توظيف الملف المذهبي شكّل خطراً على الوعي النهضوي الديني
حيدر حب الله
حوار/ حسين زين الدين
أخذ مفهوم الحوار بين مختلف الثقافات والأمم على صعيد الحراك الفكري والإعلامي والاجتماعي في مجتمعاتنا مساحة واسعة من بين القضايا الكبرى التي تشغل المفكرين والمهتمين بقضايا الأمة وتحدياتها، من أجل استعادة توازن الشخصية الإسلامية، وتسهيل التقريب بين المتباعدين، و إزالة الخلافات المتجذرة في العقلية الإنسانية بشكل عام.
إن الأمة الإسلامية في عصرنا الراهن تمر بمرحلة خطرة وحرجة جراء تزايد حالة الاحتقان الطائفي والمذهبي وتصاعد حدّة الاقتتال والصراع بين المكونات الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية في المجتمعات ذات التعددية الفكرية والتنوع المذهبي، ليس –فحسب- بل بين المكون الواحد، مما نتج عن ذلك انشقاقات وأحزاب تعمل ضد مشروع الآخر ووجوده، حتى بات كل فريق شغله الشاغل هو مصلحتة الذاتية ونظرته التشكيكة للآخر؛ حيث لا يزال في مجتمعاتنا ممن يحسبون على الفكر والثقافة غرقى في العقد التاريخية والإيديولوجية، يعملون على بث روح الطائفية والفرقة في جسم الأمة. ورغم أننا نعيش عصرا متقدما إلا أننا لازلنا نعيش في أوحال التاريخ.
ماذا يعني مفهوم الحوار الإسلامي؟
الحوار الإسلامي هو العلاقة التفاعلية الإيجابية التي تقع بصورة طبيعية ودائمة داخل المجتمع الإسلامي ومكوّناته وعناصره، فعندما نقول بأنّه علاقة تفاعلية فنحن نشير إلى الطبيعة الجدلية التي يحملها من حيث إنّه لا يتحرّك فيه طرف للتأثير في طرف آخر لينحصر دور الطرف الثاني في التأثّر بالطرف الأول، وينحصر دور الطرف الأوّل في الطبيعة النبوية الطاهرة التي تهدي الطرف الثاني، وإنّما يقوم كلّ طرف بالتأثر والتأثير في الآخر، ممّا يعطي كل واحد منهما موقعاً متساوياً بالنسبة للثاني، وهذا الموقع هو الذي يحدّد سلامة العلاقة وينأى بها عن المفهوم الطبقي التطهّري.
وعندما نقول بأنّ العلاقة التفاعلية هذه إيجابية، فإنّنا نريد بذلك التدليل على أنّ طبيعة هذه العلاقة غير سلبي ولا نافٍ، وإنّما إيجابي يهدف فيه كل طرف لرفع مستوى الآخر في تأثيره فيه، ورفع مستوى نفسه في تأثره بغيره.
وعندما نقول بأنّه يقع بصورة طبيعية ودائمة، فنحن نقصد بذلك أنّ الحوار الإسلامي ليس عنواناً استثنائياً مرحليّاً تفرضه الضرورات القاهرة التي تستدعي عناوين من الدرجة الثانية، بحيث يزول بزوالها ويتبع تغيّرها، وإنّما هو استدعاء طبيعي يقوم على طبيعة العلاقة الثابتة بين الأطراف في الحياة الإسلامية، وعلى طبيعة التعددية الموجودة في هذا المجتمع، من هنا لا يكون الحوار الإسلامي مرحلةً عابرة للخروج من مأزق، أو لتجاوز خطر خارجي داهم، أو ما أشبه ذلك، وإنّما يقوم على أساس أنّ طبيعة المجتمع الإسلامي تستدعي على الدوام تفاعلاً إيجابياً بين الأطراف في تأثيرها وتأثرها، وأنّ هذا شكل من أشكال ولاية المؤمنين على بعضهم في أنّ لكل واحد منهم الحقّ في تقرير مصير الجماعة حال كونه منضماً إلى غيره.
من القضايا الحيوية والتي لازالت بحاجة إلى إضافات نوعية على مستوى الفكر والممارسة، قضية الحوار الإسلامي ـ الإسلامي .. كيف تنظرون إلى هذه المسألة، وفي نظركم من أين يبدأ الحوار الإسلامي؟
يبدو لي أنّ الحوار الإسلامي يبدأ من نقطتين:
الأولى: قراءتنا لذواتنا وعقولنا، وفهمنا لطبيعة الاختلاف الفكري والعقدي فيما بيننا، فعندما نفهم الاختلاف فهماً صحيحاً في الطبيعة الإنسانية، عند ذلك يمكن أن نطلّ على طبيعة خلافاتنا بقراءة جديدة لها، وهنا يبدو لي دور الفكر التعدّدي في جانبه الفلسفي، فإذا ظللنا مصرّين على أنّ الاختلاف بين البشر ينحصر سببه حدوثاً وبقاء ـ وأركّز على عنصري: الحدوث والبقاء معاً ـ بالهوى والزيغ والانحراف الأخلاقي والنفسي، فمن الطبيعي أن نربط على الدوام بين الرأي الآخر وبين المفهوم السلبي في الأخلاق؛ لأنّ الخلاف الذي قام به الآخر لا تفسير له سوى زيغه عن الفطرة في قواعد الفعل العقلي انطلاقاً من انحراف أخلاقي، فلا تبرير حينئذٍ لهذا الخلاف، بل هو مدان في أصوله ومنطلقاته.
أمّا عندما أنوّع قراءتي لحركة الخلاف في المجتمع الإنساني، وأعتقد بأنّ الخلاف يقع على نوعين: أحدهما نتيجة هوى وضلالة وجهالة وزيغ، وثانيهما نتيجة واقع طبيعي للأشياء يتعالى عن كلّ معايير النقد الأخلاقي على مستوى العقل العملي، فإنّني سوف أتفهّم ظهور الرأي الآخر في المجتمع، ولن يكون هذا الرأي شرّاً أو هوى أو نيّة سوء، فعندما تضيع ـ مثلاً ـ مئات القرائن التاريخية الحافّة بالنصوص الدينية، وأقول: إنّ من الطبيعي في حال كهذا أن يقع الاختلاف في فهم النص، أو عندما أدّعي بأنّ التعامل مع اللغة هو تعامل تحكمه هلامية خاصّة، لا يمكن للعقل الإنساني أن يضبطه ضبطاً صارماً ونهائيّاً، فلو أعطيت عشرة أشخاص أتقياء نصّاً فإنّه من الطبيعي أن يختلف فهمهم لهذا النص بدرجة من درجات الاختلاف.. في حال كهذه سوف أرى الرأي الآخر بمنظار مختلف، إنّه ليس سوء نيّة ولا رغبة في الدنيا ولا حقداً ولا حسداً ولا انحرافاً ولا غروراً، وإن كنت ـ وفق ما أفهم ـ معتقداً خطأه فيما توصّل إليه.
بهذه الطريقة تتغير صورة الخلاف عندي بشكل تام، ويزيدها تغيّراً عندما أعيد تصويب الوجهة إلى عقلي وذاتي، فإنّني ما دمت واحداً من افراد البشر الذين يختلفون في ظلّ مناخ غياب القرائن التاريخية، فإنّ من الطبيعي أن أخطأ، وهذا معناه أنّ ما توصّلت إليه ليس نهاية الكلام ولا خاتمة المطاف، بل هو قابل لتجديد النظر وإعادة القراءة، إنّ هذه النظرة المرنة لذاتي وعقلي في مرحلة فهمه للأمور، ولعقل غيري في مرحلة تفسيره للأشياء من شأنها أن تطلّ بنا على صورة مختلفة تماماً.
هنا يظهر دور المنهج الفكري التعدّدي الذي يبدو في غاية الأهمية لقيامة الحوار الإسلامي، فهذا المنهج ليس منهجاً لحوار إسلامي وحده، وإنما هو منهج عام يحكم كلّ فهمي لذاتي وللذوات المحيطة بي في نطاق تفكيرها في الأشياء.
الثانية: تصحيح الحياة السياسية والاجتماعية لفئات المجتمع المختلفة، هنا يظهر دور الحياة السياسية والطبقية في سلامة حركة الخلاف في المجتمع، فإذا لم ندخل في مرحلة استقرار سياسي قائم على الحقوق والواجبات، فإنّ الحوار الإسلامي سيظلّ محكوماً للتجاذبات السلطوية والسياسية، ولكي أوضح ما أعنيه يمكنني القول بأنّ الحوار الإسلامي ليس صورة فكرية فقط؛ لأنّ مشكلة هذا الحوار ليست في العقول فحسب، وإنما هي في أرض الواقع أيضاً، ولا يمكن ترجمة الصورة الذهنية السليمة للحوار الإسلامي في ظلّ مناخات واقعية موبوءة، إذاً من الضروري إصلاح الحياة السياسية والاجتماعية بعيداً عن مفهوم الحوار الإسلامي نفسه؛ لأنّ هذا الإصلاح سوف يصبّ في نهاية المطاف في خدمة هذا الحوار.
ما هي الآفاق والحقول المهمة، التي ينبغي أن يطالها مشروع الحوار الإسلامي؟
لعلّ أهم الحقول التي يطالها مشروع الحوار الإسلامي في مرحلتنا الراهنة هي:
1 ـ الحقل المذهبي، في حوار المذاهب الإسلامية مع بعضها، قاصداً بهذه المذاهب المذاهب العقدية والفقهية وليس العقدية فقط، فهذا الملف الساخن لاسيما في السنوات الأخيرة بات يستدعي حواراً جادّاً، ليس من نوع المساجلات العقدية والتاريخية والفقهية الصاخبة التي تشهدها الفضائيات ومواقع الشبكة العنكبوتية، وإنّما التأسيس لنمط جديد من هذا الحوار، وأنني بهذه المناسبة أدعو المختلفين مع الصدام المذهبي السائد بشكله الفجّ أن يبادروا إلى تقديم نماذج حوار عقدي وفقهي علني لكي تتعرّف الأمة على أنماط حضارية من الحوار المذهبي، لا تعيق حركتها بل تدعم تقدّمها نحو الأمام، فلا نترك الساحة للعقل السلفي هنا وهناك معاً، كي يمسك بهذا الملف ويرفع درجة حرارته بطريقته الخاصّة، ثم يستخدمه للإيحاء داخل الطوائف الإسلامية بأنّه هو المدافع الوحيد عن هذه الطائفة أو تلك، بما يوفر له في هذه المرحلة الحسّاسة من قلق المذاهب على هويتها قدرة السيطرة الداخلية.
2 ـ الحقل القومي، حيث يبدو أنّ الوتيرة القومية قد ارتفعت في الآونة الأخيرة على خلفية بعض التجاذبات السياسية التي حرّكتها مصالح بعض الدول، من هنا نحن بحاجة إلى تواصل بين القوميات الإسلامية من عربية وفارسية وتركية و.. كي نقوم بوعي بعضنا بعضاً من خلال صور حقيقية واقعية عن الذات والآخر، وليس صورة نرجسية تريد احتكار الدين لقومية معينة، أو جعل هذا المذهب أو ذاك حكراً على أخرى، إنّ تعرّفنا على منجزات بعضنا التاريخية والحاضرة وانفتاحنا اللغوي على بعضنا بعضاً قد يساعد على تخفيف هذا التوتر القومي.
3 ـ الحقل المرجعي، وأعني به ذاك الملف الداخلي الذي يتخاصم فيه الأفرقاء على من يملك المرجعية المعرفية في الداخل الإسلامي، وفي هذا السياق يأتي موضوع إشكاليّة العلاقة بين المثقف والفقيه أو الحوزة والجامعة، ويستدعي الأمر تخفيف حدّة التوتر بين الطرفين بطمأنة كلّ واحد منهما، وتسهيل مهمّة قيام كل واحد منهما بدور نشط في الحياة الإسلامية.
4 ـ الملف السياسي، وهو من أعقد الملفات وأصعبها، حيث تطالب الدول والحركات السياسية بالسعي للدخول في حوار ثابت ودائم بينها.
كيف تتصورون علاقة المناهج الدراسية في المؤسسات والجامعات والمعاهد العلمية وعملية الحوار الإسلامي .. وكيف نواجه مسألة قصور المناهج في هذا الصدد، وما هي متطلبات التطوير؟
هذا الموضوع الذي أشرتم إليه من أهم الموضوعات، فإنّ مشكلة مشاكلنا تكمن في نظم التربية والتعليم، إنّ إصلاح مناهج التربية والتعليم هو مفتاح المفاتيح كلّها، وهو ما يحتاج إلى جهود كبيرة من طرف المنظمات الدولية الإسلامية ووزارات التربية والتعليم في البلدان الإسلامية، إنّ مناهج التعليم في الحوزات والجامعات والمدارس والمعاهد تقوم على تغييب الآخر، أو استحضاره بصورة مشوّهة، ولا تعطيه أيّ فرصة لكي يدافع عن نفسه، فمتى قدّمت كتبنا التاريخية في المدارس والجامعات الآخر القومي أو الديني بصورة معقولة ومقبولة؟ ومتى قدّمت الكتب الدينية في الحوزات والمدارس والجامعات رموز الآخر ورجالاته ومفاهيمه بطريقة معقولة ومعتدلة، تستطيع أن تضمن الحفاظ على الخصوصية المذهبية للذات؟ ليس المهم أن لا أتهجّم في المنهاج الدراسي على طائفة أخرى ـ وهو عمل مشكور في حدّ نفسه ـ بقدر ما المهم أن أقدّم للناشئة شخصية الطرف الآخر وتاريخه بصورة معتدلة، لا نزوّر التاريخ والعياذ بالله، ولكن لنقدّمه من زواياه لطلبة المدارس والجامعات، إن موادّ التاريخ والجغرافيا والتربية والدين والفلسفة والأدب وغيرها كلّها قادرة على أن تخدم في هذا المضمار؛ لينشأ طلبتنا على وجود مذهب اسمه المذهب الشيعي في هذا العالم الإسلامي، وعلى وجود المذهب السنّي كذلك، وعلى وجود المذهب الإباضي وغير ذلك من المذاهب الكريمة، لا أن يبدأ يسمع بها بعد تخرّجه من الجامعة، والله أعلم كيف ستكون القناة المعرفية التي توصّل من خلالها للعلم بهذا المذهب أو ذاك. إن إقصاء المذاهب الأخرى ونظرياتها وتاريخها ونقاطها المشرقة في مناهجنا التعليمية الدينية وغير الدينية لهو من أعظم أسباب القطيعة بأشكالها المتعدّدة.
الأمر الآخر الذي يرتبط بهذا الموضوع هو نشوء طلاب العلوم الدينية والجامعية على رؤية أحادية للعالم، فلابد لك أن تدرس الفقه الخاص المذهبي، ثم تطّلع اطلاعاً على فقه الآخر، وغالباً بقصد النقد، وليس هناك شيء اسمه الاطلاع على المدارس والأفكار بطريقة محايدة، إنّ الحياد بات جريمة في عالم يحتاج له لكي يصحّح صورته عن الأشياء، لقد غدونا فاقدين للثقة بأنفسنا نعيش معضل هويتنا، فنخشى من فكر الآخر ـ أيّ آخر ـ حتى لو تمّ عرضه مقروناً بنقده، فعرضه حرام، إلا مشوّهاً، لا من فمه وبطريقته.
في تقديركم ما هي أسس وقواعد الحوار الإسلامي ـ الإسلامي، وما هي سبل أن تأخذ هذه الأسس والقواعد طريقها في الوسط الاجتماعي؟
يمكن أن يقوم الحوار الإسلامي ـ فيما يقوم ـ على:
1 ـ تكريس مرجعيّة القرآن الكريم والمشترك الموثوق به في السنّة الشريفة، فإنّ لديّ اعتقاداً عميقاً بأنّ تكريس مرجعيّة القرآن تكريساً حقيقياً يمكنه أن يؤدّي ـ من حيث شعرنا أم لم نشعر ـ إلى تواصل جيّد نسبياً في الداخل الإسلامي، دون أن نتورّط في المحذور التاريخي الذي يقصي السنّة الشريفة.
2 ـ قراءة علمية جديدة للتاريخ تنأى به عن الأدلجة والأسطرة معاً، إنّ فهم التاريخ بعين علمية والاستعداد لتقبّل نتائجه يمكنه أن يقدّم لنا صوراً تبتعد عن النمطية في فهم الأحداث، وللتاريخ دور كبير في ثقافتنا الدينية، وأيّ إصلاح في وعينا التاريخي سوف يترك أثراً كبيراً على منظومتنا المعرفية السائدة.
3 ـ تعزيز حالة الثقة بالذات بما يرفع إحساس القلق على الهوية من الآخر، وذلك عبر تخفيف حجم مخاطر الآخر، فالتهويل في مسألة التشييع أو التسنّن، لا يخدم سوى المنطق التمزيقي في الأمة، ولا أدري لماذا يثور القلقون من تشيّع السنّة وتسنّن الشيعة ـ والأعداد لا تتجاوز الأرقام العادية ـ بهذا الصخب والضجيج، ولا يثورون بنفس الدرجة على عشرات الملايين من المسلمين الذي تركوا دينهم خلف ظهورهم، وارتمى كثير منهم في أحضان العهر والمخدرات واللاأبالية والتحلّل، مع أنّه إذا كان الأوّل غزواً ثقافياً فإنّ الثاني يظلّ أخطر منه على هذا المستوى بكثير؟!
4 ـ فهم طبيعة الخلاف الإنساني، بالشكل الذي تحدثنا عنه قبل قليل.
5 ـ الاعتقاد بالحقوق الإنسانية، وتعويم فكرة الحق من خلال مبدأ الحرية والعدالة، فإذا استطاع وعينا الديني أن يوازن بين منطقي: الحق والتكليف، وتحرّر من مفهوم الطاعة المطلقة إلى مفهوم الطاعة التي يقع في مقابلها حقّ، والحق الذي يستدعي في مكان ما طاعة، فسوف تولد في وعينا الحقوق الإنسانية، وهذه الحقوق هي التي ستؤمّن البنية التحتية للاعتراف بالآخر وقبوله والتعامل الإيجابي معه.
6 ـ اعتماد الشفافية في عرض الذات وفي العلاقة مع الآخر قدر الإمكان، فإنّ الضبابية والازدواجية والنفاق ظواهر تظلّ تبني حواجز الثقة بين الأطراف، فإذا تربّينا على الشفافية ـ ولا يكون ذلك إلا في ظلّ مناخ الحريات ـ فسوف تنكشف الأطراف لبعضها ولن تكون هناك مناطق معتمة توجب القلق لكلّ فريق من الآخر، وأركّز هنا على أنّ منطق الحريات من شأنه أن يزيل إشكالية التقية في الوعي السنّي، فما لم نكرّس منطق الحريات فسوف يظلّ معضل التقية قائماً.
7 ـ تكوين مفهوم الذات الكبيرة التي تستوعب الأنا والآخر المذهبي والقومي والثقافي، فإنّ هذا ما يساعد على الشعور بأنّ مصالح الآخر الداخلي هي مصالحي بشكل من الأشكال.
ماذا نريد من الحوار الإسلامي ـ الإسلامي، وما علاقة الحوار بمبدأ ومطلب الوحدة الإسلامية والأمة الواحدة؟
نريد من الحوار الإسلامي أن تسير علاقة المسلمين مع بعضهم ضمن سياق طبيعي غير استثنائي، فالحوار الإسلامي عودٌ بالأمة إلى وضع طبيعي عرفته في ظلّ نظام المؤاخاة الذي قدّمه النبي بُعيد الهجرة إلى المدينة المنوّرة، نحن نريد العود إلى ذلك الوضع، الذي نعتبره الحالة الطبيعية في الأمّة بمقتضى النصوص الدينية في الكتاب والسنّة، فإنّ المؤمنين إخوة، وهم كالجسد الواحد، ولهم الولاية على بعضهم البعض، وغيرها من العناوين التي تفرض الحال الطبيعية داخل الأسرة الواحدة، ونحن نعتقد بأنّ التمزق المذهبي والقومي والتشظّي الذي تعيشه الأمّة يقع تماماً على النقيض من الحال الذي تتطلّبه آيات الكتاب ونصوص السنّة.
من هنا فالوحدة الإسلامية مبدأ قرآني أعلى، وقد كنت رصدت في دراسة سابقة لي مبدأ الوحدة في القرآن الكريم فرأيت ما يقرب من ثلاثين آية لها مؤشرات واضحة على الموضوع، وهي لا تسمح بأيّ انشقاق في الأمّة إلا في حال البغي الذي تنحصر دائرته بالقتال والاعتداء الظالم، فيكون دفع الظلم مقدّماً على حقّ الأخوّة، ما لم يمكن الإصلاح والعفو.
لكن لا تعني الأمّة الواحدة أنّها ذات لون واحد، ولا تدلّ أيّ نصوص دينية ثابتة على ذلك، فالتلوّن القومي واللغوي والعرقي والمذهبي والفكري ليس آفةً ولا مرضاً، وإنّما هو حالة صحّية في سبيل تقدّم الأمّة وازدهارها.
على مستوى التجربة التاريخية والواقع المعاصر، ما هي العقبات التي تحول دون الحوار الإسلامي ـ الإسلامي .. وما السبيل إلى تذليل هذه العقبات؟
يبدو لي أنّ العقبات كثيرة جدّاً:
منها: عدم وجود إرادة سياسية حقيقيّة لذلك؛ فالإرادة السياسية مهمّة جداً في هذا المجال، ولكنّ السياسيين لا يفتؤون يحبّذون التطرّف المذهبي والانشقاقات؛ لأنّ في ذلك حياتهم وتربّعهم على عروشهم.
والمؤسف أنّ الوضع السياسي الأخير الراغب في توظيف الملف المذهبي قد شكّل خطراً كبيراً على حياة الوعي النهضوي الديني، فهناك موجة من التطرّف المذهبي وعلى أعلى المستويات في الطوائف الإسلامية، وهي تقوّي من موقع المتطرّفين في هذه المذاهب، ليحكموا بذلك القبضة على المعتدلين، وهناك خوف من مدّ سلفي جديد تحتاجه بعض السلطات يشابه ما حدث أواسط السبعينيات من القرن الماضي فيما أرادته حينها بعض القوى للانقضاض على الحركات الإسلامية السياسية، وقد تشهده هذه المرة طوائف غير سنيّة، وهذا ما يستدعي إعلان حالة طوارئ لتفادي وقوع أمر من هذا النوع، لاسيما بعد ما رأيناه من تأثيرات للمدّ السلفي في الوسط السنّي.
ومنها: عدم وجود نظرية تقريبية حقيقية نافذة في المؤسّسة الدينية، فالنظريات التقريبية ما تزال تعيش منطق العنوان الثانوي، ولم ترقَ بعدُ إلا هنا وهناك إلى مستوى منطق العنوان الأولي، وما دامت ثانويةً فهذا يعني أنها طارئة في المفهوم الفقهي السائد، وليست أمراً أصيلاً يجري في عروق الأمة في زمانها ومكانها المطلقين.
وحتى الكثير ممّن يسمى بالتقريبيين لا يبدو لي أنّهم كذلك في قرارة نفوسهم، وقد رأينا وسمعنا من الفريقين كلمات كثيرة تؤكّد هذا الأمر، وتدلّ على هشاشة المفهوم عندهم، وهذا المأزق لا حلّ له سوى نهضة في المؤسّسة الدينية تعيد فهم الاجتهاد وفقاً لقراءة جديدة. لا أوافق على أنّ القراءة القديمة بإمكانها حلّ المشكلة؛ لأنّها غارقة فيها، وعندما أقول: قراءة جديدة، فلا أعني الخروج المطلق من قواعد الاجتهاد الإسلامي أبداً، ولكن الانفتاح على فرص في الفكر ظلّت لفترات طويلة مرمية على الهامش، مع أنّ بإمكانها تقديم خدمات جمّة في هذا الإطار، مثلاً البعد التاريخي في فهم النصوص، يمكن تنشيطه بطريقة ممنهجة وليست فوضوية ولا متحرّرة من قواعد العمل العقلي السليم، ويمكنه أن يعطينا صورة أوضح بكثير عن الأغراض النهائية للمشرّع أو للنبي أو الإمام، كذلك الحال في نظرية حجية الأخبار الحديثية في مجال السنّة النبوية، فإنّه توجد في الموروث فرص غير قليلة ولا يسيرة يمكنها أن تعيد ترتيب أوراقنا في هذا المجال، بدل أن يأتي خبر هنا وآخر هناك يريد صنع وعينا في جوّ من الظنون والاحتمالات الكثيرة المبهمة، إنّ هذين المثالين لهما جذور في تراثنا ويمكن تنشيطهما لإعادة تكوين وعي اجتهادي جديد، وسوف يوفّر هذا الوعي الكثير من النتائج الأكثر دقّة ورصانة.
الإسلام واحد على مستوى النص، لكنّه متعدد على مستوى فهم الناس، ومن هنا تعدّدت المدارس والمذاهب .. كيف تفهمون العلاقة التي ينبغي أن تكون بين التعدّدية على المستوى المذهبي ومبدأ المواطنة؟
لا أجد تنافياً بين المواطنة والتعدّدية المذهبية، فالمواطنة من جهة عقد اجتماعي تبانى عليه أبناء المنطقة الواحدة الذين تجمعهم مصالح مشتركة، للتعايش فيما بينهم وامتلاكهم حقوقاً مشتركة في علاقاتهم وارتباطاتهم، هذا المعنى للمواطنة لا يضرّ بالمفهوم القائل: إنّ جميع المسلمين في كل أنحاء العالم أهل ملّة واحدة، بعبارة ثانية هناك أمّة إسلامية وهناك مواطنة مناطقية، فالأمة هي المفهوم الواصل بين أهل الدين الواحد أينما كانوا، وهي ناتجة عن وضع إلهي واعتبار قانوني تشريعي من المولى سبحانه وتعالى، ولا تخضع لجعلنا واعتبارنا القانوني، أمّا المواطنة فيمكن أن تكون اعتباراً قانونياً تواضعياً عقلائياً بين أبناء منطقة واحدة، فيقوم المسلمون بالاتفاق فيما بينهم على تنظيم علاقاتهم بطريقة تعطي الجميع قدراً من الحقوق المشتركة في الأرض والجماعة والإمكانات، وما دام هذا التواضع البشري غير مخلّ بتشريع ديني بل هو مدعوم من المفاهيم الدينية إذاً يمكن اعتباره مقبولاً شرعاً، وفقاً لقانون الوفاء بالعقود، وهو أحد أهم قوانين التوافق في الشريعة الإسلامية.
هذا الأمر يمكن تطبيقه حتى على غير المسلمين، فما بالك بالعلاقة بين المسلمين أنفسهم في ظلّ التعدّدية المذهبية، فدستور المدينة يدلّ على أنّ المسلمين كلهم أمّة واحدة من دون الناس، هذا إذا لم نفسّر هذه الجملة على أنّها وردت في سياق فصل المسلمين واليهود عن سائر الناس، الأمر الذي يعطي مؤشراً أكبر على مفهوم المواطنة بالمعنى حتى الأوسع من الملّة الإسلامية، وعلى أية حال، هناك كلام تاريخي في تفسير بعض بنود وثيقة المدينة المعروفة. فعندما يكون المسلمون أمّة واحدة من دون الناس، وينص القرآن على أخوتهم، فهذا يعني أنّه يجري عليهم جميعاً عين القوانين ويملكون نفس الحقوق التي تنبع من إسلامهم؛ لأنّ مفهوم الأخوّة يستبطن التساوي بين الأطراف بخلاف مفهوم الأبوّة والبنوّة.
وإذا دخلنا إلى مفهوم الولاية بين المؤمنين الوارد في القرآن الكريم، سنجد نصاً هاماً يقول: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير * والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير (الأنفال: 72 ـ 73).
قد يكون المراد الإشارة إلى عنصر القرب والالتحام والاندكاك حتى أنّ بعضهم من بعض، فتكون معبّرةً عن وحدة الملّة والتمايز عن سائر الملل، ولهذا عبّرت الآيات الأخرى بأنّ الكافرين أيضاً بعضهم أولياء بعض، أي أنّهم ملّة أخرى، فالآيات تريد عنصر الوحدة الجمعية داخل الوسط الإسلامي، فتكون من آيات مبدأ وحدة الأمّة.
ولو تأملنا قليلاً لوجدنا أنّ الآية نفسها سلبت سلباً شديداً علاقة الولاية بين المسلمين المهاجرين والأنصار من جهة وبين الذين لم يهاجروا، ثم أردفت ذلك فوراً بوجوب نصرهم لو استنصروهم، وهذا معناه أنّه لا يراد من الولاية فيها النصرة، إذ ذلك يوجب تناقضاً في الآية الكريمة، وهذا معناه أنّ الآية تريد أن تؤسّس لمفهوم ولاية بين المسلمين الذين استقرّوا في المدينة وفي البلد الإسلامي دون تمييز بينهم، في حين ترى أنّ المسلمين الذي لم يستقرّوا في هذه الجغرافية التي يغلب عليها المسلمون ـ ونسمّيها بلد الهجرة ـ لا يدخلون في حقوق الولاية المتبادلة أو المواطنية، التي تجعل لهم الحقّ في شؤون الملّة الإسلامية وولايتها، لكن لا يمنع ذلك أنّه يجب علينا نصرهم عندما يقعون في مشكلة ما ويطلبون نصرنا.
هذا كلّه يعني أنّ الإسلام يحتاج إلى الأرض الواحدة التي تجمع الغالبية الإسلامية حتى يعطي حقوق المواطنية الكاملة التي تعني بالمصطلح القرآني (الولاية)، أي لكلّ واحد منهم ولاية على الجميع، وهذه الولاية المتبادلة هي التي تجعل تقرير مصيرهم وقضاياهم العامة بأيدي الجميع؛ لأنّ المفروض أنّ الولاية متبادلة، فلي ولاية على الآخرين مقيّدة بأنّ لهم ولاية عليّ، فلا تنفذ ولايتي إلا بنفوذ ولايتهم، والعكس هو الصحيح، مما ينتج عنه أنّ القضايا العامّة تكون لنا جميعاً بوصفنا أمّة مجتمعة، ولا تكون لأفراد أو جماعة أو مذهب أو قبيلة أو عشيرة أو حزب.
طبعاً، هذا الموضوع طويل ويحتاج إلى مقاربة اجتهادية فقهية مطوّلة ليس مجالها هنا، لكن ما أردت قوله هو أنّ الولاية المتبادلة وضعت بين المؤمنين المتواجدين في جغرافية البلد الإسلامي، وفي هذه الجغرافية لا يوجد امتياز مذهبي أو قبلي في الولاية، ومن ثم يمكن للجميع أن يحكموا الجميع، أمّا الصيغة الميدانية لذلك، فهي مفتوحة على التجربة البشرية، إن من خلال نظام البيعة من قبل وجوه القبائل والعشائر كما هي الحال سابقاً، أو من خلال نظام الانتخابات بتفسيراته المتعدّدة في الفلسفة السياسية، دون أن يمنع ذلك من أن تكون للفقيه السياسي رؤيته المتحفّظة على بعض أشكال النظم الميدانية هذه.
هذا الكلام كلّه رهين لعدم استخدام سياسة التكفير التي تُخرج الآخر من الدائرة الإسلامية، وأعتقد أنّ سياسة التكفير باتت حاجة ملحّة للكثير من التيارات المغالية المتطرّفة في الأمّة؛ لأنّ هذه السياسة يمكنها أن تؤمّن الفرصة للفرار من سلطان النصوص الدينية التي تحكم بتآخي المسلمين وتساويهم في الحقوق والواجبات.
الطائفية واحدة من المشكلات المعقدة في المجتمع الإسلامي المعاصر، كيف تنظرون إلى هذه المشكلة .. وما هي سبل الحلّ والمعالجة؟
سبل الحل لا ينبغي التفتيش عنها فقط في الدين أو اعتبار رجال الدين هم وحدهم المسؤولون عن هذا الموضوع، فالطائفية ليست أمراً دينياً فحسب، بل هي وليدة الأوضاع الاقتصادية المأزومة في عالمنا الإسلامي، وهي أيضاً وليدة الجهل والأمية، وكذلك الاستبداد السياسي القائم، إذاً فالحلّ لا يكون من داخل المنظومة الفكرية الدينية فقط، فهذه مهمّة العلماء أن يحاولوا وضع حلول على هذا المستوى، لكنّ السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين وغيرهم مسؤولون أيضاً وبيدهم أكثر من مفتاح للمشاركة، لهذا أختلف كثيراً مع الذين ينظرون إلى المشكل الطائفي في بلداننا على أنّه وليد تخلّف وعينا الديني فقط، فإنّ تخلف وعينا الديني نفسه قد يكون ـ بجهة من الجهات ـ وليد تخلّف حالنا السياسي والاجتماعي والمعرفي والاقتصادي.
نعم، بإمكان الوعي الديني أن يفوّت الفرصة على الكثير من المغرضين المنتفعين من التشظّي الذي تعاني منه الأمّة، ومع الأسف لم نصل بعدُ إلى المرحلة التي نتعاطى فيها بذهنية إسلامية بدل الذهنيات الطائفية، أبسط مظاهر حياتنا المذهبية تشي بهذا التمزق، فيا أخي الكريم نحن لا نترحّم حتى على بعضنا، فهل تجد أحداً من هذا المذهب أو ذاك يترحّم على عالم من ذاك المذهب أو هذا، إنّ توصيف علماء بعضنا البعض بألقاب المدح جريمة هو الآخر.
ما أودّ التأكيد عليه أيضاً هو مبدأ استقلال السلطة الدينية إذا صحّ هذا التعبير، استقلال هذه السلطة عن السلطة السياسية والمالية من جهة، واستقلالها عن السلطة الجماهيرية (سلطة العوام إذا جاز التعبير) من جهة ثانية، إنّ التأكيد على مبدأ استقلال السلطة الدينية أو المؤسّسة الدينية من شأنه تقليص حجم الأخطار الطائفية الناجمة عن مصالح وقتية لجهات هنا وهناك، لكنّ هذا الاستقلال ينبغي أن يسبقه ـ إذا أمكن ـ استقلالٌ آخر، وهو تحرّر السلطة الدينية نفسها من نفسها، إنّ التحرّر من الذات مبدأ مهم كي تتمكّن السلطة الدينية من القيام بمشروع تقريبي يرفع المشكلة الطائفية، والتحرّر من الذات يعني أنّ الصورة النمطية التي عاشتها المؤسّسة الدينية يفترض أن نفهمها بوصفها تراثاً يستفاد منه، لا بوصفها مرجعاً يرجع إليه، أو مثالاً يهدف استنساخه، وأنا هنا لا أريد أن أركّز على مفهوم القطيعة التاريخية، بل أريد أنّ أوضح أنّ الصورة النمطية للعلماء القدامى والمؤسسة الدينية عامّة قد تكون أحياناً نتيجة لظروف زمنية استدعت في مراحل ما وضعاً ما.
كيف تتصور علاقة الإعلام بوسائله المتعدّدة، وقضية الحوار الإسلامي ـ الإسلامي؟
كما تعرفون فإنّ للإعلام سلطته المؤثرة، وقد رأينا في الآونة الأخيرة أنّ الكثير من مواقع هذا الإعلام قد تحوّل إلى طائفي بامتياز هنا وهناك، في حين لا نجد لمشروع الحوار الإسلامي أي حضور إعلامي إيجابي، وأعني بذلك أنّنا لو نظرنا قليلاً إلى الفضائيات العربية والإسلامية اليوم التي تعنى بالقضايا الدينية، لوجدنا سعياً حثيثاً عند العديد منها لبثّ ثقافة الفرقة بين المسلمين، أو استفزاز الطرف الآخر، أو تكفير هذا الفريق لذاك الفريق؛ أو ممارسة شحن طائفي بأشكال مختلفة ومتعددة، فيما نجد مشروع الحوار الإسلامي صامتاً رغم ما يملكه من إمكانات، فليس المهم أن لا يكون إعلامي تمزيقيّاً، بقدر ما المهم اليوم أن يكون صريحاً وواضحاً في تقديم رؤيته الحوارية بين المسلمين، نحن بحاجة إلى إعلام إيجابي، فعنصر المبادرة الإيجابية مهم جداً، وليس فقط السكوت وعدم التعليق، فالظواهر السلبية في المجتمع لا تحلّ دائماً بتجاهلها والسكوت عنها، وإنّما بمبادرات عملانية تستطيع اختراقها وتفتيتها.
والإعلام في مجال الحوار الإسلامي لا يعني قصف عقول الناس بالمحاضرات والدروس، بقدر ما نحن بحاجة إلى شركة إنتاج تقدّم لنا برامج تلفزيونية وأفلام تقدّم العلاقة بين الشيعي والسنّي ـ مثلاً ـ لتحفر في العقل الباطن صورةً جديدة لهذه العلاقة تحرّك العواطف وتثير الحسّ الرحيم، وهو ما لم نجده في أعمالنا التلفزيونية والسينمائية والمسرحية والفنية و.. إلا ما شذّ وندر، نحن بحاجة إلى أن يلعب الفنّ والشعر والقصّة والرواية التي تخاطب الأطفال وغيرهم دوراً كبيراً في حفر وعي جديد، وقد اقتَرَحْتُ يوماً أن تشكّل مجموعة من الأدباء والشعراء والروائيين والمؤرّخين كي يكتبوا أكثر من سلسلة للقارئ السنّي تعرّفه بأئمة أهل البيت وأصحابهم الكبار وبسائر العلويين كلّهم وتجربتهم التاريخية، مستثنين له من يراهم أعداء لأهل السنّة والجماعة، وأكثر من سلسلة أيضاً للقارئ الشيعي تعرّفه بالكثير من الصحابة والتابعين الذين لا يراهم الشيعي أعداءً لأهل البيت، وقلت هناك: إنّ بين الصحابة العشرات بل المئات من الذين كانوا مع الإمام علي أو على علاقة طيبة معه، فيُحيا ذكرهم وتجربتهم في المجتمع الشيعي، وليُحيا الحديث عن أئمة أهل البيت عند الطوائف الشيعية مع زيد بن علي والصادق والباقر وزين العابدين وغيرهم في الوسط السنّي.