أدب الأطفال بين الواقع والتَّطلُّع

 
باستقراء سريع لواقع أدب الأطفال نلاحظ بسهولة أن ما يقدم إلى الأطفال من أدب، سواء أكان شعراً أم قصصاً أم مسرحيات، يعيش في غربة شبه تامة، فهل ستأتي حقبة من الزمن يغدو فيها أدب الأطفال منعزلاً أو حتى معدوماً فلا نكاد نحس بوجوده ولا نكاد نشعر بأثره؟


تَجاهُل .. !
إن من أكثر ما يعانيه أدب الأطفال أنه لا يلاقي التفاتاً إلى مقوماته الجديدة، فلا يزال المهتمون بشأنه واقفين على أطلال الماضي، ونراهم يتوقفون فقط عند بعض التجارب الأدبية في الغرب وينسون ما أبدعه أصحاب الأقلام العربية من نتاج في هذا المجال سواء منهم من قصروا كتابتهم على أدب الأطفال فقط أو الذين أبدعوا في الكتابة للكبار وكتبوا بجدية وموهبة كبيرة للأطفال، ويبدو ذلك جلياً حين نستعرض الإصدارات الخاصة بأدب الطفل في المؤسسات الثقافية العامة أو دور النشر الخاصة.


مع النقاد ..
وقد وصل الأمر ببعض الدارسين إلى أن يقرروا أنه ما ثم أدب أطفال في العصر الراهن، وقد اكتفى بعض الدارسين الآخرين بالاهتمام بالطفل من ناحية تربوية ونفسية دون أن يواكبوا بالدراسة ما يُنْتَجُ للأطفالِ من أدبٍ متنوع، كما نلاحظ أيضاً مسافة كبيرة بين الطفل وما يقدم إليه من نصوص أدبية وبعداً شاسعاً بين النصوص الأدبية المقدمة للأطفال وبين المثقفين، إضافة إلى قلة الندوات التي تعالج أدب الطفل وتمنحه مقداراً من الاهتمام نقداً ومُتابعةً.


الكَمّ الوفير ..!
أما عن النتاج الأدبي الذي يُقَدَّمُ للأطفال فهو كثير ومتنوع، وتكفي متابعة بعض المجلات المختصة بأدب الأطفال في مختلف أقطار الوطن العربي المطبوعة منها والإلكترونية وما يظهر على الساحة من إصدارات خاصة من دور النشر والمؤسسات الثقافية لنعرف أنه لدينا محصول وفير من أدب الأطفال يحتاج إلى متابعة واهتمام من النقاد من أجل تمحيصه وتقويمه ومحاولة وضع نظرية عامة له.


المضمون .. والنوعيّة ..
وفيما يخص ماهيةَ ما يقدم للأطفال من نتاج أدبي فهو ورغم كل ما يقال من مدح وذم، ورغم وجود عدد كبير من الإصدارات التجارية المحضة التي لا تهتم بالمضمون ولا تعي ما تقدم والتي نستطيع أن نميزها بسهولة.. فهذه تُباعُ عن آخرها في الخليج، وتلك تُروَّجُ بسهولة في مدارس رياض الأطفال، كما نلاحظ في هذه الإصدارات كيف تتدنَّى اللغة وتُحْشَرُ المعلومات من كل حدب وصوب لِتُحمِّلَ الطفلَ الذي يعاني من كثافة المناهج الدراسية وحقيبته المليئة بالكتب تشهد على ذلك لتحمله مزيداً من الأعباء ولتزيد ذائقته التي هشمتها مناهج المدرسة تهشيماً.. رغم كل ذلك هناك إصدارات أدبية متنوعة بين شعر وقصص ومسرحيات يتجلى من خلالها الأدبُ الخالص البعيدُ عن المباشرة والتوجيه الفج.. أدبٌ يستلهم التراث والأصالة ويطرح نفسه ضمن رؤىً جديدة تواكب العصر وتظهر من خلالها تطلعات جديدة وأساليبُ مبتكرةٌ تغني الأدب العربي والثقافة العربية بوجه عام ولا يعوزها إلا أن يتكرم النقاد بالبحث عنها ومحاولة دراستها وتقييمها وبلورتها وأن يكفوا عن دراساتهم المكررة لأسماء قديمة شبعت من النقد والدراسة ولم يعد ينقصها أن يواكبها أحد.


دورنا تجاه أدب الأطفال ..
واجبنا نحو أدب الأطفال أن يأخذ حظه في الظهور للجميع والوصول إليهم، وأن تشرع له منابر النقد والدراسة.. فلا توجد دراسات بالمعنى الحقيقي لأدب الطفل المعاصر، وأن يخصص له اهتمام إعلامي عريض يبرز دوره المهم في رصد وجدان الطفل وتهذيبه وإعداده للحياة في عالم أكثر رحابة وأمناً.
كما ينبغي تشجيع المبدعين الحقيقيين على ممارسة الإبداع الفعَّال في مجال أدب الطفل.


وحبذا لو يلتفت الأدباء الذين يكتبون للأطفال إلى محاولة الاستفادة من التقنيات الأدبية المستخدمة في أدب الكبار وتوظيفها في أدب الطفل؛ وهي كثيرة: اللغة الشاعرية، أسلوب العرض، التكثيف، تداخل الأجناس الأدبية، حداثة الرؤية، الدخول إلى قلب الحدث، الإيقاع الداخلي للكلمات... وغيرها كثير.


إن أدب الأطفال كغيره من أنواع الأدب الأخرى لم ينتج ليكون للتلقي فقط بل من حقه أن يرصد من عيون النقاد، بحيث يدرس دراسة وافية، وتُقيَّمُ فنونُهُ، وتُقوَّمُ عيوبُهُ، ومن واجبنا أن نبتهجَ ونحن نرى لوهلة أن هذا الأدب قد طرأ عليه تطورٌ مزهرٌ من حيث لغتُهُ وأساليبُه وجمالياتُه ومضامينُه.



المصدر: http://www.alukah.net/literature_language/0/2068/#ixzz4OAb1pK9q

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك