصره ، ولم يؤثر عنه شئ من ذلك .
رجحان الاحتمال الثالث :
ولم يبق لدينا الا الاحتمال الثالث وهو أن جيروم كان يترجم لقراءة سائدة ونسخة عامة معتمدة وليس لقراءة شاذة او نسخة خاصة بفرقة يهودية خاصة .
هذا مضافا الى ان التوراة العبرية التي ترجمها (جيروم) لم تكن مجرد نسخة حصل عليها خفية من مدرسة يهودية في فلسطين بل تسلمها من كهنة اليهود الذين تعلم على يدهم اللغة العبرية وقراءة النص التوراتي نفسه .
لقد اثيرت على ترجمة (جيروم) اشكالات في وقته بسبب الاختلافات بين النص الذي قدمه والنص اللاتيني المترجم عن النص الاغريقي الذي كان سائدا في زمانه .
فلو كانت هذه الاختلافات ناشئة من اعتماده على نسخة من التوراة ذات قراءة شاذة او كونها من فرقة خاصة لسجلت عليه ولكانت عقبة كؤودا امام انتشار ترجمته ، غير انها كانت اختلافات ناشئة من تجاوزه للـ(سبتوجنتا) التي كانت ترجمة بالمعنى في كثير من الموارد ، ومن هنا شقت ترجمتة طريقها في العالم المسيحي في الغرب واختفت الاعتراضات عليها ، حتى اصبحت في فترة قصيرة الترجمة المعتمدة عند الكنيسة الرومانية (9)، واستمرت كذلك عند الكنيسة الكاثوليكية الى اليوم نعم ظهرت في القرون المتاخرة ترجمات اخرى تستمد من الأصل الاغريقي والأصل العبري مباشرة (10).
وفي ضوء ذلك يمكننا القول :
بان النسخة العبرية التي بين ايدينا هي المحرفة في قبال النسخة العبرية التي ترجمها جيروم ، وان التحريف قد حصل بعد عهد (جيروم) أي بعد القرن الخامس للميلاد .
وهنا سؤالان امام الباحث :
السؤال الأول : هل يوجد في الترجمات الاخرى ما يؤيد (الفولكاتا) ؟
السؤال الثاني : ما هو الحادث الجديد الذي دفع باليهود ككل الى تبني عملية التحريف ونشر النسخة المحرفة واخفاء او اتلاف النسخ الصحيحة نسبيا ؟
الإجابة على السؤال الاول :
اما بالنسبة للسؤال الاول فجوابه بالايجاب .
إذ أن كلا من (السبتوجنتا) و(البشيطتا) تتطابقان تماما مع ترجمة جيروم في النصف الثاني من الفقرة موضع البحث .
اما (السبتوجنتا) فإن النص فيها بحرفه اليوناني كما يلي :
ewz an elo ta apokeimna autw, |
وترجمته بالانكليزية :
Until there come the things stored up for him , |
وترجمته بالعربية :
( حتى يأتي الذي حُفِظَت الاشياء لـه ، |
وهذا معناه ان التوراة العبرية التي كانت منتشرة في القرن الثالث قبل الميلاد التي ترجمت عنها (السبتوجنتا) في ذلك الوقت كانت فيها كلمة (يقوه) (يقوه) الــــتي تعني (ينتظر) وليس كلمة (يقهت) (يقهت) التي تعني (يجتمع) .
اما نص (البشيطتا ) فحرفه السرياني كما يلي :
|
وترجمته بالانجليزية:
وترجمته بالعربية:
( حتى مجيء الشخص الذي يعود لـه القضيب ، |
ومما لا خلاف فيه ان (البشيطتا) أقدم من (الفولكاتا) فهي اذن لم تترجم عنها .وقد ذكروا ان (البشيطتا) مترجمة عن أصل عبري (12) او عن أصل يوناني و النتيجة لكلا الاحتمالين واحدة وهي ان التوراة العبرية التي ترجمت عنها (البشيطتا) كانت تحتوي علي كلمة (يقوه) () التي تعني (ينتظر) وليــــس كلمة (يقهت) () التي تعني (يجتمع) .
وبالتالي فان تحريفها في النسخة العبرية الى (يقهت) () قد حصل بعد عهد (جيروم) ايضا .
الإجابة على السؤال الثاني :
ان اهم حادثة تعرض لـها المجتمع اليهودي وكذلك المجتمع المسيحي بعد عهد (جيروم) هي بعثة النبي محمد (ص) ، وقد ثبت تاريخيا ان يهود المدينة كانوا في اوائل البعثة وقبل تغيير القبلة مؤيدين للنبي وكانوا يذكرون ما لديهم من البشارات في حقه (ص) وقد احتج القرآن بموقفهم هذا على قريش تأييدا لنبيه المرسل محمد (ص) فقال :
(أَوَلَمْ يَكُنْ لهمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) الشعراء/197 .
ثم انقلب موقف اليهود بعد الـهجرة وتغيير القبلة وصاروا يؤيدون قريشا في حربهم مع النبي .
وتصدى لـهم القرآن وعرض لكثير من فضائحهم التاريخية وكشف عن اهم صفاتهم مع التوراة وهي تحريفهم لـها في العهود التاريخية السابقة وفي عهد النبي الموعود الذين كانوا ينتظرونه ويبشرون به :
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) البقرة/146.
(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) المائدة/13.
ثم حاربهم النبي (ص) لما عاونوا قريشا المشركة المحاربة لـه وخانوا عهودهم معه وبفعل ذلك هرب بعضهم واجلي البعض الآخر عن المدينة (وساروا باتجاه الشام (13)) .
وفي ظل هذا الظرف الفكري والسياسي فان من الطبيعي جدا هو ان تتجه ظنون الباحث المحايد فضلا عن الباحث المسلم الى هؤلاء اليهود
النازحين الى طبرية الذين يحملون تجربة حية في تأييد نبوة محمد (ص) ثم محاربتها بالسيف والقلم .
النص التوراتي المتداول فعلا :
ومما يؤيد الباحث كباحث في هذا الصدد هو ما يذكره الباحثون بخصوص تاريخ النص التوراتي المتداول المضبوط بالحركات انما هو ناشئ بعد بعثة النبي لا قبلـها .
جاء في مقدمة الترجمة الفرنسية للكتاب المقدس :
تطلق عبارة (النص المسوري) على صيغة النص الرسمية التي قررت نهائيا في الدين اليهودي حوالي القرن العاشر بعد المسيح حين ازدهر في طبرية اشهر المسوريين وكانوا ينتمون إلى عائلة ابن اشير .
واقدم مخطوط (مسوري) بين أيدينا نسخ فيما بين 820-850 بعد المسيح (14) وهو لا يحتوي إلا على التوراة .
واقدم مخطوط كامل ، وهو مخطوط حلب ، قد نسخ في السنوات الأولى من القرن العاشر بعد المسيح .
أما نسخ الكتاب المقدس العبري الحالية ، فهي منقولة عن النشرة التي صدرت في (البندقية) في السنة 1524 عن يد يعقوب بن حاييم .
كثيرا ما وقع التباس في النصوص الكتابية ، لان الكتابة العبرية غالبا ما تهمل فيها الحركات ، وفي القرن السابع (15) اهتدى الباحثون إلى وسيلة واضحة لكتابة الحركات ، وللإشارة إلى علامات الفصل في الجمل ، عن طريق النقاط والخطوط .
وهكذا دُوِّن خطيا تقليد حي للقراءة والتفسير كان قد انتشر في الدين اليهودي خلال الألف الأول من عصرنا ، ويشهد لـه (الترجوم) ، أي التفسيرات الآرامية التابعة للكتاب المقدس العبري (16) .
خلاصة البحث في الفقرة (ب) :
ان احتمال العلامة عبد الاحد في تحريف كلمة (شلوح) (شلوح) (الرسول ) في الفقرة 10 من الاصحاح 49 من سفر التكوين الى كلمة (شيلوه) (شيله) (الذي يخصه) قد حصل اشتباها وسهوا من قبل احد الناسخين ليس صحيحا ، بل القرائن تؤكد عمدية التحريف من قبل علماء اليهود المعاصرين لبعثة النبي محمد (ص) بغيا وحسدا ، و نص الفولكات اللاتينية المترجمة عن العبرية قبل البعثة من اهم هذه القرائن ، ومن هذه القرائن ايضا تحريف كلمة (يقوا) في النص نفسه( التي تعني ينتظر) الى كلمة يقهت (التي تعني يجتمع) كما في الفولكات والسبتوجنت اليونانية والبشيطتا السريانية ، ومنها ايضا ان النص المسوري مستحدث بعد بعثة النبي محمد (ص) . ان الذي اوقع العلامة عبد الاحد في هذا الخطأ هو عدم اطلاعه على النص في الفولكات وعدم التفاته الى تلك القرائن ، كما ان الذي دعا النصارى الى عدم متابعة اليهود في تحريف النص اعتقادهم ان النص يتحدث عن رسالة المسيح (ع) .
وفيما يلي جدول توضيحي بذلك :
الفقرة (ب) ومقارنتها بالنص |
||
Vulgate |
Donec veniat qui mittendus est |
et ipce erit expectatio gentium |
Septuagint |
ewz an elo ta apokeimna autw |
kai autoz prosdokia e tnon |
Peschitta |
|
|
Massoretic text |
|
|
الفقرة (أ) من النص
|
|
|
|
|
|
لا يسور |
شبط |
مي يهودا |
ومحقق |
مبين |
رجليو |
لا يزول |
قضيب |
من يهوذا |
ولا مشترع |
من بين |
رجليه |
قال بعض مفسري اليهود : ان قولـه (ولا مشترع من بين رجليه) : لا يريد به: مشرع من صلب يهوذا وانما يريد المشرع المطيع ليهوذا .
ومن هنا جاء في ترجمة اخرى :
لا يزول الصولجان من يهوذا ولا عصا القيادة من بين رجليه . |
والخلاف حول كلمة () (مْحُقَّقْ) الواردة في الاصل العبري .
فقد ترجمتها (البشيطتا) الى مشرع ومشترع (lawgiver)
وترجمها علماء اليهود الى عالم (scholar) ـ(17) والى(legislation) (التشريع)(18).
وترجمها جيروم الى (dux) اي (ruler) (قائد ، موجه) .
وترجمتها السبتوجنتا الى (leader) .
واصل الكلمة من (حاقَق) () : سنَّ قانونا ، ومنه كلمة (حوقْ) () قانون ، شريعة ، و(حُقّا) () دستور قانون و(حقيقا) () (سن القوانين ، تشريع) .
وفي ضوء ذلك فان الحق مع من ترجمها الى (مشرع ).
اما عبارة (من بين رجليه) فأصلـها العبري كذلك ولفظه العبري (مبين رجلايو) ( ) فقد ترجمها الاكثر من علماء اليهود بـ(النسل والذرية) (19) .
تحريف آخر في النص :
الذي تحتملـه جدا ان كلمة (يهوذا) في النص محرفة عمدا عن كلمة(يعقوب) (20) .
وذلك :
لان عقيدة اليهود تقتضي ان يُحصَر علماء الشريعة ومبيِّنوها بذرية هارون فهم مكرَّسون لذلك ومن هنا حاول بعض (21) مفسري التوراة توجيه عبارة (مبين رجلايو) ( ) وجهة اخرى فقال ان هذه العبارة تعني (المشرعين المطيعين لـه)أي للملك من يهوذا أو(من تحت امره) أي من تحت امر الملك من يهوذا ، وفي ضوئه يكون النص (لا يزول الصولجان من يهوذا ، ولا مشرع جالس عند قدميه) أو (من تحت امره) وهذا التعبير لا يفرض ان يكون المشرع الوارد في النص من ذرية يهوذا .
غير ان هذا التوجيه خلاف ظاهر العبارة تماما ، وخلاف الاستعمال التوراتي لـها إذ ورد نظيرها في سفر التثنية 28:58 (مِبَّين رجليها) () واراد به العضو التناسلي للمرأة ، وفي قبالـه فان تعبير (مبين رجلايو) ( ) اراد به العضو التناسلي للرجل وكنى به عن الذرية .
والى هذا المعنى الاخير ترجمها اونقيلوس في ترجومه وكذلك يوناثان في ترجومه وعبارتهما : (من ابناء ابنائه) (22).
وإذا كان الامر كذلك فان النص الاصلي يفيد : ان الملك وحق التشريع لا يزولان من بيت يعقوب حتى يأتي الرسول الذي سيبعث للامم .
وبذلك يستقيم النص مع الواقع التاريخي لبني إسرائيل منذ عهد يعقوب (ع) إلى عيسى (ع) فان جميع الأنبياء والأوصياء من ذريته . اما مع كلمة (يهوذا) فان النص يصطدم بالواقع التاريخي إلا إذا أولناه تأويلا متعسفا .
بحث حول عبارة
(و هو يكون انتظار الامم)
عودة للفقرة (ب)
لفظة (الامم) مصطلح يراد به عند اليهود و النصارى : الشعوب غير الكتابية أي غير الموحدة أي الشعوب المشركة (23).
جاء في معجم اللاهوت الكتابي تحت لفظة (امم) (Nations) ـ(24) ما يلي :
ينقسم الجنس البشري في تصور (العهد القديم) الى قسمين :
الاول : شعب اللـه ، (عم) () بالعبرية و(laos) ـ (25) باليونانية ، ويختص بالاختيار والوعود الالـهية .
الثاني : الامم ، (جوييم) () بالعــبرية (ethne: e tn) باليونانية .
وتشمل من لا يعرفون اللـه (الوثنيين) ومن لا يشتركون في حياة شعبه (الغرباء) (26).
ان الاصل اللاتيني الذي ورد في الفولكات وترجم الى (Nations) (الامم) في بعض الترجمات الحديثة هو(gentium) .
وقد جاء في القاموس اللاتيني تحت لفظة (جنتيوم) (Gentium) انها في اللاتينية الرومانية تعني الاجانب (foreigners) اما في اللاتينية الكَنَسِيَّة فهي تطلق على غير اليهودي او المسيحي أي تطلق على الوثني (heathen) ، والمشرك (pagan) ـ(27) .
وفي الترجمة الانكليزية للبشيطتا (28) المطبوعة سنة 1957 استخدم المترجم لفظة (gentiles) في الفقرة موضع البحث :
to whom the gentile shall look forword. |
وترجمته الحرفية :
(واياه ينتظر غير اليهود) |
ويتضح من ذلك ان ( شيلوه ) () / كما في العبرية المحرفة او (شله) () كما في السامرية المحرفة ايضا او (شلوح) (شلوح) أي (الرسول) كما في نسخة الفولكات اللاتينية / ينتظره غير اليهود من الامم كما ينتظره اليهود انفسهم .
اما انتظار اليهود لـه فواضح من النص الذي جعل بعثة هذا الرسول علامة لزوال سيادة الشريعة الاسرائيلية بكل اشكالـها .
اما انتظار غير اليهود لـه فتوضحه نصوص كثيرة /ستأتي في البحوث القادمة/ تبين انه ياتيهم بشريعة ونور من اللـه تعالى .
الفقرة 10 من الاصحاح 49
بعد التحقيق
وفي ضوء نتائج التحقيق الآنفة الذكر تصبح الفقرة 10 من الاصحاح 49 كما يلي :
(لا يزول القضيب من يعقوب ومبيِّن للشريعة من ذريته ، |
دلالة النص :
لا يوجد فرق جوهري بين النصين الاصلي والمحرف من ناحية الدلالة على : ان السيادة الدينية والشريعة الواجبة الاتباع في بني اسرائيل سوف تبقى حتى ياتي الشخص الالـهي الموعود الذي سيبعثه اللـه تعالى من غير بني اسرائيل فإذا جاء هذا الشخص زالتا من بيت يعقوب وصارتا الى هذا الشخص .
نعم هناك فرق بينهما من ناحيتين :
الاولى : النص المحرف يذكر يهوذا والنص الاصلي المفترض حسب دراستنا يذكر يعقوب .
الثانية : النص الاصلي يفيد ان هذا الشخص الالـهي الذي سيأتي في المستقبل هو رسول من اللـه موعود به ، وعدم دلالة النص المحرف على ذلك صراحة .
نسخة السبتوجنت مترجمة عن النسخة العبرية في القرن 3 ق.م = 9 قرون قبل البعثة وهي باقية الى اليوم . |
النسخة العبرية |
ينتظر |
نسخة البشيطا مترجمة عن النسخة العبرية في القرن 2 ب .م = 4 قرون قبل البعثة وهي باقية الى اليوم. |
||
نسخة الفولكات مترجمة عن النسخة العبرية في القرن 4 ب . م = 2 قرن بعد البعثة وهي باقية الى اليوم. |
||
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ونسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ المائدة/13 |
النسخة العبرية |
يجتمع |
|
النسخ القديمة الثلاث للعهد القديم وهي نسخة السبتوجنت (ق3 ق.م) ونسخة البشيطتا (ق2 ق.م) ونسخة الفولكات اللاتينية كلـها اخذت عن النسخة العبرية قبل بعثة النبي محمد (ص) بعدة قرون . |
|
الهوامش : |
(1) وهي موجودة في مكتبة المتحف البريطاني باسم biblia sacra Arabia رقم 3 b 4 .
(2) قال في لسان العرب الزَّمَع والزِّماع : المَضاء في الأمر والعزم عليه . وأزمع الأمر وبه وعليه : مضى فيه فهو مزمِع وثبت عليه عزمه . . والزميع : الشجاع المقدام الذي يزمع الأمر ثم لا ينثنيه عنه وهو أيضا الذي إذا هم بأمر مضى فيه .
(3) (سبتوجنتا) (Septuagint) (Septuaginta) : لفظة يونانية معناها الحرفي (السبعونية) نسبة الى السبعين عالما يهوديا الذين قاموا بترجمة التوراة في القرن الثالث قبل الميلاد تحت رعاية بطليموس فيلادلفوس .
(4) انظر Encyclopedia Bretanica ,(Vulgate) , (Jerome) .
(5) انظر قاموس الكتاب المقدس لفظة (الكتاب) ، وايضا :
The Interpretters Dictionaary of The Bible , versions, Ancient .
(6) Holy scripture of the old and new testament in the original tongues .
وايضا في مجموعة باريس المطبوعة سنة(1645) و مجموعة لندن المطبوعة سنة 1657م .
رقمه في مكتبة المتحف الانكليزي :
BIBLIA HEXAGLOTA mdccclxxiv.
(7) اقول : هذا بناء على الاحتمال الثالث الذي اثاره العلامة عبد الاحد . وقد بينا سابقا ان كلمة (رسول) يقابلـها في العبرية صيغ اخرى من مادة (شلح) وهي كلمة (مشلح ) وكلمة (شليح) ولـها مرادفات من قبيل : () () وغيرها وكلـها ممكنة والنتيجة واحدة .
(8) ذهب الى الاحتمال الاول باحث يهودي معاصر هو :
Samson H . Levey.
(9) (The Interpretters Dictionaary of The Bible) وفي قاموس الكتاب المقدس تحت عنوان الفولكاتا قالوا : وما برح العالم المسيحي والكنيسة مدينين لـه (أي لجيروم) فيه (أي في عملـه الترجمي هذا) دينا عظيما .
(10) ان اتجاه ترجمة العهد القديم من النسخة العبرية المتداولة عند اليهود فعلا هو السائد عند المسيحيين فعلا بسبب تصور خاطئ مفاده ان النسخة العبرية هي اقدم النسخ لكون العبرية هي اللغة الاصلية للتوراة وسيتضح في البحث اين مكمن الخطأ.
(11) (The Holy Bible from Ancient Eastern Manscripts containing the old and New Testament translated from the peshetta , the autherized bible of the church of the eastt ,
(12) جاء في (The Interpreters Dictionary Of The Bible) تحت لفظة (The peschetta) ان العهد القديم من البشيطتا وبخاصة الاسفار الخمسة الاولى ربما ترجم من قبل يهود او يهود متنصرين وهذا الرأي اقيم على اساس قرب نص البشيطتا من النص العبري وترجوم اونقيلوس .
(13) انظر الموسوعة اليهودية (Enc. Of Judica) وايضا كتب السيرة النبوية غزوة بني قينوقاع .
(14) وهذا يعني ان الأصل الذي انتشرت عنه كل نسخ التوراة المعاصرة انما هو اصل كتب بعد بعثة النبي (ص) بمائة سنة على الأقل وفي الأجواء الإسلامية .
(15) أي في عهد بعثة النبي (ص) ونرجح تبعا لما ذكره القرآن عن يهود المدينة ان بداية تحريف الكلم عن مواضعه كانت من قِبَلهم وبتأثيرهم حين ذهب قسم منهم الى طبرية وفي القرن العاشر الميلادي أي بعد ثلاثة قرون تقريبا استقرت عملية تحريف الكلم بواسطة الحركات .
(16) الكتاب المقدس طبعة دار المشرق 1991م المدخل ص52 وقد ذكروا ان المدخل مأخوذ من الترجمة الفرنسية المسكونية للكتاب المقدس .
(17) التوراة الخماسية وايضا(The ArtScroll Tanach Series Vol 1(b))
(18) التوراة الحية وايضا The ArtScroll Tanach Series Vol 1(b))وذكر هذا المصدر الأخير ان المفسر (راداك) (Radak) وضح ان (محوقق) يرجع الى القادة الذين هم مشرعون ، وقد ترجمها الى (معلمي الشريعة) اصحاب الترجومات المعروفة انظر :
The Aramaic Bible volume1A, TargumNeofiti 1 : Genesis by martin Mcnamara, Notes,Chapter 49 Note ,24 p220 ).
(19) كما في التوراة الحية والتوراة الخماسية . وأيضا في :
The ArtScroll Tanach Series Vol 1(b)
لمترجمين معاصرين وكما ترجمها من قبل اونقيلوس (ولا مشرع من ابناء ابنائه) والترجوم المنسوب الى يوناثان (من بذرته) وغيرها .
(20) وقد حصل هذا التحريف في تقديرنا في عهد ما بعد سليمان حيث سيطر ذريته على الملك واغتصبوه من وصي سليمان الذي كان من ذرية هارون .
(21) والمعروف ب (Radak) كلمة منحوتة من(R . David Kimchi) انظر :
The ArtScroll Tanach Series Vol 1(b),1160-1235.
وايضا التوراة العربية ضمن مجموعة لندن وباريس وهي على الاكثر ترجمة سعاديا وترجمته هي : (والرسم من تحت امره) .
(22) The Aramaic Bible Vol . 1B , Targum Pseudo-Jonathan Genesis , Midhael Maher ,
(23) من الواضح ان مصطلح (الامم) بالمفهوم اليهودي والمسيحي يقابلـه مصطلح (الاميون) في القرآن الكريم قال تعالى (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلـه وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللـه بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) آل عمران/20 .
وهناك معنى آخر للاميين استعمل القرآن اللفظة فيه وهو معنى (الذي لا يقرأ ولا يكتب ) كما في قولـه تعالى (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ )البقرة/78.
(24) اللفظة الانكليزية المستعملة للتعبير عن المفهوم اليهودي والمسيحي للامم هي (Gentiles) انظر قاموس (المغني الكبير) ، وايضا ( Websters internatkoinal dictionary) وفي هذا الاخير : يذكر انها من اللاتينية المتأخرة(أي اللاتينية المسيحية) وتعني فيها : الاجنبي (foreigner) ،عابد الصنم(heathenn) .
(25) جاء في القاموي الاغريقي (The Intermediate Greek Lexicon) ان لفظة (Laos ) أطلقت في العهد الجديد على اليهود ثم على المسيحيين أخيرا في قبال لفظة (heathens) التي نطلق على الكفار او عباد الاصنام .
(26) معجم اللاهوت الكتابي بيروت دار المشرق 1986م.ص 103 .
(27) A Latin Dictionary ,Lewis Short .
(28) (The Holy Bible from Ancient Eastern Manuscripts containing the old and New Testament translated from the peshetta , the authorized bible of the church of the east ,by George M . Lasma A . J . holman dompany Philadelphiaa.
من أجل تثبيت ان النص يشير الى نبوة محمد (ص) دون غيره نشير الى الملاحظات التالية : 1 : ان ذرية يعقوب قد تسلمت نبوءة من النبي يعقوب عرضها عليهم بصيغة وصية عند موته مفادها : ان النبوة مصدر السيادة الدينية والتشريع الإلـهي سوف لن تنقطع من ذرية يعقوب حتى يأتي الرسول الذي ينتظره غير اليهود (الأميون) . 2 : تحققت هذه النبوءة تاريخيا حيث انحصرت النبوات بعد إبراهيم وإسماعيل وإسحاق (ع) في ذرية يعقوب لمدة الفي سنة ولم يبعث من غير بني إسرائيل أحد في هذه الفترة وكان آخر أنبياء بني إسرائيل هو عيسى (ع) . 3 : بعد الفي سنة من استمرار النبوة في بني إسرائيل وانقطاعها بعيسى (ع) وبعد ستمائة سنة من بعثة عيسى (ع) ووضوح انقطاع النبوة في بني إسرائيل ظهر رسول في القبائل الأمية من ذرية إبراهيم : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[ الجمعة/2]. وقد ادعى هذا الرسول انه (الرسول الموعود) وانه خاتم الأنبياء والرسل وتحقق على يد هذا الرسول الخاتم الموعود وامته ما لم يتحقق على يد من سبقه من أنبياء بني إسرائيل والكيان الإسرائيلي خلال الفي سنة من نشر شريعة اللـه بين الأميين ثم تفوق المؤمنين منهم في حمل هذه الشريعة ونشرها في العالم بالشكل الذي لم يستطع فعلـه الكيان اليهودي الذي استمرت فيه النبوة الفي سنة ولا الكيان النصراني الذي ادعى إن الرسول الموعود هو عيسى . 4 : من اجل تأكيد انطباق البشرى على نبينا محمد (ص) لا بد من مواصلة دراسة بقية النصوص في الكتاب المقدس التي تتحدث عن رسول يبعث لغير اليهود إبراهيم أي القبائل الإسماعيلية) ينتظرونه كوعد الـهي لـهم يبعث في (القبائل الأمية من ذرية مكة ويهاجر إلى المدينة ، وكذلك ينتظره اليهود والنصارى كوعد الـهي لانتهاء أمد نفوذ سيادتهم وشريعتهم المستندتين إلى النبوة . وهو ما سوف نتناوله في البحوث القادمة بحول اللـه تعالى . |
***
روايات في البشارات
قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ) آل عمران/81 . قال علي عليه السلام: ان الله تعالى اخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وآله أن يخبروا أممهم بمبعثه ونعته ، ويبشرونهم به ، ويأمروهم بتصديقه (1) . عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى يقول الله تبارك وتعالى ، (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ) يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله (كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) لان الله عز وجل قد انزل عليهم في التوراة والإنجيل والزبور صفة محمد صلى الله عليه وآله وصفة أصحابه ومبعثه ومهاجرته ، وهو قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) فهذه صفة رسول الله صلى الله عليه وآله في التوراة والإنجيل وصفة أصحابه فلما بعثه الله عز وجل عرفه أهل الكتاب كما قال جل جلاله ، (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ) فكانت اليهود يقولون للعرب قبل مجيء النبي صلى الله عليه وآله آيها العرب هذا أوان نيى يخرج بمكة ويكون مهاجرته بمدينة وهو آخر الأنبياء وأفضلهم في عينيه حمرة (2) … يضع سيفه على عاتقه ، ولا يبالي من لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر ، لنقتلنكم به يا معشر العرب قتل عاد ، فلما بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به كما قال الله تعالى : (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ)(3). |
|
(1) مجمع البيان للطبرسي ،تفسير الآية ، وقريب منه تفسير الطبري تفسير الآية . (2) قوله في عينيه حمرة : جاء هذا الوصف للرسول الموعود في الفقرة 12من الاصحاح 49 من سفر التكوين .
|
***
وصية النبي يعقوب في القرآن الكريم
ذكر القرآن وصية النبي يعقوب لأولاده في سياق الحديث عن قصة إمامة إبراهيم وبناء البيت الحرام من قبل إبراهيم وإسماعيل ودعائهما ببعثة الرسول الأكرم كما في الآيات التالية : (وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ * وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ* وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلـه مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللـه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لـه رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللـه اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلـهكَ وَإِلـه آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلـها وَاحِدًا وَنَحْنُ لـه مُسْلِمُونَ * ) البقرة/124-133 تثير هذه الآيات عدة أمور هي : 1. أن اللـه تعالى رفع نبيه إبراهيم إلى مقام آخر غير النبوة والرسالة سماه ب(الإمامة) (1) وان إبراهيم طلب هذا المقام لذريته واجابه اللـه تعالى الى ذلك واخبره ان هذا المقام الذي يجعل بعهد من الله تعالى ووصية من إبراهيم لا ينالـه ظالم من ذريته يعني ذلك حصر هذا المقام بالطاهرين من ذرية إبراهيم . 2. ان ابراهيم واسماعيل دعوا اللـه تعالى ان يبعث نبيا في ذريتهما أي في ذرية اسماعيل (2) وقد اجمع المفسرون ان المراد بهذا الرسول هو محمد (ص) (3) . 3.اقتران الدعوة ببعثة الرسول الاسماعيلي مع بناء البيت الحرام وابتلاء اللـه تعالى نبيه ابراهيم بذبح ولده اسماعيل كما تفصلـه ايات اخرى . 4. القرن بين وصية ابراهيم ووصية يعقوب لذريتهما وبيان محورها الاساس وهو : (إِنَّ اللـه اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وإذا عرفنا ان التدين على طريقة ابراهيم ويعقوب لم يكن منحصرا في ذريتهما آنذاك عرفنا ان المراد باصطفاء الدين لذرية ابراهيم ويعقوب هو اصطفاء الطاعة (4) لـهم ، أي اصطفاءهم بالامامة الإبراهيمية دون غيرهم من اتباع ابراهيم ، هذه الامامة التي تفرض على الناس ان يخضعوا لـهؤلاء الاصفياء ويتعبدوا بطريقتهم ، ولما كان هذا المقام لا ينالـه الا المنقاد حقا للـه تعالى اكد ابراهيم ويعقوب في وصيتهما للاصفياء من ذريتهما على ان يحافظوا على الانقياد التام للـه وان لا يموتوا الا وهم مسلمون أي منقادون بشكل كامل للـه تعالى (5) ، وفي ضوء ذلك تتضح الحكمة من القرن بين وصية ابراهيم للاصفياء من ذريته (6) ووصية يعقوب للاصفياء من ذريته (7). ثم ذكر وصية اخرى ليعقوب ، ان وصية يعقوب الاولى لم تكن شاملة لكل اولاده بل هي خاصة للاصفياء منهم الذين اصطفاهم اللـه بالامامة الإبراهيمية ، .اما وصية يعقوب الثانية وهي وصيته عند الموت لكل اولاده وفيهم الصفي وغيره فهي وصية عامة اراد يعقوب فيها ان يحصل على اقرار من بقية ولده ان يحافظوا على العهود الالـهية وان لا يخونوها. 5. جاء في سورة الصافات قولـه تعالى (وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) الصافات/113والضمير في قولـه تعالى (عليه) يعود الى اسماعيل وتفيد الآية الكريمة ان من ذرية اسماعيل واسحق يوجد مستحق للامامة الابراهيمية ووارث لـها ، ولما كان اللـه تعالى قد جعل الامامة لإبراهيم قبل البشرى بإسحاق وان ابراهيم واسماعيل كانا يدعوان عند رفع القواعد من البيت بان يبعث في ذريتهما في اخر الزمان رسولا (وهو محمد (ص)) نفهم ان الوراث النهائي والابدي للامامة الابراهيمية هو هذا الرسول الاسماعيلي المكي . ولما اقتضت الحكمة الالـهية ان تستمر الرسالات في ذرية اسحق بل في ذرية يعقوب على التحديد كان الوارث للامامة الالـهية هم هؤلاء الاصفياء من ذرية يعقوب غير ان الرسالات والنبوات في ذرية يعقوب غير مستمرة الى الابد بل هي لاشغال الفترة بين اسحق وتحقق الوعد الالـهي ببعثة الرسول الاسماعيلي المكي .ويتضح من ذلك ان وارث الامامة الابراهيمية من ذرية يعقوب انما هو وارث موقت ينتهي ارثه ببعثة الرسول الاسماعيلي ، وهذه الحقيقة بوجهيها هي التي اشار اليها سفر النص موضوع الدراسة في هذه الكراسة والذي تعرض للتحريف في مراحل عدة اشرنا اليها سابقا . |
|
(1) مقام الامامة هذا يتضمن نوعين من السلطة الاولى : سلطة البيان الديني والتشريعي . السلطة الثانية : سلطة التنفيذ . (2) وذلك لان ابراهيم (ع) في ظرف دعائه لم تكن لـه ذرية الا اسماعيل ومن ثم فان ذرية ابراهيم منحصرة بذرية اسماعيل . (3) جاء في سفر التكوين من التوراة 17: 20 ان اللـه تعالى دعا لاسماعيل ان يبارك فيه وان اللـه تعالى فال لـه قد اجبت دعاءك في اسماعيل وقد درسنا هذه البشارة مفصلا ونشرت في مجلة ميقات الحج العدد الأول وسنعود لـها بحول اللـه في الاعداد القادمة من هذه النشرة . (4) الدين من معانيه اللغوية الطاعة والخضوع . (5) الاسلام في اللغة يعني الانقياد والخضوع التامين . (6) وهم اسماعيل واسحق ويعقوب ، وقد ولد يعقوب في عهد جده ابراهيم وكان الملك قد بشر به عند البشارة بابيه اسحق كما يفهم من قولـه تعالى (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ )هود/711. (7) وهم يوسف وولداه منسى وافراييم . جاء في سفر التكوين 48: ( 13وَأَخَذَ يُوسُفُ أَفْرَايِمَ بِيَمِينِهِ وَأَوْقَفَهُ إِلَى يَسَارِ إِسْرَائِيلَ، وَأَخَذَ مَنَسَّى بِيَسَارِهِ وَأَوْقَفَهُ إِلَى يَمِينِهِ، 14فَمَدَّ إِسْرَائِيلُ يَمِينَهُ، مُتَعَمِّداً، وَوَضَعَهَا عَلَى رَأْسِ أَفْرَايِمَ وَهُوَ الصَّغِيرُ، وَيَسَارَهُ عَلَى رَأْسِ مَنَسَّى مَعْ أَنَّهُ الْبِكْرُ. 15وَبَارَكَ يُوسُفَ قَائِلاً: «إِنَّ اللـه الَّذِي سَلَكَ أَمَامَهُ أَبَوَايَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْحقُ، اللـه الَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، 16الْمَلاَكَ الَّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ، يُبَارِكُ الْغُلاَمَيْنِ، وَلْيُدْعَ عَلَيْهِمَا اسْمِي وَاسْمَا أَبَوَيَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحقَ، وَلْيَكْثُرَا كَثِيراً فِي الأَرْضِ) . … ثُمَّ قَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: «إِنَّنِي مُشْرِفٌ عَلَى الْمَوْتِ وَلَكِنَّ اللـه سَيَكُونُ مَعَكُمْ . *** |