الفقه في الدين.. أهميته وفضله

عاطف الفيومي

 

أيها الشباب يجب أن تعلموا أن طلب الفقه في مسائل الدين من الأهمية والفضيلة بمكان؛ لأن الله  - تعالى - بين فضيلة أهله في كتابه؛ فقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].

وحسبكم - يا شباب الإسلام - بهذه الآية شرفاً في بيان فضيلة العلم والفقه في الدين، وقد قال  فيها الإمام الشوكاني - رحمه الله -: "والمعنى: أن الطائفة من هذه الفرقة تخرج إلى الغزو، ومن بقي من الفرقة يقفون لطلب العلم، ويعلمون الغزاة إذا رجعوا إليهم من الغزو، أو يذهبون في طلبه إلى المكان الذي يجدون فيه من يتعلمون منه؛ ليأخذوا عنه الفقه في الدين، وينذروا قومهم وقت رجوعهم إليهم.

وذهب آخرون إلى أن هذه الآية ليست من بقية أحكام الجهاد، وهي حكم مستقلٌ بنفسه في مشروعية الخروج لطلب العلم، والتفقه في الدين، جعله الله - سبحانه - متصلاً بما دلَّ على  إيجاب الخروج إلى الجهاد، فيكون السفر نوعين: الأول: سفر الجهاد، والثاني: السفر لطلب العلم.

ولا شك أن وجوب الخروج لطلب العلم إنما يكون إذا لم يجد الطالب من يتعلم منه في الحضر من غير سفر، والفقه: هو العلم بالأحكام الشرعية، وبما يتوصل به إلى العلم بها من لغةٍ ونحو، وصرف وبيان وأصول" [ فتح القدير: (تفسير سورة التوبة آية: 122)].

وكذلك قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره: "هذه الآية أصل في وجوب طلب العلم؛ لأن  المعنى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة، والنبي صلى الله عليه وسلم مقيم لا ينفر، فيتركوه وحده، ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ ﴾ بعدما علموا أن النفير لا يسع جميعهم ﴿ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ﴾.

وتبقى بقيتها مع النبي صلى الله عليه وسلم ليتحملوا عنه الدين ويتفقهوا، فإذا رجع النافرون إليهم، أخبروهم بما سمعوه وعلموه، وفي هذا إيجاب التفقه في الكتاب والسنة، وأنه على الكفاية دون الأعيان، ويدل عليه أيضاً قوله - تعالى -: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، فدخل في هذا من لا يعلم الكتاب والسنن"[ فتح القرطبي: (تفسير سورة التوبة آية: 122)].

وكذلك قال السعدي - رحمه الله تعالى -: "﴿ لِيَتَفَقَّهُوا ﴾؛ أي: القاعدون ﴿ فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ﴾؛ أي: ليتعلموا العلم الشرعي، ويعلموا معانيه، ويفقهوا أسراره، وليعلموا  غيرهم، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.

ففي هذا فضيلة العلم، وخصوصاً الفقه في الدين، وأنه أهم الأمور، وأن من تعلم علماً فعليه نشرُه  وبثه في العباد، ونصيحتهم فيه، فإن انتشار العلم عن العالم من بركته وأجره، الذي يُنَمَّى له"[ فتح السعدي: (تفسير سورة التوبة آية: 122)].

وكذلك لو تأملنا السنة النبوية لوجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بين فضيلة طلب العلم والفقه في الدين وضرورته، فقد روى الشيخان عن معاوية - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه  وسلم أنه قال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي".

وكذلك جاء بسند حسن وصححه الألباني عند ابن ماجه عن معاوية بن أبي سفيان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الخير عادة، والشرُّ لجاجة، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".

ولا يفوتنا أن نذكر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس - رضي الله عنهما - بالفقه في الدين؛ حيث قال: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل".

فعن عبد الله بن عباس قال: "أصاب رجلاً جرحٌ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم احتلم، فأُمِرَ بالاغتسال، فاغتسل فمات، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "قتلوه قتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال"؛ حديث حسن، [رواه أبو داود وحسنه الألباني].

وجاء في الحديث: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة"؛ حديث  حسن، [رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه].

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيأتيكم أقوامٌ يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم، فقولوا لهم: مرحباً بوصية رسول الله وأقنوهم - علموهم"، وفي رواية أخرى: "وأفتوهم"؛ [أخرجه ابن ماجه بسند حسن].

وقد روى الشيخان عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل غيثٍ أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء؛  فأنبتت الكلأ والعُشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان، لا تُمسك ماء، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه الله بما بعثني الله به، فعلم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".

فمن هذه النصوص وغيرها نُدرك فضيلة طلب العلم والتفقه في مسائل الشريعة، وضرورة ذلك، وقد  قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لكميل بن زياد: "يا كميل، العلم خيرٌ من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه، والمال تنقصه الفقه، والعلم يزكو بالإنفاق".

وقال:

ما الفخر إلا لأهـل الـعـلم إنهم       على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئٍ ما كان يُحسنُهُ       والجاهلون لأهل العلم أعداء
فـفـُز بـعـلم تـعـش حياً به أبداً        فالناس موتى وأهل العلم أحياء

وقال أيضاً - رضي الله عنه -: "قيمة كل امرئ ما يحسنه".

المصدر: http://www.denana.com/main/articles.aspx?article_no=15325&pgtyp=66

 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك