الغِنَى والغناء
عبدالعزيز المحمد الذكير
عندنا في الشرق، يقف الناس حائرين بأيّ عين ينظرون إلى الفنان.. الرسام.. الشاعر.. المؤلّف.
بعين الثروة والمال والغنى, أم بعين "الغناء"؟
أعظم الإنجازات الكبرى جاء بها أناس لا يعيرون للنقود أيّ التفاتة.
باستور، إيديسون، شكسبير، واغنر، رامبرانت.
لكن قولوا لي: من هو الذي يعرف عن.. أو حتى أسماء الأثرياء في العالم. من أراد أن يُخلّد اسمه فليترك مسألة الكسب جانبا. سمعتُ أن بعض الأثرياء يشتري صفحات في دوريات كبار أهل المال.
وزمن الوفرة المالية أو الطفرة عندنا وجدنا إعلانات تُرافقنا في كل قراءاتنا عن مساهمات ترأس مجلس إدارتها "فنانون". المساهمات عقارية، فيها دقة متناهية لتقسيم الشوارع والمرافق، وفيها معادلات دقيقة لحاصل ضرب الحصّة في عدد السنين، وفيها من غرائب الإستنتاجات الكثير.
لا يعرف أحدهم لمَ حدد ذلك الموعد مع الزبون، وهل هو مسوّق مسلسلات تلفزيونية وله ضلع في دوائر الشراء، أم أنه مسّاح بلدية! جاء يعرض خدماته.
أتفق مع من يعتقد أن تلك المرحلة كانت بداية عصر انحطاط فني تعدى الفم واستقر بالحنجرة وأصاب جهازنا المعرفي بالتلبّخ.. والاضطراب.
الطفرة كانت في مساهمات الأراضي، أو هكذا سمعنا. لكننا وجدنا أثرياء في مهام تسويق الأفلام ألـ(..).
يُفترض في الطفرة أن توصلنا أو تقربنا من النموذج الإغريقي.. ونظرته إلى الفن، أو الحالة المعرفية الفنية والأدبية في أوروبا.. وكنا قبل الطفرة وبعدها نتطلع إلى أن تأخذ على عاتقها التخطيط للنهوض بالفنون الخاصة والتوسّع الثقافي لإبراز المهارات الفردية والخاصة. فمادام ذلك الـ "فنان" يحمل في عروقه دم الفن فلماذا انساق إلى المال والأرصدة والبحث عن كلمات شاعر كبير؟
لقد أغرت النقود بارونات الإنتاج في العالم العربي إلى إغراقنا بكل ما هو سخيف. أو أنها أعطت أسماءها ونجوميتها لأناس لا يفهمون من رسالة الفن شيئا.
من أين للفنان الوقت لمتابعة مشاريعه غير الفنية؟
لا يحتاج إلى الوقت، فاللمعان يكفي!
قال الجواهري في إحدى قصائده في ذكرى المعرّي:
وإنّ للعبقريّ الفذ واحدة
إما الخلود وإما المال والنشبا
وقال نزار:
هل إذا مات شاعرٌ عربيُّ
يجد اليوم من يُصلّي عليهِ
المصدر: http://www.alriyadh.com/1536049