القبيلة العربيّة وإشكاليّة الوطن والدولة

فايز الشهري

 

لا شك أن التنظيم القبلي في العالم العربي سبق نظام الدولة العصريّة وحافظ إلى حد ما على المجتمعات الإنسانيّة الصغيرة التي شكلت مسمّى القبيلة. إذاً فالقبيلة هي حالة تاريخيّة عوضت غياب الدولة في مراحل تاريخيّة كانت "القبيلة" فيها مرجعاً وحاجة للتجمعات الإنسانيّة خاصة في مجالات التكافل والحماية والانتماء. ومن قراءة موروثنا وحاضرنا نجد أن القبيلة العربيّة في تاريخها وبنائها تتغذى في طاقتها وحيويتها على الفخر والقوة ومن هنا ظهر شعر النقائض قديماً والشعر النبطي حديثاً الذي يعتمد في أساسه على الفخر القبلي والانتقاص من الخصوم (القبائل الأخرى).

وحين ظهرت الدولة العربيّة العصريّة فيما بعد الحرب الغربيّة الأولى والثانية ونشأت التكوينات السياسيّة الوطنيّة كانت القبيلة حاضرة في دعم هذه التكوينات والالتفاف حولها. وفي معظم الحالات كان الحضور هنا بشروط القبيلة لا باستحقاقات الدولة والوطن الناشئ. وقد أدرك العقل الاستعماري الغربي هذه التناقضات؛ فأرسل كتائب الجواسيس والمستشرقين قبل جيوش الاحتلال لفحص كل حجر وبشر وبحث خصائص كل قبيلة لتوظيف المتعارضات لمصالح النظام الاستعماري الذي هيمن على معظم الدول العربيّة وقتها.

واليوم ها هو التاريخ يستعيد بعض أحداثه بأمثلة تكشف إشكاليّة القبيلة مع الوطن ومفهوم الدولة خاصة بعد فشل المشروع السياسي الوطني العربي وتفتت الدولة العربيّة في ليبيا واليمن وبدرجات متفاوتة في سورية والعراق.

ولو تأملنا ليبيا القذافي مثلاً نجد أن صاحب هرطقات "الجماهيريّة" وحكم الشعب للشعب كان يستند إلى التحالفات مع قبائل كبيرة مثل "الورفلة" "والمقارحة" "والقذاذفة" دون مشروع وطني عصري في "جماهيريته". ولعلّ هذا يفسّر كيف انقسمت القبيلة حول "القذافي" وهو يصارع الطواحين في أيامه الأخيرة، ثمّ كيف تصارعت لما رحل "ملك ملوك أفريقيا". والعجيب في المشهد الليبي أن معظم السكان (98%) سنيّون تابعون للمذهب المالكي ومع ذلك كانت القبيلة أقوى من المذهب وبالطبع متجاوزة للدين الناهي عن الفرقة والاختلاف. وهكذا ظهر المشهد الليبي شائكاً وغريباً إذ لم يستطع برلمان منتخب وجيش وطني أن يتحركا وفق حسابات وطنيّة ودوليّة تخالف صيحات القبيلة التي تنازع السلطة حصتها في المناصب والمكاسب ولديها (مثلها) قواتها المسلحة التي تتحرّك كيفما انفعل شيخ القبيلة.

وفي اليمن يبدو المشهد أكثر تعقيداً إذ لم تكتف القبيلة بطاقتها العصبيّة المحرّكة لها ولأبنائها فانخرطت في الأيدلوجيا ثم في حسابات مذهبيّة لا تنسجم مع روح القبيلة وجوهرها المؤسس على العرق والحميّة. ولهذا تجد أن في اليمن وحدها رموزا قبليّة تتحدّث تارة بنكهات القوميّة أو ضمن نداءات الإسلام السياسي (سني/شيعي) بل إنّ هناك شخصيات قبليّة ارتبطت بمفاهيم البعث وشعارات الاشتراكيّة. وكما فعل "القذافي" تحالف "علي صالح" مع قبائل كبيرة مثل "حاشد وبكيل ومذحج" وغيرهم وأنشأ بدهاء سياسي "مصلحة شؤون القبائل" سنة 1980 لجمع شيوخ ووجهاء القبائل وإعطائهم دوراً سياسياً وبالطبع المكافآت الماليّة.

في العراق وسورية على الرغم من تجذّر المجتمع المدني إلا أن فشل الدولة والصراعات المذهبيّة والعرقيّة سرعان ما بعثت روح القبيلة التي لم تجد وقت المحنة بدّا من غض النظر عن تحركات تنظيمات التطرف فسهّلت ودعمت لا حباً في العنف وإنّما انتقاماً وبحثاً عن كيان في عالم ما بعد "الربيع" العربي.

قال ومضى:

في لبنان وفي سورية وفي العراق واليمن يقتل العربي بتمائم العجم بلا ثمن.

المصدر: http://www.alriyadh.com/1542809

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك