هل يستحق المعلم كل هذا الظلم؟
فاضل العماني
تُقاس المجتمعات والشعوب والأمم بما تحمله من تقدير واحترام وفخر لمنجزيها ومبدعيها ومُلهميها، خاصة تلك النماذج الرائعة التي تُسهم في تنميتها وتطورها وازدهارها، كالمخترعين والمبتكرين والمفكرين والمثقفين والفنانين والتقنيين والمهنيين والحرفيين، ولكن فخرها يبلغ ذروته القصوى حينما يتعلق الأمر بالمعلمين، لأنها ــ أي تلك المجتمعات والشعوب والأمم ــ تُدرك جيداً قيمة التعليم كرافعة حقيقية للتقدم والتطور والنماء، والذي يُمثل المعلم فيه حجر الزاوية كأحد أهم مضلعات التعليم الرئيسية وهي الطالب والمنهج والمعلم والإدارة والتقويم والمبنى المدرسي والمنزل والمجتمع.
صادف قبل ثلاثة أيام وتحديداً في الخامس من أكتوبر مرور اليوم العالمي للمعلم والذي يحتفل به العالم بأسره تكريماً للمعلم كأحد أهم صنّاع الحضارة البشرية والتي تتمثل في صناعة الإنسان نفسه وهي الوظيفية الأساسية للمعلم.
ويُعد الخامس من أكتوبر من كل عام فرصة رائعة تُمارسها المجتمعات المتحضرة والأمم المتقدمة لإحياء ذكرى هذه المناسبة المهمة والتي بدأ الاحتفال الفعلي بها في عام ١٩٩٥ وذلك من أجل الحصول على تعليم جيد يُسهم في إحداث نقلة شاملة ومستدامة في مسيرة الأمم والشعوب والمجتمعات، لأنه ــ التعليم ــ هو المكتسب الحقيقي الذي يملك القدرة على إنجاز ذلك، وهذا لن يكون إلا بوجود معلم يتمتع بقدر هائل من الكفاءة والتأهيل والإخلاص.
ويُعتبر المعلم الذي "كاد أن يكون رسولا" أحد أهم المرتكزات الأساسية لنجاح العملية التعليمية وصاحب أقدم وأشرف "مهنة" على مر العصور لأنها مهنة الرسل والأنبياء والمصلحين.
ولكن السؤال الملح الذي يُطرح ما بين الحين والآخر: لماذا تراجع دور وتأثير وقيمة المعلم في وطننا؟. أعرف انه سؤال معقد وشائك، ولا يمكن الإجابة عليه في مقال محدود كهذا، ولكنني سأضع عدة نقاط قد تُجيب على هذا السؤال، خاصة وأنا أعمل في حقل التعليم منذ سنوات طويلة.
المعلم هو "الرسول" الذي يُبشّر بالعلوم والمعارف والثقافات والآداب والفنون والخبرات والتجارب وينقلها من جيل لآخر، يتعرض للأسف الشديد لحزمة كبيرة من الصعوبات والضغوطات والتحديات منعته من ممارسة دوره التثقيفي والتنويري بالشكل الذي يؤسس لصنع جيل متسلح بالخلق والعلم والخبرة.
للأسف الشديد، شوّهت صورة المعلم ووضعت في قالب كاريكاتوري مُهين جعل منه مادة دسمة لإثارة الضحك والاستهزاء والسخرية، خاصة في وسائل الإعلام المختلفة، إذ لا يمر يوم إلا وتنتشر الأخبار والصور والمقاطع التي تُسيء للمعلم. كما أن الجامعات والكليات وهي المحاضن التي "تُفرخ" الآلاف من المعلمين والمعلمات في كل عام، لا تملك القدرات والإمكانيات والتجهيزات التي تؤسس لمعلم عصري قادر على ممارسة دوره الكامل بشكل احترافي ومهني معتمداً على أدوات وآليات وتقنيات التعليم الحديث. أيضاً، لابد من تحرير وظيفة المعلم من كل أشكال البيروقراطية المهنية والإدارية لتُحقق أهدافها الكبرى وفي مقدمتها صنع الشخصية المتكاملة لأطفالنا وشبابنا الذين يُمثلون أغلبية الوطن. كذلك، فإن التعليم مهنة ديناميكية ومتطورة بشكل متسارع ومتجدد لذا لابد من تأهيل وتدريب وصقل المعلم بشكل مستمر ليستطيع مواكبة كل مظاهر ومستجدات ووسائل التعليم الحديث، بعيداً عن كل تلك الاجتهادات والممارسات والاختراقات المريبة. كما آن الأوان لأن تتحول مدارسنا من مجرد غرف دراسية تقليدية إلى قاعات ومختبرات ومعامل مجهزة بمختلف وسائل وأساليب التقنية الحديثة التي تُستخدم في الدول المتقدمة في مجال التعليم، وذلك للحصول على تعليم حقيقي وفق أعلى المستويات والمعايير والمقاييس ليُثبّت بوصلتنا وطموحاتنا وتطلعاتنا باتجاه التقدم والتطور والازدهار.
كثيرة وكبيرة هي التحديات التي تواجه المعلم في وطننا، ولم أجد أفضل/أقسى من هذه القصة الحقيقية التي تواجه معلمة شابة لأختم بها هذا المقال.
تستيقظ ــ هذا إذا نامت أصلاً ــ وحيدة وهو اسم مستعار، قبل الفجر بساعتين لتنتظر بمفردها في عتمة الليل سائقاً أجنبياً يغوص بها في صحراء قاحلة لمدة ثلاث ساعات وفي طريق وعر ومخيف يُخفي الضباب كل معالمه لتصل لبيت متهالك ثُبّتت في أعلى بابه الحديدي المهترئ لوحة خشبية كُتب عليها: مدرسة .... الابتدائية للبنات. مدرسة خالية من كل مقومات الحياة، فضلاً عن مصادر ووسائل التعليم. حجرات بائسة تسكنها الشقوق والتصدعات. دورات مياه ضلّت طريقها لأدنى معايير النظافة والصحة. غرفة معلمات تنتشر البقع في جدرانها وعلى أرضيتها فهي قد كانت مطبخاً متواضعاً لأسرة فقيرة. مقصف بائس عبارة عن ثقب في جدار يطل منه الحزن. تعود وحيدة باكية على حالها إلى غرفتها التي لا تكاد تُفارقها في تلك البقعة الساكنة هامش النسيان.
وحيدة، هذه المعلمة الشابة التي فقدت ثقتها وشخصيتها والكثير من تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، مطالبة بأن تُمارس مهنة الرسل والأنبياء والمصلحين!.
التعليقات:
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الرياض" الإلكتروني ولا تتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك، ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر.
عدد التعليقات : 7
أتمنى أيها الفاضل ، ان تمنحني من وقتك الشي القليل ، وابداً لم اخرج عن سياق المضمون ، الا انني هنا أورد امثله ومن ثم اعود لأقول خُلاصة الامثله المطروحة . . أستاذ فاضل ، نحن مجتمع هو تماماً مثلهُ كأي مجتمع في المعمورة ، وأدرك بان هذا ليس بجديد ، وابداً لا تقبل بتاتا مقولة نحن مجتمع لنا خصوصية ، بل نحن عايشنا ظروف اجتماعية معينه ودامت تلك الظروف وقتاً ليس بالقليل ، والنتيجة بأننا ونحن لم نخرج بعد وبشكل كلي عن اجواء تلك الظروف والتي مررنا بها وتجاوزنا المنتصف وفي نهاية الطريق ، الحاصل بأننا نحن جميعنا ، او كما المتبع لا أعمم ، وإنما دعني أقول أكثرنا ، هو شخصية يقلب عليها طابع الجدية والرغبة المدفونة لمعاندة تلك الحقبة التي مررنا بها ، ونعم ادرك انت حول التعليم ، ولكن استميحك لأقول تمعن من حولك كيف هي حدة انتقادهم لمثال ، ساهر ، اقلب الموجة وحدثهم عن نسبة الحوادث بالمملكة ، ستجد الجميع ضد السرعة بل ودعاة لإيجاد حلول للحد منها ، نعم ليس لك الا ان تصمت ، ولكن عليك ركن موضوع ساهر وحين قلبنا الموجة جانباً ، واستعدهما وانت مسافر ، لا حظ الطريق اثناء سفرك بطبيعة الحال هم ليسو المسافرين ولكن هم
المجتمع نفسه . . بودّي اختصر لعلني أصل لمرادي ، إِنَّهُ ممكن ان تجد بيننا من يسافر وبجانبه اخر وتجدهما يُناقشان السرعة ، وهم المتناقشون " طاقين الميتين " وهما نعم ليس ممن دار بينك وهم حديث حول ساهر وحين تم قلب الموجة ، ولكنهم من النسيج الاجتماعي نفسه ، يلعنون ساهر ، ويدركون خطر السرعة " عرفت اشلون " من اتجاه اخر ، كاتب ينتقد شباب ضايقو بنات ، وبعد ان يهدى عاطفيا ، تجده وبتعبير سلس وكلمات رنانه يرى بان سياقة المرأة باتت ظرورة وانهُ أفضل " انظر أفضل من ماذا " أفضل مما تختلي بالسائق الأجنبي ! ، هو قال ظرورة اتفقنا ، وبكل ضعافة وبساطة ، سلك سياق من خلاله يستثير ماذا " العاطفة " ، العاطفة تلعب دوراً بليغ في شتى فئات المجتمع مثقف ومتعلم وغير متعلم ، مرحلة نشرة الصيدليات المناوبة ، جعلتنا نفهم بانهُ من الحرية انه ممنوع وليس من حق الجهة المعنية مطاردة شخص يهرب مخدرات ، والصحيح ليس من حق دورية المرور ملاحقة شاب يافع قام بالتفحيط ، هناك أمرين مختلفين ومخالفتين شتان مابينهم ، خلك معي ، وقلنا شتان ، أصبحت الجهات تخشى الجمهور ولم تعد تعرف مالها وماعليها ، باتت هناك مفاهيم بداً من الصيدليات
وحتى مرحلة سن نظام بانه مابعد الثانية عشر ليلا ، يُمنع زبائن الصيدليات من الدخول ، ولكنهم يحدثون الصيدلي ويقولون السلام عليكم ، ويطلبون مايريدون ويناولون الصيدلي فئة الخمسمائة ريال وياتي بالباقي ، وهل اوضاع حين كان التلفزيون يقول ووووش عند ١٢ والنصف ليلاً وبين وانت بالريموت من عقب العشاء ولين قبيل الفجر وانت ما بعد وصلت نصف القنوات . . والآن ندخل بموضًوع المعلم والذي كاد ان يكون رسولا ، والذي اعتاد وهو يشرح الدرس للطلاب ، يطق الباب رويشد مبتسماً ويناول المعلم تعميماً صادر من الوزارة ، ورويشد شين وقوي عين اذ تعاميم الوزارة يوسع الابتسامة وتطول مدتها أيضاً ، وبعد ان يقراء المعلم يقلب الورقة ويوقع ، ومع زحمة الوجوه والذهاب والاياب ، ويطرق رويشداً الباب ومعه تعميم ولكنه يدرك بانه من إدارة التعليم هذه المرة ، وبه إشارة للمعلم وانه عليه التوجة لإدارة التعليم ، قسم شؤون المعلمين ، وينعفس المعلم فوق تحت ، حتى ان الصغار ينتابهم شي من الريبه ما دهى معلمنا ، ماذا ناوله المراسل رويشداً ، وما يدوي صوت الجرس الا وينطلق المعلم الي سيارته ، ويهيجن ياساهر ماعلي منك لو صورت ، ابحط رجلي الخ
هو وقع خلف ورقة التعميم ، واتى من بعد التعميم الف تعميم ، وايها الفاضل ، المجتمع لم يكون سبب النظرة الدونية للمعلم وما يحصل من إساءة ، وإنما كيف بربك تطمح بان يكون معلماً ناجح بكل المقاييس ، ومعلم هو ينتج ويخرج اجيال ناجحة ويفخر بها المجتمع ، وهو يعيش يومه غير أمن ، اذ ترتكز حياته العملية على مجرد تعاميم ، وليس على نظام أساسي والذي الان يتركز على الجانب المادي ، وغير ذالك هي تعاميم اجتهادية مابين الوزارة وأفرعها المتمثّلة في إدارة التعليم ، يُقال يجب ان يُحترم المعلم ، ويتهزى به احد الطلاب ويخرجه عن طوره ، وربما لمس كتفه ، وتستنفر إدارة التعليم بكامل أطقمها ويحضر مندوباً من الوزارة ، ويتم التداول بأمهات الصحف ، ويصبح المعلم حكاية شتى أطقم التعليم ولمدة ثلاث سنوات غير محسوبة مع العطل ، ويُنْقَل لمدينة اخرى وحين يذهب لتسليم أوراقه ، يتم تعينه في قرية في اخر الحدود الإدارية ، ولم تشفع له خدمته ، وحين يسترحم ، يرد عليه المدير كان مفترض ان تخجلنا أيها المعلم ، يامن حاولت ان تهز كتف الطالب ، تعليم يحكمه مقاطع الفيديو والتعاميم ، لن ينتج معلماً يكاد ان يكون رسولا
يا عزيزي ، يحتاج التعليم برمته الي نُظم ابتداء من الحظور صباحاً ، مروراً بانه يعرف ماله وما عليه ، ان يكون هناك قانون يعرف أين يتم تعينه ومتى يحق له ان يطالب في نقله الي حيث رغبته ، أصبحت الرغبة وكأنها حق شرعي للمعلم ، وأصبح المعلم حائراً امام طالب قليل أدب ، والي مدير مدرسة استحق ان يكون مدير كونه صاحب خدمة ، وغير ذالك الثوب صفطه على الذراع ، والفنيلة علاقي مشخل ، والعقال اول دفعه مرعز دخلت للمملكة ، الفيتة يسميهم وغدان ، وَيَا انت ياهنوه ، حين يرى مدير التعليم قادما لمدرسته ، وهو ب الامس يشكو ركبتيه ، يصبح يتطمر الامتار " تقول يتنقز على سبرنق " يطبع القبلات على أنف وهامة راس سعادة المدير ، ويحصل على تمديد سنتين بالراحة ، وعموماً حين يكون هناك تنظيم من الي ، حينها سيكون المعلم السعودي يكاد ان يكون رسولا ، وأقدرهم ولا أقول عنهم الا كل خير ، الا ان غياب الأنظمة هو أنتج معلماً يعيش يومه في حيره ، تحكمه التعاميم تلك الذي ينقض بعضها بعضها ، وهل نحن عاجزون عن إصدار قانون ونظام يخص المعلم من والي ، يحفظ حقوقه ويعرف مادوره وما له وما عليه
1
متعب الزبيلي
أكتوبر 9, 2016, 3:47 ص
اتفق معك ياعزيزي وعلى مضض سأختلف معك ، وأتمنى التقبل بسعة صدر ، واختلافي حول التشبيه والذي قارنت مابين الرسل والذي يعلمون الناس ثوابت وقيم ويختصمون في تعليم ما ارسلو به من الله عزوجل ، فدعنا نتوقف عند نقطة نوعية التعليم ، اذ الرسل يعلمون الناس روحياً ، يعلمون الناس مااوحيي اليهم من ملك الملوك ، بينما المعلم وهو لا استنقص مما يقدمة ، الا انه يتوقف عند قبل مرحلة التشبيه ، فهو كاد ان يكون ، ولكن التشبيه المباشر أجدني لا اتفق معك ، وسأشارك في التناول حول المعلم انشاء الله تعالى