سؤال التنوير في عصر النهضة
لا شكّ في أنّ الكثيرين يعتبرون أنّ الطهطاوي (1801-1873) هو الأب الروحي لعصر النهضة، فأفكاره مثلت البذور الأولى للالتقاء مع الآخر، وليس من العسير أبداً أن نرجع كلّ أفكار من جاؤوا بعده زمنياً وتكلموا عن العلاقة مع الآخر (والمقصود هنا طبعاً الغرب)، ليس من العسير أن نعيدها إلى أفكار سطّرها بقلمه أو نقلت عنه.
كان الطهطاوي، وكما هو معلوم، رئيس البعثة التي أعدّها محمد علي بك لتذهب إلى فرنسا، ولتعود إلى الوطن الأم (مصر) وتقدّم فوائدها التي حصلتها ليمكن استثمارها داخل المجتمع المصري، وبالتحديد لصالح السلطة التي أسسها محمد علي، كما سنرى ذلك واضحاً.
عاد الطهطاوي إلى موطنه، غير أنّه لم يعد الطهطاوي (الشيخ ذو العمّة)، ربما بقي ذلك مظهرياً، إلا أنه اطلع على ما لم يطلع عليه الآخرون، فأصبح نتيجة لذلك شيخاً ولكن بطريقته الخاصة، لقد قرأ روسو ومونتسكيو وكوندورسيه وفولتير ورأى فيهم حُسْناً وعجباً، وشاهد أحوال السياسة والصناعة ورأى المدارس والجامعات فداخله في نفسه الشيء الكثير من ذلك، حاول أن يكشف عن حقيقة هذا التقدّم والتمدّن والعمران لدى الغرب، وأن يفضّ سرّه لكي ينقله إلى وطنه حينما يعود، فيبثه هذا السر فتنفتح آفاق التقدّم والحضارة أمامه، وبلغته: "إنّ كمال العلوم البرانية والفنون والصنائع ببلاد الإفرنج أمر ثابت وشائع"[1].
إنه يقرر ذلك أيضاً في خطبة كتابه (مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية) في عام 1870م، فعلوم الغرب هي العلوم الكاملة والنافعة، وعلينا اقتباسها والعمل على نشرها بغية تحقيق التمدّن والحضارة في أوطاننا، ولعل إشرافه على ترجمة كتاب (تأملات في أسباب عظمة الرومان وانحطاطهم) لمونتسيكيو يكشف اهتمامه طيلة عمره بحسب ألبرت حوراني بمسألة عظمة الدول وانحطاطها، وبالحل الذي كان يبتغيه لها "فالفضيلة السياسية في الجمهورية" حسب مونتسيكيو إنما هي "حب الوطن" وقد تميز الرومان بهذا، إلا أنّ محبتهم لوطنهم شابها "بعض الشعور الديني"[2]، وحيث إنّ مصر أخذت الآن –والكلام للطهطاوي- في أسباب التمدن والتعلم على منوال بلاد أوروبا[3] فعلينا إذاً أن نعمل على "حث أهل ديارنا على استجلاب ما يكسبهم القوة والبأس"[4]. وإنه بعد التأمل في آداب الفرنساوية وأحوالهم السياسية وجد "أنهم أقرب شبهاً بالعرب منهم للترك ولغيرهم من الأجناس"[5]، وبذلك يزول الحاجز النفسي، أمّا التشبه بالفرنساوية فإنهم على شبهٍ كبير مع العرب أكثر من شبههم مع الترك أشقاء العرب في الدين والإمبراطورية.
لا شكّ في أنّ الهاجس الرئيس الذي انطلق منه الطهطاوي في كتاباته وترجماته كان الكشف عن سرّ تقدم أوروبا، وتباين أسباب تأخر العرب والمسلمين، واستخدام كلمة "سر" هنا أصبح شائعاً بشكل واضح بعده[6]، بحيث تعكس شعوراً داخلياً لدى هؤلاء الرواد بأنّ أوروبا قد حققت قفزة كبيرة للانتقال من تخلفها إلى نهضتها وحداثتها، هذه القفزة أو النقلة النوعية تخفي بداخلها سراً ما، علينا اكتشافه وجلاؤه بغية نقله أو توظيفه داخل المجال العربي الإسلامي، حتى يحقق العرب والمسلمون القفزة نفسها.
واضح أنّ سؤال التنوير كان حاضراً لدى الطهطاوي ويحتل الأولوية الأولى لديه، إذ يكفي أن نذكر أنّ جميع خطب كتبه، التي عادة ما يضمنها سبب تأليفه والداعي إليه، كانت تؤكد كلها حضور هذا السؤال لديه، يقول في خطبة كتابه (المرشد الأمين للبنات والبنين) الصادر عام 1872م إنّ الدافع إلى تأليفه هو "أنّ الأمّة التي تتقدم فيها التربية، بحسب مقتضيات أصولها، يتقدم فيها أيضاً التقدّم والتمدّن على وجهٍ تكون به أهلاً للحصول على حريتها، بخلاف الأمّة القاصرة التربية، فإنّ تمدنها يتأخر بقدر تأخر تربيتها"[7].
فسؤال التنوير كان مركزياً، بل وما دافع المقارنة بين أوروبا وواقع الأمّة المصرية إلا للتدليل على الواقع المزري الذي تعيشه الأمّة الإسلامية وضرورة النهوض بهذه الأمّة على هدى الغرب، إننا لا نلحظ لدى الطهطاوي تعقيباً مشروطاً على هذا السؤال وتقييده بضرورة العودة إلى الأصل حيث النهضة والتمدن قد تحققا لدينا، رغم أننا لا ننكر أنّه كان يؤكد دائماً على أنّ ما يقدمه من إعجاب بالفرنساوية هو ممّا لا يخالف أمر الشريعة لدينا، وهذا ينفي محاولة بعضهم لنزع عمته عن رأسه وحلق لحيته من ذقنه، فقد كان يصرّ دوماً على قوله: "لا أستحسن إلا ما لم يخالف نص الشريعة المحمدية"، بل "ولم يسمح لخاطره أن يستحسن بعض أمور هذه البلاد [الفرنسية] وعوائدها على حسب ما يقتضيه الحال، فقد كان دائماً مقيداً بطريق الحق"[8]. لكنّ أسبقية سؤال النهضة يبقى لديه ملحاً وسابقاً على همّ الدفاع عن الإسلام والذود عن حياض الدين، وهذا ما سنلحظه واضحاً أيضاً لدى مجايله خير الدين التونسي (1820-1889) الذي يُظهر أسباب قوة المجتمعات وتمدنها، وبنوع خاص دور الدولة في المجتمع، وذلك بتحليل تلك المجتمعات الأشد قوة والأكثر تمدناً في العالم الحديث، ويثبت أنّ السبيل الوحيد في العصر الحاضر لتقوية الدول الإسلامية إنما هو في اقتباس الأفكار والمؤسسات عن أوروبا، وإقناع المسلمين بأنّ ذلك ليس مخالفاً للشريعة بل هو منسجم مع روحها، ونراه يوجه حججه إلى المسلمين منطلقاً من إيمانه بنظرية الدولة التقليدية[9]، وبلغته: "إني بعد أن تأملت تأملاً طويلاً في أسباب تقدّم الأمم وتأخّرها جيلاً بعد جيل، مستنداً في ذلك لما أمكن تصفحه من التواريخ الإسلامية والإفرنجية، مع ما حرّره المؤلفون من الفريقين فيما كانت عليه وآلت إليه الأمّة الإسلامية، وما سيؤول إليه أمرها في المستقبل، التجأت إلى الجزم من أنه إذا اعتبرنا تسابق الأمم في ميادين التمدن.. لا يتهيأ لنا أن نميز ما يليق بنا، على قاعدة محكمة البناء إلا بمعرفة أحوال من ليس من حزبنا، لا سيما من حفَّ بنا وصلَّى بقربنا"[10] ولكن، ما الغرض من كلّ ذلك؟ إنه يجيب بأنّ "معرفة الوسائل التي أوصلت الممالك الأورباوية إلى ما هي عليه من المنعة والسلطة الدنيوية، أن نتخير منها ما يكون بحالنا لائقاً، ولنصوص شريعتنا مساعداً وموافقاً، عسى أن نسترجع منه ما أخذ من أيدينا، ونخرج باستعماله من ورطات التفريط الموجود فينا"[11]. وبذلك يكون الباعث الأصلي والسبب الداعي لتأليف كتابه (أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك) والصادر عام 1867 أمرين آيلين إلى مقصد واحد: أحدهما إغراء ذوي الغيرة والحزم من رجال السياسة والعلم بالتماس ما يمكنهم من الوسائل الموصلة إلى حسن حال الأمّة الإسلامية، وتنمية أسباب تمدنها بمثل توسيع دوائر العلوم والعرفان، وثانيهما: تحذير ذوي الغفلات من عوام المسلمين عن تماديهم في الإعراض عمّا يحمد من سيرة الغير الموافقة لشرعنا[12]، وبذلك يتطابق مع الطهطاوي مرّة أخرى في أمرين هامين: أولهما السبب الداعي إلى تسطير المؤلفات وهو النهوض بحال الأمّة الإسلامية وإقالة عثرتها، وثانيهما المعطوف على الأول بالضرورة وهو التأكيد على ضرورة تبني النموذج الغربي للوصول إلى التقدم المنشود، وقد استند التونسي إلى رحلة الطهطاوي الباريسية بنوعٍ خاص، وذلك لاستنباط الدرس الذي ينحصر في أنه لا يمكن للأمّة أن تستعيد قوتها إلا إذا عرفت مكامن قوة أوروبا وتبنّتها.
إذاً، لقد كانت القضية التي شغلت الطهطاوي والتونسي هي النهضة عبر إشاعة التنوير وأسباب تحقيقها وسبل الوصول إليها، وإن كان لكل منهما حياته السياسية المختلفة التي عبرت عن صياغة للسؤال مختلفة المفردات ولكن متحدة المضمون والهدف.
مع الأفغاني (1839-1897) سيُعاد صياغة سؤال التنوير بطريقة أخرى مختلفة ستنعكس على مضمونه، وستضاف إليه مفردات جديدة سيكون لها تأثيرها بشكل جلي على هذا السؤال.
فالسؤال الذي انصب عليه تفكير الأفغاني انصباباً كاملاً حسب ما يرى ألبرت حوراني كان: ما هي حقيقة الإسلام؟ إذ إنه لا يخاطب فقط إخوانه المسلمين لينقذهم من الأفكار الضالة التي غرقوا فيها منذ زمن طويل، بل يريد هدم الآراء الخاطئة عن الإسلام التي تبناها المسلمون، ودحض الانتقادات التي يوجهها إليه الأوروبيون، إنه ينعي تخلف المسلمين[13]، ويعتبر أنّ الانحلال والضعف في روابط الملة الإسلامية قد بدأ عند انفصال الرتبة العلمية عن رتبة الخلافة، وذلك عندما قنع الخلفاء العباسيون باسم الخلافة دون أن يحوزوا شرف العلم والتفقه في الدين والاجتهاد في أصوله وفروعه كما كان الراشدون رضي الله عنهم[14]، وهكذا فالخط في انحدار، والتقدم نتج عنه تراجع وتخلف ما يلبث في ازدياد "تفرقت كلمة الأمّة وانشقت عصاها، وانحطت رتبة الخلافة إلى وظيفة الملك، فسقطت هيبتها من النفوس، وخرج طلاب الملك والسلطان يدأبون إليه من وسائل القوة والشوكة ولا يرعون جانب الخلافة"[15]، ولكن إذا كان هذا هو واقع الأمّة وحاضرها فما السبيل إلى عزتها ونهضتها؟ إنه يعتبر أنّ الإجابة عن السؤال لاحقة ونتيجة عن السبب المؤدي إلى هذا الواقع، لذلك فهو يشمل السبب بسؤاله ويجيب عنه في الوقت نفسه "إنّ السبب الأعظم والعامل الأكبر في السقوط هو إهمال ما كان سبباً في النهوض والمجد وعزة الملك، وهو ترك حكمة الدين والعمل بها، وهي التي جمعت الأهواء المختلفة والكلمة المتفرقة، وكانت للملك أقوى من عصبية الجنس وقوته"[16]، فالطريق إلى التمدن الحقيقي إذاً هو الإصلاح الديني، يقول: "لا بدّ من حركة دينية، لأننا إذا نظرنا في سبب انقلاب حالة أوروبا من الخشونة إلى المدنية نراه في الحركة الدينية، وذلك منذ عصر لوثيروس رئيس الطائفة البروتستانتية، فإنه لما رأى أهل أوروبا تعتقد في البابا اعتقاداً يوجب عليها الخضوع له والاستكانة لأوامره... قام بتلك الحركة الدينية التي نشأت عنها الانقسامات بين الشعوب وجعل كلّ شعب يغار من الآخر ويحاربه في سلوك سبل النجاح، وخلاصة الأمر أنّ تمدن أوروبا ينسب إلى تلك الحركة... وحركتنا الدينية هي اهتمامنا بقلع ما رسخ في عقول العوام والخواص من فهم بعض العقائد الدينية والنصوص الشرعية على غير وجهها الحقيقي...، فلا بدّ من بث العقائد الدينية الحقة بين الجمهور وشرحها لهم على وجهها المناسب وحملها على محاملها الصحيحة التي تقودهم لما فيه خيرهم دنيا وآخرة"[17].
فالأفغاني يقارن بين النهضة الأوروبية والنهضة الإسلامية المأمولة، إذ ما دامت الأولى قد قامت عبر إشاعة الأنوار على يد لوثر زعيم الطائفة البروتستانتية فإنّ الثانية وبالضرورة يجب أن تقوم على الأسس نفسها، وأن تتحقق عن طريق حركة دينية إصلاحية، إنه يتطلع إليها ويحضرها كشاهد للمقارنة، وللمقارنة فقط، مع التدليل على أننا نستطيع بالعودة إلى أسس نهضتنا الإسلامية الأولى تحقيق ما نطمح إليه من تقدم وحضارة للخروج من واقعنا المزري الحالي، "فالواجب على الأمم الشرقية أن تتبع أصول دينها ففي اتباعها ما يعيد إليها المجد والمنعة، ويرقى بأخلاقها وينهض بحضارتها ويوحد صفوفها"[18]، كما عبّر في إحدى مقالاته في العروة الوثقى.
إنه يصرّ أيضاً على أنّ جريدته هذه ليست مخصصة للمسلمين فقط، بل إنها تهدف إلى تحذير الشرقيين عموماً والمسلمين خصوصاً من تطاول الأجانب عليهم والإفساد في بلادهم[19]، وبذلك يعلق الرافعي أحد مؤرخي سيرة الأفغاني "لقد اتخذت العروة الوثقى شعارها إيقاظ الأمم الإسلامية، والمدافعة عن حقوق الشرقيين كافة، ودعوتهم إلى مقاومة الاستعمار الأوروبي، والجهاد في سبيل الحرية والاستقلال"[20].
ولكن، ما هو الباعث وراء كتابات الأفغاني حسب ما تعودنا أن نقرأ عند كل من الطهطاوي والتونسي؟ إذ إنّ ذلك يختصر وبكثير من الدقة مشروع الشخص وأفكاره بحسب ما يعبر عنها هو نفسه، يقول الأفغاني في توضيح منهج جريدته العروة الوثقى: "سنأتي على خدمة الشرقيين على ما في الإمكان من بيان الواجبات التي كان التفريط فيها موجباً للسقوط والضعف، وسنوضح الطرق التي يجب سلوكها لتدارك ما فات...، ويستتبع ذلك البحث في أصول الأسباب ومناشئ العلل التي قصرت بهم إلى جانب التفريط، والبواعث التي دفعت بهم إلى مهامه حيرة عميت فيها". فإذا كان الواقع بمثل هذا السواد فما السبيل إلى الخروج من ذلك؟ إنما "يلزم التمسك ببعض الأصول التي كان عليها آباء الشرقيين وأسلافهم، وهي ما تمسكت به أعزّ دولة أوروبية وأمنعها"[21] ونتيجة لذلك يجب "إبطال زعم الزاعمين أنّ المسلمين لا يتقدمون إلى المدنية ما داموا على أصولهم التي حاز بها آباؤهم الأولون"[22].
واضح أنّ سؤال التنوير كان حاضراً لدى الأفغاني، ولكن كان له صياغته الخاصة به، كما قلنا سابقاً، فإذا كان الجميع (أعني الطهطاوي والتونسي والأفغاني) قد اتفقوا على ضرورة المقارنة مع الغرب، فإنّ الأّولَين جعلا من هذه المقارنة حافزاً للدول العربية والإسلامية كي تتخذ سبل النهضة على هدى الغربيين، في حين أنّ الأخير (الأفغاني) اتخذ من المقارنة دليلاً على ضرورة عودة الأمم الشرقية إلى أسس نهضتها الأولى وأصول دينها.
وهذا بالضبط ما حاول أن يقرأه معاصروه في حياته وشخصيته وأفكاره، يقول لوثروب ستودارد المؤرخ الأمريكي: "إنّ خلاصة تعاليم جمال الدين تنحصر في أنّ الغرب مناهض للشرق، والروح الصليبية لم تبرح كامنة في الصدور في قلب بطرس الناسك، ومن أجل هذا يجب على العالم الإسلامي أن يتحد لدفع الهجوم عليه ليستطيع الذود عن كيانه، ولا سبيل إلى ذلك إلا باكتناه أسباب تقدم الغرب والوقوف على عوامل تفوقه ومقدرته"[23].
يقول محمد عبده تلميذ الأفغاني النجيب: "لقد كان مقصده السياسي الذي وجه إليه كلّ أفكاره وأخذ على نفسه السعي إليه مدة حياته هو إنهاض الدولة الإسلامية من ضعفها، وتنبيهها للقيام على شؤونها حتى تلحق الأمّة بالأمم العزيزة، والدولة بالدول القوية، فيعود للإسلام شأنه"[24].
إذا انتقلنا إلى محمد عبده (1849-1905) الذي عاصر الأفغاني وتتلمذ على يديه وجدنا أنّ سؤال التنوير لديه سيُقلب رأساً على عقب، إذ لن يكتفي محمد عبده بإضافة مفردات جديدة إليه وإنما سيعيد ترتيبه مع صياغة جديدة له. ترتيبه وفق أولويات ربما لم يعمد هو بالضرورة إلى خلقها أو إيجادها، فقد انطلق محمد عبده من اعتبار أنّ الإسلام ينطوي على بذور الدين العقلي والعلم الاجتماعي والقانون الخلقي ممّا يجعله صالحاً لأن يكون أساساً للتنوير والحياة الحديثة، ولأن يوجد النخبة التي تتولى حراسته وتفسيره، فتضع بذلك أساساً لمجتمع مستقر ومتقدم[25]، "فالمسلمون ما عادوا العلم يوماً ولا العلم عاداهم إلا من يوم انحرافهم عن دينهم، وأخذهم في الصد عن علمه، فكلما بعد عنهم علم الدين بعد عنهم علم الدنيا وحرموا ثمار العقل"[26].
وإذا كان العلم أساس النهضة والمدنية والأنوار فإنّ أوروبا قد حققت مدنيتها باقتباسها العلم من الإسلام[27]، "فلم تحقق أوروبا نهضتها ومدنيتها إلا حين أخذها من مدنية الإسلام، فقد كان السبب الرئيسي في نهوضها من عثرتها وكبوتها"، وبتطبيق المنطق الأرسطي كمقدمة صغرى وكبرى تكون النتيجة "لم يقف الإسلام عثرة في سبيل المدنية أبداً، لكنه سيهذبها وينقيها من أوضارها، وستكون المدنية من أقوى أنصاره متى عرفته وعرفها أهله، وهذا الجمود سيزول، وأقوى دليل على زواله بقاء الكتاب شاهداً عليه بسوء حاله"[28]. ويلخص سيرة حياته بالدعوة إلى أمرين، وذلك في مذكراته "ارتفع صوتي بالدعوة إلى أمرين عظيمين: الأول تحرير الفكر من قيد التقليد وفهم الدين على طريقة سلف الأمّة قبل ظهور الخلاف، والثاني إصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير"[29].
ستصبح العلاقة بين الدين والأنوار محط نقاش رئيسي، فقد أصبح الدين هو الحافز الرئيسي للعمل، وهو المصدر الأساسي للوحدة وللتعاضد الذي هو بدوره السند الأساسي لتطور المجتمعات ونهضتها[30]، وسيبرز ذلك وبشكل أساسي في ردِّه على هانوتو وعلى فرح أنطون، وذلك عندما اعتبر أنّ الإسلام لم يكن دوماً دين الجبر والتواكل، وهو بتأكيده على ذلك ينفي أيّة دعوة تتخذ من الإسلام ذريعة وتبريراً للتخلف الذي تعيشه المجتمعات الإسلامية "فالجمود الذي يصفونه لا يصح على الإسلام بقدر ما يرجع إلى المسلمين، إذ هي علةٌ اعترضت المسلمين عندما دخلت على قلوبهم عقائد أخرى ساكنت عقيدة الإسلام في أفئدتهم"[31]، والسبب في ذلك مردّه إلى السياسة التي هي كما يصفها الشجرة الملعونة في القرآن، كما أنها عبادة الهوى واتباع خطوات الشياطين، إنّ هذا الموقف السلبي من السياسة سينعكس على رؤيته للتمدن والحضارة والنهضة، إذ لن نجد حديثاً عن النهضة بمفهومها الشامل بقدر ما نجد حديثاً عن الإصلاح الأسري وإصلاح القضاء والأوقاف والتربية وإصلاح اللغة وغير ذلك[32].
وبذلك تكون نقطة انطلاق محمد عبده في كتاباته هي إصلاح المسلمين عن طريق دينهم، حيث إنّ ذلك أيسر وأصح من إصلاحهم عن طريق الإصلاح المعتمد على تقليد النموذج الأوروبي، إذ بدا الإسلام لمحمد عبده كوسط بين طرفين، دين منسجم تماماً مع متطلبات العقل البشري واكتشافات العلم الحديث، مع احتفاظه بفكرة الله تعالى الذي كان في نظره الموضوع الأوحد الجدير بالعبادة البشرية والأساس الثابت للخليقة الإنسانية، وبذلك تكون التوفيقية، وكما ظهرت في الفكر العربي فيما بعد، قد وجدت جذورها لدى محمد عبده الذي سعى وألحّ دائماً على التوفيق بين الإسلام وبين الفكر الحديث، وأن يبين كيفية تحقيق ذلك كما بدا ذلك جلياً في رده على هانوتو وفرح أنطون، فما نفتقر إليه كما كان يؤكد دائماً هو إعادة تفسير الشريعة لنتمكن من اقتباس ما كان صالحاً من الأخلاق والقيم الأوروبية، وبذلك يكون محمد عبده قد ربط النهضة والتقدم العلمي بالإسلام، لأنه كما يرى ينطوي على بذور عقلية تجعله صالحاً لأن يكون أساساً للحياة الحديثة.
ربما بعد هذا تبدو واضحة صياغة سؤال التنوير لدى عبده إذ هي تتلخص بالآتي: إصلاح الدين هو السبيل إلى تحقيق الأنوار والنهضة، وإذا عدنا إلى الأفغاني لنستذكر صياغة سؤاله وليضيء لنا ما لم نستطع قراءته لدى عبده، وجدنا أنّ الأفغاني يرى أنّ تحقيق الرقي والتقدم مربوط بالعودة إلى الإسلام، وإذا أردنا أن نعمل على ترتيب الشقين المؤلف منهما السؤال، بمعنى هل الدعوة إلى تحقيق التقدم والعمران سابقة أم لاحقة للعودة إلى الإسلام؟ ربما من الصعوبة أن نعمل على إعادة ترتيب أولويات لم تكن حاضرة أو موجودة في ذهن الأفغاني، إذ هي تدخل في دائرة اللامفكر فيه بالنسبة إليه، وبعبارة أخرى لم تشغل تلك الأسبقيات عقله بشكلٍ يجعله يعمل على ترتيبها وإعادة صياغتها بما ينسجم مع هذا الترتيب.
لقد كان سؤال التنوير المتقدم حاضراً لدى الأفغاني وبإلحاح، لكن نستطيع أن نقول إنّ الظروف والمتغيرات الدولية المحيطة به[33]، وبعالمه الذي ينتمي إليه (أزمة 1875-1878) فرضت عليه ربط سؤال التقدم بضرورة العودة إلى الإسلام، دون أن ننكر بالطبع تكوين الأفغاني الديني الذي يفرض عليه إعادة النظر في الأسئلة الموجهة إليه جميعها من وجهة نظر دينية. لكنّ هذه التحولات على المستوى الدولي قد مسّت بشكل مباشر الدول العربية وأخذت شكل تهديد للدول الإسلامية، ممّا سيلعب دوراً رئيسياً في إعادة صياغة السؤال بما ينسجم مع التكوين العلمي والفكري للأفغاني، وهذا ما لاحظه ألبرت حوراني عندما اعتبر أنّ الطهطاوي والتونسي لو تأخرا في وضع كتبهما سنوات فقط، لشددا فيها على وجوهٍ من الموضوع دون أخرى.
فضلاً عن ذلك فقد كان للنقاشات والمناظرات التي دخلها الأفغاني مع رينان، التي تتعلق بانسجام الإسلام والدين عموماً مع المدنية، واعتبار أنّ الإسلام سبب تخلف المسلمين، لقد كان لها أثر كبير ودافع للأفغاني لأن يعيد قولبة سؤال النهضة بصياغة أخرى جديدة مختلفة عمّا قدمها الطهطاوي والتونسي سابقاً.
نستطيع أن نقول الآن إنّ الأفغاني قد هيمنت عليه فكرةٌ تتعلق بنهوض العالم الإسلامي، في حين أنّ محمد عبده اعتبر أنّ الهدف الأسمى الذي يجب جعله في الطليعة هو إصلاح الإسلام وإمداده بالقوة والحياة، لقد كان الأفغاني يأمل في أن يبث روحاً جديدة في الشرق حتى ينهض بثقافته وعلمه وتربيته ويتمكن بعدئذٍ من تنقية عقيدته من الخرافات والأوهام، كذلك فإنّ دعوته لم تنحصر في الجانب الديني بل توسعت وأخذت بعين الاعتبار الجوانب السياسية والاجتماعية[34]، وهذا ما حدا ببعض دارسيه إلى وصف فكره بأنه "يتسم بطابع فلسفي عميق ويتحرك في إطار العالم الشرقي بعامة، في حين أنّ محمد عبده يتحرك في إطار ديني وأمّة معينة، ويعبّر عن الاتجاه السلفي"[35].
إنّ الأفغاني، بكلمة، كان يرى أنّ التنوير والنهضة سيؤديان إلى إصلاح الدين، في حين أنّ محمد عبده كان يعتبر أنّ إصلاح الدين وحده يؤدي إلى التنوير والنهضة.
ما بعد محمد عبده:
كان الفكر التوفيقي الذي أرساه محمد عبده بمثابة المحوّلة التي انطلقت منها تيارات مختلفة بل متنافرة الاتجاه، وسوف يصبح مفترق طرق لأهمّ التيارات الفكرية السلفية والليبرالية والعقلانية الدينية والفلسفية التي ستنشأ فيما بعد في العالم العربي[36].
لقد حاول محمد عبده، كما ذكرنا، أن يقدّم جواباً عملياً وشاملاً لكلّ المسائل المرتبطة بالتنوير والنهضة، وأن يدرج في هذا الجواب العامل الديني ليخرج منه برؤية تأليفية وتوليفية تجمع بين ضرورات تمثل عناصر الحضارة المعاصرة وحاجات الحفاظ عن الدين الإسلامي كعامل رئيسي في تحقيق هذه النهضة المنشودة.
وإذا ابتدأنا من محمد رشيد رضا (1864-1935) الذي كان الأشد وفاءً لأستاذه، فإنّ نظرته يمكن تلخيصها بالسؤال التالي: لماذا البلدان الإسلامية متخلفة في كلّ ناحية من نواحي التمدن؟ إنه يجيب عليه أيضاً:
إنّ تعاليم الإسلام وقواعده الخلقية من شأنها إذا فُهمت على حقيقتها وطبقت بكاملها أن تؤدي إلى الفلاح، لا في الآخرة فحسب، بل في هذه الدنيا أيضاً، أمّا إذا لم تُفهم على حقيقتها أو لم تطبق فإنها تفضي إلى الضعف والفساد، فسبب تخلف المسلمين هو أنهم فرطوا بحقيقة دينهم، وهكذا يتطابق رشيد رضا مع أستاذه محمد عبده في صياغة سؤال النهضة، فوظيفتنا هي إصلاح الإسلام في جملته والعمل على استعادة مجده، إذ يجب أن نعمل على التجديد في الدين الإسلامي بحيث نفهم الإسلام على حقيقته، ونرجعُ إلى مبادئه الصحيحة ونطهرّه من الخرافات[37].
إنّ ذلك نجده بشكلٍ واضح جداً عند تقديمه لكتاب "لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدّم غيرهم؟" إذ وجّه أحد الأشخاص من جاوه إلى صاحب مجلة المنار (رشيد رضا) رسالةً يقترح عليه فيها أن يبين لقراء المنار أسباب ما صار إليه المسلمون من الضعف والانحطاط، وأن يبين أسباب رقي أهل أوروبا وأمريكا واليابان، وما إذا كان يمكن للمسلمين مجاراة هؤلاء في سباق الحضارة مع المحافظة على دينهم الحنيف، فأحال رشيد رضا الرسالة إلى الأمير شكيب أرسلان (1869-1946) الذي أجاب عنه، ونُشِر أول ما نُشِر في مجلة المنار، ثم طبعه أرسلان في كتيبٍ على حدة، وقدّم له رشيد رضا وصدر في أواخر سنة 1940، ثم أعيد طبع الكتاب عدة مرات، وإذا كان أرسلان ورضا قد خففا عنا عناء البحث عن صياغتهما لسؤال النهضة، إذ صاغاه وفق ما رأَيا، فإنّ مفرداته تشي وتدلّ على الكثير من معانيه، كما أنّ الإجابة عنه، حسب ما ساقها الكتاب، تُظهر كم هي التحولات التي تعرّض لها سؤال النهضة حتى استقرّ على هذه الصيغة التي ستشتهر فيما بعد وسيتم تداولها على أنها هي السؤال المركزي الذي على الأمّة الإجابة عنه في معركة بنائها واستقلالها ومن ثمّ نهضتها.
إنّ أرسلان يقرر في بداية إجابته أنّ أسباب ارتقاء الأمّة الإسلامية كانت دائماً عائدة في مجملها إلى الديانة الإسلامية[38]، وعندما فقد المسلمون حماستهم لدينهم، التي كانت عند آبائهم، تخلّق بها أعداء الإسلام الذين لم يوصهم كتابهم بها فنالوا بذلك الرفعة والعمران، ثم يعدد بعد ذلك ما يعتبره أهم أسباب تأخر المسلمين التي هي الجهل الذي يجعل فيهم من لا يميز بين الخمر والخل، والعلم الناقص الذي هو أشدّ خطراً من الجهل البسيط، وفساد الأخلاق بفقد الفضائل التي حثّ عليها القرآن[39]. وكلّ هذه المصائب التي حلّت بالمسلمين هي ممّا صنعته أيديهم، وممّا حادوا به عن النهج السوي الذي أوضحه لهم القرآن الذي لمّا كانوا عاملين بمحكم آيه علَوا وظهروا، فلما ضعف عملهم به ذهبت ريحهم وانتقصت الأعداء أطراف بلادهم[40].
ثم يعود ليتساءل عن سبب تأخر أوروبا الماضية ونهضتها الحاضرة؟ ويجيب بأنّ ذلك لم يكن ناشئاً عن النصرانية التي كانت دينهم، إذ إنّ للحوادث أسباباً وعوامل متراكمة ترجع إلى أصول شتى، فإذا تراكمت هذه العوامل في خيرٍ أو شر تغلبت على تأثير الأديان والعقائد وأصبحت فضائل أقوم الأديان عاجزة بإزاء شرها، كما أصبحت معايب أسخفها غير مؤثرة في جانب خيرها[41]. ويعبّر عن ذلك بأسلوب الحكمة عندما يقول: "فليترك بعض الناس جعل الأديان هي المعيار للتأخر والتقدم". ولكن إذا كان ذلك صحيحاً وينطبق على جميع الأديان، فلماذا يصحّ على المسلمين بأنهم هم سبب تخلفهم وأنّ الإسلام سرّ تقدّمهم؟ إنّ رشيد رضا يهمّش على الحكمة السابقة أعلاه بهامشٍ ذي دلالة بالغة فيقول: "هذا صحيح في جملة الأديان إلا الإسلام، فقرآنه وتاريخه يثبتان أنه هو سبب تقدم أهله حين اهتدوا به وسبب تأخرهم حين أعرضوا عنه"[42]، وهكذا يتفق الاثنان جملة وتفصيلاً على أنه إذا أراد المسلمون أن يبلغوا مبالغ الأوروبيين والأمريكيين واليابانيين من العلم والارتقاء، فعليهم أن يبعثوا العزائم وأن يعملوا بما حرّضهم عليه كتابهم[43]، وتلك هي خاتمة الردّ والكتاب.
سؤال التنوير إذاً غاب كليّاً لحساب البحث عن أسباب تأخر المسلمين، ولا داعي لأن يطول البحث كثيراً فالإجابة جاهزة، إذ بقدر ما يبتعد المسلمون عن دينهم يتخلفون وبقدر ما يقتربون منه يتقدمون، وهكذا، ويتضح أنّ رشيد رضا وأرسلان هنا لا يقطعان مع أسلافهم من الطهطاوي والتونسي فقط، بل ويقطعان أيضاً مع أساتذتهم ومشايخهم إذا صحّ التعبير من الأفغاني ومحمد عبده، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ رشيد رضا يقطع مع نفسه قبل 1918 وبعدها، [44] إنه يذكر في مقالٍ له في المنار (منافع الأوربيين ومضارهم –الاستبداد) وذلك في عام 1907، أنّه يجب علينا أن نعترف بأنّ أوروبا هي التي نبهتنا للعودة إلى حكم الشورى الإسلامي، إذ يقول في معرض مناقشته لقارئ يعتقد أنّ هذا الحكم أصل من أصول الدين ولا دخل لأوروبا فيه "لا تقلْ أيها المسلم إنّ هذا الحكم أصلٌ من أصول ديننا فنحن قد استفدناه من الكتاب المبين، ومن سيرة الخلفاء الراشدين لا من معاشرة الأوروبيين، والوقوف على حال الغربيين، فإنه لولا الاعتبار بحال هؤلاء الناس لما فكرت أنت وأمثالك بأنّ هذا من الإسلام، ولكان أسبق الناس إلى الدعوة إلى إقامة هذا الركن علماء الدين في الآستانة ومصر ومراكش وهم الذين لا يزال أكثرهم يؤيد حكومة الأفراد الاستبدادية ويُعدّ من أكبر أعوانها"[45]. هذا الموقف النقدي المتقدّم الذي يدلّ على وعيٍ واضح بالمفاهيم وحقولها وطرائق انتقالها والتأثير المتبادل بين المجتمعات في تبنيها، هذا الموقف سنفقده تماماً عند طرحه لسؤال تخلف المسلمين وتقدّم الأوروبيين.
مع رشيد رضا المتأخر إذا صحّ التعبير سيتابع معه الكثير من الباحثين والمفكرين الذين سيشكلون تياراً متمايزاً في الفكر العربي، وإذا كان هذا التيار نفسه سيخضع إلى تحولات في خطابه ومفاهيمه، فإنّ مقابل هذا التيار الذي اصطلح على تسميته بالسلفي، سيظهر تيار آخر أنشأ مقولاته على أساس تمثل الغرب وتبني مقولاته. إذ اعتبر فرح أنطون أنّ أنظمة الحكم الأوروبية هي السبب في رقي أوروبا وتمدنها، وكانت هذه هي نقطة خلاف رئيسية بينه وبين محمد عبده، لقد كان سؤال النهضة لدى أنطون مرهوناً بالغرب ومتحققاً به، والأمر نفسه كان لدى سلامة موسى الذي خصص كتاباً للحديث عن النهضة الأوروبية صدر عام 1934، ثم أعاد طبعه تحت عنوان "ما هي النهضة"؟ وصدر عام 1962، إنه يلخص رؤيته في مقولة رئيسية "لا أستطيع أن أتصور نهضة عصرية لأمةٍ شرقية ما لم تقم على المبادئ الأوروبية للحرية والمساواة والدستور مع النظرة العلمية الموضوعية للكون"[46]، ربما تلخص هذه المقولة مجمل نظرية سلامة موسى وتياره إلى النهضة، إنّها تعبّر عن الكيفية التي أخذت فيها أفكاره نهاياتها الأيديولوجية، وكما يعبّر كمال عبد اللطيف "إنّ خطاب النهضة الموسوي هو خطاب تغريبي، إنه خطاب الغرب في الشرق، وينتج عن هذا أنّ الهويّة كما يبلورها الخطاب الموسوي تجد أسسها في المغايرة أي في الاختلاف عن الأصل ومحاولة الارتباط بالغرب، لذلك فهو خطاب انتقائي وهامشي من حيث الاكتفاء بوضع أسس جبهة ثقافية تغريبية"[47]، لقد كان سؤال النهضة إذاً لدى هذا التيار سؤالاً هامشياً بقدر ما كان مركزياً، إذ كان يصرّ على النهضة ويدعو إليها، ولكن ليست تلك المتحققة بذاتها والناتجة عن تطوير إمكانيات ذاتية لدى الأمّة وتجديدها، بل كانت النهضة تعني العيش في الغرب في فكره وإنجازاته التكنولوجية، لكن من السهل عليك أن تضع نموذجاً تراه نموذجياً وتدعو الآخرين إلى اللحاق به والتشبه به، غير أنّه من الصعب جداً أن تطوّر خطاباً خاصاً بك يضع النهضة سؤالاً مركزياً فيه، ويطور آليات ويخلق إمكانيات لتحقيقها ممّا يجعلك أنتَ لا غيرك.
ربما هذه الأسئلة والهواجس ستنطلق كلها دفعة واحدة لتجتاح معها سؤال النهضة، وليغيب تماماً أمام اشتعال وتأجج نار الهويّة المفتقدة التي يجب البحث عنها والقبض عليها قبل أيّ تفكير بالنهضة والتقدم.
إنّ الفكر العربي تسيطر عليه في رؤيته لعصر النهضة نظرةٌ أحادية وتجزيئية[48]، فهو لا ينظر إلى عصر النهضة نظرةً كليّة تستوعب مفاعليه الاجتماعية والسياسية بقدر ما يحصر رؤيته في نتاجه الثقافي والفكري المحض معتقداً ومؤمناً بالتطور الخطي للتاريخ[49]، فما كان صالحاً للسابقين فسوف يبقى نافعاً للاحقين، وفي الوقت نفسه يحكمه التوظيف المسبق للأيديولوجيا، فاليساريون يرون في إعادة إحيائه مجابهةً للفكر الأصولي، والقوميون يرغبون من إعادة قراءته ترسيخ شرعيتهم المتهالكة، أمّا الإسلاميون فيجدون في نصوصه أصالتهم التي تثبت أسبقيتهم التاريخية على غيرهم من التيارات الأيديولوجية المتنافسة، إننا نشهد حالةً من الاستخدام المفرط لعصر النهضة "وكلٌّ يجريها لصالح تقوية أسسه الفكرية أو لإيجاد ركيزةٍ من الماضي القريب له، أو من أجل مجابهة تيارٍ آخر موجود في الحياة العربية المعاصرة"[50].
إنّ إخفاق الإصلاح الذي حمله روّاد عصر التنوير والنهضة يقدّم لنا خبرة تاريخية حول علاقة المثقف بالسلطة واختلاف الدور التاريخي فيما بينهما، صحيحٌ أننا اليوم، كما يقول العروي، "نعجب بالموقف الفكري والأخلاقي الذي اتصف به فكر النهضة، إذ اتصف قبل كلّ شيء بحرية الرأي والاختيار والجرأة على الاجتهاد واعتباره واجباً دينياً وطنياً وأخلاقياً"[51]، إلا أنّ ذلك يجب ألا يمنعنا من النظر إلى فكر النهضة نظرة نقدية لا سيّما في رؤيته التبجيلية والتسليمية للغرب، واستثمار في الوقت نفسه الأدوات والمناهج النقدية التي مكنتنا من رؤية ذاتنا والغرب أيضاً بشكلٍ أكثر دقة وعلمية، إنّ مستوى معارفهم وقدرتهم على توظيف تلك المعارف لإصلاح واقعهم يدفعنا للإعجاب بموقفهم الجريء، غير أنه يُلقي علينا واجباً مضاعفاً في تجاوز معارفهم المحدودة والتي تُظهر بشكلٍ واضح أنهم لم يفهموا الحراك الاجتماعي والسياسي للحداثة الأوروبية، إذ اعتبروا أنها مجرد أفكار تُنشر، أو بضاعة قابلة للتصدير، وغاب عن ذهنهم أنّ الحداثة الأوروبية هي أشبه بسيرورة اجتماعية ارتبطت بتحولات عميقة ليس لها نظر في مجتمعاتنا، كما أنهم لم يفهموا أنّ الحداثة ليست ديناً جديداً يُبشّر به وتترجم تعاليمه وتُنشر قواعده باللغة العربية فيصبح العرب حداثيين[52].
إنّ النظر إلى فكر النهضة وفقاً لعلاقته بالسلطة يكشف لنا فشل الرهان التاريخي عليه، فمثقف النهضة كان مُستخدماً من قبل السلطة السياسية من أجل إضفاء طابع تنويري على السلطة في حين بقي محتواها أو مضمونها الفعلي قمعياً لا تنويرياً، لقد عبّر رفاعة الطهطاوي أكثر من مرّة عن إعجابٍ شديد بمحمد علي باشا، فقد وصفه بأنه حاكمٌ "لا تكلُّ همته ولا تفتر عزيمته ولا يرتاح بدنه وعقله، بل دائماً مشغول البال بما يخصّ التحدث والتفكر في التجديدات وحميد المشروعات، ولا يبالي بالمصارف والتكاليف للحرص على تقديم وطنه المنيف وإخراج الرعايا من ورطة التخشن العنيف". والموقف ذاته تبناه مثقفون آخرون مثل علي مبارك الذي رأى أنّ الإصلاح لن يتحقق إلا على أساس "الطاعة التامة لولي الأمر"، وأنّ التحديث لن ينجح إلا بالاعتماد على إرادة الحاكم[53].
لقد كان معظم مثقفي التنوير، إذا صحّ هذا التعبير، يؤمنون بأنّ التحديث لن يتمّ إلا من فوق، وعن طريق السلطة السياسية التي عليها أن تقوم بتنوير المجتمع (الرعايا) وتحديثه من ثقافته (المتخلفة)، وهو ما جعل الكثير منهم يقف إلى جانب السلطة على حساب المجتمع، وجعل مفارقاتٍ غريبة من مثل (المستبد العادل) تظهر إلى الوجود على لسان هؤلاء المثقفين، وفي الوقت نفسه فإنّ رؤيتهم لنموذج التحديث الأوروبي جعلهم أسارى الرؤية الغربية لهذه التجربة، وكأنّ إعادة إنتاجها في البيئة العربية سيتم بمجرد قرار أو إعادة نشر وترجمة ما صدر من مؤلفات الأنوار، فالطهطاوي على سبيل المثال يبدو مأخوذ اللب والجنان بالقانون الفرنسي لدرجة وصفه له بأنه يُعدُّ من جوامع الكلم [وتلك صفة لم تحظ بها سوى أحاديث الرسول الكريم] ويعقّب على ذلك قائلاً: "وذلك من الأدلة الواضحة على وصول العدل عندهم إلى درجةٍ عالية وتقدمهم في الآداب الحضرية"[54]. وهو ما دفع أحد أهم دعاة القومية العربية فيما بعد نجيب عازوري، والذي يعتبر البعض كتابه (يقظة القومية العربية) أول صرخة للوعي القومي وللتنبه للخطر الصهيوني، لقد دعا عازوري نفسه وصراحة إلى إلحاق منطقة المشرق العربي بالمشاريع الفرنسية، إذ يقول: "لا يملك أحدٌ الحق في سنّ حكمنا غير فرنسا، ولن يهتف بحرارة لأيّ دولة غيرها إذا نزلت في البلدان العربية يوم يتقرر تجزئة الإمبراطورية التركية"[55]، كما أنّ إسكندر عمون أحد الذين شاركوا في مؤتمر باريس طالب بوجوب التدخل الأوروبي "إذا ما ساءت إدارتنا"، ويظهر ذلك في خطابه وكأنه حقٌ شرعي لهم يُخطئون إذا لم يفعلوا ذلك[56].
إنّ إشكالية علاقة فكر النهضة بالسلطة السياسية وبتجربة التحديث الأوروبي تدفعنا إلى إعادة النظر كليّاً في فكر النهضة، والنظر إليه ضمن سياقه التاريخي الموضوعي، أو كما يقول العروي مجدداً "أن نميز بين النهضة كمفهوم محدد تاريخياً وجغرافياً والنهضة كمفهوم عام، كمجموعة مقولات مجردة تبرز في فترة معينة من تاريخ بلدٍ ما بهدف الإصلاح وتختفي بعد حين تاركةً وراءها إنتاجاً فكرياً يفيد الأجيال اللاحقة بموقفه المعرفي والأخلاقي أكثر ممّا يفيدها بمضمونه المتأثر بظروف الزمان والمكان"[57].
كما أنّ المسؤولية الأخلاقية المناطة بنا تفرض علينا ألا نحمّل فكر النهضة أكثر ممّا يحتمل، انطلاقاً من معادلة تاريخية أصبحت ثابتة هي اختلاف شرط التطور الاجتماعي والسياسي للتجربة الأوروبية للحداثة عن البيئة العربية والإسلامية التي جرى الرهان على استنباتها فيها، إذ نلحظ مثلاً أنّ فترة التأسيس في الحداثة الغربية قد تواصلت من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر، وضمّت اتجاه الإصلاح الديني والإنسية والأنوار، هذا فضلاً عن الاكتشافات العلمية والاختراعات التكنولوجية التي مثّلت في الغرب ركيزة الفكر الحداثي، بينما كان التطور التاريخي في المجتمع العربي مختلفاً، فاتجاهات الإصلاح الديني والأنوار والنزعة الإنسانية تلقاها متأخراً ودفعة واحدة وذلك من منظور أيديولوجيات القرن التاسع عشر، أمّا الاكتشافات العلمية فكان أثرها ضئيلاً عند العرب لأنهم كانوا يستهلكونها كأدوات ولا يتعاملون معها كإنجازات، ويكثّف محمد الحداد في نهاية مقارنته الشائقة قائلاً: "لا يمكن إيجاد وجه شبه بين حركة الصعود التاريخي للبرجوازية الغربية والتحولات الاجتماعية الجنينية في المجتمعات العربية، لقد كانت الحركة الأولى حركة قوية جارفة ذات نتائج جذرية، بينما كانت الثانية ضعيفة مشتّتة خاضعة للجمود الداخلي والتقلبات الخارجية"[58].
تبدو إذاً المسؤولية التاريخية المناطة بنا اليوم أبعد من أن تكون محض التزام فكري، إنها مسؤولية وتحدٍ تاريخي وحضاري يُعلن قدرتنا على قراءة واقعنا باستقلالية تامة، وفي الوقت نفسه قدرتنا على اجتراح الحلول والمخارج انطلاقاً من لحظة توصيفنا الحاضرة والمستقلّة لذاتنا، بغض النظر عمّا تنبأ به أسلافنا أو ما أبدعه مفكرونا النهضويون. إنّ النهضة الحقيقية تبدأ في اللحظة التي نُعلن فيها نهاية استعادة عصر النهضة، عندها نكون قد استرددنا ذاتنا التي تنوس شرقاً وغرباً، ولم تعرف بوصلتها استقراراً، بالرغم من أنّ اتجاه الشمال واضح وصريح لمن تنكّب عبء المسير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] رفاعة رافع الطهطاوي، الأعمال الكاملة، ج2، السياسة والوطنية والتربية، دراسة وتحقيق محمد عمارة (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1973) ص 11
[2] ألبرت حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة 1798-1939، ترجمة كريم عزقول (بيروت: دار النهار، ط4، 1986) ص 94
[3] رفاعة رافع الطهطاوي، الأعمال الكاملة [م، س]، ص 255
[4] المرجع نفسه، ص 265
[5] المرجع نفسه، ص 256
[6] انظر مثلاً: أحمد فتحي زغلول، سر تقدم الإنكليز، ضمن كتاب (الإصلاح والنهضة)، ج1، إعداد وتقديم محمد كامل الخطيب (دمشق: وزارة الثقافة، 1992) ص295. وأيضاً: شكري زيدان، سر تفوق الغربيين، ضمن كتاب (الشرق والغرب)، ج1، إعداد وتقديم محمد كامل الخطيب، (دمشق: وزارة الثقافة، 1991)، ص 201
[7] رفاعة رافع الطهطاوي، الأعمال الكاملة [م، س]، ص279، وانظر أيضاً: الأعمال الكاملة، ج1، التمدن والحضارة والعمران، دراسة وتحقيق محمد عمارة (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1973).
[8] انظر خطبة تخليص الإبريز إلى تلخيص باريز أو الديوان النفيس بإيوان باريس (مصر: دار التقدم، 1905)، صدر الكتاب عام 1834
[9] ألبرت حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة [م، س]، ص 114
[10] خير الدين التونسي، مقدمة كتاب أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، تحقيق ودراسة د. معن زيادة (بيروت: دار الطليعة، ط1، 1978) ص 105
[11] المرجع نفسه، ص 108
[12] المرجع نفسه، ص 109
[13] جمال الدين الأفغاني، الأعمال الكاملة، ج2، الكتابات السياسية، دراسة وتحقيق محمد عمارة (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1981) ص 62
[14] المرجع نفسه، ص 64
[15] المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[16] المرجع نفسه، ص 38
[17] نقلاً عن: علي المحافظة، الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة 1798-1914 (بيروت: الأهلية للنشر والتوزيع، ط3، 1980)، ص77، والفواصل المنقطة للدلالة على الحذف دون الإخلال بالمضمون وذلك خشية الإطالة.
[18] نقلاً عن: عبد الرحمن الرافعي، جمال الدين الأفغاني باعث نهضة الشرق 1838-1897 ([د، م]: دار الكاتب العربي، [د، ت]) ص 75
[19] المرجع نفسه، ص 64
[20] المرجع نفسه، ص 59
[21] المرجع نفسه، ص 57
[22] المرجع نفسه، ص 59
[23] نقلاً عن: أحمد أمين، زعماء الإصلاح في العصر الحديث (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1948) ص 105
[24] المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[25] ألبرت حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة [م، س]، ص 174
[26] محمد عبده، الإسلام بين العلم والمدنية، تحقيق طاهر الطناحي، كتاب الهلال، سبتمبر/أيلول 1960، ص 201
[27] المرجع نفسه، ص 192
[28] المرجع نفسه، ص 184
[29] مذكرات الإمام محمد عبده، سيرة ذاتية، تحقيق وتعليق طاهر الطناحي، كتاب الهلال، مارس/آذار 1993، ص 26
[30] برهان غليون، الوعي الذاتي (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1992) ص 59
[31] محمد عبده، الأعمال الكاملة، ج3، الإصلاح الفكري والتربوي والإلهيات، تحقيق ودراسة محمد عمارة (بيروت: المؤسسة العربية للدراسة والنشر، ط2، 1980) ص 317
[32] محمد عبده، الأعمال الكاملة، ج2، الكتابات الاجتماعية، تحقيق ودراسة محمد عمارة (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1980).
[33] انظر: د. محمد صالح المراكشي، الأيديولوجية والحداثة عند رواد الفكر السلفي (تونس: دار المعارف، [د، ت]) ص 71
[34] طهاري محمد، مفهوم الإصلاح بين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده (الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، 1984) ص 122
[35] محمد القاضي وعبد الله صولة، الفكر الإصلاحي عند العرب في عصر النهضة [م، س]، ص 125
[36] برهان غليون، الوعي الذاتي [م، س]، ص 50
[37] طهاري محمد، مفهوم الإصلاح بين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده [م، س]، ص 147
[38] شكيب أرسلان، لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟ تقديم محمد رشيد رضا (مصر: مطبعة عيسى البابي الحلبي، ط3، 1358هـ) ولكننا سنعتمد هنا على طبعة أخرى من مراجعة خالد فاروق (القاهرة: دار البشير، [د، ت]) ص 41
[39] المرجع نفسه، ص 75
[40] المرجع نفسه، ص 125
[41] المرجع نفسه، ص 131
[42] المرجع نفسه، الصفحة نفسها، انظر الهامش في أسفل الصفحة.
[43] المرجع نفسه، ص 164
[44] انظر: د. فهمي جدعان، أسس التقدم عند مفكري الإسلام (عمان: دار الشروق، ط3، 1988) ص 269، حيث يقارن بين العروة الوثقى والمنار، ويعتبر أنّ رشيد رضا قد أضاف إلى العروة الوثقى البحث في جزئيات وتفصيل القول في التعاليم الفاسدة والعقائد الزائفة والتربية المفيدة، إلا أنّ رضوان السيد يلحظ بوضوح فترة التحول هذه لدى رشيد رضا عندما يعتبر أنّ رشيد رضا اعتنى بكتاب (الاعتصام) للشاطبي في فترة تحوله نحو السلفية في حين عني شيخه محمد عبده بكتاب الشاطبي (الموافقات) الذي يركز على مقاصد الشريعة، في حين يركز (الاعتصام) على مبحث الهويّة الذاتية والخاصة للمؤمن وضرورة التمايز عن المشركين وأهل الكتاب على حد سواء. انظر: رضوان السيد، سياسات الإسلام المعاصر، مراجعات ومتابعات (بيروت: دار الكتاب العربي، ط1، 1997) ص 42
[45] محمد رشيد رضا، منافع الأوروبيين ومضارهم – الاستبداد، المنار، مجلد 10، جزء4، 11 يونيه (حزيران) 1907، ص283-284، نقلاً عن: مختارات سياسية من مجلة المنار، تقديم ودراسة وجيه كوثراني (بيروت: دار الطليعة، ط1، 1980) ص 97
[46] سلامة موسى، ما هي النهضة (بيروت: مكتبة المعارف، 1974) ص 108
[47] كمال عبد اللطيف، سلامة موسى وإشكالية النهضة (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط1، 1982) ص 227
[48] انظر: د. وجيه كوثراني، مشروعات النهضة العربية بين الأمس واليوم، الطريق، السنة 56، العدد 1، كانون ثاني – شباط/ يناير – فبراير 1997، ص 91
[49] د. وجيه فانوس، مستلزمات النهوض العربي في زمن هجوم العولمة، المعرفة، السنة 42، العدد 478، تموز/ يوليو 2003، ص 144
[50] محمد سيد رصاص، عصر النهضة العربية: مراجعة عامة، الاجتهاد، السنة 15، العددان 55-56، صيف وخريف 2002، ص 246
[51] عبد الله العروي، إرث النهضة وأزمة الراهن، ضمن كتاب (عصر النهضة: مقدمات ليبرالية للحداثة)، [م، س]، ص 281
[52] محمد الحداد، نحو تأسيس جديد لقضية الحداثة، دراسات عربية، السنة 35، العدد 5/6، آذار/ نيسان – مارس/ابريل 1999، ص 3
[53] نقلاً عن: د. ماهر الشريف، رهانات النهضة في الفكر العربي، [م، س]، ص 78
[54] د. محمد مخزوم، أزمة الفكر ومشكلات السلطة السياسية في المشرق العربي في عصر النهضة (بيروت: معهد الإنماء العربي، ط1، 1986) ص97
[55] المرجع نفسه، ص 108
[56] المرجع نفسه، ص 111
[57] عبد الله العروي، إرث النهضة وأزمة الراهن، ضمن كتاب (عصر النهضة: مقدمات ليبرالية للحداثة)، [م، س]، ص 285
[58] محمد الحداد، نحو تأسيس جديد لقضية الحداثة، [م، س]، ص8، وللمزيد حول ذلك، انظر أيضاً: محمد الحداد، نحو تاريخٍ مُقارنٍ لمفهوم الإصلاح، الاجتهاد، السنة 15، العددان 55-56، صيف وخريف 2002، ص133-149، وأيضاً: د. محمد وقيدي، ود. احميدة النيفر، لماذا أخفقت النهضة العربية؟ (دمشق: دار الفكر، 2002). ولدراسة مقارنة بين تجربة النهضة العربية والنهضة اليابانية، راجع: د. مسعود ضاهر، النهضة العربية والنهضة اليابانية: تشابه المقدمات واختلاف النتائج (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ديسمبر/ كانون الأول 1999، سلسلة عالم المعرفة –252-)، ص ص 128-133 وص ص 288-349