مراكز الفهم والحوار الحضاري

مراكز الفهم والحوار الحضاري

هشام محمد سعيد قربان

إن من الحقائق المسلم بها أن لكل حقبة زمنية تحدياتها واهتماماتها الخاصة التي تشكل وتؤثر على الأبحاث العلمية وتنعكس في لغة الحوار، ومن المصطلحات الحديثة التي تتردد على السنة وأقلام الباحثين في المنتديات العلمية وتهدف إلى مد الجسور الحضارية اللازمة للتواصل الفاعل بين شعوب الأرض مصطلح «حوار الحضارات».

إن حوار الحضارات لا يعني الصياغة الجبرية للحضارات المختلفة في قالب موحد يختاره ويدعو إليه من ينظر إلى أمم الأرض نظرة الوصي على القاصر والجاهل، وهذا الحوار في الوقت ذاته لا يعني التخلي عن الثوابت العقدية والقيم الأخلاقية، إنه حوار يحترم خصوصيات الشعوب الإنسانية وإرثها الثقافي والحضاري، ويهدف حوار الحضارات إلى التعرف على نقاط التلاقي والقيم المشتركة لتحقيق مصالح إنسانية عامة والتصدي لتحديات مشتركة.

إن من القضايا التي يغفل عنها البعض حين الحديث عن حوار الحضارات قضية الفهم كأساس ضروري للحوار، فلا يعقل أن يكون هنالك حوار ذو معنى وفائدة بين أطراف لا يفهم بعضها الآخر، فلا بد من الفهم قبل الحوار، والفهم لا يعني القبول بكل آراء الآخر ومسلماته، إنما هو طريق لمعرفة الطريقة التي يفكر بها الآخر وخلفيته التاريخية وروافده الأخلاقية والسياسية.

ومن البدهي في سياق الحديث عن الفهم كأساس للحوار تصفيته من المغالطات التاريخية والإعلامية التي تشوه صور الشعوب وتعيق الحوار الفاعل.لذا كان لا بد من ترجمة الفهم في صور منهجية منظمة وطويلة المدى. ومن الوسائل المنهجية في هذا المجال إنشاء مراكز بحثية متخصصة هدفها التعريف بالحضارات الأخرى، وإمدادها بما تحتاج إليه من موارد مالية وطاقات بشرية وخبرات إدارية.

ولا يخفى على كل ذي بصيرة وتجربة التناسب الطردي بين جودة إنجازات وثمرات هذه المراكز وحجم موازناتها المالية المقترنة بأساليب إدارية حديثة وحكيمة. ولا بد من إحداث قفزات نوعية في أسلوب البحث في هذه المراكز، فلا يقتصر على الأسلوب القديم قليل الفاعلية في دراسة الحضارات وفهمها عن بعد.

إن فهم الحضارات الأخرى من داخلها أسلوب علمي لا غنى عنه، ويترجم هذا في الحضور المستمر والمكثف للمؤتمرات واللقاءات العالمية المتخصصة لبناء وتوطيد العلاقات بين الباحثين والاطلاع عن كثب على أحدث الدراسات والبحوث.

ولأن البناء في عمومه صعب وأبطأ من الهدم فإن على مراكز الفهم الحضاري إعداد خطط عمل طويلة المدى وواضحة المراحل والأهداف لا تتأثر بالأحداث والتغييرات المؤقتة ولا تتعجل قطف الثمار قبل نضوجها.

ومما يعين على التمهيد لعمل هذه المراكز وبناء أرضية خصبة للحوار البحث لدى الطرف المراد فهمه عن المفكرين والباحثين المتميزين الذين تتسم أبحاثهم بالمنهجية والاعتدال والإنصاف ودعوتهم إلى زيارة «مراكز الفهم الحضاري» في بلداننا الإسلامية. ومشاركتهم في بحوث عالمية مختارة، ومن الحضارات أو الثقافات أو البلدان التي ينبغي علينا فهمها والتحاور معها: اليابان، الكوريتان، الصين، ماليزيا، أمريكا الشمالية واللاتينية وأوروبا وإفريقيا.

إن للحوار المنهجي بين الحضارات على أساس متين من الفهم المشترك ثمرات عديدة سوف تجنيها الدول الإسلامية، ولعل الثمرة الأولى هي القدرة على الحوار الفاعل لوجود الفهم، ومن الثمرات الأخرى بناء تحالفات ثقافية وعلمية مع حضاراتهم يجمعنا معها الرغبة الصادقة في الفهم والحوار الحضاري، ولعل بعض هذه التحالفات تكون أساسًا متينًا لتحالفات اقتصادية وسياسية من نوع جديد، ويفتح هذا الحوار المنهجي فرصًا لا حصر لها من العمل المشترك والفائدة المتبادلة والمحالفات الثقافية التي نرجو أن تنافس المحالفات الأخرى وتؤثر على ميزان القوى العالمية.

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/22778/#ixzz1Th2rbQY5

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك